Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

مازالت لدي شكوك لذلك لا يمكن أن أكون مسيحياً – لي ستروبل

مازالت لدي شكوك لذلك لا يمكن أن أكون مسيحياً – لي ستروبل

مازالت لدي شكوك لذلك لا يمكن أن أكون مسيحياً – لي ستروبل

في أعمق أفكارهم الداخلية، حتى أكثر المسيحيين المكرسين يعرفون أن هناك شيئاً غير منطقي حول الإيمان. فوراء اعترافهم بالإيمان هناك عملاق شك نائم … وفي اختباري، أفضل طريقة لقهر الشك هو الاستسلام له.

دان باركر — قس تحوّل إلى ملحد(١)

أولئك الذين يعتقدون أنهم يؤمنون بالله ولكن بدون حرارة في القلب، وبدون كرب للذهن، وبدون عدم يقين، وبدون شك، وحتى في أوقات عدم اليأس، يؤمنون فقط بفكرة الله، ولا يؤمنون بالله نفسه. مادلين لينجل — مسيحية(٢)

كان المحامي يحمل فكرة لي، وقال لي إنها قصة إنسانية مشوقة.

إنها حكاية عضو عصابة تم إصلاحه. قصة مثيرة حول إرهابي شوارع سابق وجد الدين فاستقام طريقه. وعدني قائلاً إنها ستكون دافئة القلب. قراءة جيدة ليوم الأحد.

أدرتُ عيناي؛ فقد بدت القصة عذبة للغاية بالنسبة لي. كنتُ في سيارة الشرطة بحثاً عن شيء مثير، شيء شجاع، شيء يستقر بي على الصفحة الرئيسية لتريبيون الأسبوعية. لم أكن مهتماً بحكاية ساذجة عن طريد ضعيف مولود من جديد.

لكن نهاية الأسبوع كانت تقترب بسرعة، ومفاتيح القصة التي كنتُ أتعقبها قادتني إلى لا شيء عدا الممرات المظلمة. لذلك كتبتُ فكرة المحامي. وفكرتُ قائلاً: من يدري؛ فربما أكشف هذه القصة الزائفة لهذا الرجل المحتال، وأحصل على المقال الذي كنتُ أسعى إليه.

رفعتُ سماعة التليفون، وبدأتُ الاتصال بمصادر الشرطة. هل سمع أحدكم عن شخصية رون بر ونسكي هذا؟ بالطبع بما فيه الكفاية؛ فقد كان من اتصلتُ بهم في وحدة جرائم العصابات يعرفونه جيداً. لقد كان المسؤول الثاني القاسي في عصابة بليرز belaires – وهي عصابة أرعبت أجزاء من شمال شيكاغو. كان خطيراً وعنيفاً كما قالوا. وكان له مزاجاً فورياً لإطلاق النار، وشهية للمخدرات الغير شرعية، وسجلاً موسوعياً من حالات القبض عليه.

قال متحري: «هذا الشخص مريضٌ عقلياً. وسخط آخر لسماع اسمه وطرده بكلمة واحدةً: «نفاية».

أخبروني أنه كان هناك تفويض للقبض عليه بتهمة الضرب المتفاقم وإطلاق النار على عضو عصابة منافسة على ظهره. كتبتُ بسرعة كلمة «جبان» في مذكرتي.

قال لي شرطي سري: «لم نره لفترة طويلة. ونعتقد أنه هرب من المدينة. والحق يقال إننا لا يهمنا أين هو طالما أنه بعيد عنا.»

ثم اتصلت ببعض قادة الكنيسة في بورتلاند، وأوريجون، حيث قال لي المحامي إن بر ونسكي كان يعيش العامين الأخيرين هناك. بينما كان بر ونسكي يعمل في محل معادن، قابل بعض المسيحيين، وترك افتراضاً حياة الجريمة، وتزوج صديقته الحميمة، وأصبح تابعاً مكرساً ليسوع.

قال لي قسيسه: «رون واحد من أجمل وأحب الناس الذين أعرفهم. فهو مكرسٌ تماماً للمسيح. ونحن نصلي معاً مرات كثيرة في الأسبوع. وهو يفعل دائماً أشياء مثل زيارة المرضى، والصلاة معهم، واستخدام معرفته الشعبية لتبشير الأطفال المضطرين. أعتقد أن الناس سيدعونه «المُغرم بيسوع».

قال إن بر ونسكي قد تصالح مع الله ولكن ليس مع المجتمع. وقال: «لقد عرف أنه مازال هناك تصريح بالقبض عليه، لذلك حفظ أمواله واستقل القطار إلى شيكاغو لكي يُسلَّم نفسه.»

لقد أثار هذا فضولي. فجريمة الاعتداء المتفاقم يمكن أن تؤدي إلى عشرين عاماً في السجن. قررتُ الانتقال للخطوة القادمة في بحثي بلقاء بر ونسكي بمجرد أن يرتب محاميه ميعاداً.

في تلك الليلة كنتُ جالساً على مائدة الطعام، أفكرُ ملياً في الصور المتصارعة التي رسمها بولس والقس لشخصية بر ونسكي. وعلَّقت لليزلي بينما وقفتَّ بجوار الفرن تجهز شاي المساء: «الأمر يبدو كتغيير إعجازي.»

فتساءلتْ: «يبدو؟»

فقلت: «نعم. عندما أفتشُ بشكل أعمق، سأكتشفُ احتياله.»

استرختْ ليزلي في الكرسي أمامي، وارتشفتْ الشاي وتساءلتًّ: «الشرطة لم تكن تبحث عنه، لكنه سلّم نفسه على أي حال. فماذا دفعه لذلك؟»

فقلتُ: «هذا ما سأكتشفه. من المحتمل أنه يدّعي الإصلاح حتى يحصل على عقوبةٍ أخف. أو أن محاميه يحاول عقد صفقة مع المدَّعي. أو أنه يعرف كل الشهود قد ماتوا ولا يمكنهم إدانته على أي حال. أو أنه يرجو الحصول على شعبية إيجابية للتأثير على القاضي. أو أنه يقيم دفاعاً مجنوناً …»

واصلتُ كلامي، وأصبحتْ فرضياتي أكثر وأكثر غرابةً بينما تأملتُ في السبب الحقيقي وراء تسليم نفسه. فكرتُ في كل احتمالٍ بعيد — ماعدا أن حياته قد تغيرت بالحقيقة، وأنه قرر أن يقوم بالشيء الصحيح بمواجهة عواقب جريمته.

وأخيراً رفعت ليزلي يداها قائلة: «مهلاً، مهلاً، هذه نظريات غريبة تماماً. وضعت كوبها ونظرت إلىَّ قائلةً بصوتٍ حاد: «هل تحاول وضع ثقوبً في قضيته لأنك تعتقد حقاً أنه رجل ثقة؟ أم أنك تُثير الاعتراضات لأنك لا تحب أن تكون قصته حقيقية؟»

فاتخذتُ موقف الدفاع وقلتُ: «هيه، إن دوري هو أن أكون متشككاً.»

لكنها انفعلتْ. ولكي أكون أميناً، لم أرد أن أؤمن أن المسيحية يمكنها أن تُحوّل جذرياً شخصية إنسان وقيمه. كان من الأسهل بكثير إثارة شكوك واختلاق اعتراضات جسيمة من التفكير أن الله يمكنه حقاً أن يُطلق متحولاً ثورياً في حياة فاسدة منحطة مثل هذه.

اختراق الستار الدخاني

كما اتضح، فإن رون برونسكي اجتاز محاولاتي الساخرة لتشويه قصته. كان رجال الشرطة الأذكياء بأحوال الشارع مقتنعين تماماً أن التغييرات التي حدثت في حياته تغييرات حقيقية. وهكذا كان المُدّعي. فبعد سماع الدليل، وافق القاضي، وبدلاً من الحكم عليه بالسجن، أطلق سراحه بكفالة. وقال لبرونسكي المندهش والممتن: «عُدْ إلى بيتك، وكن مع أسرتك.»

واليوم، بعد أكثر من 20 عاماً، مازال برونسكي خادماً لأطفال الشوارع في مدينة بورتلاند الداخلية، ومازال صديقًً حميمً لي. (٣)

كان اتجاهي المبدئي تجاه برونسكي تذكاراً بالشكوك التي أثرتها كمتشكك روحي. في البداية كانت لديَّ اعتراضات قلبية هامة بالنسبة للإيمان المسيحي. ولكن بمرور الوقت، بعد أن بدأتُ العثور على إجابات كافية لهذه الموضوعات، بدأتُ في عرض تحديات جديدة وأكثر هامشية بشكلٍ متصاعد.

وذات يوم، تذكرتُ تعليق ليزلي عن برونسكي، وتخيلتُ كيف ستواجهني من جديد بكلماتٍ مشابهة: «لي Lee، هل تحاول أن تضع تُجادل المسيحية لأنك تعتقد حقاً أنها وهماً -أم أنك تثير الاعتراضات لأنك لا تريد أن تكون حقيقية؟»

بصراحة، كان لديّ الكثير من الدافع لمغالطة المسيحية عندما كنت ملحداً. عرفتُ أن إسرافي في الشراب، وأسلوب حياتي الأناني اللاأخلاقي سيتغير أن أصبحتُ تابعاً ليسوع، ولم أكن متأكداً أنني أردتُ الاستغناء عن ذلك. في النهاية، كان هذا هو كل ما عرفته. ومن ثم، بدلاً من محاولة العثور على الحق، وجدتُ نفسي أحاول صدّ الحق بشكوكٍ مزيفة وباعتراضات مختلفة.

لستُ أعتقد أنني وحدي في هذا المجال؛ فالكثير من الباحثين الروحيين لديهم أسئلة شرعية بخصوص المسيحية، وهم بحاجة لتتبع الإجابات التي تُرضي قلوبهم ونفوسهم. ومع ذلك فإنني أعتقد أن بعض الباحثين يصلون للنقطة التي فيها يُصعدون دون وعيٍ ستارات دخانية لإخفاء دوافعهم الراسخة لرفض الإيمان.

ونفس الشيء ينطبق على المسيحيين الذين يسقطون فرائس للشكوك حول معتقداتهم فغالباً يتعرضون لنوبة من الشكوك حول بعض ملامح إيمانهم. ومع ذلك، في أحيان أخرى، فإن شكوكهم المعترف بها يمكن حقاً أن تكون ميكانزيم دفاعي مصقول. من الممكن أن يعتقدوا أنهم مُعلقون بسبب اعتراض ما حول جزء من المسيحية، بينما تكون الحقيقة هي أنهم يبحثون عن مبرر — أي مبرر — ألا يأخذوا يسوع بجدية أكثر.

بالنسبة لكثير من المسيحيين، كان مجرد وجود آية شكوك من أي نوع أمرٌ مروع. فهم يتساءلون ما إذا كانت أسئلتهم لا تؤهلهم ليكونوا تابعين للمسيح. يشعرون بعدم الأمان لأنهم ليسوا متأكدين ما إذا كان مسموحً لهم بالتعبير عن عدم اليقين حول الله، ويسوع، أو الكتاب المقدس. لذلك فهم يحفظون أسئلتهم لأنفسهم — وهي من الداخل غير محلولة — وينمون ويصابون حتى ينجحوا أخيراً في خنق إيمانهم.

كتب أوس جينيس ذات مرة: «ليس العيب أن الناس لديها شكوك، لكن العيب هو أنهم يخجلون منها.» (٤)

في نفس الوقت، هناك مسيحيون كثيرون لديهم منظورً مختلفً تماماً. فهم يؤمنون أن وجود الشكوك دليلاً على غياب الإيمان، بل على العكس، يعتبرون أن الشكوك هي جوهر الإيمان عينه. قال أندريه ريزنر: «الصراع مع الله ليس هو افتقاد الإيمان، لكنه هو الإيمان!» (٥)

هل الباحثون الروحيون عليهم أن يحلوا كل سؤال من أسئلتهم قبل أن يتبعوا يسوع؟ هل يمكن لإنسان أن يكون مسيحياً، ومع ذلك تكون لديه تحفظات أو شكوك؟ ماذا يمكن أن يعمل الناس لو أرادوا الإيمان بالمسيح -كثيراً مثل ما اعترف به تشارلز تمبلتون في لقائي معه -لكنهم يشعرون أن الأسئلة عن المسيحية تعوّق طريقهم؟ هل هناك طريقة لحل الشكوك حين تُثار؟ وهل هناك رجاء لهؤلاء الذين تبدو شخصيتهم الكئيبة وكأنها تسحبهم بلا رحمة نحو الشك في أمور الإيمان؟

لقد تصارع الدارسون مع هذه القضايا لسنوات، لكني لم أرد التكلم مع أستاذ يكون اهتمامه بالشك مجرد اهتمام وقائي وأكاديمي.

أردتُ الحصول على الإجابات من إنسان عرف بنفسه الارتباك، والذنب، وغموض عدم اليقين المؤدي إلى الجنون؛ وهذا ما دفعني إلى دالاس للقاء قائدً مسيحيً أخذته رحلة إيمانه مرات كثيرة في طرق جانبية تعذيبيه في وادي ظل الشك.

 اللقاء الثامن: لين أندرسون  

خارج بيته الكلاسيكي الذي يرجع للعام 1929، المليء بالآلات الكاتبة البدائية، والتليفونات الشمعدانية الطريفة، والتحف الأخرى من تلك الفترة، يعمل لين أندرسون في مكتب مريح فوق مرابه. يتميز مكان عمله بإحساس بسيط؛ حيث الفن الهندي والغربي على الجدران، وآرفف الكتب من الأرضية إلى السطح، وصورة الغرفة التي وُلد فيها في ساسكات كيوان Saskatchewan منذ 63 عاماً. لم تكن هناك كهرباء في البيت الذي تربى فيه، فقط راديو محبوب يعمل بالبطارية أبقي الأسرة على اتصال مع العالم الخارجي.

يتمتع أندرسون بجاذبية إنسانية لراعي البقر تناقض عقليته العميقة وإنجازاته الساحرة. فهو يحمل درجة ماجستير من مدرسة هاردينج الدينية؛ وشهادة دكتوراه في الخدمة من جامعة أبيلين المسيحية، الذي كان فيها أستاذاً مساعداً لأكثر من عقدين. كان أندرسون قساً أكبر لمدة 30 عاماً في كنائس في كندا والولايات المتحدة، وترك المنبر في العام 1996 لتأسيس خدمات شبكة الرجاء

Hope network ministries، والتي من خلالها يُدَّرب ويُعلّم ويُعدّ قادة الكنائس.

كتب أندرسون عدداً من الكتب منها

 الإبحار حول رياح التغير:navigating the winds of change

السماء نزلت: heaven came down،

بحثاً عن التعجب: in search of wonder،

أغنية الراعي: the shepherd song،

إنهم يشمون كالخراف: they smell like sheep،

ومع ذلك كان الكتاب الذي أثار اهتمامي بشكل خاص هو الكتاب المثير

«إن كنت أؤمن حقاً، فلماذا لديَّ هذه الشكوك؟

If I really believe, why do I have these doubts? كان هذا الكتاب الصريح المتألق هو الذي كشف معارك أندرسون الشخصية المتكررة مع الشك.

بعد الحوار لمدة قصيرة لمعرفة الواحد الأخر، جلس أندرسون وأنا في مقاعد ذات خلفية مستقيمة على مائدة خشبية بسيطة تحت مروحة سقف كنا نتنسم هوائها المنعش اللطيف. كان أندرسون يحمل نظرات جميلة، وشعر داكن، وبشرة محمرة، ونظارات ذات إطار ذهبي.

إنه إنسان مُعبّر حين يتكلم؛ فذراعاه تمتدان أحياناً للفهم والتعبير، وصوته الثري بالأمانة والإخلاص الصلب عادةً ما ينخفض إلى همسٍ كورق الصنفرة، كما لو كان يأتمنني على سرٍ مثير.

وقد عاد سؤال الافتتاحي بأندرسون إلى خبرات طفولته في كندا الغربية الريفية فيما بحثتُ بدايات شكوكه المزمنة. واعتقدتُ أن كثيرين ممن يتصارعون مع الشكوك يمكنهم أن يتعلقون بقصته.

جذور الشك

كان أندرسون ابنً لمسيحيين مكرسين كانا جزءً من كنيسة صغيرة لكنها متصلة في منطقة خالية عموماً من المسيحيين. وقد قال إنه حصل على هويته ومعني قيمته من أسرته ومجتمع الكنيسة، ولكن رغم ذلك فقد بدأت شكوكه حول المسيحية مبكراً.

بدأ: «حتى وأنا طفل صغير، وكنتُ دائماً ما أنظر إلى الجانب السلبي من الأشياء، ولا أقبل أي شئ قبولاً تاماً، بل أتساءل دائماً، وأنقب دائماً حتى أتعمق إلى مستوى جديد. لم أكن قادراً أبداً على التخلص من ذلك.

ابتسمتُ؛ فقد كنتُ أنا الآخر غالباً ما أُتهم بطرح الكثير جداً من الأسئلة، وقلتُ:

«متى صرت مسيحياً؟»

«قدمتُ اعترافاً بالإيمان في معسكر صيفي عندما كنتُ في الحادية عشرة من عمري، لكني لم أشعر بالنقاء بعد ذلك. كان من المفروض أني قد سلمتُ حياتي ليسوع، لكني لم أكن حتى متأكداً أنه كان هناك يسوع. شعرتُ بالخداع.»

«هل ذكرتَ مشاعرك لأحد؟»

«تكلمت مع خادم، لكنه لم يبدو أنه يفهمني. فكتمتُ الأمر في داخلي. لكني بالطبع كنتُ لا أزال أصلي للحصول على بعض الأشياء. أذكرُ الصلاة المستمرة للحصول على دراجة، لكني لم أحصل عليها إطلاقاً. وهذا جعلني أشعر أن الله لم يكن متواصلاً معي. فكرتُ قائلاً: «لنكن واقعيين؛ عندما تصلي لا يكون هناك شئ بالأعلى سوى السماء الزرقاء.»

تساءلتُ ما إذا كان قد شعرّ بالشك فقط أم أنه كانت هناك فترات كان ينمو فيها إيمانه.

فقال: «أحياناً ما كنتُ أشعر حقاً بوجود الله. كنتُ أعود إلى البيت من المدرسة في عاصفةٍ ثلجية في الغروب، وأنا أرنمُ وأشعر أنني بين يدي الله. ولكن لغالبية الوقت، لم أؤمن به، على الأقل ليس كما كان يؤمن به رفاق كنيستي.»

«هل كنت تخشى أن يكتشفوا ذلك؟»

«بالطبع، لأنه كانت لديّ حاجة ملحة أن أكون محبوباً ومقبولاً، وتكون لي مكانة في هذا المجتمع المؤمن. كنتُ أخشى أن يعتقدوا أنني كنتُ رديئاً، فسوف يغضبون، وسوف يعتقدون أن والديّ كانا فاشلان روحياً. كنتُ أخافُ أن يُصاب والديّ بخيبة الأمل أو بالخزي.»

بوضوح، يمكن أن يلعب الأباء دوراً هاماً في تشكيل رؤية الطفل عن الله. ففي الحقيقة أوضحت دراسة أن معظم ملحدي التاريخ الأكثر شهرة -بمن فيهم برتراند رسل، جان بول سارتر، فريدريك نيتشه، ألبرت كامو، سيجموند فرويد، مادلين موراي أوهير، وكارل ماركس -كانت لديهم علاقة متوترة مع أباءهم، أو أن الأباء قد ماتوا مبكراً وتركوهم في سن صغير؛ وهذا ما نتجت عنه صعوبة في دواخلهم للإيمان بآب سماوي. (٦) لذلك قررتُ التحقيق في هذه النقطة مع أندرسون.

قلتُ بقليل من التردد آملاً ألا أكون قد اقتحمت خصوصياته: «تحدث لي قليلاً عن والديك». فنزع أندرسون نظارته ووضعها على الكتاب المقدس الذي كان مفتوحاً أمامه. وقال: «باستعادة الماضي، أعتقد أن بعض شكوكي ربما تكون قد نبعت من نظام تربية أمي. لقد أحبتني أكثر من الحياة، لكنها لم تكن لديها وسائل عاطفية لإظهار ذلك. كانت طريقتها لتحسينك هي أن تظهر لك ما أخطأت به. لقد تعلّمتْ أن الأمهات ليس من المفروض أن يُظهروا المودة الجسدية للأبناء، وإلا سيجعلهم ذلك شواذاً، وعدم التأكيد على الناس لأن هذا يمكنه أن يجعلهم معاندين.»

«هل شكلَّ هذا رؤيتك عن الله؟»

«كما تعلم، غالباً ما يُعرَّف الناس الله بصورة أب. ففي معظم الأحوال يدعوه الكتاب المقدس أباً، ويدعوه حتى أماً أحياناً. ولذلك فإن جزءاً من البعد الذي شعرتُ به عن الله ربما كان هو البعد الذي شعرتُ به عن أمي. ومن الناحية الأخرى، فقد كان أبي إنسان تأكيدي، متعاطف، منبسطً، لكني أعتقد أن هناك شيئاً في طبيعتنا الساقطة يسمع الأخبار السيئة تأتي من خلال الأخبار السارة.»

«وماذا كانت البشارة المسيحية الرئيسية التي أدركتها في سنواتك المبكرة؟»

كانت: «إن لم تصل لهذا المستوى، فسوف تضل — ولكن لا أحد يمكنه الوصول لهذا المستوى، ولاسيما انت.» ونتيجة ذلك كنتُ كلما أصبح أكثر اقتراباً إلى الله -حينما كنتُ أبدأ الإيمان وأكون جاداً في التواصل معه -كلما كنتُ أشعر باليأس لأنني لم أستطع الوصول إلى توقعاته. ثم فكرتُ: «هذا متعب! لماذا علىَّ أن أؤمن بشيء سوف يدينني مهما فعلت؟ بالتأكيد، إن كان هناك الله، فلا يمكَّن أن يكون كهذا. إن وحشاً قد أخترع هذا.»

«هل اعتقدت أنك ستتخلص من ذلك؟»

«كنتُ أرجو أن يكون ذلك جزء من كوني طفلاً. ولكن في الكلية انتقلتْ الشكوك من الجانب العاطفي إلى الجانب المعرفي. فاندفعتُ لطرح الأسئلة حول الكتاب المقدس، وتساءلتُ لماذا هذا الكم الرهيب من المعاناة في العالم.»

ابتسم حينما تذكر قصة. «أذكر يوماً أن طالباً أثار مسألة كتابية عويصة، ولم يستطع الأستاذ حلها. وأخيراً بعد التعثر لبعض الوقت قال الأستاذ: «عندما تُتاح كل الحقائق، فسوف نرى أنها تؤكد مصداقية الكتاب المقدس.»

ضحك أندرسون قائلاً: «أتذكر التفكير: «أوه، لا؛ فهذا الفتي يرجو أن تكون حقيقة أيضاً! فلو فحصت الأعماق، فهو خائف مثلي تماماً!»

فصائل الشك  

وصف أندرسون نفسه ك «شكاك فطري» أو كإنسان يسأل دائماً: «ماذا لو؟» وكالمحامين والمحاسبين الذين يتدربون على تمييز ماذا كان من المحتمل أن يكون خاطئاً؛ فالشكاكون الفطريون ينجذبون كالمغناطيس للشكوك والأسئلة. فربما يكونوا ممتلئين بالقلق أو تكون شخصيتهم كئيبة. وبالنسبة لهم، فإن الإيمان لا يأتي بصورة طبيعية.

لكن هذه مجرد فصيلة واحدة من الشك. طلبا من أندرسون أن يُقدم أمثلة عن الفصائل الأخرى.

فاستند للوراء في كرسيه، ورفع رجليه عن الأرضية قليلاً، ثم هزهما جيئة وذهاباً، وقال: «آه، هناك الكثير من الأنواع المختلفة. فبعض الشكاكين متمردين، ورغم ذلك ربما لا يعرفون أنفسهم هكذا. فهم يحملون الاتجاه: «لن أسمح لإنسان أن يُدير حياتي أو يفكر نيابةً عني.» ويمكن أن يتخذ هذا بهيئةً الكبرياء المتعالية.

فأحياناً ما يُريد شخص صغير أن يتمرد ضد والديه، وأحد طرق القيام بذلك هو التمرد ضد الله الذي يؤمن به الوالدان.

«وهناك الناس الذين تنبع شكوكهم من خيبة أملهم مع الله. ومثال هذا الفتاة التي زرتها بالأمس. الله يقول «اسألوا تعطوا»، ولم تُعط. لذلك فهي تتصارع مع عدم اليقين. هل كان الله جاداً؟ وهل هناك أصلاً؟»

«البعض لديهم جروحً شخصية أو أسرية. تكلمتُ منذ أسابيع قليلة مع امرأة عانت من الإيذاء الجسدي من أمها وأبيها اللذان كانا متدينان جداً. لقد كانا يجعلانها تركع أمام الفراش وتصلي ثم يضربانها. أستطيع أن أفهم لماذا لديها مشكلة ما الله! والبعض الأخر جُرحوا بصورة شخصية بمعني أنهم رُفضوا من قّبل صديق، أو أن عملهم قد انهار، أو أن صحتهم قد ساءت. إنهم يتساءلون: «إن كان هناك الله، فلماذا تحدث هذه الأمور؟»

«وهناك الشكوك المعرفية. وهذه ما كنتُ أعاني منها. كنتُ أبذل قصارى جهدي لتدعيم أساس إيماني، ولكن كان هناك أناسّ أكثر مني ذكاءً لم يؤمنوا بالله. بدأت أتساءل: «هل الإيمان للأذكياء فقط؟ كيف يمكن أن يكون الذكاء مهماً جداً لله، ومع ذلك عليك الحصول على معدل ذكاء 197 للتمسك بالإيمان؟»

فأجاب: «مواسم الحياة يمكنها عمل اختلافً كبيرً. فأحياناً ما يكون الإنسان مؤمنً عظيم وهو في الكلية، ولكن عندما يكون أبً شاب لديه ابنه الثاني، ويعمل 60 أو 80 ساعة أسبوعياً، وزوجته مريضة طوال الوقت، والمدير قد أشهر إفلاسه -فببساطة لا يكون لديه وقتً للتأمل. ولا أعتقد أن الإيمان يمكنه أن ينمو بدون وقت تأملي. فلو لم يتح الإنسان مجالاً لذلك، فإن إيمانه لن ينمو، وبالتالي ستزحف إليه الشكوك.

«عاملٌ آخر يمكن أن يكون عقد مقارنات مع إيمان الآخرين. قابلتُ شابة قالت لي: «أكره الذهاب إلى الكنيسة لأنني أسمع كل تلك التصريحات التي لا أختبرها أنا شخصياً. أنا أؤمن، وأدرس الكتاب المقدس، وأصلي، وأعمل بجد في الخدمة كما يعمل كل منهم، لكني لا أنال ذاك الفرح، ولا تُستجاب صلواتي، ولا أنال معنى عظيماً للسلام، ولا أشعر بأني بين يدي إله يرشدني طوال الطريق وسوف يتولى رعايتي.» أشخاصٌ كهذه الفتاة يبدؤون في التفكير: «لماذا لا يعطيني الله مثل هذه الأشياء؟»

كنتُ فضولياً لمعرفة كيف تعامل مع موقفها. فتساءلتُ: «وماذا قلتّ لها؟»

«شجعتها على قراءة المزامير، لأن هذا سيُغير منظورها حول ما يبدو عليه الإيمان العادي. نحن نحب التركيز على المزامير المتفائلة، لكن 60% منها مراثي، حيث أناس يصرخون «أين أنت يا الله؟ الإيمان العادي مسموح فيه بالقرع على صدر الله والشكوى.»

أشرتُ قائلاً: «هناك الكثير من الخوف من التكريس في ثقافتنا. فهل هذا يؤثر على استعداد الفرد للإيمان بالله؟»

فأجابني: «نعم، من الممكن. ففي هذه الدولة الأنانية، فإن تعريفنا للحرية هو حرية الوصول إلى طريقي، وحرية الحفاظ على اختياراتي. بعض الشباب يخافون من الزواج لأنه تكريس مدي الحياة. حسناً، فالتكريس الأقصى هو التكريس لله. نحن لدينا ثقافة أيس كريم basking-robbins حيث العقوبة الأكثر تخويفاً هي قضاء حياة بدون اختيارات. وأعتقد أن هذا يسهم في خوف الناس من تكريس حياتهم للمسيح.»

ما هو ليس بإيمان

عرفتُ أن الأفكار الخاطئة عن الإيمان غالباً ما تفتح الباب للشكوك لأنها يمكنها أن تخلق توقعات أو مظاهر سوء فهم زائفة حول طبيعة الله. فمثلاً، إن أعتقد الناس خطأ أن الله وعد بشفاء كل إنسان، أو يجعل كل إنسان ثرياً بمجرد أن يُبدي الإيمان الكافي، فيمكنهم أن يقعوا فريسة للشكوك عندما يهجم المرض أو يقترب الإفلاس. وللوصول لرؤية دقيقة عن الإيمان، قررتُ أولاً توضيح الخفايا اللاهوتية بتعريف ما هو ليس إيماناً.

«ما بعض مظاهر سوء الفهم العامة للإيمان؟»

«الناس يخلطون الإيمان بالمشاعر. فمثلاً يساوي بعض الناس الإيمان بمعيار ديني أبدي. وعندما يزول هذا المعيار، كما يحدث بصورة محتومة، يبدؤون في الشك ما إذا كان لديهم أي إيمان على الإطلاق».

«هل تقصد عدم وجود علاقة بين المشاعر والإيمان؟»

«لا؛ فالمشاعر متصلة ببعض أبعاد الإيمان، لكن كثيرً من ذلك له علاقة بطبائع الناس. فبعض الناس ليسوا مندفعين للإفراط في المشاعر، ومع ذلك ربما تكون لديهم قيمً ومعتقدات قوية.»

فتساءلتُ: «وماذا عنك؟»

فضحكَ قائلاً: «أنا أميلُ أن أكون مرتفعاً ومنخفضاً عاطفياً. فقد أخذ الأمر مني سنوات لاكتشاف أن هذا ليس تشتتاً للإيمان. ولهذا السبب علينا أن نكون حريصين بخصوص مشاعرنا -فمشاعرنا يمكن أن تكون متقلبة. دعني أقدم لك مثالاً.

«قال لي شخص ذات مرة: «لم أعد أحب زوجتي»، فكان ردي هو أن أقول له: «اذهب إلى بيتك وأحبها»، لكنه قال: «أنت لا تفهمني؛ فأنا لم تعد لدي مشاعر تجاهها» فقلتُ له: «لم أسألك عن مشاعرك، بل قلتُ لك: اذهب إلى بيتك وأحبها» فقال: «لكني سأكون غير أمين عاطفياً إن عاملتها بهذه الطريقة بينما أنا لا أشعر بذلك.»

فسألتهُ: «هل أمك تحبك؟»، فبدا اي أن هذا السؤال قد جرحه. فقال: «نعم بالطبع»، فقلتُ: «بعد أن أحضرتك من المستشفى إلى البيت بحوالي ثلاثة أسابيع، وكنت تصرخ من الحفاظات الغير نظيفة، وكانت تضطر للاستيقاظ وهي متعبة جداً وتضع قدميها الحافتين على الأرضية الباردة، وتنظف حفاضاتك، وترضعك -فهل تعتقد أنها كانت تتضايق حقاً من كل هذا؟» فقال: «لا»، فقلتُ: «حسناً، إذاً، أعتقد أن أمك كانت غير أمينة عاطفياً.»

«كانت هذه هي فكرتي: إن مقياس حبها لم يكن أنها شعرت بضرورة تغيير الحفاضات، بل أنها كانت مستعدة لعمل ذلك حتى عندما لم تكن تشعر بسعادة خاصة تجاه ذلك. وأعتقد أننا بحاجة لتعلم ذلك بخصوص الإيمان. فالإيمان ليس دائماً أن تكون لك مشاعر عاطفية إيجابية تجاه الله أو الحياة.»

فقلتُ: «حسناً، هذا أحد المفاهيم الخاطئة. ماذا عن فكرة أن الإيمان هو غياب الشك؟»

فقال: «نعم، بعض الناس يعتقدون أن الإيمان معناه غياب الشك، ولكن هذا ليس حقيقي. وأحد النصوص الكتابية المفضلة بالنسبة لي يحكي عن الرجل الذي يأتي إلى يسوع بابنه الذي به شيطان، آملاً أن ينال الشفاء. إن إجابة الرجل في منتهى القوة. فهو يقول: «أؤمنُ يَا سَيَّدُ فَأَعَنْ عَدَمَ إَيمَانَي!» (٧)

طقطق أندرسون ركبته متعجباً: «أيها الرجل، يمكنني حقاً أن أتواصل مع ذلك!»

فتساءلتُ: «إذاً الشك والإيمان يمكنهما أن يتواجدا معاً؟»

«نعم، فهذا معناه أنه يمكنك أن تكون لديك شكوكً وأنت تؤمن. وقد كان هذا واقعياً مع إبراهيم. فقد آمن بوضوح، لكنه في نفس الوقت كانت لديه شكوك. ويمكنك ملاحظة ذلك بما فعله في بعض الأوقات وبما قاله. والآن لستُ أدري أين تبدأ الشك السلبي المتآكل المزعج، لكني أؤمن حقاً أنه حينما لا يكون هناك شك على الإطلاق، فمن الأرجح أن يكون الإيمان غير سليم.

«لذلك يمكن أن يلعب الشك دوراً إيجابياً؟»

«أعتقد ذلك. فدائماً ما أصبح عصبياً بدرجة قليلة بخصوص ما أسميه عقلية «المؤمن الحقيقي» -أولئك الذين لديهم ابتسامات متألقة وعيون زجاجية ليس لديهم أي شك في العالم، ويعتقدون دائماً أن كل شيء رائع، وكل شيء عظيم. لا أعتقد أنهم يعيشون في نفس العالم الذي أعيش فيه. وأخشى فيما سيحدث لهم عندما يحدث أمر رديء.

«على سبيل المثال، أعرفُ طبيباً ابنه البالغ من العمر أربع سنوات بالسرطان. وأذكرُ عدة ليال كان يجتمع فيها أربعون أو خمسون شخصاً في بيت للصلاة الحارة من أجل هذا الطفل. وفكر أحدهم قائلاً: «بالطبع سيُشفى الطفل بسبب صلواتنا. لكنه عندما لم يُشفى، سحقهم الأمر.

«لقد تعرّض لاهوتهم للتضليل وعدم الفحص. ولم يتعرض أبداً لتحدي الشكوك أو الأسئلة العميقة. كان من الممكن أن تساعدهم الشكوك في تطوير إيمان أكثر جوهرية وأكثر واقعية -الثقة بالله رغم الموت وليس فقط رغم الشفاء.»

اتجهت عينا أندرسون إلىَّ كما لتأكيد كلماته القادمة، وأصرَّ قائلاً: «الإيمان الذي تتحداه الشدة أو الأسئلة الصعبة أو التأمل غالباً ما يكون إيمانً أقوى في النهاية.»

التنقيب تحت السطح  

بصراحة، أحياناً ما تخدم الشكوك هدفاً إيجابياً. ومع ذلك فقد تعلمتُ عبر السنين أنه من الممكن أن يكون من الخداع أن تقبل كل الشكوك بنفس المستوى. فمثل استجابتي الأولى لقصة رون برونسكي، يمكن أن يُستخدم التشكك كوقاء لإبعاد الناس عن الدوافع الأكثر عمقاً. لم أرد إضعاف شرعية الناس الباحثين عن إجابات عن عقباتهم الحقيقية تجاه الله، لكني كنتُ بحاجة للوصول لأصل لماذا يُثير البعض موضوعات غامضة.

قلتُ: «في اختبارك، هل يزعم البعض أن لديهم اعتراضات معرفية، حتى إن كانت شكوكهم لها مصدر خفي آخر؟»

فقال وهو يومئ ويُثّبت القدم الأمامية من كرسيه على الأرضية مرةً أخرى: «نعم، هذا حقيقي تماماً. ففي الواقع أعتقد شخصياً أن كل عدم إيمان يكون له في النهاية سبب خفي آخر. فأحياناً ما يؤمن بإخلاص أن مشكلته معرفية، لكنه في الواقع لم يتواصل بشكلٍ كافٍ مع نفسه لاستكشاف الاحتمالات الأخرى.»

فتساءلتُ: «هل يمكنك تقديم مثال؟»

فأخذ الأمر منه لحظات حتى قال: «عندما كنتُ روائياً لامعاً صغيراً، جاء ملحدً من عائلة شيوعية ملحدة إلى مدينا الصغيرة في كندا لتجميع اللون المحلي(1) لكتاب كان يكتبه. ذات يوم كان يزور أسرتنا، وقد كان جادً تماماً. فقال: «هل يمكنني أن أسألك عن دينك؟» ورغم أنني كنتُ أتصارع مع الشكوك من وقتٍ لأخر أجبته بالإيجاب.

«هل تؤمن حقاً أن هناك إلهاً يعرف اسمي؟»

«نعم، هذا ما أؤمن به؟»

«هل تؤمن بصحة الكتاب المقدس؟ بأطفالٍ يُولدون من عذارى، وموتى ويقومون من القبر؟»

«نعم، هذا ما أؤمن به؟»

ثم قال بعواطف قوية: «يمكنني أن أبذل أي شيء حتى أؤمن بذلك، لأنني سافرتُ العالم كله، ورأيتُ معظم الناس بؤساء. الناس الوحيدون الذين يقولون إنهم يؤمنون بما تؤمن به أنت. لكني لا يمكنني أن أؤمن لأن عقلي يمنعني من الوصول إلى الطريق!»

اتسعتْ عينا أندرسون وقال: «لقد كنتُ مندهشاً يا لي lee، فلم أعرف ماذا أقول بعد ذلك لأن عقله كان أكثر ذكاءً من عقلي!»

ثم استند أندرسون بالقرب مني قائلاً: «ولكني مع استعادة الحدث، لا أعتقد أن عقله كان هو المشكلة الحقيقية. بدأتُ أفكر عما سيخسره لو تبع يسوع. لقد كان عضوً في نقابة للكتاب اللامعين الذين يعتقدون جميعاً أن الدين شئ بال تماماً. أؤمن حقاً أن كبرياءه العملية ورفض رفاقه قد كانا ثمناً فادحاً أن يدفعه.»

سمح أن يدوم تأثير القصة قليلاً، وعرض قائلاً: «دعني أقدم لك مثالاً آخر.»

«ذات مرة كنتُ أتحدث مع جندي بحرية سابق قال لي: «أنا إنسانٌ بائس. لديَّ زوجة وأطفال، وأحصل على أموال أكثر مما أُنفق، وأنام مع كل امرأة في المدينة، لكني أكرهُ نفسي. عليك أن تُساعدني، ولكن لا تقل لي شيئاً عن الله؛ لأنني لا أؤمن بهذه الأشياء.»

تكلمنا لساعات، وقلتُ له أخيراً: «ربما تعتقد أنك تتعارض معي، لكني لستُ متأكداً من ذلك. أعتقدُ أن مشكلتك ليست هي أنه لا يمكنك أن تؤمن، بل أنك لن تؤمن لأنك تخشى أن تترك الأشياء التي تمارسها في الظلام.»

فكرّ للحظات وقال: «نعم، أعتقد أن هذا صحيح. فأنا لا يمكنني أن أتخيل الحياة بدون النوم مع امرأة واحدة. ولا أتخيل الحياة بأموال أقل من التي أحصل عليها — الأمر الذي لا بدَّ أن أفعله لأنني أكتب للحصول عليها.» لقد كان يحاول في النهاية أن يكون أميناً.»

بهذه الكلمات انخفض صوت أندرسون إلى همسٍ حاد، وقال: «وهاك فكرتي: كان هذا الرجل يتجادل لساعات وساعات حول شكوكه العقلية وكان يُقنع الناس أنه لا يمكنه أن يؤمن لأن لديه اعتراضات معرفية كثيرة جداً، لكنها كانت مجرد أمور واهية. كانت مجرد ضباب استخدمه لإخفاء تردداته حول الله.»

استند أندرسون للخلف في كرسيه، وواصل قائلاً: «تحدثتُ مع فتاة أخرى تعرضت للإيذاء الجسدي. وكانت كل طريقة يُقدَّم بها الله إليها من خلال ديانة والديها تعتبر مرعبة. لستُ ألومها لصعوبة إيمانها. لكن حججها كانت دائماً في الجانب المعرفي. وعندما تحاول أن تنقب بعمق في عقباتها الحقيقية، لم تكن هي ترد اجتياز ألم مواجهتها. لقد استخدمت الشكوك المعرفية لتضليل الناس.

«وحانت لي فرصة الحديث مع الله مع إنسان في شمال غرب المحيط الهادئ. كان يُثير كل أنواع الموضوعات المعرفية. ولكن عندما تفحصنا ذلك، اتضح أنه لم يرد أن يؤمن بالله لأنه لم يرد أن يبيع حانته الشهيرة التي كانت تجلب له أموالاً طائلة، وكان يستمتع بهذا كثيراً.

قال أندرسون باختصار: «هذا هو اختباري: عندما تنقب في الأعماق، فإما أن تكون هناك إرادة للإيمان، أو إرادة لعدم الإيمان. وهذا هو جوهر الموضوع.»

داعبتُ ذقني في تأمل وقلتُ: «تقصد إذاً أن الإيمان اختبار.»

فأومأ أندرسون موافقاً وأجاب: «هذا حقيقي تماماً -إنه اختيار.»

قرار الإيمان  

عندما طلبتُ من أندرسون التوسع في أدوار الإيمان والإدارة، سرعان ما جاء على الفور بشخصية العهد القديم إبراهيم كمثال.

قال أندرسون: «لقد دعي إبراهيم «أبو الإيمان»، ولكن لم يكن هذا معناه أنه لم يشك أبداً، ولم يكن معناه أنه فعل الشيء الصحيح على الدوام، ولم بكن معناه أن اتجاهاته كانت نقية دائماً. لقد فشل إبراهيم من وجهة نظر الأمور الثلاثة هذه. ولكن أصغّ، لم يتخل إبراهيم على الإطلاق عن إرادته لإتباع الله. لقد قال: «سأؤمن به — أديان الأرض كلها لا يصنع عدلاً؟» لم يتخل إبراهيم عن الله. واحد تعريفات الإيمان هو أنه الإرادة لكي نؤمن. إنه قرار اتخاذ أفضل نور عن الله وعدم التوقف.

«إن فكرة الاختيار تتخلل الأسفار المقدسة. انظر إلى يشوع. إنه يقول إن يختار هذا اليوم من ستعبد، أما هو وبيته فيعبدون الرب. ومن هنا، فإن الإيمان وجوهره من قرارات الإرادة.»

رفعتُ يدي لإيقافه، وتساءلتُ: «ولكن ألا يوجد أيضاً معنى يقول بأن الإيمان هب من الله؟»

فوافق قائلاً: «نعم، وهذا يثير سراً كبيراً حول الاختيار وحرية الإدارة. ولكني أعتبرُ ذلك كالقوة المحركة في سيارة. حظاً سعيداً إن حاولت تحريك إطارات السيارة بدونها. ولكن بإصبع واحد يمكنك أن تزود السيارة، والقوة المحركة ستمكنك من تحريك العجلات. بصورة مشابهة، فإن إرادتنا تصنع القرار لوضع إيماننا بالمسيح، والله يقوينا نحن.»

بسط أندرسون يده لنقل نظارته من فوق كتابه المقدس. وبعد أن ارتداها، تنّقل بين صفحات الكتاب الرقيقة حتى وصل إلى إنجيل يوحنا.

قال: «أصغّ إلى يوحنا 7: 17. يقول يسوع: «إِنْ شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيئَتَهُ يَعْرِفُ التَّعْلِيمَ، هَلْ هُوَ مِنَ اللهِ، أَمْ أَتَكَلَّمُ أَنَا مِنْ نَفْسِي.»

ومن هنا — إلى حد ما — لو كانت لدينا الإرادة كي نؤمن، فالله إذاً يؤكد أن يسوع هو من الله.»

تقدم عدة صفحات إلى يوحنا 12: 37 وقال: «الكتاب المقدس يتوسع في ذلك حين يقول: «وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ أَمَامَهُمْ آيَاتٍ هذَا عَدَدُهَا، لَمْ يُؤْمِنُوا بِه»،

 وبعد آيتين يقول: «لِهذَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا.» (٨)

وشرح قائلاً: «بأسلوب آخر أنهم قرروا قرار إرادة لإنكار رسالة المعجزات -دليل أن يسوع هو الله -لأنهم لم يدفعوا الثمن الذي سيكون انهيار نظامهم الديني بأكمله. واتخذوا هذا القرار كي لا يؤمنوا على الدوام أنهم قد فككوا قدرتهم على الإيمان. ومن هنا فالإيمان في جوهره هو أحد قرارات الإرادة التي نستمر في اتخاذها، لكن هذا الخيار موهوب لنا من قبل نعمة الله. فنحن متحفزون للاستمرار في اتخاذه عن طريق روحه.»

فأشرتُ قائلاً: «وهو اختيار لا بدَّ أن نتخذه دون امتلاك كل المعلومات الكاملة التي نحب أن تكون لدينا.»

«هذا صحيح، وإلا يكون ما لدينا هو المعرفة وليس الإيمان.»

«تكلم عن الاختلاف بينهما.»

وضع أندرسون الكتاب المقدس على المائدة ثم فحص الغرفة بحثاً عن توضيح ارتجالي. وفيما بدا أنه غير قادر على إيجاد دعامة مناسبة، مدَّ يده في جيبه ثم سحبها. وقال: «حسناً، أنا أمسكُ شيئاً. هل تعرف ما هو؟»

فغامرتُ بتخمين وقلتُ: «عملة.»

فقال: «لكنك لا تعرف ذلك يقيناً. هذا رأيك. إيماننا ليس رأينا. دعني أقول لك إنني أمسكُ ربع دولاراً في يدي، فهل تؤمن بهذا؟»

فقلتُ: «بالطبع.»

«أقول لك إن هذا حقيقي، لكنك لم تره. هذا هو الإيمان. تقول رسالة العبرانيين إن الإيمان هو الإيقان بأمور لا ترى.»

ابتسم أندرسون وقال: «راقبني وأنا أدمر إيماننا تماماً.» وبهذه الكلمات فتح يده لتكشف عن ربع دولار. «لم يعد الأمر إيماناً، بل معرفة.»

وضع الربع دولار على المائدة وقال: «أحياناً يعتقد الناس أن الإيمان هو معرفة أن شيئاً ما حقيقي بلا أدنى شك على الإطلاق، ومن ثم يحاولون أن يبرهنوا الإيمان من خلال برهان تجريبي. لكن هذا هو المدخل الخطأ.»

التفتّ إلى العملة وقال: «يمكنك أن ترى وتلمس هذا الربع دولار، ومن هنا لستُ بحاجة للإيمان. والله — لأسبابه الخاصة — لم يُخضع نفسه لمثل هذه البراهين.

«بدلاً من هذا، على الناس أن يفعلوا ما فعلته أنت في كتاب القضية. المسيح -فأنت اعتمدت على برهان موثق. وأوضحت كيف أن خطوطاً متنوعة من البراهين تشير بشكل مقنع إلى الله.

وهذا يصنع شيئاً مهم للغاية — فهو يترك لنا المجال لصنع اختيار عن طريق اتخاذ خطوة إيمان في نفس الاتجاه الذي يشير إليه البرهان.»

 التعامل مع الشك

كانت الظهيرة تنقضي ببطء، لكني لم أرد إنهاء حديثنا دون الحصول على النصح من أندرسون بخصوص كيف يمكن للناس أن يتعاملوا مع الشكوك التي يمكن أن تُداهمهم. كنتُ أعرفُ أنه لا توجد صيغة بسيطة لقهر الشك، وفي نفس الوقت، هناك بعض الخطوات التي يمكن أن يتخذها الناس لمساعدتهم في تخفيف شكوكهم. وكل شيء يبدأ بالإرادة.

قلتُ: «عندما تُعلَّم حول هذا الموضوع، تقول الناس إنهم يحتاجون مبدئياً أن يُقرَّروا ما إذا كانوا يريدون حقاً أن يؤمنوا أم لا. لماذا تبدأ بهذه النقطة؟»

«لأن بعض الناس يقولون إنهم يريدون أن يؤمنوا بينما هم لا يريدون حقاً. كما قلتُ سابقاً، إنهم يُثيرون قضايا معرفية عندما يحاولون فقط تشتيت الانتباه عن إنهم لا يريدون حقاً أن يؤمنوا. على سبيل المثال، قالت لي فتاة جامعية: «يبدو لي وكأن هذا الفكر المسيحي قد اخترعه أناس لديهم حاجة نفسية كي يؤمنوا.»

وكانت إجابتي نعم، فالناس لديهم حاجة نفسية كي يؤمنوا، كما أن بعض الناس لديهم حاجة نفسية كي لا يؤمنوا. وقلتُ لها: «ما السبب وراء أنكّ لا تريدين أن تؤمني؟ هل هذا بسبب انكّ لا تريدين المسؤولية التي يحملها الإيمان؟ هل هذا بسبب اليأس من فسادك؟ أم أنه بسبب أنكّ لا تريدين التخلي عن الحفلات؟»

فاندهشت وقالت: «من قال لك هذا؟ الأمر قليل من الأسباب الثلاثة.» حسناً، لقد كانت لديها أسباب شعورية تدفعها ألا تريد أن تؤمن. وآخرون لديهم أسباب مختلفة.

«لكن الناس عليهم أن يقرروا حقاً لماذا يريدون أن يؤمنوا. هل بسبب أنهم رأوا بعض براهين حقيقة المسيحية؟ أم بسبب أنهم يائسون بدون الله؟ وإذا كانوا لا يريدون أن يؤمنوا، فلماذا؟»

«لو كانت شكوك معرفية، حسناً لا تتوقف عند هذه النقطة. إنهم بحاجة للتعمق فيما يمكن أن يدفعهم حقاً للابتعاد عن الله. لمدة عشرة سنوات كنتُ أزور فتاة صغيرة أسرتها تسئ استغلالها، وقد صَّرحت لي أخيراً أن صراعها لم يكن مع الله، ولا مع أسئلتها، لكن مع جروحها، مع مشاعرها. إنهم بحاجة أن تبدأ من هذه النقطة.»

فقلتُ: «افترض أن إنساناً يريد أن يؤمن، فماذا توصي كخطوة تالية؟»

«اقترحُ أن يذهب إلى الإيمان. فلو أردتّ أن تزرع وروداً، فلا تشترَ فداناً في القطب الشمالي، لكنك تذهب إلى المكان الذي تُزرع فيه الورود جيداً. ولو أردتّ أن تمارس الإيمان، فمن المحتمل ألا تريد الانضمام لشركة الملحدين الأمريكان القابضة. حاوط الناس الذين تحترمهم بسبب حياتهم، وعقلهم، وشخصيتهم، وإيمانهم، وتعلم منهم. راقب حياتهم.

«وأشجع الناس أن يضعوا مواد بنائية للإيمان في أذهانهم، وبهذا أقصد الكتب، والشرائط، والموسيقى التي تبني دافعاً قوياً للإيمان، وتُوضح طبيعة الله، وتختبر البرهان المؤيد والمُعارض، وتتعامل بذكاء مع نقد الإيمان، وتمنح الرجاء الذي يمكنك من التواصل مع الله، وتهديك أدوات تنمية حياتك الروحية.»

كانت هذه الاقتراحات ذات دلالة، لكن شيء كان مفقوداً. فقلتُ: «الإيمان لأجل الإيمان لا معنى له. أليس من المهم تحديد أين تضع إيمانك تماماً؟»

فرد أندرسون: «تماماً، ومن هنا فالخطوة التالية هي توضيح هدف إيمانك. نحن الكنديون نعرف أن هناك نوعين من الثلج: الثلج الكثيف والثلج الرقيق. يمكن أن يكون إيمانك قليلاً جداً بالثلج الكثيف، وهذا يجعلك قائماً بشكل لا بأس به، ويمكن أن يكون إيمانك عظيماً جداً بالثلج الرقيق، ويمكنك أن تغرق. ليس مقدار الإيمان الذي تجمعه هو المهم. فالإيمان يمكنه أن يكون ضئيلاً محبة خردل. لكن إيمانك لا بدَّ أن يُستثمر في شئ صلب.

«ومن هنا فالناس بحاجة لتوضيح أسبابهم للإيمان. لماذا يجب أن يؤمنوا بيسوع بدلاً من ماهاريشي Maharishi؟ لماذا يؤمنون بالبلورات أو بالصوفية الشرقية. أين الثقة؟ تطلّع أندرسون للكتاب المقدس الجلدي على المائدة وقال: «أنا متحيز بوضوح، ولكن حين يصل الموضوع إلى هذه النقطة، فإن هدف الإيمان الوحيد المدعم بصلابة من برهان التاريخ والآثار والأدب والخبرة هو يسوع.»

تجربة الإيمان  

اتخاذ قرار الإيمان، والذهاب حيث يوجد الإيمان، واستخدام المواد البانية للإيمان، وتوضيح هدف الإيمان — بالطبع كانت كل هذه توصيات جيدة، لكن شيء ما بدا أنه لا يزال غائباً. فقلتُ: «في نقطة معينة تكون رحلة إيمان بحاجة إلى أن تبدأ، فكيف يحدث هذا؟»

فجاءتني إجابة أندرسون: «الجلوس والاستغراق في الإيمان والشك لن يمكنهما أن يجعلا الإنسان مؤمناً على الإطلاق. ولا حتى قراءة كل الكتب الصحيحة، أو الخروج مع الرفاق المناسبين، أو حتى اتخاذ قرار الإيمان. في النهاية لا بدَّ أن تباشر تجربة إيمانك بعمل ما يعمله الإيمان.

«قال يسوع إن ثبتنا في كلامه — أي ثبتنا في عمل ما يقوله — نكون حقاً تلاميذه. (٩) فمعنى أن تكون تلميذاً هو أن تكون «متعلماً تابعاً». وعندما تكون متعلماً تابعاً تعرف الحق، والحق يحررك.

«معرفة الحق لا تعني حشو عقلك بالمعرفة، فهذه هي الكلمة العبرية «يعرف» التي ليست جمع المعلومات. إنها معرفة متعلقة بالخبرة. كما عرف آدم حواء — فهو لم يعرف مجرد اسمها وعنوانها، بل اختبرها.

«لكي تختبر الحق وتتحرر، عليك أن تكون متعلماً تابعاً. وبأسلوب آخر، افعل ما يقوله لك يسوع، وسوف تختبر مفعول ذلك. فالأمر بمثابة قيادة دراجة؛ فلا يمكنك مشاهدة فيديو أو قراءة كتاب حول ذلك، بل عليك أن تركب الدراجة للمرور بهذه الخبرة.»

«كيف يفعل الإنسان هذا؟»

«أنت تقول: «لقد سمعتُ بعض الأشياء التي علّمها يسوع. تبدو كأفكار جيدة بالنسبة لي، لكني لا أعرف مدى حقيقتها. على سبيل المثال سمعتُ يسوع يقول: «مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ»؛ فكيف أعرفُ مدى حقيقة ذلك؟» حسناً، فألف مناظرة لا يمكنها برهان هذا. ولكن عندما تصبح كريماً، ستدرك أن هذا حق. يمكنك أن تقول: «آوه، ربما يكون يسوع قد خمن صواباً بالصدفة.»

استمر إذاً، وسوف تُدهش لكثرة ما خمنه يسوع بالصواب!»

بسطتُ يدي لالتقاط كتاب أندرسون المقدس، مفتشاً فيه حتى وصلتُ إلى مزمور 34: 8، وقلتُ «قال الملك داود ذُوقوا وانظروا ما أطيب الرَّبَّ!»؛ فهل هذا هو ما تتكلم عنه؟»

فقال بإقناع: «هذه هي الفكرة، فكلما تفعل هذا، كلما تُنسج باختبارات في نسيج الإيمان.»

توقعتُ من أندرسون الإسهاب، لكنه توقف فجأة بهذا التعليق. تطرَّق إلى الجانب كما لو كان يستجمع أفكاره. ثم استمر بالتكلم بتأثر عن خبرة الإيمان.

الإيمان كفعل  

قال أندرسون: «أعرفُ يا لي Lee أنك ملحد سابق. من المحتمل أن يمكنك الخروج بمائة سؤال عن الله لا أعرفُ كيف أرد عليها. ولكن هل تعرف السبب؟ الأمر لا يهم لأنني اكتشفتُ أن هذا حقيقي.

«لم يكن مظهري ينم عن ابتسامة سخيفة وعينين زجاجيتين. فلقد اكتشفُ أنه مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ. لقد تسايرتُ وتسايرتُ مع هذا. فكلما اكتشفُ رؤية جديدة، وكلما يتحدث يسوع لي شخصياً بطرق لا يمكنني حتى أن أنطق بها، وكلما أُمارس تعاليمه وأختبر النتائج — حسناً، بعد قليل لا أهتم بكل الأسئلة المعرفية التي لديك حول لماذا لا يمكن أن يكون هذا حقيقياً. فأنا أعرف أنه حقيقي.

«الأمر يبدو كأن تقول: «برهن لي أن قوس قزح جميل»

فأقول: «حسناً، إنه أحمر وأخضر»، لكنك تقول: «لا أحب الأخضر والأحمر معاً.»، فأقول: «لكن الشكل الذي يظهر ان فيه في قوس قزح جميل!» لم أسمع إطلاقاً عن إنسان اعتقد أن قوس قزح ليس جميلاً. عندما تكون قادراً أن تنظر إليه بالفعل لنفسك، فلا حاجة لي لقول المزيد. لقد رأيته أنت، واختبرته، وتعرف أنه جميل.

«أعتقد أن الإيمان مثل هذا. ففي النهاية، عليك أن تنطلق وتمارسه. وبالمناسبة، في إنجيل يوحنا، لا يأتي الإيمان أبداً كاسم، بل دائماً كفعل. فالإيمان عمل action، وليس مجرد قبول عقلاني. إنه اتجاه حياة. ولذلك عندما نبدأ عمل الإيمان، فالله يبدأ في تأييده. وكلما نتعمق في إتباع الرحلة، كلما نعرف أنها الحقيقة.

بينما كان تحليله يتمتع بالقبول، إلا أن غموضاً واضحاً كان موجوداً. فأوضحتُ قائلاً: «لو كان الإيمان اختبارياً، يمكنك الانضمام للبوذية، وستجد أن التأمل يُخفض ضغط دمك ويجعلك تشعر بالتحسن. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن البوذية على حق.»

فحذر قائلاً: «ولكن تذكر أن الاختبار مجرد سبيل واحد للبرهان. فعليك أيضاً توضيح هدف إيمانك كي تحدد ما إذا كانت هناك أسباب شرعية لتصديق أنه إيمان حقيقي. فالاختبار النهائي للحلوى يتمثل في أكلها. فالبوذية تعمل لصالح بعض الأشياء. لكنك لو اتبعت رحلة يسوع بكاملها، ستجد أن تعاليمه تتماشى في تناسق لأنها حقيقية. فالمسيحية ليست حقيقية لأنها مؤثرة، لكنها مؤثرة لأنها حقيقية.»

فابتسمت قائلاً: «يبدو أنك تتكلم عن خبرة.»

«حسناً، سأقول لك — إن إيماني أفضل بكثير عما كان منذ 30 عاماً. فهل أملكه كله معاً؟ هذا سيكون مبالغة. ولكني في سلام غان أكثر مع الله، وفي ثقة تامة أكثر أنني بين ذراعيه، وأؤمن أنه يقبل محاولاتي الضعيفة لتمجيده بحياتي.»

«هل تأتيك لحظات لا تزال تشك فيها؟»

فأندهش قائلاً: «آوه، يا رجل، نعم!، إني أتصارع مع لماذا لا أحرز تقدماً أكثر في قهر خطاياي المحببة. بالطبع لا يمكن أن يكون هذا هو خطأ الله — بل من الناحية الأخرى، لماذا يجعل الأمر صعباً جداً عليَّ؟ أنا لديَّ ذاك النوع من الشكوك. أتصارع مع الأهوال التي تحدث في كوسوفو، واندونيسيا، وبقاع إفريقيا، حيث تُباد أجناس بأكملها — وبعضها تحت اسم الدين. لماذا لا يتعامل إله محب مع هذا؟ لستُ أقول إني لا أؤمن به. لكني أقول إني لا أملكُ الإجابة الكاملة النهائية على هذا السؤال.»

«هل هناك رجاء للشكاكين بالفطرة مثلك أنت؟»

كان أندرسون عنيداً فصمم قائلاً: «نعم، نعم، بالطبع. عندما أقول أتصارعُ مع شكوكي وخطاياي، فلا أريدُ أن أبدو كإنسانٍ مهزوم أو كمن ليس له رجاء. أحد الرفاق من كنيستي قرأ كتابي عن الشك وقال: «أوه، لا! هل تقصد أنك لا تؤمن حقاً؟»، فقلتُ: «فأنا أؤمن حقاً — ولكن هل تعن عدم إيماني؟»

«هذه الأيام أختبرُ الله أكثر من أي وقت مضى. يمكنني حتى أن أرى نعمة الله في تلك الأوقات التي يبدو فيها غائباً عني، تماماً كما أن صفات زوجتي تبدو أكثر واقعية عندما أكون بعيداً عنها لأني أشتاقُ إليها. هذه الأيام أُصلي أكثر، وأتلقى من الله استجابة للصلاة أكثر مما تلقيته في حياتي. أشعرُ بحاجة أقل للتحكم في الآخرين أو النتائج لأني أعرفُ أن الله يُمسك بالزمام.

«والمثير للسخرية، أشعرُ أني أقل استعداداً للرد على كل الاعتراضات القادمة من المشككين المشهورين. ولكن هل تعرف السبب؟ لم يعد الأمر مهماً بالنسبة لي كما كان، لأني أعرفُ أن هذا حقيقي. إني أراه.

«أراه في حياتي، أراه في زواجي، أراه في أطفالي، أراه في علاقاتي، أراه في حياة الآخرين عندما يتغيرون بقوة الله، وعندما يتجددون من قّبل الله، وعندما يتحررون من قّبل حقه.»

كان صوت أندرسون يحتوي على اتجاه خفي بالسلطان الواثق. فقد صرح في الختام: «لي eeL، لقد تذوقتُ!، وأقولها لك — لقد تذوقتُ!، ولقد نظرتُ ما أطيب الرب.»

عاد ذهني لصورة شاب كندي ريفي يتحسر على شكوكه، وهو يبحث يائساً عن أرضية روحية صلبة ليؤسس عليها حياته. والآن، لا رغم الشكوك، ولكن بسبب الشكوك، وجد حياته. إن علاقته الشخصية مع الله تؤكد مراراً وتكراراً ما لم يبرهنه أي دليل تجريبي على الإطلاق. بسطتُ يدي وأغلقتُ التسجيل وقلت: «أشكرك يا لين على أمانتك العظيمة.»

الإيمان بالشك

واصلتُ الأمر بإعادة تشغيل تسجيل لقائي مع أندرسون بينما عدتُ إلى شيكاغو في رحلة جوية نصف ممتلئة تلك الليلة. وجدتُ نفسي أتفق مع تقديره لدور الشك فبينما يمكنه أن يكون مُربكاً، ورغم أنه يمكنه أن يصير مدمراً في النهاية لو لم يُعتنى به، إلا أن الشك يمكن أن تكون له فوائد بشكلٍ واضح. رددت مع رؤية جاري باركر في كتابه عطية الشك the gift of doubt :

لو لا يتواجه الإيمان مع الشك، ولو لا يتصارع مع الزيف ولو لا يتحارب الخير مع الشر، فكيف يعرف الإيمان قوته الشخصية؟ في رحلتي الروحية الخاصة، لو كان عليَّ أن اختار بين إيمان حملق في الشك وجعله يطرف، وإيمان ساذج لم يعرف أبداً خط نار الشك، لاخترتُ على الدوام الإيمان الأول.

سأفعلُ هكذا أيضاً. لقد عرفتُ أن ثقتي الجوهرية بيسوع ستكون أكثر قوة وضماناً وثباتاً لأنها تمحصت من خلال نار الشك المطهرة وفي النهاية، ورغم الأسئلة، والتحديات، والعقبات، فإن إيماني لن يعيش فقط، بل سينمو أيضاً.

بعد ذلك اتجهت أفكاري إلى تشارلز تمبلتون. هل كانت اعتراضاته العقلية حول الله مسئولة حقاً عن تفكيك إيمانه؟ أم أن شيئاً ما كان كامناً في ظل تلك الشكوك، دافعاً خفياً لا يُوصف كان يضرم سراً تحدياته للمسيحية؟ لم يكن أمامي طريق للتأكد. ولم تكن لدىَّ رغبة للبحث في حياته الخاصة لاستكشاف ذلك. في هذه اللحظة، كان أفضل ما استطاعته هو أن أستمر في أخذ اعتراضاته على محمل الجدية.

كان هناك تضمين آخر سهم من لقاء أندرسون. فلو كان الشك والإيمان يمكنهما أن يتواجدا معاً، فهذا معناه أن الناس ليس عليهم أن يحلوا تماماً كل عقبة بينهما وبين الله لنوال إيمان حقيقي.

وبأسلوبٍ آخر، عندما تميل أكثرية جميع الأدلة على نحوٍ حاسم إلى رضا الله، ثم يقرر إنسانٌ اختياره العقلي بالإيمان به، فيمكنها أن تتحكم قيادة بعض أكثر الاعتراضات الخارجية حتى يأتي اليوم ويتم حلها.

وفي نفس الوقت، يمكنهم أن يقرروا قرار الإيمان، ويطلبوا من الله المعونة لعدم إيمانهم.

مشاورات

أسئلة للتأمل ومجموعات الدراسة.  

■ أي جزء من قصة أندرسون تعاطفتّ معه؟ بأية طرق تختلف أو تتشابه رحلتك الروحية مع رحلته؟

■ ما أنواع الشكوك التي تتصارع معها؟ هل من الممكن أن تكون مُضرمة بدافع عدم الإيمان؟ لو كان الأمر هكذا، فهل يمكنك أن تحدد سبب تباطئك عن اتباع الإيمان بالمسيح؟

■ كيف تأثرت رؤيتك عن الله من قّبل الأسرة التي نموت فيها، أو الكنيسة التي كنت تحضرها في طفولتك؟ باستعادة الماضي، هل نموت برؤية كتابية دقيقة عن الله؟

■ عرض أندرسون اقتراحات عديدة للجهاد في حياتك الروحية — اتخاذ قرار الإيمان، الذهاب حيث ويجد الإيمان، استخدام المواد البنائية للإيمان، توضيح هدف إيمانك، واختبار إتباع تعاليم يسوع. أي من هذه الخطوات تؤمن أنها ستكون الأكثر عوناً لك، ولماذا؟

لمزيد من الأدلة  

مصادر أخرى حول الموضوع

“Local color” (1)

أسلوب كتابي يقوم على تصوير سمات إقليم معين أو سمات سكانه — المترجم.

1- Dan barker. Losing faith in faith (Madison. Wis: freedom from religion foundation .1992). 106.109

2- Quoted in: Lynn Anderson. If I really believe. Why do I have these doubts? (minncapolis. minn: bbethany house.1992).60 (emphasisadded)

3- See: lee strobe. (Reformed hood comes back to pay his dues.) The Chicago tribune.oct27.1977.arid lee strobe. God# outrageous claims (grand rapids.mich:zondervan.1997)63.67

4- Os Guinness.in two mind (downers.111: inter varsity press.1976).61

5- Andre resner. Grief and faith-three profiles of struggle in the face of loss. Annual lectures. Pepperdine university.april19.1989.quoted in: Lynn Anderson if I really believe. Why do I have these doubts.789empha-sis in original)

6- See: Paul c vitz (the psychology of atheism) truth: an international interdisciplinary journal of Christian thought1 (1958).29

7- See: mark9: 14-27

8- Emphasis added

9- John 8:31-32(to the Jews who had believed him Jesus said 9 if you hold to my teaching. You are really my disciples. Then you will know the truth. And the truth will set you free)

10- Gary e parker. The gift of doubt (Sam Francisco: harper&row.1990).69

 

مازالت لدي شكوك لذلك لا يمكن أن أكون مسيحياً – لي ستروبل

Exit mobile version