Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

من هو إله العهد القديم ؟ هل هو إله محبة أم دماء؟

من هو إله العهد القديم ؟ هل هو إله محبة أم دماء؟

من هو إله العهد القديم ؟ هل هو إله محبة أم دماء؟
 

من هو إله العهد القديم؟ ما هي الصورة التي يقدمها لنا العهد القديم عن الله؟ هل إله العهد القديم هو فعلًا إله حروب وسفك دماء؟ وهل هو فعلًا لا يعرف الرأفة ولا الرحمة؟ وهل إله العهد الجديد هو إله آخر مختلف عن إله العهد القديم؟ هل حدث تغيير في ذات الله وهو المنزَّه عن التغيير، الأزلي والأبدي؟ وهل يمكن أن يكون الله واحد ولكنّه يتعامل بطريقة مختلفة في العهد الجديد عنها في العهد القديم؟

في الحقيقة نحن مجربون بأن نرسم صورة مغلوطة عن الله بسبب دراستنا لنصوص كتابية ناقصة، أو منزوعة من قرينتها، أو بعيدًا عن خلفيتها التاريخية. وسياقها اللاهوتي، لكن دعونا نكوِّن مفهومًا صحيحًا عن الله في العهد القديم كما أعلن هو عن نفسه وعن طبيعته الشاملة والكاملة بكل وضوح في الكلمة المقدسة.

إن أول شيء يقدمه لنا الكتاب المقدس عن الله في الإصحاحات الثلاثة الأولى من سفر التكوين أنه الخالق المعتني، فهو الذي خلق الكون بكل ما فيه، وأبدع في صنعه، لذلك يقول المرنم: “مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ. مَلآنةٌ الأّرْضُّ مِنْ غِنَاكَ” (مز24:104). والعالم كله موضوع إهتمام الله ومحبته وعنايته ورعايته. إنه يهتم بطيور السماء وزنابق الحقل (مت6: 26-28). يهتم بكل حيوانات البرية (مز50: 11،10).
وهو يعتني بكل إنسان، أيَّا كان جنسه أو دينه أو لونه أو معتقده، لأن الكل أبناء الله بحكم الخلق، لذلك يقول بولس: “الإِلهُ الَّذِي خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ…. وَصَنَعَ مِنْ كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ، لِكَيْ يَطْلُبُوا الله لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ، مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيدًا…. لأَننَا أَيْضًا ذُرِّيَّتُهُ. فَإِذْ نَحْنُ ذُرِّيَّةُ الله” (أع17: 25-29). وقال المسيح: “يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَار وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَار و َالظَّالِمِينَ” (مت45:5).
 
ولذلك أقول إن الله يحب كل إنسان، لأن كل إنسان صنعة يده ومخلوق على صورته، سواء كان يهوديًا أو أدوميًا أو كنعانيًا أو فلسطينيًا. وسواء كان مسيحيًا أو مسلمًا أو بوذيًا أو هندوسيًا أو ملحدًا، فهو لا يميز بين إنسان وآخر، ولا بين شعب وآخر، ولا بين دين وآخر، إذ ليس عند الله محاباة، والله لا يكيل بمكيالين. وإذا قلنا إن الله يميز شعب عن آخر، أو فرد عن آخر نحن نهين الله. فما رأيك في مدرس يعطي درجات أعلى للطلبة الذين ينتمون إلى نفس دينه، ألا تحتقر هذا المدرس؟ فكم بالحري الله العظيم!
فنجد هذا الإله العظيم بعد السقوط يأتي بذاته ليبحث عن آدم قائلًا: “أين أنت؟” (تك9:3)، ويصنع أقمصة من جلد ويكسيه. ثم نراه يبادر ويدخل في عهد مع إبرام واعدًا إياه بأن يكون بركة للعالم، وأن يتبارك العالم من خلاله “وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظَّمَ اسْمَكَ، وَتَكُنَ بَرَكَةً. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ” (تك12: 1-3). ثم نجده يكرر عبارة “وَتَتبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأّرْضِ” إلى كل من إبراهيم وإسحاق ويعقوب (تك3:12؛ 18:18؛ 3:28؛ 11:35؛ 10:49).
يعلن لنا الكتاب المقدس أن الله محبة، وأنه يحب كل العالم. فهو لا يسر بموت الشرير، بل يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون. وأنه “لِلرَّبَّ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا، الْمَسْكُونَةُ وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهَا” (مز1:24). لقد أرسل يونان إلى نينوى وقال له: “قُمِ إذهَبْ إِلَى نِينَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ وَنَادِ عَلَيْهَا، لأَنَّهُ قضدْ صَعِدَ شَرُّهُمْ أَمَامِي” (يون2:1) وللأسف رفض يونان وقام وهرب إلى ترشيش.
إن نينوى من وجهة نظره بلد أممي، والأمم بالنسبة لليهود كلاب، إلى جانب أنها عاصمة مملكة أشور، التي هي بلاد العراق الآن، وكانت تعيش في صراع مع إسرائيل. والغريب أنه بعد الأسلوب الدرامي الذي إستخدمه الرب معه ليذهب، فذهب ونادى للشعب بالتوبة وتابوا، جلس حزينًا إذ نقرأ:
“فَغَمَّ ذلِكَ يُونَانَ غَمًّا شَدِيدًا، فَإغْتَاظَ. وَصَلَّى إِلَى الرَّبِّ وَقَالَ: آهِ يَا رَبُّ، أَلَيْسَ هذَا كَلَامِي إِذْ كُنْتُ بَعْدُ فِي أّرْضِي؟ لِذَلِكَ بَادَرْتُ إِلَى الْهَرَبِ إِلَى تَرْشِيشَ، لأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ إِلهٌ رَؤُوفٌ وَرَحِيمٌ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَنَادِمٌ عَلَى الشَّرِّ فَالآنَ يَا رَبُّ، خُذْ نَفْسِي، مِنِّي، لأَنَّ مَوْتِي خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِي” (يون4: 1-3).
وحزن يونان لأن الله رؤوف ورحيم ورجع عن حمو غضبه، لقد كان يونان يريد خراب المدينة لأنها أممية. وعندما خرج يونان من المدينة وجلس شرقي المدينة أراد الله أن يصحح مفاهيمه ليدرك أن الله هو إله كل الخليقة، وأن كل الشعوب له، لذلك أعدَّ له يقطينة وإرتفعت وظللت عليه ولكنها في اليوم التالي يبست، وهنا حزن يونان حزنًا شديدًا وطلب الموت لنفسه، فقال له الله:
أَنْتَ شَفِقْتَ عَلَى الْيَقْطِينَةِ الَّتِي لَمْ تَتْعَبْ فِيهَا وَلَا رَبَّيْتَهَا، الَّتِي بِنْتَ لَيْلَةٍ كَانَتْ وَبِنْتَ لَيْلَةٍ هَلَكَتْ. أَفَلَا أَشْفَقُ أَنَا عَلَى نِنَوَى الْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنِ إثْنَتَيْ عَشَرَةَ رِبْوَةً مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ، وَبَهَائِمُ كَثِييرَةٌ؟” (يون4: 10-11). نعم إنه يشفق على نينوى وعلى كل شعب، وعلى كل إنسان، لأن كل إنسان له. إن الله لا يُحد في شعب ولا في جماعة، إنه يحب كل العالم.
لقد قال الرب يسوع: “لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ…. لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلَصَ بِهِ الْعَالَمُ” (يو3: 16و17) ويعلق وليم باركلي على هذه الآية قائلًا: “إن العالم كله دائرة محبته، ليس أمة واحدة وبقية الأمم لا… ليس الناس الطيبون والأشرار لا… ليس الذين يحبونه والذين يبغضونه لا. إن الله يحب الجميع، الذين لا صورة لهم ولا جمال في حياتهم، والذين لا يذكرون إسمه إطلاقًا. إن دائرة محبة الله الواسعة تشمل الجميع” [1].
إله العهد القديم ليس كما يظن البعض إله قتل وسفك دماء، إنه يقول في الوصية السادسة من الوصايا العشر:
“لَا تَقْتَلْ” (خر13:20).
 
ويقول الحكيم:
“هذِهِ السِّتَّةُ يُبْغِضُهَا الرَّبُّ… أَيْدٍ سَافِكَةٌ دَمًا بَرِيئًا” (أم6: 16-18).
 
ويوبخ الرب شعبه على لسان إرميا قائلًا:
“أَتَسْرِقُونَ وَتَقْتُلُونَ وَتَزْنُونَ وتَحْلِفُونَ كّذِبًا وَتُبَخِّرُونَ لِلْبَعْلِ وَتَسِرِقُونَ وَتَقْتُلُونَ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا ثُمَّ تَأتُونَ وَتَقِفُونَ أَمَامي فِي هّذَا الْبَيْتِ الَّذِي دُعِيَ بِإسْمِي عَلَيْهِ… هَلْ صَارَ هَذَا الْبَيْتُ الَّذِي دُعِيَ بِإسْمِي عَلَيْهِ مَغَارَةَ لُصُوصٍ فِي أَعْيُنِكُمْ” (إر7: 9-11).
 
ويقول على لسان إشعياء:
“لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ؟” يَقُولُ الرَّبُّ “إتَّخَمَّتُ مِنْ مُحْرَقَاتتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ وَبِدَمِ عُجُولٍ وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ. فَحِينَ تَبْسُطُونَ أَيْدِيكُمْ أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ وَإِنْ كَثَّرْتُمُ الصَّلَاةَ لَا أَسْمَعُ. أَيْدِكُمْ مَلآنَةٌ دَمًا” (إش1: 11-17).
 
ولكن قد يسأل البعض قائلًا: إذًا لماذا قال الرب فى العهد القديم:
 
أليست هذه التعاليم في العهد القديم تشجع على الإنتقام؟ عندما يعلِّم بأن من يخلع عينك تخلع عينه، ومن يكسر يدك تكسر يده.. إلخ. أليست تعاليم تشجع على الإنتقام؟
 
نقول كلا لعدة أسباب وهي:
أ – عندما أُعطيت هذه الشريعة كان المجتمع تحكمه قوانين الغابة. وكانت المجتمعات عبارة عن قبائل همجية، عندما تحدث مشاجرة بين شخصين ويكسر أحدهما ذراع الآخر، تهجم قبيلته على قبيلة الشخص الآخر وتقتل منهم عددًا كبيرًا. فجاءت شريعة العدل أو المعاملة بالمثل، وكأن الله يقول لهم “طبقوا العدل” إذا كسر إنسان يد آخر لا يجب أن تحطموا جسده كله تكسَر يده فقط، وإذا قلع إنسان عين آخر، لا يجب أن تقتلوه، أو تقتلوا أولاده بل لتُقلَع عينه فقط. لقد كانت شريعة العدل، وهي بداية الرحمة، وكان هدفها الحد من الإنتقام.
 
ب – يقول د. جون ستوت: إن هذه الشريعة كما توضح القرينة أُعطيت إلى قضاة بني إسرائيل (تث19: 17-21). فهي شريعة قضائية يطبقها القضاة وليس الأفراد، لأن موسى كان يكوِّن مجتمعًا مدنيًا له أسس وقواعد ومبادئ تقوم على العدالة والمساواة”. ويضيف د. ستوت: لذلك كانت الشريعة تأمر بقتل القاتل عمدًا، فيقول الوحي: “سَافِكُ دَمِ الإنسان بِالإنسان يثسْفَكُ دَمُهُ. لأَنَّ اللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ الإنسان” (تك6:9).
 
وَأيضًا: “مَنْ ضَرَبَ إِنْسَانًا فَمَاتَ يُقْتَلُ قَتْلًا” (خر12:21). وتأمر بقتل من يشتم أباه أو أمه أو من يضربهما، ومن يسرق إنسانًا ليمتلكه أو يبيعه، والزاني والزانية… الخ. فيقول الوحي: “وَإِذَا بَغَى إِنْسَانٌ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَقْتُلَهُ بِغَدْرٍ فَمَنْ عِنْدِ مَذْبَحِي تَأْخُذُهُ لِلْمَوْتِ. وَمَنْ ضَرَبَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ قَتْلًا. وَمَنْ سَرِقَ إِنْسَانًا وَبَاعَهُ أَوْ وَجِدَ فِي يَدِهِ يقْتَلُ قَتْلًا. وَمَنْ شَتَمَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ قتْلًا” (خر21: 14-17). وقد كانت هذه القوانين أداة للتأديب والتهذيب وحماية للمجتمع من عبث العابثين، فلا يمكن أن يكون هناك مجتمع بلا قوانين تحكمه”[2].
 
ج – ما ورد في الشريعة ليس قاعدة يتبعها الفرد في حياته الخاصة، فيأخذ حقه بنفسه، كلا، لكن عليه أن يلجأ للقضاء، وفي نفس الوقت نجد العهد القديم يعلِّم بالمحبة والتسامح والغفران (أم19:24؛ 21:25؛ خر21:22؛ 4:23). فيمكن للفرد أن يسامح ويغفر ولا يلجأ للقضاء، كما هو اليوم.
فيقول في الوصية التاسعة من الوصايا العشر: “لَا تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُور” (خر16:20). ويقول الحكيم: “هذِهِ السِّتِّةُ يُبْغِضُهَا الرَّبَّ… شَاهِدُ زُورٍ يَفُوهُ بِالأَكَاذِيبِ” (أم6: 16-18).
فيقول على لسان داود: “كثفَّ عَنِ الْغَضَبِ، وَأًتْرُكِ السَّخَطَ” (مز8:37). ويصل بنا إلى أعلى درجات الرقي فيقول على لسان الحكيم: “فِكْرُ الْحَمَاقَةِ خَطِيِّةٌ” (أم9:24).
ويقدم لنا عدة نصائح غالية فيقول:
 
ويقول في سفر الجامعة:
نهي الرب في العهد القديم عن الكذب فأوصى شعبه قائلًا:
“لَا تَكْذِبُوا” (لا  11:19).
 
وقال أيضًا:
“لا تَقْبَلْ خَبَرًا كَاذِبًا” (خر1:23). “إبْتَعِدْ عَنْ كَلَامِ الْكَذِبِ” (خر7:23).
 
ويقول على لسان الحكيم:
ويقول عن عقاب الكذابين:
“تُهْلِكُ الْمُتَكَلِّمِينَ بِالْكَذِبِ. رَجُلُ الدِّمَاءِ وَالْغِشِّ يَكْرَهُهُ الرَّبُّ” (مز6:5).
فيقول في الوصية الثامنة من الوصايا العشر:
“لَا تَسْرِقْ” (خر15:2).
وقال أيضًا:
“لَا تَسْرِقُوا” (لا 11:19).
وأوصى الرب بأن يعوض السارق عن الشيء الذي سرقه بعدة أضعاف فيقول: “إِذَا سَرَقَ إِنْسَانٌ ثَوْرًا أَوْ شَاةً فَذَبَحَهُ أَوْ بَاعَهُ، يُعَوِّضُ عَنِ الثَّوْرِ بِخَمْسَةِ ثِيرَانٍ، وَعَنِ الشَّاةِ بِأرْبَعَةٍ مِنَ الْغَنَمِ” (خر1:22).
وقال الرَّبُّ لمُوسَى أيضًا:
“إِذَا أَخْطَأَ أَحَدٌ وَخَانَ خِيَانَةً بِالرَّبِّ، وَجَحَدَ صَاحِبَهُ وَدِيعَةً أَوْ أَمَانَةً أَوْ مَسْلُوبًا، أَوِ إغْتَصَبَ مِنْ صَاحِبِهِ، أَوْ وَجَدَ لُقَطَةً وَجَحَدَهَا، وَحَلَفَ كَاذِبًا عَلَى كَاذشبًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ الإنسان مُخْطِئًا بِهِ، فَإِذَا أَخْطَاَ وَأَذْنَبَ، يَرُدُّ الْمَسْلُوبَ الَّذِي سَلَبَهُ، أَوِ الْمُغْتَصَبَ الَّذِي إغْتَصَبَهُ، اَوِ الْوَدِيعَةَ الَّتِي أُودِعَتْ عِنْدَهُ، أَوِ اللُّقَطَةَ الَّتِي وَجَدَهَا، أَوْ كُلَّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ كَاذِبًا. يُعَوِّضُهُ بِرَأْسِهِ، وَيزِيدُ عَلَيْهِ خَمْسَهُ. إِلَى الَّذِي هُوَ لَهُ يَدْفَعُهُ يَوْمَ ذَبِيحَةِ إِثْمِهِ” (لا 6: 1-5).
 
ويضيف:
“مِيزَانُ حَقّ، وَوَزّنَاتُ حَقّ، وَإِيفَةُ حَقّ، وَهِينُ حَقّ تَكُونُ لَكُمْ” (لا 19: 33-36).
أرجو أن تقرأ هذه الآيات وتتأمل فيها:
 
وهنا قد يسأل البعض: لماذا قال المسيح: “سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ” (مت5: 43-44)؟ ألا يدل هذا على أن العهد القديم كان يُعلِّم بكراهية العدو؟
 
كلا، فالعهد القديم يعلمنا محبة العدو كما ذكرت سابقًا، وما يؤكد هذا أيضًا هو أن المسيح يقول: “سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ…” ولم يقل “مَكْتُوبٌ…” فقد كانت هذه أقوال الكتبة والفريسيين والناموسيين، ولم تكن تعاليم العهد القديم. فلقد حرَّفوا الوصية لكي يبرروا غريزة الإنتقام، لقد إستخدموا الدين لخدمة أغراضهم الشخصية، فعبارة “تُبْغِضُ عَدُوَّكَ” لا توجد إطلاقاً في كل العهد القديم، كل ما جاء في الشريعة “تُحِبُ قَرِيبَكَ” (لا 18:19)، أما “ـُبْغِضُ عَدُوَّكَ” فهي إضافة منهك كتفسير للوصية (اقرأ لآويين 34:19، خروج49:12).
يقول الرب:
فيقول الوحي عن الرب:
فأوصى بمنحهم أجازة أسبوعية مثل أسيادهم “سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعُ عَمَلِكَ، وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ. لَا تَصْنَعْ عَمَلًا مَا أَنْتَ وَإبْنُكَ وَأْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ الَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ” (خر1:2).
“وَتَفْرَحُ أَمَامَ الرَّبِّ إِلَهِكَ أَنْتَ وَإنُكَ وَإبْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَاللَآوِتيُّ الَّذِي فِي أَبْوَابِكَ، وَالْغَرِيبُ وَالْيَتِيمُ وَالأَرِمَلَةُ الَّذِينَ فِي وَسْطِكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُه الرَّبُّ إِلهُكَ لِيُحِلّ َإسْمَهُ فِيهِ. وَتَذْكُرُ أَنَّكَ كُنْتَ عَبْدًا فِي مِصْرَ وَتَحْفَظُ، وَتَعْمَلُ هذِهِ الْفَرَائِضَ” (تث16: 12،11).
وكان يمكنهم مشاركة سادتهم في الختان (تك17: 10-27،14) وفي الأعياد مثل عيد الفصح (خر44:12، تث16: 14،11) وفي الراحة الأسبوعية يوم السبت (خر1:2، 12:23). كما أوصى العهد القديم بالأمه، فكان من الممكن أن يتزوج بها سيدها أو ابن سيدها، فإذا قبحت في عينيه فإنه يطلقها حرة.
فيقول: “لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَكُمْ هُوَ إِلَهُ الآلِهَةِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ، الإِلَهُ الْعَظِيمُ الْجَبَّارُ الْمَهِيبُ الَّذِي لَا يَأْخُذُ بِالْوُجُوهِ وَلَا يَقْبَلُ رَشْوَةً. 18 الصَّانِعُ حَقَّ الْيَتِيمِ وَالأَرْمَلَةِ، وَالْمُحِبُّ الْغَرِيبَ لِيُعْطِيَهُ طَعَامًا وَلِبَاسًا. فَأَحِبُّوا الْغَرِيبَ لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ” (تث1: 17-19).
ولقد حذر الرب شعبه من مضايقة الغريب أو إضطهاده فقتا: “وَلَا تَضْطَهِدِ الْغَرِيبَ وَلَا تُضَايِقْهُ لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ” (خر21:22). وقال أيضًا: “وَلَا تُضَايِقِ الْغَرِبَ فَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ نَفْسَ الْغَرِيبِ، لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ” (خر23: 9،1).
وأوصى الله بمحبة الغريب وأن تكون محبة الغريب كمحبة النفس فيقول: “وَإِذَا نَزَلَ عِنْدَكَ غَرِيبٌ فِي أَرْضِكُمْ فَلَا تَظْلِمُوهُ. كَالْوَطَنِيِّ مِنْكُمْ يَكُونُ لَكُمُ الْغَرِيبُ النَّازِلُ عِنْدَكُمْ، وَتُحِبُّهُ كَنَفْسِكَ، لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غُرَبَاءَ فِي أَرْضِ مِصْرَ. أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ” (لا 19: 33-34).
وأوصى الله بترك بقايا الحصاد للمسكين والغريب “وَعِنْدَمَا تَحْصُدُونَ حَصِيدَ أَرْضِكُمْ لَا تُكَمّلْ زَوَايَا حَقْلِكَ فِي الْحَصَادِ. وَلُقَاطَ حَصِيدِكَ لَا تَلْتَقطْ. وَكَرْمَكَ لَا تُعَلِّلْهُ، وَثمَارَ كَرْمِكَ لَا تَلْتَقِطْ. لِلْمَسْكِينِ وَالْغَرِيبِ تَتْرُكُهُ. أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ.” (لا 19: 10،9).
وسمح الله للغريب أن يعمل فصحًا للرب “وَإِذَا نَزَلَ عِنْدَكُمْ غَرِيبٌ فَلْيَعْمَلْ فِصْحًا لِلرَّبِّ. حَسَبَ فَرِيضَةِ الْفِصَحِ وَحُكْمِهِ كَذَلِكَ يَعْمَلُ. فَرِيضَةٌ وَاحِدَةٌ تَكُونُ لِكُمْ لِلْغَرِيبِ وَلِوَطَنِيِّ الأَرْضِ” (عد14:9) وللغريب أن يعمل وقود رائحة سرور للرب “وَإِذَا نَزَلَ عِنْدَكُمْ غَرِيبٌ، أَوْ كَانَ أَحَدٌ فِي وَسَطِكُمْ فِي أَجْيَالِكُمْ وَعَمِلَ وقُودَ رَائِحَةِ سُرُورٍ لِلرَّبِّ، فَكَمَا تَفْعَلُونَ كَذلِكَ يَفْعَلُ” (عد14:15) وسمح له بتقديم ذبيحة خطية(عد29:15). ويدخلون في جماعة الرب “لا تَكْرَهْ أَدُومِيًّا لأَنَّهُ أَخُوكَ. لَا تَكْرَهْ مِصْرِيًا لأّنَّكَ كُنْتَ نَزِلًا فِي أَرْضِهِ. الأّوْلَادُ الذِينَ يُولدُونَ لهُمْ فِي الجِيلِ الثَّالِثِ يَدْخُلُونَ مِنْهُمْ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ” (تث23: 8،7).
فيقول الرب لشعبه:
“إَنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لَا ذَبِيحَةً وَمَعْرِفَةَ اللهِ أَكْثَرَ مِنْ مُحْرَقَاتٍ” (هو6:6).
“بَغَضْتُ كَرِهْتُ أَعْيَادَكُمْ وَلَسْتُ أَلْتَذُّ بإعْتِكَافَاتِكُمْ. إَنِّي إِذَا قَدَّمْتُمْ لَي مُحْرَقَاتِكُمْ وَتَقْدِمَاتِكُمْ لَا أَرْتَضِي وَذَبَائِحَ السَّلَامةِ مِنْ مُسَمَّنَاتِكُمْ لَا أَلْتَفِتُ إِلَيْهَا. أَبْعِدْ ‘َعنِّي ضّجَّةَ أَغَانِيكَ وَنَغْمَةَ رَبَابِكَ لَا أَسْمَعُ. وَلْيَجْرِ الْحَقُّ كِالْمِيَلهِ وَالْبِرُّ كَنَهْرٍ دَائِمٍ” (عا5: 21-24).
“قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا الإنسان مَا هُوَ صَالِحٌ، وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ، إِلَّا أَنْ تَصْنَعَ الْحَقَّ وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعًا مَعَ إِلَهِكَ” (مي8:6).
فتقول الوصية العاشرة: “لَا تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبَكَ. لَا تَشْتَهِ إمْرَأَةَ قَرِيبَكَ، وَلَا عَبْدَهُ، وَلَا أَمَتَهُ، وَلَا ثَوْرَهُ، وَلَا حِمَارَهُ، وَلَا شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ” (خر17:20).
فقد أمر الرب بإراحة الحيوان في اليوم السابع (خر12:23) وأوصى الله بترك الأرض في السنة السابعة بلا زراعة لكي تجد حيوانات البرية طعامها في هذه الأرض فيقول:
“وَسِتَّ سِنِينَ تَزْرَعُ أّرْضَكَ وَتَجْمَعُ غَلَّتَهَا، وَأَمَّا فِي السَّابِعَةِ فَتُرِحُهَا وَتَتْرُكُهَا لِيَأكُلَ فُقَرَاءُ شَعْبِكَ. وَفَضْلَتُهُمْ تَأْكُلُهَا وُحُوشُ الْبَرِّيَّةِ. كَذلِكَ تَفْعَلُ بِكَرْمِكَ وَزَيْتُونِكَ. سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ عَمَلَكَ. وَأَمَّا الْيّوْمُ السَّابِعُ فَفِيهِ تِسْتِرِيحُ، لِكَيْ يَسْتَرِيحَ ثَوْرُكَ وَحِمَارُكَ” (خر23: 11،10).
ومن مظاهر الرفق بالحيوان يقول الرب:
لأن قوة وسرعة الثور تختلف عن قوة وسرعة الحمار، فحتى لا يُنهَك الحمار جاءت هذه الوصية. كما أوصى الله من جهة الثور الذي يدرس قائلًا: “لَا تَكُمَّ الثَّوْرَ فِي دِرَاسِهِ” (تث4:25).
وقد يحتج البعض قائلًا: كيف يأمر العهد القديم برجم الثور النطاح بدلًا من ذبحه وأكل لحمه (خر28:21)؟ نقول: لقد أمر الله بهذا ليؤكد على قدسية النفس البشرية، وملكيتها لله، الذي له الحق أن يأخذها حينما يشاء، ولذلك فإن العقاب لا يقتصر على الثور وحده بل يسري على صاحب الثور أيضًا إن كان يعلم أن ثوره نطاحًا ولم يذبحه، فيُقتل صاحب الثور، أو يدفع الفدية التي يضعها عليه أهل القتيل “وَلَكِنْ إِنْ كَانَ ثَوْرًا نَطَّاحًا مِنْ قَبْلُ، وَقَدَ أُشْهِدَ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَمْ يَضْبِطْهُ، فَقَتَلَ رَجُلًا أَوِ امْرَأّةً، فَالثَّوْرُ يُرْجَمُ وَصَاحِبُهُ أَيْضًا يُقْتَلُ. إِنْ وُضِعَتْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ، يَدْفَعُ فِدَاءَ نَفْسِهِ كُلُّ مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ” (خر21: 30،29) ففي رجم الثور وقتل صاحبه عقوبة رادعة لوقف الجريمة، أما الذين يتباكون على الثور، فإن تقديرهم له أكبر من تقديرهم للنفس البشرية.
هذا هو إله العهد القديم الذي يقدمه لنا الوحي، إنه إله المحبة والرحمة والرأفة والغفران، هذا هو الذي ظهر لنا في شخص المسيح ولذلك قيل عنه:
“اَلَّذِي هُوَ صُورّةُ εἰκὼν  الله غَيْرِ الْمَنْظُورِ” (كو 15:1).
 
“الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ χαρακτὴρ  وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ” (عب3:1).
“اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ μονογενὴς  الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ. ἐξηγήσατο ” (يو18:1).
وقال هو عن نفسه:
“أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ” (يو30:10).
“الّذي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ” (يو9:14)
 
ولكن للأسف: “إِلَهُ هّذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أّذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ. لِئَلَّا تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ” (2كو4:4).
 
[1] وليم باركلي: تفسير إنجيل يوحنا الجزء الأول صـ 197.
[2] جون ستوت. الموعظة على الجبل. صـ 119.
 

من هو إله العهد القديم ؟ هل هو إله محبة أم دماء؟

Exit mobile version