إله العهد القديم، هل هو إله يستخدم روح كذب لتنفيذ مقاصده؟
فَقَالَ ٱلرَّبُّ: مَنْ يُغْوِي أَخْآبَ فَيَصْعَدَ وَيَسْقُطَ فِي رَامُوتَ جِلْعَادَ؟ فَقَالَ هَذَا هَكَذَا، وَقَالَ ذَاكَ هَكَذَا. ثُمَّ خَرَجَ ٱلرُّوحُ وَوَقَفَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ وَقَالَ: أَنَا أُغْوِيهِ. وَقَالَ لَهُ ٱلرَّبُّ: بِمَاذَا؟ فَقَالَ: أَخْرُجُ وَأَكُونُ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ. فَقَالَ: إِنَّكَ تُغْوِيهِ وَتَقْتَدِرُ، فَٱخْرُجْ وَٱفْعَلْ هَكَذَا. وَٱلْآنَ هُوَذَا قَدْ جَعَلَ ٱلرَّبُّ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِكَ هَؤُلَاءِ، وَٱلرَّبُّ تَكَلَّمَ عَلَيْكَ بِشَرٍّ». (1مل 22: 20-23)، راجع (2أخ 18: 18-22)
يُعلق د. منقذ بن محمود السقار على هذه القصة قائلاً “نرى الرب هنا وهو يأمر بالإغواء والكذب، ويبحث عمن يرشده الى طريقة لإغواء آخاب”(1)
والسؤال: كيف يُرسل الله رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفواهِ جَمِيعِ أَنبيائِهِ؟ هل الله يحب أن يُغوي عبيده؟ وهل يستعمل الله اروحاً شريرة لتنفيذ مقاصده؟
لكي نُجيب عن هذه الأسئلة يجب ان نعرف من هو آخاب؟ والخلفية التاريخية للقصة التي امامنا؟ ومن هم الأنبياء الذين يتحدث عنهم الوحي هنا؟
أولاً حقيقتان هامتان:
(1) الله لا يضلل ايّ إنسان:
“لأنه يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الحق يُقبلون” (1تي 2: 4). وهو الذي قال:” حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ، إِنِّي لَا أُسَرُّ بِمَوْتِ ٱلشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ ٱلشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا. اِرْجِعُوا، ٱرْجِعُوا عَنْ طُرُقِكُمُ ٱلرَّدِيئَةِ! فَلِمَاذَا تَمُوتُونَ؟” (حز 33: 11)
وهو الذي يهدي الضالين ويقودهم إلى طريق الخلاص والحياة الأبدية، ألم يُقِم في العهد القديم نظام الكهنوت واشترط أن يكون رئيس الكهنة مترفقاً بالجهال والضالين؟ “لِأَنَّ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ مَأْخُوذٍ مِنَ ٱلنَّاسِ يُقَامُ لِأَجْلِ ٱلنَّاسِ فِي مَا لِلهِ، لِكَيْ يُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَذَبَائِحَ عَنِ ٱلْخَطَايَا، قَادِرًا أَنْ يَتَرَفَّقَ بِٱلْجُهَّالِ وَٱلضَّالِّينَ، إِذْ هُوَ أَيْضًا مُحَاطٌ بِٱلضَّعْفِ. وَلِهَذَا ٱلضَّعْفِ يَلْتَزِمُ أَنَّهُ كَمَا يُقَدِّمُ عَنِ ٱلْخَطَايَا لِأَجْلِ ٱلشَّعْبِ هَكَذَا أَيْضًا لِأَجْلِ نَفْسِهِ.” (عب 5: 1-3). فمن الجهل ان نظن ان الله الذي يطلب من رئيس الكهنة ان يكون مترفقا بالضالين هو الذي يضللهم؟ ونحن كنا ضالين لكن محبة الله ونعمته هي التي قادتنا الى التوبة والخلاص “لِأَنَّنَا كُنَّا نَحْنُ أَيْضًا قَبْلًا أَغْبِيَاءَ، غَيْرَ طَائِعِينَ، ضَالِّينَ، مُسْتَعْبَدِينَ لِشَهَوَاتٍ وَلَذَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، عَائِشِينَ فِي ٱلْخُبْثِ وَٱلْحَسَدِ، مَمْقُوتِينَ، مُبْغِضِينَ بَعْضُنَا بَعْضًا. وَلَكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا ٱللهِ وَإِحْسَانُهُ -لَا بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ-خَلَّصَنَا بِغُسْلِ ٱلْمِيلَادِ ٱلثَّانِي وَتَجْدِيدِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدس”(تي 3: 3-5)
(2) الله يُدين من يضلل الأخرين:
كيف يضلل الناس وهو الذي يدين المضلّلين؟ لقد قال على لسان موسى “مَلْعُونٌ مَنْ يُضِلُّ ٱلْأَعْمَى عَنِ ٱلطَّرِيقِ.” (تث 27: 18) وقال على لسان الحكيم “مَنْ يُضِلُّ ٱلْمُسْتَقِيمِينَ فِي طَرِيقٍ رَدِيئَةٍ فَفِي حُفْرَتِهِ يَسْقُطُ هُوَ” (أم 28: 10). وقد حذَّر الرب يسوع كل من يحاول تضليل او من يضع عثرة امام المؤمنين الجدد فيقول: “وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ ٱلصِّغَارِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِي، فَخَيْرٌ لَهُ لَوْ طُوِّقَ عُنُقُهُ بِحَجَرِ رَحًى وَطُرِحَ فِي ٱلْبَحْرِ.” (مر 9: 42)
وأرجو أن تقرأ معي الآيات التالية لترى كيف يدين الله الأنبياء الكذبة:
“وَأَمَّا ٱلنَّبِيُّ ٱلَّذِي يُطْغِي، فَيَتَكَلَّمُ بِٱسْمِي كَلَامًا لَمْ أُوصِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، أَوِ ٱلَّذِي يَتَكَلَّمُ بِٱسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى، فَيَمُوتُ” (تث 18: 20-22).
“هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ عَلَى ٱلْأَنْبِيَاءِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَ شَعْبِي، ٱلَّذِينَ يَنْهَشُونَ بِأَسْنَانِهِمْ، وَيُنَادُونَ: «سَلَامٌ»! وَٱلَّذِي لَا يَجْعَلُ فِي أَفْوَاهِهِمْ شَيْئًا، يَفْتَحُونَ عَلَيْهِ حَرْبًا: «لِذَلِكَ تَكُونُ لَكُمْ لَيْلَةٌ بِلَا رُؤْيَا. ظَلَامٌ لَكُمْ بِدُونِ عِرَافَةٍ. وَتَغِيبُ ٱلشَّمْسُ عَنِ ٱلْأَنْبِيَاءِ، وَيُظْلِمُ عَلَيْهِمِ ٱلنَّهَارُ. فَيَخْزَى ٱلرَّاؤُونَ، وَيَخْجَلُ ٱلْعَرَّافُونَ، وَيُغَطُّونَ كُلُّهُمْ شَوَارِبَهُمْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ جَوَابٌ مِنَ ٱللهِ”. (مي 3: 5-7).
“هَئنَذَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ بِأَحْلَامٍ كَاذِبَةٍ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، ٱلَّذِينَ يَقُصُّونَهَا وَيُضِلُّونَ شَعْبِي بِأَكَاذِيبِهِمْ وَمُفَاخَرَاتِهِمْ وَأَنَا لَمْ أُرْسِلْهُمْ وَلَا أَمَرْتُهُمْ…. لِذَلِكَ هَئَنَذَا أَنْسَاكُمْ نِسْيَانًا، وَأَرْفُضُكُمْ مِنْ أَمَامِ وَجْهِي، أَنْتُمْ وَٱلْمَدِينَةَ ٱلَّتِي أَعْطَيْتُكُمْ وَآبَاءَكُمْ إِيَّاهَا. وَأَجْعَلُ عَلَيْكُمْ عَارًا أَبَدِيًّا وَخِزْيًا أَبَدِيًّا لَا يُنْسَى” (إر 23: 32 , 39).
ويحذر الرب شعبه باستمرار من الانسياق وراء الانبياء الكذبة:
“إِذَا قَامَ فِي وَسَطِكَ نَبِيٌّ أَوْ حَالِمٌ حُلْمًا، وَأَعْطَاكَ آيَةً أَوْ أُعْجُوبَةً، وَلَوْ حَدَثَتِ ٱلْآيَةُ أَوِ ٱلْأُعْجُوبَةُ ٱلَّتِي كَلَّمَكَ عَنْهَا قَائِلًا: لِنَذْهَبْ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفْهَا وَنَعْبُدْهَا، فَلَا تَسْمَعْ لِكَلَامِ ذَلِكَ ٱلنَّبِيِّ أَوِ ٱلْحَالِمِ ذَلِكَ ٱلْحُلْمَ، لِأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكُمْ يَمْتَحِنُكُمْ لِكَيْ يَعْلَمَ هَلْ تُحِبُّونَ ٱلرَّبَّ إِلَهَكُمْ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَنْفُسِكُمْ. وَرَاءَ ٱلرَّبِّ إِلَهِكُمْ تَسِيرُونَ، وَإِيَّاهُ تَتَّقُونَ، وَوَصَايَاهُ تَحْفَظُونَ، وَصَوْتَهُ تَسْمَعُونَ، وَإِيَّاهُ تَعْبُدُونَ، وَبِهِ تَلْتَصِقُونَ. وَذَلِكَ ٱلنَّبِيُّ أَوِ ٱلْحَالِمُ ذَلِكَ ٱلْحُلْمَ يُقْتَلُ، لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِٱلزَّيْغِ مِنْ وَرَاءِ ٱلرَّبِّ إِلَهِكُمُ ٱلَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَفَدَاكُمْ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ، لِكَيْ يُطَوِّحَكُمْ عَنِ ٱلطَّرِيقِ ٱلَّتِي أَمَرَكُمُ ٱلرَّبُّ إِلَهُكُمْ أَنْ تَسْلُكُوا فِيهَا. فَتَنْزِعُونَ ٱلشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ.” (تث 13: 1 – 5).
“أَيُّهَا ٱلْأَوْلَادُ، لَا يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ: مَنْ يَفْعَلُ ٱلْبِرَّ فَهُوَ بَارٌّ، كَمَا أَنَّ ذَاكَ بَارٌّ. مَنْ يَفْعَلُ ٱلْخَطِيَّةَ فَهُوَ مِنْ إِبْلِيسَ، لِأَنَّ إِبْلِيسَ مِنَ ٱلْبَدْءِ يُخْطِئُ. لِأَجْلِ هَذَا أُظْهِرَ ٱبْنُ ٱللهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ.” (1يو 3: 7 و8).
وقال الرب يسوع:” ٱنْظُرُوا! لَا يُضِلَّكُمْ أَحَدٌ. فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِٱسْمِي قَائِلِينَ: أَنَا هُوَ ٱلْمَسِيحُ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ” (مت 24: 4-5).
ثانياً: الخلفية التاريخية للقصة التي أمامنا؟
من هو أَخَابَ؟
أخآب بن عمري. ملك على إسرائيل في السامرة حوالي عام 875 ق.م. وملك اثنين وعشرين سنة.
“وَعَمِلَ ٱلشَّرَّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ ٱلَّذِينَ قَبْلَه” (1مل 16: 31). وتزوج من إيزابل ابنة اثبعل ملك صيدون. وكانت امرأة وثنية شريرة تعبد البعل. فأثرت عليه وانقاد وراءها في عبادة البعل. (1مل 16: 30 – 33). وكانت تكره إله إسرائيل لدرجة أنها قتلت جميع أنبياء الرب. فكانت فترة حكمه مظلمة وحالكة في تاريخ شعب إسرائيل. فيها ابتعد إسرائيل جداً عن الله وتركه وعبد آلهة أخرى وأغاظ الرب جداً. فقد أقام مذبحاً للبعل في السامرة وعمل السواري وأقامها لعبادة الأوثان.
ولكن الرب لم يترك نفسه بلا شاهد. فأرسل إيليا النبي إلى أخاب فتنبأ بمجيء جفاف وقحط عقاباً له على خطيته (1مل 17: 1) وقد دام القحط في السامرة ثلاث سنين ونصف تقريباً (1مل 18: 1، ولو 4: 25، يع 5: 17)، وكان الجوع شديداً. وقال إيليا لأخاب أنه هو وأهل بيته هم سبب هذا الشر نتيجة عبادتهم للبعل. وبالرغم. من ذلك لم يتب أخاب او يرجع عن طرقه الردية. بل إرداد شراً وفساداً. فاستولى اخاب وإيزابل على كرم نابوت اليزرعيلي بعد ان دبرا له مكيدة لقتله , وقُتل ظلما بناء على شهادة شهود زور. فأرسل الرب إيليا ليقول له ” هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: هَلْ قَتَلْتَ وَوَرِثْتَ أَيْضًا؟ فِي ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي لَحَسَتْ فِيهِ ٱلْكِلَابُ دَمَ نَابُوتَ تَلْحَسُ ٱلْكِلابُ دَمَكَ أَنْتَ أَيْضًا.فَقَالَ أَخْآبُ لِإِيلِيَّا: «هَلْ وَجَدْتَنِي يَا عَدُوِّي؟» فَقَالَ: «قَدْ وَجَدْتُكَ لِأَنَّكَ قَدْ بِعْتَ نَفْسَكَ لِعَمَلِ ٱلشَّرِّ فِي عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ.” (1مل 21 :19).
متى قيلت النبوة التي أمامنا؟
تحالف “يهوشافاط” ملك يهوذا مع “أَخْآب” ملك إسرائيل وزوًّج ابنه من ابنة أَخْآب “عثليا” وبعد ثلاث سنين لم تكن فيها حروب بي إسرائيل وآرام. أراد أخآب أن يسترد راموت جلعاد من الآراميين ويرجعها إلى ملكه فطلب من يهوشافاط أن ينزل معه للحرب ضد ملك آرام، وقد كان هذا لهلاك أًخْآب كما تنبأ إيليا بأنه سيموت وأن الكلاب ستلحس دمه في كرم نابوت اليزرعيلي. وهنا طلب يهوشافاط من أًخْآب أن يستشير أنبياء الرب، فَجَمَعَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ 400 رجل من أنبياء البعل وَسَأَلَهُمْ [أَأَذْهًبُ إلَى رَامُوتَ جِلْعَادَ لِلْقِتَالِ أَمْ أَمْتَنِعُ؟] . فقالوا: [اصعد فيدفعها السيد ليد الملك] وكان على رأسهم صدقيا بن كنعنة الذي عمل لنفسه قرني حديد وقال لأَخْآب: [هَكَذَا قالَ الرَّبُّ: بِهَذِهِ تَنْطَحُ الأرَامِيَّينَ حَتَّى يَفْنُوا]. ونقرأ في آية “وَتَنَبًّأَ جَمِيعُ الأنْبِيَاْءِ قائِلينَ: “اصْعَدْ إِلَى راموت جلعاد وأفلح. فيدفعها الربليد الملك” ولكن يهوشافاط الملك سأل: [أمَا يُوجَدُ هُنَا بَعْدُ نَبِيًّ لِلرَّبَّ فنسأل منه؟] فقال ملك إسرائيل ليهوشافاط: [يوجد بعد رجل واحد لسؤال الرب به، ولكني ابغضه لأنه لأ يتنبأ على خيرا بل شراً، وهو ميخا بن يملة]. فقال يهوشافاط: [لا يقل الملك هكذا]. فأرسلوا لاستدعاء ميخا النبي. والغريب ان الرسول الذي ذهب ليدعو ميخا قال له: “هوذا كلام جميع الأنبياء بفم واحد خير للملك” وطلب منهأن يتنبأ بالخير للملك مثل باقي الأنبياء ولكن ميخا قال له: [حي هو الرب ان ما يقوله لي الرب به أتكلم]. فلما جاء ميخا سأله الملك: [يا ميخا أنصعد إلى راموت جلعاد للقتال أم نمتنع؟] فقال له: [اصعد وأفلح فيدفعها الرب ليد الملك]. وهي تأتي في الترجمة التفسيرية “فأجابه (بتهكم): “اذهب فتظفر بها لأن الرب يسلمها إلى الملك”. فقال له الملك: [كم مرة استحلفتك ألا تقول لي إلا الحق باسم الرب]. فقال: [رأيت كل اسرائيل مشتتين على الجبال كخرافٍ لا راعي لها. فقال الرب: [ليس لهؤلاء أَصحاب. فليرجعوا كل واحدٍ منهم إلى بيته بسلام]. وهي تأتي في الترجمة التفسيرية “رأيت كل إسرائيل مبددين على الجبال كخراف بلا راعٍ. فقال الرب: ليس لهؤلاء قائد، فليرجع كل واحدٍ منهم إلى بيته بسلام”. والمعنى المقصود أنك ستموت ويصبح الشعب بلا قائد ولكنهم سيرجعون إلى بيوتهم بسلام. ولذلك ااغتاظ جداً أخآب وقال ليهوشافاط: [أما قلت لك إنه لا يتنبأ علي خيراً بل شراً؟]. فقال له ميخا النبي الكلمات التي هي موضوع سؤالنا:
[فاسمع إذا كلام الرب: قد رأيت الرب جالساً على كرسيه. وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره. فَقَالَ ٱلرَّبُّ: مَنْ يُغْوِي أَخْآبَ فَيَصْعَدَ وَيَسْقُطَ فِي رَامُوتَ جِلْعَادَ؟ فَقَالَ هَذَا هَكَذَا، وَقَالَ ذَاكَ هَكَذَا. ثُمَّ خَرَجَ ٱلرُّوحُ وَوَقَفَ أَمَامَ ٱلرَّبِّ وَقَالَ: أَنَا أُغْوِيهِ. وسأله ٱلرَّبُّ: بِمَاذَا؟ فَقَالَ: أَخْرُجُ وَأَكُونُ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ. فَقَالَ: إِنَّكَ تُغْوِيهِ وَتَقْتَدِرُ، فَٱخْرُجْ وَٱفْعَلْ هَكَذَا. وَٱلْآنَ هُوَذَا قَدْ جَعَلَ ٱلرَّبُّ رُوحَ كَذِبٍ فِي أَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِكَ هَؤُلَاءِ، وَٱلرَّبُّ تَكَلَّمَ عَلَيْكَ بِشَرٍّ].
وفور أن قال ميخا النبي هذه الكلمات ضربه صدقيا بقرني الحديد متهماً إياه بالكذب، وأمر أخآب الملك بحبسه حتى يعود من الحرب، ولكنه مات في الحرب كما تنبأ ميخا.
ثالثاَ: ما الذي قصده ميخا النبي بهذه الكلمات؟
(1) تحذير أخآب من الأنبياء الكذبة:
أولاً ما يجب أن نلاحظه هو أن ما قاله ميخا النبي هنا هو عبارة عن مشهد تصويري. أو صورة تشبيهية وليست واقعية لتوصيل فكرة معينة الى أخآب الملك، فالله الغير محدود لا يجلس على كرسي، وليس له عرش بالمعنى البشري، والروح لا يقف، وملائكتة الله كثيرة جداً يصعب عدهم. فهو منظر تخيلي وليس حقيقي، لتوصيل رسالة معينة لأخآب، كان ميخا يريد من خلاله أن يقول لأخآب: انتبه واحترس فإن ما يتنبأبه أنبياؤك كذب وخداع وليس من الرب، بل من الروح كذب وغش ونفاق.
وأنا أرجوك عزيزي القارئ أن تفكر معي لدقائق: هل ميخا النبي ضلل أخآب أم أخبره بالحق؟!
لو كان الرب يريد بالفعل أن يضلل أخآب هل كان قد جعل ميخا النبي يفضح كذب الأنبياء الكذبة أم يؤيد أقولهم؟!
ثم لو كان الرب يريد بالفعل أن يغوي أخآب هل كان قد أرسل له من قبل إيليا النبي لينذره ويوبخه ويطلب منه أن يتوب عن شره؟!
ولو كان الرب يريد بالفعل أن يغوي أخآب فلماذا جعل ميخا النبي يصر على أن لا يقول إلا ما يأمره به الرب، فقال لمن أرسله الملك ليحضره إليه: “حَيُّ هُوَ الرُّبُّ إِنَّ مَا يَقُولُهُ لِيَ الرُّبُّ بِهِ أَتَكَلَّمُ!”.
ولو كان الرب يريد بالفعل أن يغوي أخآب هل كان جعل ميخا يخبر أخآب بأن الموت في انتظاره؟!
إن ما قاله ميخا النبي إلى أخآب هو رسالة حب من الله له، فهو يحذره من خطر قادم عليه، ويؤكد له أن أنبيائه تنبأوا له بالكذب. وأن روح الكذب هو الذي قادهم لذلك. كانت الشبهة ستكون صحيحة لو أن ميخا النبي قال له نفس ما قاله الأنبياء الكذبة.
من الذي ضلل أخآب؟
لقد كان ميخا النبي يريد أن يؤكد لأخآب أن أنبيائه – أنبياء البعل وأنبياء السواري الذين أحاط نفسه بهم هو وزوجته إيزايل الشريرة – هم الذين يضللونه. فهل الرب أرسل لهم روح كذب أم هم أصلاً مجموعة من الكذبة؟ كانت الشبهة ستكون صحيحة لو أنهم كانو من قبل يتنبأون بالصدق وكذبوا هذه المرة فقط.
الشئ الغريب هو أن أخآب كان يعرف بل ومتأكد من أن ميخا هو نبي الرب الوحيد. بدليل أنه عندما سأله يَهُوشَافَاطَ: [أَمَا يُوجَدُ هُنَا بَعْدُ نَبِيٌّ لِلرَّبِّ فَنَسْأَلَ مِنْهُ؟] فَقَالَ أخآب لِيَهُوشَافَاطَ: [يُوجَدُ بَعْدُ رَجُلٌ وَاحِدٌ لِسُؤَالِ ٱلرَّبِّ بِهِ، وَلَكِنِّي أُبْغِضُهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَبَّأُ عَلَيَّ خَيْرًا بَلْ شَرًّا، وَهُوَ مِيخَا بْنُ يَمْلَةَ” (اَلْمُلُوكِ ٱلْأَوَّلُ 22 : 7-8 )
ورغم معرفة أخآب بذلك فإنه كان يسأل الأنبياء والكذبة بل ويصر على ذلك، ولا يسأل ميخا لأنه يعرف أن ميخا سيقول الصدق، وأما الأنبياء الكذبة فسيقولون ما يريحه، لأنهم يتكلمون كلام حسب شهوة قلبه.
لقد كان يحب الشر أكثر من الرب، لذلك كان من الصعب عليه أن يسمع كلام الرب.
(2) إعلان سلطان الله:
إن ما قصده ميخا النبي بقوله لأخآب: “والآن هوذا قد جعل الرب روح كذب في أفواه جميع انبيائك هؤلاء، والرب تكلم عليك بشر”. أي أن الله قد سمح لروح الكذب أن يُضلَّلك قصاصاً على شرك وفسادك. وقد اعتبر ميخا أن إرادة السماح تساوي الإرادة القصدية، وهذا عمل من أعمال سيادة الله في عالمنا، فالجميع في خدمته، سواء عرفوا هذا أو لم يعرفوه. وهذا يمجّد الله ولا يُنقص من كمال صفاته. ولو لم يكن الله صاحب السلطان المطلق على الأرواح الشريرة لكانت قبضته على عالمنا ضعيفة واهية، وهذا مستحيل!
أو بصيغة أخرى: عندما قال الرب لروح الكذب: “فَاخْرُجُ وَافعَلْ هَكَذَا” أي أنه أخلى سبيل هذا الروح الشرير الذي قصده أن يُغوي أخآب. ولو لم يأذن لهُ لما استطاع أن يكون روح كذبٍ في أفواه أنبياء أخآب الكذبه. فعدو الخير لا يستطيع أن يفعل شيئاً إلا بسماح من الرب، ولكن إذ سحب الله يده المانعة انفتح المجال لذلك الروح الشرير.
بكلمات أخرى: إن الرب ترك الأنبياء والكذبة يتنبأون بالكذب، وترك أخآب لغباءه وعناده، أي أسلمهم جميعاً إلى ذهنهم الرافض لنعمة الله ليفعلوا ما لا يليق.
كما يقول الرسول بولس: “لِذَلِكَ أَسْلَمَهُمُ ٱللهُ أَيْضًا فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى ٱلنَّجَاسَةِ… لِذَلِكَ أَسْلَمَهُمُ ٱللهُ إِلَى أَهْوَاءِ ٱلْهَوَانِ…وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا ٱللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ ٱللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لَا يَلِيقُ.” (رُومِيَةَ 1: 28 , 26 , 24، راجع ايضاً رو 1: 22 – 24، 9: 14 – 17).
لاحظ تكرار عبارة “أَسْلَمَهُمُ اللهُ” أي تركهم الله لشهوات قلوبهم، أو أسلمهم الله لذهنهم الرافض لمحبته وطول أناته، وهذا ما حدث مع أخآب إذ تركه الرب إلى قساوة قلبه. واعتبر الكاتب أن إرادة السماح تتساوى مع الإرادة القصدية. وعندما تركه الله إلى قساوة قلبه لم يحصد إلا الموت.
رابعاً: ما هي الدروس المستفادة:
(1) سلطان الله المطلق على الأحداث:
لقد كان أمام أخآب مشورتين: مشورة الرب على لسان ميخا النبي؛ ومشورة الأنبياء الكذبة – وهي المشورة التي لم يكن الرب مدبرها ولا مرسلها ولم يسر بها، بل فضحها على لسان ميخا، الذي أكَّد له أنها ليست من الرب – ولكن أخآب بكامل حرية إرادته اختار مشورة الأنبياء الكذبة، وخرج للحرب متخفياً وخرج معه يهوشافاط وقال لِيَهُوشَافَاطَ: [فَقَالَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِيَهُوشَافَاطَ: إِنِّي أَتَنَكَّرُ وَأَدْخُلُ ٱلْحَرْبَ، وَأَمَّا أَنْتَ فَٱلْبَسْ ثِيَابَكَ]. ولكن مَلِكُ أَرَامَ قال لرُؤَسَاءَ ٱلْمَرْكَبَاتِ ٱلَّتِي لَهُ: [لَا تُحَارِبُوا صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا إِلَّا مَلِكَ إِسْرَائِيلَ وَحْدَهُ]. فَلَمَّا رَأَى رُؤَسَاءُ ٱلْمَرْكَبَاتِ يَهُوشَافَاطَ: [قَالُوا إِنَّهُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ] فَمَالُوا عَلَيْهِ لِيُقَاتِلُوهُ، فَصَرَخَ يَهُوشَافَاطُ. فَلَمَّا رَأَى رُؤَسَاءُ ٱلْمَرْكَبَاتِ أَنَّهُ لَيْسَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ رَجَعُوا عَنْهُ”. واشتد القتال ونقرأ هذا الأمر العجيب: “وَإِنَّ رَجُلًا نَزَعَ فِي قَوْسِهِ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ وَضَرَبَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ بَيْنَ أَوْصَالِ ٱلدِّرْعِ. فَقَالَ لِمُدِيرِ مَرْكَبَتِهِ: [رُدَّ يَدَكَ وَأَخْرِجْنِي مِنَ ٱلْجَيْشِ لِأَنِّي قَدْ جُرِحْتُ]. وَٱشْتَدَّ ٱلْقِتَالُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ، وَأُوقِفَ ٱلْمَلِكُ فِي مَرْكَبَتِهِ مُقَابِلَ أَرَامَ، وَمَاتَ عِنْدَ ٱلْمَسَاءِ، وَجَرَى دَمُ ٱلْجُرْحِ إِلَى حِضْنِ ٱلْمَرْكَبَةِ. وَعَبَرَتِ ٱلرَّنَّةُ فِي ٱلْجُنْدِ عِنْدَ غُرُوبِ ٱلشَّمْسِ قَائِلًا: [كُلُّ رَجُلٍ إِلَى مَدِينَتِهِ، وَكُلُّ رَجُلٍ إِلَى أَرْضِهِ]. فَمَاتَ ٱلْمَلِكُ وَأُدْخِلَ ٱلسَّامِرَةَ فَدَفَنُوا ٱلْمَلِكَ فِي ٱلسَّامِرَةِ. وَغُسِلَتِ ٱلْمَرْكَبَةُ فِي بِرْكَةِ ٱلسَّامِرَةِ فَلَحَسَتِ ٱلْكِلَابُ دَمَهُ، وَغَسَلُوا سِلَاحَهُ. حَسَبَ كَلَامِ ٱلرَّبِّ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ”. (اَلْمُلُوكِ ٱلْأَوَّلُ 22: 30-38).
إن الرب صاحب السلطان المطلق على كل الكون والأحداث استخدم مشورة الأنبياء الكذبة بحكمته اللامتناهية في تحقيق مقاصده العليا التي سبق وأعلن عنها على لسان أيليا النبي قائلاً: “هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: هَلْ قَتَلْتَ وَوَرِثْتَ أَيْضًا؟ فِي ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي لَحَسَتْ فِيهِ ٱلْكِلَابُ دَمَ نَابُوتَ تَلْحَسُ ٱلْكِلَابُ دَمَكَ أَنْتَ أَيْضًا”. (اَلْمُلُوكِ ٱلْأَوَّلُ 21: 19).
عزيزي القارئ: لا يوجد حدث واحد ولا مشورة واحدة تفاجئ الله إن كل الأحداث في قبضة يمينه يستخدمها لتحقيق مشورته الأزلية.
(2) لا مكان للصدفة في الحياة:
لقد خرج أخآب للحرب متخفياً، فلا يعرفه أحد، وخرج معه يهوشافاط الذي ظنه الآراميون أنه ملك إسرائيل فحاولوا قتله ولكنه صرخ فعرفوه وتحولوا عنه إلى آخاب، واشتد القتال ونقرأ: ” وَإِنَّ رَجُلًا نَزَعَ فِي قَوْسِهِ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ وَضَرَبَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ بَيْنَ أَوْصَالِ ٱلدِّرْعِ”. لقد كان غير متعمد أي بحسب تقديراتنا البشرية المحدودة (بالصدفة)، لكنها لم تكن ضربة بالصدفة بل لكي يتم كلام الرب الذي تكلم به على فم إيليا النبي (1 مل 22: 38).
صديقي: إننا كثيراً ما نستخدم كلمة “صدفة” في حياتنا ونقول “صدفة جميلة” و “رب صدفة خير من ألف ميعاد”…الخ. لكني أريد أن أقول لك: إن ما يبدو في نظرنا صدفة هو مرتَّب من قبل الله. والإيمان بالصدفة يسئ إلى الله إذ يجعله مجرد متفرج على العالم. لقد قال جون كلفن: “كل الحوادث تسيطر عليها مشورة الله الخفية وتقودها يده، وإن قدرة الله على كل شئ ليس مجرد قدرة عاطلة وخاملة بل هي قدرة يقظة وفعالة، قدرة تبدو دائما في كل حركة واضح مستقلة”، ثم يكمل ” لذلك نؤكد أنه ليس فقط السماء والأرض بل وأيضاً تفكيرات الناس وتدبيراتهم خاضعة كلها لعنايته يوجهها إلى الغرض المعين لها”. وقال أرنولد توينبي المؤرخ الإنجليزي: “إن يد الله خلف التاريخ مسبباً لكل ما يحدث فيه من حوادث مقيماً دولاً ومزيل دولاً”.
ألا نقول في قانون الإيمان: “نؤمن بإله واحد ضابط الكل”. والفعل “ضابط” من الكلمة اليونانية “بانتوكراتور” من الفعل “كراتو” أي الذي يمسك بشدة. كناية عن القوة والسلطان.
ألم يقل داود: “َلرَّبُّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ ثَبَّتَ كُرْسِيَّهُ، وَمَمْلَكَتُهُ عَلَى ٱلْكُلِّ تَسُودُ.”
(المزامير 103: 19).
(3) الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً:
كانت كلمات إيليا النبي لأخآب بعد أن دبَّر مؤامرة وقتل نابوت اليزرعيلي وأخذ كرمه: ” فِي ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي لَحَسَتْ فِيهِ ٱلْكِلَابُ دَمَ نَابُوتَ تَلْحَسُ ٱلْكِلَابُ دَمَكَ أَنْتَ أَيْضًا.”
(اَلْمُلُوكِ ٱلْأَوَّلُ 21: 19). شئ طبيعي أن يكون الحصاد من نفس نوع الزرع، تزرع قمحاً تحصد قمحاً، تزرع قطناً تحصد قطناً، تزرع حباً وسلاماً تحصد حباَ وسلاماً، وتزرع بغيضة وكراهية تحصدهما. ألم يصرخ أَذونِي بَازَقَ: “سَبْعُونَ مَلِكًا مَقْطُوعَةٌ أَبَاهِمُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ كَانُوا يَلْتَقِطُونَ تَحْتَ مَائِدَتِي. كَمَا فَعَلْتُ كَذَلِكَ جَازَانِيَ ٱللهُ.” (اَلْقُضَاة 1: 7). ألا تقرأ في سفر أستير عن هامان: ” فَقَالَ حَرْبُونَا، وَاحِدٌ مِنَ ٱلْخِصْيَانِ ٱلَّذِينَ بَيْنَ يَدَيِ ٱلْمَلِكِ: «هُوَذَا ٱلْخَشَبَةُ أَيْضًا ٱلَّتِي عَمِلَهَا هَامَانُ لِمُرْدَخَايَ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ بِٱلْخَيْرِ نَحْوَ ٱلْمَلِكِ قَائِمَةٌ فِي بَيْتِ هَامَانَ، ٱرْتِفَاعُهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا». فَقَالَ ٱلْمَلِكُ: «ٱصْلِبُوهُ عَلَيْهَا». فَصَلَبُوا هَامَانَ عَلَى ٱلْخَشَبَةِ ٱلَّتِي أَعَدَّهَا لِمُرْدَخَايَ. ثُمَّ سَكَنَ غَضَبُ ٱلْمَلِكِ.” (أَسْتِير 7: 9-10).
عزيزي: إننا نزرع في كل يوم بل وفي كل خطوة. فماذا تزرع؟ لقد قال الرسول بولس: “لِأَنَّ مَنْ يَزْرَعُ لِجَسَدِهِ فَمِنَ ٱلْجَسَدِ يَحْصُدُ فَسَادًا، وَمَنْ يَزْرَعُ لِلرُّوحِ فَمِنَ ٱلرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةً أَبَدِيَّةً.”
(غَلَاطِيَّةَ 6: 8).
(4) شجاعة قول الحق مهما كان الثمن:
لقد وقف ميخا النبي بكل شجاعة في وجه أخآب، ولم يخش الضرب ولا السجن، ومن قبله وقف إيليا بكل شجاعة في وجه آخاب الملك، وواجهه بأخطائه وقال له:” لَمْ أُكَدِّرْ إِسْرَائِيلَ، بَلْ أَنْتَ وَبَيْتُ أَبِيكَ بِتَرْكِكُمْ وَصَايَا ٱلرَّبِّ وَبِسَيْرِكَ وَرَاءَ ٱلْبَعْلِيمِ.” (اَلْمُلُوكِ ٱلْأَوَّلُ 18: 18).
ولم يكن إليا يخاف على نفسه من الملك، رغم ما سمعه عما فعلته ايزابيل بأنبياء الرب
(1 مل 21: 19، 20).
ولا شك في أن مصدر القوة والشجاعة التي كان يتمتع بها إيليا، هو في إدراكه لوجوده أمام الرب على الدوام. لقد كان يقول دائماً “: “حَيٌّ هُوَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱلَّذِي أَنَا وَاقِفٌ أَمَامَهُ”
(1 مل 18: 15).
لقد كان يدرك أن الله حى، وأنه يقف أمامه وهو الأعظم والأكبر من أي إنسان وأي ملك، لذلك كان يرى أخاب صغيراً أمامه، فيواجهه بشجاعة. إن كل من يلتصق بالرب يستطيع أن يواجه المخطئ بخطئه.
كتب الرسول بولس عن الكنيسة أنها: “عامود الحق وقاعدته” أي هي التي تثبت الحق في المجتمع، وأيضاً تعلنه.
فلماذا في هذه الأيام نرى الحق يداس تحت الأقدام، ونصمت؟ وفي مرات نضع رؤوسنا في الرمل، وفي مرات يكون شعارنا لا أرى، لا أسمع، ولا أتكلم. فلماذا نصمت؟ هل نصمت خوفاً على مصالحنا وعلى مستقبلنا؟
أم نصمت عملاً بقول المثل: “الذي بيته من زجاج لا يرمى الناس بالحجارة” ما أحوجنا في هذه الأيام إلى رجال أمثال المعمدان الذي وقف في وجه هيرودس الطاغية، وقال له: “لا يحل لك”. وناثان النبي الذي وقف في وجه داود بعد خطيته العظيمة وقال له: “أنت هو الرجل”.
لقد كان جون نوكس المصلح الأسكتلندي الشهير يواجه الملكة الرهيبة “مارى الدموية” بكل جرأة، لدرجة أنها قالت: “إنني أفضل أن ألاقي جيشاً مكونا من عشرة آلاف جندي عن أن أواجه جون نوكس” وعندما مات جون نوكس، كتبوا على قبره: “هنا يرقد الرجل الذي لم يكن يهاب في حياته وجه إنسان قط”.
(5) الإنسان حر الإرادة:
عزيزي القارئ: لقد خلق الله الإنسان حراً، وكل منا يختار طريقته. فقد قال الرب للشعب في القديم: “قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ ٱلْحَيَاةَ وَٱلْمَوْتَ. ٱلْبَرَكَةَ وَٱللَّعْنَةَ. فَٱخْتَرِ ٱلْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا” (التثنية 30: 19). ووقف يشوع وقال للشعب: “فَٱخْتَارُوا لِأَنْفُسِكُمُ ٱلْيَوْمَ مَنْ تَعْبُدُونَ…” (يشوع 24: 15). ويقول الرب يسوع: “هَئنَذَا وَاقِفٌ عَلَى ٱلْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ ٱلْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي.” (رُؤْيَا يُوحَنَّا 3: 20). فالله يعرض ولا يفرض، يعرض حبه وغفرانه ونعمته، ولا يفرض لأنه خلقنا أحراراً، ولكنه يتمنى أن نختار طريق الحياة والبركة. فماذا سنختار اليوم؟؟؟
المراجع
(1) د. منقذ بن محمود السقار. إله العهد القديم، ص85.