إله العهد القديم، هل هو إله دموي؟ شبهة والرد عليها
إله العهد القديم، هل هو إله دموي؟
وقَالَ صَمُوئيلُ لِشَاول: “إيّايَ أَرْسَلَ الرَّبُّ لِمَسْحِكَ مَلِكاً عَلَى شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ. وَالآنَ فَاسْمَعْ صَوْتَ كَلَامِ الّرَّبِّ. هكَذَا يَقُولُ رَبُّ الجُنُودِ: إنَّي قَدِ افْتَقَدْتُ مَا عَمِلَ عَمَاليقُ بِإِسْرَائيلَ حِينَ وَقَفَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ صُعُودِهِ مِنْ مِصْرَ. فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَاليقَ. وحَرّموا كُلَّ ما لَهُ وَلَا تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقتُلْ رَجُلاً وَامْرَأةً. طِفْلاً وَرَضِيعاً. بَقَراً وغَنَماً. جَمَلاً وحِمَاراً” (1صم 15: 1-3).
هذا النص يطرح العديد من الأسئلة مثل:
كيف يطلب النبي صموئيل من شاول الملك أن يضرب عماليق بناء على أمر الرب؟
وكيف يطلب الرب من شاول أن يقتل الرجال والنساء والكبار والصغار وحتى الأطفال الرّضّع، والأبقار والأغنام والجمال والحمير؟
هل إله العهد القديم هو فعلاً إله حروب وسفك دماء؟ وهل هو فعلاً لا يعرف الرأفة ولا الرحمة؟ هل هو فعلاً إله عنصري يقف إلى جوار بني إسرائيل ضد كل الشعوب الأخرى؟
ومن هو عماليق؟ وما الذي فعله؟ ولماذا لم يسامحه الرب؟
للإجابة عن هذه الأسئلة أقول:
أولاً: مَن هو عماليق؟
جاء في دائرة المعارف الكتابية أن عماليق اسم سامي يعني “المحارب” أو “ساكن الوادي”. (1) وكلمة عملاق في اللغة تعني الطويل، ويبدو أن قبائل العماليق كانت تتميز بشيء من الطول والجسامة (عد 13: 27-33). وعماليق هو أحد أبناء أليفاز بكر عيسو أمير أدوم (تك36: 12-16 : 1أخ 1: 36)، وهو جد العمالقة، وهم شعب من أقدم سكان سورية الجنوبية “عَمَالِيقُ أَوَّلُ الشُّعُوبِ” (عد24: 20). وكانوا يقيمون في البدء قرب قادش في جنوب فلسطين، وكانوا هناك عند مجيء العبرانيين من مصر (عد13: 29، 14: 25). وكانت بلادهم تُرى من فوق جبل عباريم (عد20: 24، تث 34: 1-3).
وهم شعب بدو رُحَّل يتجولون في المنطقة ما بين شمالي سيناء والنقب جنوبي كنعان. إلى الجنوب من بئر سبع بما في ذلك منطقة العربة إلى الشمال من إيلات وعصيون جابر، وربما إلى بعض الأجزاء الشمالية من شبه جزيرة العرب. ونقرأ أن شاول الملك ضرب “عَمَالِيقَ مِنْ حَوِيلَةَ حَتَّى مَجِيئِكَ إِلَى شُوَ الَّتِي مُقَابِلَ مِصْرَ” (1صم 15: 7). ويبدو أنها نفس المنطقة التي كان يسكنها قبلاً بنو إسماعيل الذين “سَكَنُوا مِنْ حَوِيلَةَ إِلَى شُورَ الَّتِي أَمَامَ مِصْرَ حِينَمَا تَجِيءُ نَحْوَ أَشُّورَ” (تك 25: 18)
كما مد العمالقة نفوذهم شمالاً في فلسطين وأفرايم كما نفهم من وجود جبل باسمهم في أرض أفرايم من نابلس الحالية، حيث دفن عبدون بن هليل الفرعوتي قاضي إسرائيل (قض 12: 13).
ونقرأ في سفر صموئيل الأول أن العماليق “قَجْ غَزُوا الجَنُوبَ وَصِقلَغَ” (1صم 30: 1-2). وما جاء في سفر القضاة عن تحالف العمالقة مع المديانيين وملوك الشرق في غاراتهم على بني إسرائيل (قض 6: 3. 30). قد يكون دليلاً على أن العمالقة كانوا في وقت من الأوقات قد زحفوا شرقاً واختلطوا بالقبائل العربية في شمالي شبه جزيرة العرب.
ثانياً: لماذا طلب الله من شاول الملك أن يحرّم عماليق؟
(1) لأن الله قاضٍ عادل:
منذُ بدء الخليقة وضع الله نظاماً للبشر وهو أن الأعمال التي يعملها الإنسان سواء كانت صالحة أم شريرة لها نتائج وتبعات. والنتائج من ذات الأفعال، وهذا ما يسميه علماء اللاهوت بالنتيجة الطبيعية للأفعال البشرية. فما نطلق عليه عقاباً أو قضاءً إلهياً ما هو إلا نتيجة طبيعية للأعمال الشريرة، فبكل تأكيد نتيجة الفعل الخاطئ لا بد أن تكون من ذات الفعل وهي ليست عقاباً له.
في ضوء هذا نقول إن الرب عندما طلب من شاول تحريم عماليق وساعده على ذلك فهذا لأنه قاضٍ عادل، ولأن هذه هي النتيجة الطبيعية لأفعالهم، فبعد خروج بني إسرائيل مباشرة من مصر وقبل وصولهم إلى سناء، كان الشعب العماليقي هم أول شعب بادر ويهاجم بني إسرائيل بدون مبرر، لذلك يقول الرب “إنّي قَدْ افْتَقَدْتُ مَا عَمِلَ عَمَالِيقُ بِإِسْرَائِيلَ حِينَ وَقَفَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ صُعُودِهِ مِنْ مِصْرَ” (1صم 15: 2). وكانوا يريدون تدمير بني إسرائيل تدميراً كاملاً فتقرأ: “وَأَتَى عَمَلِيقُ وَحَارَبَ إِسْرَائِيلَ فِي رَفييدِيمَ” (خر 17: 8).
وإذا رجعنا لسفر التكوين نعرف أن هؤلاء العماليق كانوا يسكنون في الصحراء قرب قادش كما هو مدون في تكوين 14 ولكن يبدو أنهم ارتحلو مسافة كبيرة لا لشيء سوى الفتك ببني إسرائيل بعد أن علموا بخروجهم من مصر. لقد هاجموا بني إسرائيل بدون سبب، فيبدو أنهم شعب يحب الحرب وسفك الدماء، وأرجو أن تلاحظ خسة ودناءة هذا الشعب فيما فعله مع بني إسرائيل: ” وقال الرب لموسى:” أُذْكُر مَا فَعَلهُ بِكَ عَمَالِيقُ في الطَّرِيقِ عِنْدَ خُروجِكَ مِنْ مِصْرَ، كَيْفَ لَاقَاكَ فِل الطّرِيقِ وَقَطَعَ مِنْ مُؤَخّرِكَ كُل المُسْتَضْعِفِينَ وَرَاءَكَ وَأَنْتَ كَلِيلٌ وُمُتْعَبٌ وَلَمْ يَخَفِ اللهَ. “ (تث 25: 17 – 19). لقد قتل الضعفاء من الشعب أي العجزة، والمرضى والمسنين والأمهات المرضعات وأطفالهن.
ولم يهدأ الشعب العماليقي بل استمروا في مسلسل الاعتداء على الشعب الإسرائيلي محاولين القضاء عليه فتحالفوا مع الكنعانيين لتدمير إسرائيل فنقرأ: “فَنَزَلَ الْعَمَالِقَةُ وَالْكَنْعَانِيُّونَ السَّاكِنُونَ فِي ذلِكَ الْجَبَلِ وَضَرَبُوهُمْ وَكَسَّرُوهُم إِلَى حُرْمَةَ” (عد 14: 45).
وللأسف لم يتراجع الشعب العماليقي عن جبه للقتل وسفك الدماء ويظهر هذا في سفر القضاة، فقد اتحدوا مع عجلون ملك موآب وبني عمون وضربوا إسرائيل وامتلكوا مدينة النخل فنقرأ “فَجَمَعَ إِلَيْهِ (عَجْلُونَ مَلِكَ مُوآبَ) بَنِي عَمُّونَ وَعَمَالِيقَ. وَسَارَ وَضَرَبَ إِسْرائِيلَ وَامْتَلَكُوا مَدِينةَ النَّخْلِ، فَعَبَدَ بنو إِسْرَائِيلَ عَجْلُونَ مَلِكَ مُوآبَ ثَمَانِي عَشَرَةَ سَنَةً” (قض 3: 12-14).
وكذلك تحالفوا مرة أخرى مع المديانيين لتدمير إسرائيل فنقرأ: “وَإِذا زَرَعَ إِسْرَائِيلُ، كَانَ يَصْعَدُ الْمِدْيِانِيُّونَ وَالْعَمَالِقَةُ وَبَنُو الْمَشْرِقِ، يَصْعَدُونَ عَلَيْهِم، وَيَنْزِلُونَ عَلَيْهِمْ وَيُتْلِفُونَ عُلَّةَ الأَرْضِ إِلَى مِجِيئِكَ إِلَى غزَّة، وَلَا يَتْرُكُونَ لِإسْرَائِيلَ قُوتَ الحَيَاةِ، وَلَا غَنَماً وَلَا بَقَرَاً وَلَا حَمِيراً، لأنَّهُمْ كَانُوا يَصْعَدُونَ بِمَوَاشِيهِم وخِيامِهِم وَيَجيئُونَ كَالْجَرادِ فِي الكَثرة وَلَيسَ لَهُم وَلِحِمَالِهِم عَدَدٌ، وَدَخَلُوا الأَرْضَ لِكَيْ يُخرِبُوهَا. (قض6: 3-5).
وعندما كان داود مطارداً أمام شاول، غزا العمالقة الجنوب وضربوا صقلغ التي كان قد منحها ملك جت لداود. وأحرقوها بالنار وسبوا النساء اللواتي كن فيها، وكان من بينهم زوجتا داود: أخينوعم اليزرعيلية وأبيجايل الكرملية فنقرأ: “وَلَمَّا جَاءَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ إِلَى صِقْلَغَ فِي اليَومِ الثّالِثِ، كَانَ العَمَالِقَةُ قَدْ غَزُوا الجَنُوبَ وَصِقْلَغَ، وَضَرَبُوا صِقْلَغَ وَأحْرَقُوهَا بِالنَّارِ وَسَبُوا النّساءَ اللّوَاتِي فِيهَا. لُمْ يَقْتُلُوا أَحَداً لَا صَغِيراً وَلَا كَبِيراً، بل سَاقُوهُم وَمَضُوا فِي طَرِيقِهِمْ. فَدَخَلَ دَاوُدُ وَرِجَالُهُ الْمَدِينَةَ وَإِذَا هِيَ مُحْرَقَةٌ بِالنَّارِ، وَنِسَاؤُهُهم وَبَنُوهُم وَبَنَاتُهُهم قَد سُبُوا، فَرَفَع دَاوُدُ وَالشَّعبُ الَّذِينَ مَعَهُ أَصْوَاتَهُمْ وبَكُوا حَتَّى لَمْ تَبْقَ لَهُمْ قُوّةٌ لِلْبُكاءِ. وَ سُبِيَتِ امْرَأتَا دَاوُدَ: أَخِينُوعَمُ الْيَزْرَعِيلِيَّةُ وَأَبِجَايِلُ امرأةُ نَابَالَ الكَرْمَلِيُّ. فَتَضَايَقَ دَاوُدُ جِدّاً لأنَّ الشَّعْبَ قَالُوا بِرَجمِهِ، لأنَّ أنفُسَ جَمِيعِ الشَّعْبِ كَانَت مُرَّةً كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ. وَأمَّا دَاوُدُ فَتَشَدَّدَ بِالرَّبِّ إلَهِهِ” (1صم 30: 1-6).
وهنا نرى الله القاضي العادل “الرحيم” بعد أن صبر عليهم أربعة قرون لم يتوقفوا فيها عن الاعتداء على شعب إسرائيل بدون سبب محاولين القضاء عليه، وبالرغم من أن الله أعطاهم مدة طويلة للتوبة لم يرتدعوا، بل على العكس شنوا حروب أخرى – بالتعاون مع الشعوب المجاورة – على الشعب العبراني للقضاء عليه، فكان قضاء الرب عليهم بعد أن أعطاهم مئات الفرص للتوبة، وأطال أنآته عليهم أربعة قرون، فطلب من شاول قائلاً: ” إنَّي قَدِ افْتَقَدْتُ مَا عَمِلَ عَمَاليقُ بِإِسْرَائيلَ حِينَ وَقَفَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ صُعُودِهِ مِنْ مِصْرَ. فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَاليقَ. وحَرّموا كُلَّ ما لَهُ وَلَا تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقتُلْ رَجُلاً وَامْرَأةً. طِفْلاً وَرَضِيعاً. بَقَراً وغَنَماً. جَمَلاً وحِمَاراً”.
وهذا القضاء ما هو إلا النتيجة الطبيعية لأفعالهم الشريرة، فيقول الرب: “كَطَرِيقِهِمْ أَصْنَعُ بِهِم، وَكَأَحْكَامِهِمْ أَحْكُمُ عَلَيْهِمْ فَيَعْلَمُونَ أنِّي أَنا الَّربُّ” (حز7: 27. راجع أيضاً: إر6: 19، هو8: 7: 10: 13، إر17: 10. 3: 19). أو بلغة أخرى: الله يسلمهم إلى النتيجة الطبيعية لاختياراتهم وأفعالهم، فيقول على لسان حزقيال: “سَكَبْتُ سَخَطِي عَلَيهِم. أَفْنَيْتُهُمْ بِنَارِ غَضَبِي. جَلَبْتُ طَرِيقَهُمْ عَلَى رُؤوسِهِمْ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ” (حز22: 31).
لذلك ينبغي أن من يقرأ هذه الآيات (1صم 15: 1-9) أن يدرسها من بدايتها وليس من نهايتها، وأن يتابع الأحداث من أولها، فقد كان عماليق هو الذي بدأ بالاعتداء على الشعب العبراني، وقتل وأحرق منهم الكثير، ودمر العديد من المدن فجاء وقت العقاب.
(2) لأن الله قدوس:
الله يعاقب لأنه قدوس لا يطيق الشر، ويريد أن يكون معروفاً لكل العالم بذلك، فهو مختلف عن كل الآلهة، وقد أعلن عن كراهيته للخطية، وتوعَّد من يتمسك بها بالعقاب الشديد، فتقع عليه اللعنة هو وممتلكاته، ويتعرض للأوبئة والمهانة والحصار والضيقة ومذلة الأعداء والسبي..إلخ. راجع(تث28: 15 – 68).
فلقد أمر الرب بقتل كل من يجدف عليه: “وَمَنْ جَدَّفَ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ. يَرْجُمُهُ كُلُّ الجَماعَةِ رَجْماً. الْغَريبُ كَالْوَطَنيُّ عِنْدَمَا يُجَدِّفُ عَلَى الاسْمِ يُقْتَلُ” (لا24: 16).
وكذلك أمر الله بقتل كل من يعبد آلهة أخرى، أو يحرض الآخرين على عبادتها فنقرأ: “وَإذا أَغوَاكَ سِرَّاً أَخُوكَ ابْنُ أُمِّكَ أو ابْنُكَ أو ابْنَتِكَ أو امْرَأةَ حِضنِكَ، أو صَاحِبُكَ الَّذِي مثْلُ نَفْسِكَ قَائِلاً: نَذْهَبُ وَنَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرى لَمْ تَعْرِفْهَا أَنْتَ وَلَا آبَاؤُكَ مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ حَوْلَكَ، الْقَرِيبِينَ مِنْكَ أو الْبَعِيدِينَ عَنْكَ. مِنْ أقصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَائِهَا. فَلَا تَرْضَ مِنْهُ وَلَا تَسْمَعْ لَهُ وَلَا تُشْفِق عَيْنُكَ عَلَيْهِ، وَلَا تَرِقَّ لَهُ وَلَا تَسْتُرْهُ، بل قَتْلاً تَقْتُلُهُ. يَدُكَ تَكُونُ عَلَيْهِ أولاً لِقَتْلِهِ، ثُمَّ أَيْدِي جَمِيعِ الشَّعْبِ أَخِيراً. تَرْجُمُهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ، لأَنَّهُ الْتَمَسَ أنْ يُطَوِّحَكَ عَنِ الرَّبِّ إِلهِكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. فَيَسْمَعُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ وَيَخَافُونَ، وَلَا يَعُودُونَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هذَا الأَمْرِ الشِّرِّيرِ فِي وَسَطِكَ.
“إِنْ سَمِعْتَ عَنْ إِحْدَى مُدُنِكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَسْكُنَ فِيهَا قوْلاً: قَدْ خَرَجَ أُنَاسٌ بَنُو لَئِيمٍ مِنْ وَسَطِكَ وَطَوَّحُوا سُكَّانَ مَدِينَتِهِمْ قَائِلِينَ: نَذْهَبُ وَنَعْبُدُ آلِهِةً أُخرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا. وَفَحَصْتَ وَفَتَّشْتَ وَسَأَلْتَ جَيِّداً وَإذا الأَمْرُ صَحِيحٌ وَأَكِيدٌ، قَدْ عُمِلَ ذلِكَ الرِّجْسُ فِي وَسَطِكَ، فَضَرْباً تَضْرِبُ سُكَّانَ تِلْكَ الْمَدِينَةِ بَحدِّ السَّيْفِ وَتُحرِّمَهَا بِكُلِّ مَا فِيها مَعَ بَهَائِمهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. تَجْمَعُ كُلَّ أَمتِعَتِهَا إِلَى وَسَطِ سَاحَتِهَا، وَتُحْرِقُ بِالنَّارِ المَدِينَةَ وَكُلَّ أَمْتِعَتِهَا كَامِلَةً لِلرَّبِّ إِلهِكَ، فَتَكُونُ تَلاُ إِلَى الأَبَدِ لَا تُبْنى بَعْدُ. وَلَا يَلْتَصِقُ بِيَدِكَ شَيْسٌ مِنَ الْمُحَرَّم، لِكَيْ يَرْجعَ الرَّبُّ مِنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ وَيُعْطِيَكَ رَحْمَةً. يَرْحَمُكَ وَيُكَثِّرُكَ كَمَا كَمَا حَلَفَ لآبَائِكَ” (تث13: 6 – 17).
” إذا وُجِدَ فِي وَسَطِكَ رَجُلٌ أو امْرَأَةٌ يَفْعَلُ شَرّاً فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلهِكَ بِتَجَأوزِ عَهْدِهِ، وَيَذْهَبُ وَيَعْبُدُ آلِهِةً أُخْرَى وَيَسْجُدُ لَهَا، أو لِلشَّمْسِ أو لِلْقَمَر أو لِكُلِّ مِنْ جُندِ السَّمَاءٍ، الشَّيْء الَّذِي لَمْ أوصِ بِهِ… فَأخْرِجْ ذلِكَ الرَّجُلَ أو تِلْك الْمَرْأَةَ، الَّذِي فَعَل ذلِكَ الأَمْرَ الشِّرِّيرَ إِلَى أَبْوَابِكَ، الرَّجُلَ أو الْمَرْأَةَ، وَارْجُمْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ” (تث 17: 2-5).
كذلك أمر الله بقتل الزاني والزانية “وَإذا زَنَى رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةٍ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ” (لا 20: 10).
في ضوء هذا نجد الرب:
*عاقب العالم كله بالطوفان.
عندما رَأى أَنَّ شَرَّ الإنسان قَدْ كَثُرَ فِي الأرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: “أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإنسان الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإنسان مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ” (تك 6: 5-7). وأغرق الله العالم كله بالطوفان.
*عاقب سدوم وعمورة.
فقد أحرق سدوم وعمورة بالنار لفسادهما وهاتان القصتان مذكورتان أيضاً في القرآن كعقاب من الله للإنسان. وعاقب عَمَالِيقَ، والكنعانيين والمديانيين وغيرهم من الشعوب.
*عاقب عَمَاليقَ:
والرب عاقب عَمَالِيقَ هنا ليس فقط لأنهم شعب شرير، وبه خطايا كثيرة، ولكن أيضاً لأنه ينشر الخطية والشر في الشعوب المجاورة له، وأصبح عثرة لبقية الشعوب، وبالتالي لبني إسرائيل.
وقد أعطاهم الرب زمان توبة ولكنهم لم يتوبوا بل زاد شرهم وأصبح مثل السرطان، وويل لم يُعثِر الآخرين “وَيْلٌ لِلْعَالَمِ مِنَ الْعَثَرَاتِ! فَلاَ بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ الْعَثَرَاتُ، وَلَكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإنسان الَّذِي بِهِ تَأْتِي الْعَثْرَةُ!” (مت18: 7)، فكان لا بد لهذا الشعب من الدينونة والبتر مثل الورم السرطاني
إن رحمة الرب تعطي الإنسان فرصة واثنتين وثلاث ولكن لابد أن يأتي دور العدل الإلهي في المعاقبة، “وَأعْطَيْتُهَا زَمَاناً لِكَيْ تَتُوبَ عَنْ زِنَاهَا وَلَمْ تَتُب، هَا أَنَا أُلْقِيهَا فِي فِرَاشٍ، وَالَّذِنَ يَزْنُونَ مَعَهَا فِي ضِيقَةٍ عَظِيمَةٍ، إِنْ كَانُوا لَا يَتُوبُونَ عَنْ أَعْمَالِهِمْ” (رؤ2: 21). وأحياناً كثيرة يترك الرب بعض الأمم مثل عَمَالِيقَ، والكنعانيين والمديانيين زمان توبة يصل إلى عدة أجيال، ويستمر الرب في إرسال رسائل إنذار، ومرشدين ومعلمين مثل إبراهيم وملكي صادق وغيرهم لأن الرب أكدَّ وقال بوضوح: “مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ نَفْسَهُ بِلَا شَاهِدٍ. وَهُوَ يَفْعَلُ خَيْراً: يُعْطِينَا مِنَ السَّمَاءِ أَمْطَاراً وَأَزْمِنَةً مُثْمِرَةً، وَيَمْلأُ قُلُوبَنَا طَعَاماً وَسُرُوراً” (أع14: 17). ويعطى هذه الشعوب خيرات وبركات كثيرة، ولكنهم يقابلوا كل هذا بشرور كثيرة ونجاسة، فيأتي عدل الله ويُوقِّع العقاب والدينونة.
إن مثل هؤلاء الأمم بشرورهم وأصنامهم لا يؤذونَ أنفسهم فقط بل يؤذون الأُمم الأخرى أيضاً، لذلك من حق الرب سيد ومالك كل الأرض أن يحمي الضعيف.
فالرب يتأنى على الخاطي لأنه لا يسر بموت الشرير، ويطيل رحمته. ولكن لو استمر هذا الخاطي في شره، سواء كان فرداً أو شعباً، واستمر يُعثِر الآخري، فرحمة الرب أيضاً تستلزم أن يحمي الضعيف، فيعاقب الشرير على خطاياه وهذه عدالة بالنسة للشرير، ورحمة في نفس الوقت للضعيف لأنه تعثَّر بسبب الشرير. فقتل شخص أو جماعة هو عدل ورحمة في نفس الوقت، فمن العدل أن يُوقِّع الله العقاب على شخص أو أمه بعد أن يعطيها عشرات الفرص للتوبة ولا تتوب، وفي نفس الوقت رحمة للشعوب الأخرى التي لم تتمكن منها الخطية، وحماية لهم. وهذا هو ما فعله الرب مع الشعوب الشريرة التي كانت تنشر الخطية في العهد القديم، وأضرب أمثلة على ذلك:
كان الطوفان للشعوب بمثابة تحقيق للعدالة لأنه كان عقاباً لهم بعد اكتمال زمن خطيتهم واستهلكوا كل فرص التوبة، وفي نفس الوقت رحمة لنوح وأسرته وحماية لهم. وفي قصة هلاك سدوم وعمورة نجد الرحمة لبقية الشعوب التي حاول شعب سدوم وعمورة نشر الخطية إليهم، وفي نفس الوقت أيضاً عقاب عادل لسدوم بعد اكتمال زمن خطيتها.
إن هذه الشعوب كما ذكرت من قبل مثل الورم السرطاني يجب استئصاله.
تخيل راعٍ يمتلك مجموعة خراف بينهم كلب حراسة، هو الذي قام بتربيته، ويهتم به ويرعاه، ولكن هذا الكلب تحول إلى كلب مسعور، بدلاً من أن يحافظ على الخراف بدأ يهجم عليهم ويؤذيهم، فماذا يفعل الراعي مع هذا الكلب وهو عزيز عليه؟
أقول: إذا كان راعٍ صالح، فهو مسؤول عن أمن وسلامة الرعية، فيجب عليه أن يسعى لعلاج هذا الكلب بكل الطرق والوسائل، وإن فشل فعليه في النهاية أن يقتل هذا الكلب الذي تحوّل من كلب راعي إلى كلب مسعور. وهذا ما فعله الرب مع الشعب العماليقي.
ويجب أن نلاحظ هنا أن الله كقاضٍ ليس بعيداً عن أطراف القضية كالقاضي البشري في محكمة أرضية، الله هنا له علاقة بكل أطراف القضية، فالكل خليقته، وصنعة يده.
(3) لأن الله مسؤول عن حماية خليقته:
عندما ندرس العهد القديم ونجد أن الله يساند جيوش إسرائيل ويعطيهم انتصاراً على أعدائهم (يش5: 13،14 ؛ 10:10-14 ؛ قض5 4, 20 ؛ 2صم5: 24). ويساعد ملوكهم على مر الأجيال (مز20 و 21). فكل تلك الأعمال لم تكن بسبب تحيز الله لبني إسرائيل، فليس عند الله محاباة، وهو لا يتحيز لشعب على حساب شعب آخر، إنما الدارس المدقق يرى فيها مدى الصراع الشديد بين النور والظلمة، بين ملكوت الله وملكوت الشرير، وفي نفس الوقت تبين كيف أن الصراعات الشيطانية لا يمكن أن تصل إلى غايتها، لأن النصرة النهائية للرب (مز2).
فمنذ بداية الخليقة والله في صراع مع القوى الشريرة التي تناهض مقاصده. ويظهر هذا الأمر بوضوح في تاريخ شعبه، عندما يحاول أعداء مختلفون إعاقة سير تلك المقاصد.
فعندما طلب الرب من شاول تحريم عماليق فذلك لأنه كان كشعب يقف ضد الله ويريد تعطيل مشورته الأزلية، فتدخل الله هنا ليس فقط لأن الشعب العماليقي كسر وصية الله، سواء بالهجوم على الشعوب الأخرى وقتلها، أو بالشر والفساد الأخلاقي الذي كانوا يعيشون فيه، أو بعبادة آلهة أخرى، ولكن لما لهذا كله من تأثير على نظام ومستقبل الخليقة ككل. فتدخل الله بهذه الطريقة إنما ليحمي ويحفظ النظام الكوني الذي خلقه.
فقد وعد الله إبراهيم وإسحق ويعقوب قائلاً: “وَتَتَبارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائلِ الأَرَضِ” (تك12: 3؛ 18: 18؛ 28: 3؛ 35: 11؛ 49: 10). فقد كان مخلص العالم سيأتي من هذا النسل، لكننا نجد عماليق يتحدى الله، فبعد خروج بني إسرائيل مباشرة من مصر وقبل وصولهم إلى سيناء، كان الشعب العماليقي هم أول شعب يهاجم بني إسرائيل، وكانوا يريدون تدميرهم تدميراً كاملاً فنقرأ: “وَأَتَى عَمَالِيقُ وَحَارَبَ إِسْرَائِيل فِي رَفِيدِيمَ” (خر17: 8). لقد كانوا يريدون إبادة شعب الله، وبالتالي تعطيل مشورته الأزلية، والشيء العجيب أنهم بكل تأكيد سمعوا عما فعل الرب بفرعون وبكل المصريين وبتفاصيل الضربات العشر، وكيف غرق فرعون وجيشه ومركباته في البحر، وبعد كل هذا يصر على أن يحارب إسرائيل فهو يتحدى الرب.
لذلك بعد أن هَزَمَ يَشُوعُ عَمَالِيقَ وَقَوْمَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ، قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: “اكْتُبْ هَذَا تِذْكَاراً فِي الْكِتَابِ وَضَعْهُ فِي مَسَامِعِ يَشُوع. فَإِنِّي سَوْفَ أَمْحُو ذِكْرَ عَمَالِيقَ مِن تَحْتِ السّماءِ” ثم يقول: “إِنَّ الْيَدَ عَلَى كُرْسيِّ الرَّبِّ. لِلرَّبِّ حَرْبٌ مَعَ عَمَالِيقَ مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ” (خر17: 14-16).
وللأسف لم يتراجع الشعب العماليقي عن مخططه الشيطاني فتحالفوا مع الكنعانيين لتدمير إسرائيل (عد14: 45).
وكذلك تحالفوا مرة أخرى مع المديانيين لتدمير إسرائيل (قض6: 1-5).
وفي سفر أستير نقرأ عن هامان الذي لم يكن يرضيه أن يقتل مردخاي فقط بل كان يريد أن يبيد شعب الله بالكامل، وقد نجع في استصدار قرار من الملك بقتل كل الشعب اليهودي فنقرأ: “فَقَالَ هَمَانُ لِلْمَلِكِ أَحَشوِيرُوشَ:”إِنَّهُ مَوْجُودٌ شَعْبٌ مَّا مُتَشَتِّتٌ وَمُتَفَرِّقٌ بَيْنَ الشُّعُوبِ فِي كَلِّ بِلَادِ مَمْلَكَتِكَ، وَسُنَنُهُمْ مُغَايِرةٌ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ. وهُمْ لا يَعْمَلُونَ سُنَنَ الْمَلِكِ، فَلَا يَلِيقُ بِالْمَلِكِ تَرْكُهُمْ. فَإذا حَسُنَ عِنْدَ الْمَلِكِ فَلْيُكْتَب أنْ يُبَادُوا، وَأنَا أَزِنُ عَشَرَةَ آلَافِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ فِي أَيْدِي الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الْعَمَلَ لِيُؤْتَى بِهَا إِلَى خَزَائِنِ الْمَلِكِ”. فَنَزَع الْمَلِكُ خَاتَمَهُ مِنْ يَدِهِ وَأعْطَاهُ لِهَامَانَ بنِ هَمَدَاثَا الأَجَاجِيِّ عَدُوِّ الْيَهُودِ. وَقَالَ الْمَلِكُ لِهَامَانَ: “الْفِضَّةُ قَدْ أُعْطِيَتْ لَكَ، وَالشَّعْبُ أيضاً، لِتَفْعَلَ بِهِ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكَ”.
فَدُعِيَ كُتَّابُ المَلِكِ فِي الشَّهْرِ الأولِ، فِي اليَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْهُ، وكُتِبَ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَر بِهِ هَامَانُ إِلَى مَرَازِبَةِ الْمَلِكِ وَإِلَى وُلَاةِ بِلَادٍ فَبِلَادٍ، وَإِلَى رُؤَسَاءِ شَعْبٍ فَشَعْبٍ، كُلِّ بِلَادٍ كَكِتَابَتِهَا، وَكُلِّ شَعْبٍ كَلِسَانِهِ، كُتِبَ بِاسْمِ الْمَلِكِ أَحَشْوِيرُوشَ وَخُتِمَ بِخَاتَمِ الْمَلِكِ. وَأُرْسِلَتِ الْكِتَابَاتُ بِيَدِ السُّعَاةِ إِلَى كُلِّ بُلْدَانِ الْمَلِكِ لِإهْلَاكِ وَقَتْلِ وَإِبَادةِ جَمِيعِ الْيَهُودِ. مِنَ الغُلَامِ إِلَى الشَّيْخِ وَالأَطْفالِ وَالنِّساءِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فِي الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ، أَيْ شِهْرِ آذارَ، وَأَنْ يَسْلِبُوا غَنِيمَتَهُمْ” (أس3: 8-13).
وهَامَان (הָמָן֙) اسم فارسي معناه “هام أو مشهور”. وهو ابن همداثا الأجاجي كما نقرأ في (أس3: 1). والغريب هو أن كلمة “الأَجَاجِيَّ” ترد في الترجمة السبعينية “البلطجي”. ويقول المؤرخ اليهودي الكبير يوسيفوس: أنه من سلالة أجاج ملك عماليق الذي حارب شاول.
لقد كان الشعب العماليقي من ألد أعداء بني إسرائيل، بل ومن ألد أعداء الله (مز83: 7). ولذلك أصدر الله أمره بإبادة هذا الشعب. حسناً تنبأ عنهم بلعام بن بعور قائلاً: “عَمَالِيقُ أَوَّلُ الشُّعُوبِ، وَأمَّا آخِرتُهُ فَإِلَى الْهَلَاكِ” (عد24: 20). ويرى عدد كبير من العلماء أن المقصود أنهم أول الشعوب في فعل الشر.
ويجب أن نلاحظ هنا أن الحكم الإلهي على الشعب العماليقي ليس ناتجاً عن غضب الله، أو تحيزه لبني إسرائيل، ولكنه نتيجة طبيعية لتصرف هذا الشعب، وفي نفس الوقت حماية لخليقته المهددة. فتدخل الله وحكمه هنا ليس فقط كقصاص لعماليق ولكن أيضاً لحفظ عملية الخلق ككل من هذا التهديد هذا هو الله القاضي العادل الذي يعلن عن نفسه قائلاً: “الرَّبُّ إِلَهٌ رَحِيمٌ وَرَأُوفٌ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الْإحْسَانِ وَالْوَفَاءِ. حَافَظُ الْإحْسَانِ إِلَى أُلوفٍ. غَافِرُ الإثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْخَطِيَّةِ. وَلَكِنَّهُ لَنْ يُبْرِئَ إِبْرَاءً. مُفْتَقِدٌ إِثْمَ الآبَاءِ فِي الْأبْنَاءِ وَفِي أُبْناءِ الأَبْناءِ فِي الجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ”. (خر34: 6-7).
لقد كان عماليق يمثل قوة الموت التي تقف ضد قوة الحياة، ولذلك كانت أحكام الله موجهة ضد التهديد الذي تتغرض له البشرية، فيجب أن نلاحظ أن “كُلَّ الأَرْضِ” للرب (خر8: 22؛ 9: 14؛ 19: 5؛ مز24: 1). وبالتالي فإن الهدف تحريم عماليق ليس مجرد تحرير شعب إسرائيل، وإن كان هذا أحد الأهداف لكنه ليس الهدف الرئيسي أو الأسمى. إن الهدف الرئيسي هو حماية كل الخليقة والوصول بالخلاص المعد لها منذ الأزل.
ثالثاً: القتل عقوبة إلهية:
بالرغم من أن الله يرفض العنف والقتل وسفك الدماء، فيقول في الوصية السادسة من الوصايا العشر: “لَا تَقْتُلْ” (خر20: 13). ويقول على لسان سليمان الحكيم: “هذِهِ السِّتَّةُ يُبْغَضُهَا الرَّبُّ… أَيْدٍ سَافِكَةٌ دَماً بَرِيئاً” (أم 6: 16-18).
ويوبخ شعبه على لسان إرميا قائلاً: “أَتَسْرِفُونَ وَتَقْتُلُونَ وَتَزْنُونَ وَتَحْلِفُونَ كَذِباً وَبُبَخِّرُونَ لِلْبَعْلِ وَتَسِيرُونَ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا، ثُمَّ تَأْتُونَ وَتَقِفُونَ أَمَامِي فِي هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي دُعِيَ بِاسْمِي عَلَيْهِ… هَلْ صَارَ هَذَا الْبَيْتُ الَّذِي دُعِيَ بِاسْمِي عَلَيْهِ مَغَارةَ لُصُوصٍ فِي أَعْيُنِكُمْ؟” (إر7: 9-11).
ويوبخهم أيضاً على لسان إشعياء قائلاً: “لِمّاذَا لِي كَثْرةُ ذَبَائِحِكُمْ؟” يَقُولُ الرَّبُّ “اتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرِقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنّاتٍ وَبِدَمِ عُجُولٍ وَخِرْفَانٍ وَ تُيُوسٍ مَا أُسَرُّ. فَحِينَ تَبْسُطُونَ أَيْدِيكُمْ أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُم وَإنْ كَثَّرتُمُ الصَّلَاةَ لَا أَسْمَعُ، أَيْدِكُمْ مَلَانَةٌ دَمَاً؟ (إش1: 11-17). إلا أنه طلب أن يكون القتل عقوبة كسر بعض الوصايا، فمثلاً من يكسر وصية “لَا تَزْنِ” كانت الشريعة تأمر بقتله (لا20: 16، 10). ومن يكسر وصية “لا تَقْتُل” كانت عقوبته القتل أيضاً: سواء كان قتلاً بغدر (خر21: 29) أو كان ضرباً أفضى إلى الموت (خر21: 12) أو كان قتلاً غير مباشر، كأن يترك إنسان ثوره النطاح طليقاً فيقتل إنساناً، فالثور يُرجَم وصاحبه يُقتَل أيضاً (خر21: 29). ومن يكسر وصية “أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ” كانت عُقوبته القتل أيضاً، فقد قالت الشريعة: “وَمَن ضَرَبَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ قَتْلاً… وَمَنْ شَتَمَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ قَتْلاً” (خر21: 15، 17). ومن يكسر وصية حفظ السبت كانت عقوبته القتل أيضاً، وفي ذلك تقول الشريعة: “كُلُّ مَنْ صَنَعَ عَمَلاً فِي يُوْمِ السَّبْتِ يُقْتَلُ قَتْلاً” (خر31: 15). وكان كل من يجدف على اسم الرب فإن يقتل “وَمَنْ جَدَّفَ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ. يَرْجُمُهُ كُلُّ الْجَمَاعةِ رَجْماً. الْغَرِيبُ كَالْوَطَنِيِّ عِنْدَمَا يُجَدِّفُ عَلَى الاسْمِ يُقْتَلُ” (لا24: 16). وكذلك “مَنْ سَرِقَ إِنْسَاناً وَبَاعَهُ أَوْ وُجِدَ فِي يَدِهِ يُقْتَلُ قَتْلاً” (خر21: 16).
وبالمثل كان الله يأمر بقتل من يذبح لآلهة غير الرب وحده (خر22: 20)، وكان كل من يُزيغ إنساناً عن عبادة الله يُقتل (تث13: 5، 9، 15)، حتى إن كانت مدينة كاملة تُقتل بأكملها، وفي ذلك يقول الكتاب: “فَضَرْياً تَضْرِبُ سُكَّانَ تِلكَ المَدِينَةِ بِحَدِّ السَّيْفِ وَتُحرِّمُهَا بِكُلِّ مَا فِيهَا مَعَ بَهَائِمِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. تَجْمَعُ كُل أَمْتِعَتِهَا إِلى وَسَطِ سَاحَتِهَا وَ تُحْرِقُ بِالنَّارِ المَدِينَةَ وَكُل أَمْتِعَتِهَا كَامِلةً لِلرَّبِّ إِلهِكَ فَتكُونَ تَلاً إِلى الأَبَدِ لا تُبْنَى بَعْدُ” (تث13: 15، 16).
وبالمثل كان الله يأمر بقتل السحرة والعرافين، فيقول الرب: “لَا تَدَعْ سَاحِرَةً تَعِيشُ”(خر22: 18). ويقول أيضاً “وَإِذَا كَانَ فِي رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ جَانٌّ أَوْ تَابِعَةٌ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ. بِالْحِجَارَةِ يَرْجُمُونَهُ، دَمُهُ عَلَيْهِ” (لا20: 27).
لقد كان قتل أولئك الخطاة جميعاً ليس شراً على الإطلاق، ولا يدخل في نطاق الوصية السادسة “لَا تَقْتُلْ” بل إن مخالفة الأوامر في إبادة هؤلاء الأشرار هي الخطية التي تغضب الله. وهؤلاء الشعوب كانوا يقدمون أولادهم في النار قرابين للآلهة الوثنية، وكانت نساؤهم يكرسنَ أنفسهن للزنى في هياكل الأصنام، وكانوا يفعلون الشر ذكوراً بذكور، وإناث بإناث وأيضاً بالحيوانات والأطفال، هذا بالإضافة إلى خطايا أخرى كثيرة، وأخط شيء هو محاولتهم نشر هذه الخطايا للبلاد المجاورة لهم، ومن يرفض كانوا يهجمون عليه ويسبون نساءهم وأطفالهم ويحولوهم إلى أدوات للزنى والشر مثلما فعلوا في صقلغ (اصم30: 1-6).
ولذلك نجد الرب الذي لا يخفي عليه أمر ويعرف شر عماليق، ما فعله في الماضي وما سيفعله في المستقبل أيضاً يقول لموسى بروح النبوة: “اكْتُبْ هَذَا تِذْكَاراً فِي الْكِتَابِ وَضَعْهُ فِي مَسَامِعِ يِشُوعَ. فَإنِّي سَوْفَ أَمْحُو ذِكْرَ عَمَالِيقَ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ”… وَقَالَ: “إِنَّ الْيَدَ عَلَى كُرْسِيِّ الرَّبِّ. لِلرَّبِّ حَرْبٌ مَعَ عَمَالِيقَ مِنْ دَوْرٍ إلَى دَوْرٍ” (خر16: 14، 16).
ولكن أُريد أن أؤكد أن هذا ما كان يحدث في العهد القديم حيث كانت الوثنية والشر خطراً يهدد الإيمان بالفناء، وكانت البشرية في طور الطفولة، أما في المسيحية اليوم فلم يعد أحد من هؤلاء يُقتَل أو يُرجَم.
رابعاً: للرب الحق في أن يعاقب بالطريقة التي يراها:
يقول قداسة البابا شنودة الثالث: “إن وصية لا تقتل لا تعني أن الله قد حرَّم القتل عموماً، إن الله الذي أعطى وصية لا تقتل أمر بإبادة بعض الشعوب الوثنية لئلا تؤثر على الدين، وكان يصرح بالقتل في تلك الحروب على شرط أن تكون بأمر منه، فإذا دخلوا في حرب بمشيئتهم الخاصة دون أمر من الله ودون توجيه منه فإن تلك الحروب لا تكون حسب مشيئة الله، والحكمة من ذلك أن الله هو صاحب الأرواح جميعاً، ومن حقه أن ينهي حياة الناس في أي وقت يشاء وبأي طريقة يشاء، إذا شاء أن تنتهي حياتهم بموت طبيعي أو بمرض أو بنار من السماء أو بطوفان أو بأن يقتلوا بأيدي أعدائهم فهو حر في أن ينهي حياة الناس كيفما يشاء بالطريقة التي يريدها هو، وجعل الله القتل عقوبة واجبة التنفيذ على من يقترف بعض الذنوب”
ونحن فعلاً عندما نقرأ العهد القديم نرى استخدام الله لطرق ووسائل مختلفة ومتنوعة لتحقيق أغراضه، إنه (رب الجنود) (يهوه صباؤوت) (יהוָ֥ה צְבָא֖וֹת ) في اللغة العبرية، وكما يقول د.والتر كيزر: “إنه سيد قوات السموات والأرض، الحاكم المطلق بقوته التي لا نظير لها”. (1صم17: 45؛ مز24: 7_10). فهو صاحب السلطان المطلق على الكون وعلى التاريخ، وهو الذي يستطيع أن يجند الطبيعة بكل ما فيها لخدمة أغراضه، وهو الذي يستطيع أن يجند حتى أعدائه لخدمة أغراضه. وكما تقول جويس بولدوين:”هو رب كل القوات التي تُرى والتي لا تُرى، والتي في الكون وفي السماء”. إنه يستطيع أن يجند كل شيء وكل شخص وكل حدث وكل أمه لتحقيق أغراضه. لذلك ليس غريباً أن نجد الله عندما أراد أن ينفذ حكمه وقضاؤه على بني إسرائيل أن يقول: “وَأُحَطِّمُهُمُ الْوَاحِدَ عَلَى أَخِيهِ الآبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ مَعَاً يَقُولُ الرَّبُّ. لَا أُشْفِقُ وَلَا أَتَرَأَّفُ وَلَا أَرْحمُ مِنْ إِهْلَاكِهِمْ” (إر13: 14).
ونجده في مرات أخرى يستخدم إمبراطوريات، أو ملوك بعض الشعوب الأخرى لتنفيذ حكمه، أو قضاءه على شعب إسرائيل، فمثلاً يستخدم الإمبراطورية الأشورية والإمبراطورية البابلية في تنفيذ قضاءه على شعب إسرائيل فنقرأ: “ثمَّ بَعْدّ ذَلِكَ قَالَ الرَّبُّ: أّدْفَعُ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا وَعَبِيدَهُ وَالشَّعْبَ وَالْباقِينَ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ مِنَ الْوَبَإِ والسَّيْفِ وَالْجُوعِ لِيَدِ نَبُوخَذُنَصّرَ مَلِكِ بَابِلَ وَلِيَدِ أَعْدَائِهِمْ وَلِيَدِ طَالِبي نُفُوسِهِمْ فَيَضْرِبُهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ. لَا يَتَرَأَّفُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُشْفِقُ وَلَا يَرْحَمُ” (إر21: 7).
فليس مثيراً ولا غريباً أن نقرأ كيف أن الخالق يستخدم شعباً غريباً لتنفيذ أحكامه. ولكي ينفذ حكمه على إسرائيل فإن الله يدعو نبوخذ ناصر الملك البابلي (وهو ليس يهودياً). بعبدي أو خادمي الذي اختاره لتنفيذ هذا العقاب “هَئَنَذَا أُرْسِلُ فَآخُذُ كُلَّ عَشَائِر الشَّمَالِ يَقُولَ الرَّبُّ وَإِلَى نَبُوخَذُنَصَّرَ عَبْدِي مَلِكِ بَابِلَ وَآتِي بِهِمُ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ وَعَلَى كُلِّ سُكَّانِهَا وَعَلَى كُلِّ هَذِهِ الشُّعُوبِ حوَالَيْهَا فأُحَرِّمُهُمْ وَأَجْعَلُهُمْ دَهَشاً وَصَفِيراً وَخِرَباً أَبَدِيَّةً (إر25: 9، 27: 6، 34: 10). بل ويقول:” وَيَكُونُ أَنَّ الأُمَّةَ أَوِ الْمَمْلَكَةَ الَّتِي لاَ تَخْدِمُ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ، وَالَّتِي لاَ تَجْعَلُ عُنُقَهَا تَحْتَ نِيرِ مَلِكِ بَابِلَ، إِنِّي أُعَاقِبُ تِلْكَ الأُمَّةَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ، يَقُولُ الرَّبُّ، حَتَّى أُفْنِيَهَا بِيَدِهِ” (إر27: 8).
ويمر التاريخ ويأتي الدور على بابل لتجرع من نفس الكأس الذي أسقته لإسرائيل. فيقول إرميا في نبؤته على بابل في (إر50: 29) ” كَافِئُوهَا نَظِيرَ عَمَلِهَا. افْعَلُوا بِهَا حَسَبَ كُلِّ مَا فَعَلَتْ، لأَنَّهَا بَغَتْ عَلَى الرَّبِّ عَلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ” وقد يسلمهم الله لشعب آخر أو ليد أعدائهم (مز81: 11-12؛ إش34:2 ؛ 43: 28؛ 47: 6؛ 64: 6، 7 ؛إر29: 21). فالله يستخدم القوى المتاحة في تلك الأيام لتأديب شعبه والشعوب الأخرى. فالحروب التي خاضها شعب إسرائيل، وساعدهم فيها الله وقتلوا الألآف، كانت عقاب من الله بالموت للقتله، وهذا هو حق الله في العقاب، وفي اختياره للطريقة التي ينفذ به عقابه.
خامساً: الله العادل عاقب إسرائيل كما عاقب عماليق:
حقاً ليس لدى الله محاباة، فكما عاقب الرب الأمم على شرورهم كذلك عاقب شعبه على خطاياهم، ولو كان إله العهد القديم متحيزاً لليهود، ما كان قد أدَّبهم مراراً وتكراراً، وما كان اسقط جثثهم في القفر، ولو كان متحيزاً ما كان أدَّبهم بالحيَّات المحرقة، ولو كان متحيزاً لهم ما كان يترك الشعوب المحيطة بهم يستعبدونهم ويذلونهم، ولو كان متحيزاً لهم ما كان شتتهم في أرض السبي.
فدعني يا صديقي أذكر لك القليل من الكثير:
1-عندما صعد موسى إلى الجبل ليتسلم الوصايا من الله وأبطأ في النزول، عقب خروج بني إسرائيل من أرض مصر بشهور قليلة، صنع الشعب عجلاً ذهبياً وعبدوه وقالوا: “هذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ!” (خر32: 4). ونقرأ: “فَبَكَّرُوا فِي الْغَدِ وَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَقَدَّمُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ. وَجَلَسَ الشَّعْبُ لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ.” (خر32: 6). فحمى غضب الله عليهم، لأن أكثر ما يثير الغضب الإلهي أن يعبد الإنسان آلهة كاذبة، وما يتبع ذلك من انحلال وفساد. وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: “رَأَيْتُ هذَا الشَّعْبَ وَإِذَا هُوَ شَعْبٌ صُلْبُ الرَّقَبَةِ. فَالآنَ اتْرُكْنِي لِيَحْمَى غَضَبِي عَلَيْهِمْ وَأُفْنِيَهُمْ، فَأُصَيِّرَكَ شَعْبًا عَظِيمًا. ” (خر32: 9 – 14). وتضرع موسى أمام الرب إلهه من أجل الشعب، وبعد ذلك دعى موسى بني لاوي وقَالَ لَهُمْ: “هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: ضَعُوا كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَمُرُّوا وَارْجِعُوا مِنْ بَابٍ إِلَى بَابٍ فِي الْمَحَلَّةِ، وَاقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ. فَفَعَلَ بَنُو لاَوِي بِحَسَبِ قَوْلِ مُوسَى. وَوَقَعَ مِنَ الشَّعْبِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ رَجُل. (خر32: 27، 28) لقد قتلوا كل إنسان ما زال متمسكاً بالعبادة الوثنية وما زال يمارسها، مهما كانت درجة القرابة.
2- عندما سقط الشعب الإسرائيلي في خطية الزنى مع بنات موآب أرسل الله إليهم الوباء فمات أربعة وعشرين ألفاً فنقرأ: “وَأَقَامَ إِسْرَائِيلُ فِي شِطِّيمَ، وَابْتَدَأَ الشَّعْبُ يَزْنُونَ مَعَ بَنَاتِ مُوآبَ.فَدَعَوْنَ الشَّعْبَ إِلَى ذَبَائِحِ آلِهَتِهِنَّ، فَأَكَلَ الشَّعْبُ وَسَجَدُوا لآلِهَتِهِنَّ. وَتَعَلَّقَ إِسْرَائِيلُ بِبَعْلِ فَغُورَ. فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ.وَكَانَ الَّذِينَ مَاتُوا بِالْوَبَإِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا.” (عد25: 1-9)
3- وعندما انحرف شعب الله وابتعدوا عن الرب، عاقبهم الرب بالأمة الفلسطينية، فحاربوهم وقتلوا منهم أَرْبَعَةِ آلَافِ رَجُل (1صم 4: 1-3). وعندما لم يواجهوا أنفسهم بصدق ويصححوا علاقتهم بالله، ويتوبوا توبة صادقة، ويتقدسوا، قالوا فيما بينهم: “لِنّأخُذْ لأنْفُسِنَا مِنْ شِيلُوهَ تَابُوتَ عَهْدِ الرَّبِّ فَيَدْخُلَ فِي وَسَطِنَا وَيُخَلِّصَنَا مِنْ يَدِ أَعْدَائِنَا” وكانت هذه نظرة صنمية وثنية إلى التابوت بل إلى الله. فأرسلوا رسلاً إلى شيلوه وأحضروا تابوت عهد الرب، وأدخلوه إلى المحلة، وتقدموا لمحاربة الفلسطينيين، ولكن الرب كسرهم أمام الفلسطينيين، فهربوا كل واحد إلى خيمته، وقتل الفلسطينيين منهم ثلاثين ألف رجل، وأخذوا تابوت الله، ومات ابنا عالى، حُفنى وفينحاس (1صم4: 10-11).
4- عندما ندرس سفر القضاة سنجد أنه عندما أخطأ شعب الله وابتعدوا عن الرب وعبدوا آلهة أخرى، سمح الله للشعوب المحيطة بهم بأن يستعبدوهم ويذلوهم فنقرأ: “وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ وَعَبَدُوا الْبَعْلِيمَ. وَتَرَكُوا الرَّبَّ إِلهَ آبَائِهِمِ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَسَارُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ حَوْلَهُمْ، وَسَجَدُوا لَهَا وَأَغَاظُوا الرَّبَّ. تَرَكُوا الرَّبَّ وَعَبَدُوا الْبَعْلَ وَعَشْتَارُوثَ. فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَدَفَعَهُمْ بِأَيْدِي نَاهِبِينَ نَهَبُوهُمْ، وَبَاعَهُمْ بِيَدِ أَعْدَائِهِمْ حَوْلَهُمْ، وَلَمْ يَقْدِرُوا بَعْدُ عَلَى الْوُقُوفِ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ”(قض2: 11-15). وأرجو أن تقرأ هذا النص لترى كيف كان الرب يعاقبهم بالأمم المجاورة لهم:
“وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، فَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ لِيَدِ مِدْيَانَ سَبْعَ سِنِينَ. فَاعْتَزَّتْ يَدُ مِدْيَانَ عَلَى إِسْرَائِيلَ. بِسَبَبِ الْمِدْيَانِيِّينَ عَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لأَنْفُسِهِمِ الْكُهُوفَ الَّتِي فِي الْجِبَالِ وَالْمَغَايِرَ وَالْحُصُونَ.وَإِذَا زَرَعَ إِسْرَائِيلُ، كَانَ يَصْعَدُ الْمِدْيَانِيُّونَ وَالْعَمَالِقَةُ وَبَنُو الْمَشْرِقِ، يَصْعَدُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَنْزِلُونَ عَلَيْهِمْ وَيُتْلِفُونَ غَلَّةَ الأَرْضِ إِلَى مَجِيئِكَ إِلَى غَزَّةَ، وَلاَ يَتْرُكُونَ لإِسْرَائِيلَ قُوتَ الْحَيَاةِ، وَلاَ غَنَمًا وَلاَ بَقَرًا وَلاَ حَمِيرًا” (قض6: 3 – 6).
5- السبي الأشوري:
عندما تمادى شعب المملكة الشمالية (مملكة إسرائيل) في عناده وفساده وعبدوا آلهة أخرى، وأوقدوا على المرتفعات مثل الأمم، وعملوا أموراً قبيحة لإغاظة الرب، فعبدوا الأصنام وعبَّروا بنيهم وبناتهم في النار (2مل 17: 7-23)، غضب الرب جداً عليهم، ورذلهم وأذلهم ودفعهم ليد ناهبيهم، وسمح الله لملك أشور بسبي مملكة إسرائيل سنة 722ق.م “وَصَعِدَ مَلِكُ أَشُّورَ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَصَعِدَ إِلَى السَّامِرَةِ وَحَاصَرَهَا ثَلاَثَ سِنِينَ.فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِهُوشَعَ أَخَذَ مَلِكُ أَشُّورَ السَّامِرَةَ، وَسَبَى إِسْرَائِيلَ إِلَى أَشُّورَ” (2مل17: 5، 6).
وتحقق قول هوشع النبي: “تُجَازَى السَّامِرَةُ لِأَنَّهَا قَدْ تَمَرَّدَتْ عَلَى إِلهِهَا. بِالسَّيْفِ يَسْقُطُونَ. تُحطَّمُ أَطْفَالُهُمْ وَالْحَوامِلُ تَشّقُّ” (هو13: 16)
6- السبي البابلي:
وعندما تمادى أيضاً شعب المملكة الجنوبية (مملكة يهوذا) في عناده وفساده وعبدوا آلهة أخرى و أوقدوا على المرتفعات مثل الأمم، لقنهم الله درساً قاسياً ليدركوا أن الشر لابد أن يعاقب، فاستخدم الرب نبوخذ نصر ملك بابل ليعاقبهم، ففي عام (587 ق.م) هجم نبوخذ نصر على أورشليم بكل جيشه ومركباته، وكما يقول المؤرخ اليهودي الكبير يوسيفوس: “أحرقوا الهيكل عن آخره، وهدموا أسوار أورشليم، وأحرقوا جميع قصورها بالنار، وأخذوا جميع آنية بيت الله الكبيرة والصغيرة، وخزائن الملك ورؤسائه إلى بابل” (2أخ 36: 17- 21)، وقتلوا كل أشراف يهوذا (إر 39: 6) ومعظم الشعب سبوهم إلى بابل، ولم يتركوا في أورشليم إلا مساكين الأرض (2مل 25، 2أخ36) والذين أبقاهم نبوخذ نصّر ملك بابل في أورشليم وكل عليهم جدليا بن أخيقام بن شافان (2مل 25: 1-22). وبقي الشعب في السبي لمدة سبعين عاماً.
أخيراً أختم وأقول إن الحروب التي خاضها بني إسرائيل في العهد القديم كانت مشروطة بطاعة شعب إسرائيل للرب وإلا انهزموا امام أعدائهم، لم تقم على أساس عرقي أو ديني وإلا كانوا قد حاربوا كل الأمم المخالفة لهم، ولم تكن حرباً بغرض فرض الجزية، ولم تكن بحجة أن من يحاربوهم شعب كافر ويجب قتله، ولم تكن حروباً من أجل نشر الدين اليهودي، ولم تكن من أجل التوسع والاحتلال، ولم تكن من أجل السبايا والغنائم، ولكن لأن الله قدوس ولا يطيق الشر، وتطبيقاً لعدل الله بمعاقبة الوثنية وتطهير الأرض منها، فقد تمت بعد أن أعطى الرب لهم إنذارات كثيرة جداً وواضحة لمدة أربعة أجيال، ولأنه يريد أن يحمي خليقته. وأنا أرجو عزيزي القارئ أن تعود لنص كلام صموئيل النبي لشاول الملك.
عزيزي القارئ أرجو أن تلاحظ أن شاول عندما لم يطع الرب، ولم يحرِّم عماليق كما طلب الرب، فاستحسن بعض الغنائم من الغنم والبقر، ولم يقتل ملكها بخلاف وصية الله له، غضب الله عليه ورفضه من الملك وأرسل له النبي صموئيل قائلاً: “نَدِمْتُ عَلَى أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ شَاولَ مَلِكاً، لأّنَّهُ رَجَعَ مِنْ وَرَائِي وَلَمْ يُقِمْ كَلَامِي” (1صم15: 11). وكانت النتيجة أن دخل في حرب مع الفلسطينيين، فانكسر، ورأي جيشه يسقط أمامه، ثم رأى أولاده الثلاثة يموتون أمامه، ثم أصابه سهم جرحه جرحا شديداً فخاف من أن يقتله الفلسطينيون ويمثلون بجثته، فطلب من حامل سلاحه أن يقتله، لكن حامل سلاحه خاف أن يفعل ذلك، فسقط هو على سيفه وانتحر. ولكن يبدو أنه لم يمت بسرعة، فكانت نهايته على يد شاب عاليقي، فقتله، وأخذ الإكليل الذي كان على رأسه، وعصابة الذهب التي كانت حول خوذته، وسوار الذهب الذي كان على ذراعه، وذهب وأخبر الملك داود بذلك (2صم1: 1-10)
المراجع
(1)دائرة المعارف الكتابية، الجزء الخامس، ص285. .
(2) Walter C.Kaiser,Peter H. David, F. F. Bruce, and Manfred T.Brauch. Hard Sayings of the bible, p.257.
(3) Norman Geisler and Thomas Howe. When Critics Ask. A Popular Handbook on Bible Difficulties p.311.
(4) David E.O’Brien. Today’s Handbook for Solving Bible Difficulties, p.321.
(5) دائرة المعارف الكتابية، الجزء 8، ص135.
(6) قاموت الكتاب المقدس، ص996.
(7) Adam Clarke. Adam Clarke’s Commentary on the Whole Bible. V. 3. p.318.
(8) البابا شنودة الثالث. الوصايا العشر، ص69.
(9) والتر كيزر. دعوة للنهضة. تعريب د.القس مكرم نجيب، ص143.