البدلية العقابية – جي. آي. باكر – الفصل الثاني
البدلية العقابية – جي. آي. باكر – الفصل الثاني
البدلية العقابية – جي. آي. باكر – الفصل الأول
البدلية العقابية – جي. آي. باكر – الفصل الثالث
البدلية العقابية – جي. آي. باكر – الفصل الرابع
البدلية العقابية – جي. آي. باكر – الفصل الخامس
ماذا يعني هذا الإيمان، في معادلات لفظية، يعني أن الكتاب المقدس بعهديه له شخصية ثنائية والتي هي فيفا فوسي (الكلمة المنطوقة) لتعاليم الأنبياء، الرسل، والسامية التي ليسوع: في محتواها، وإن لم تكن في صورة لغوية نحوية، فهي كل من شهود بشر لله والله يشهد لنفسه في ذات الوقت. إن التشبيه الحقيقي للوحي هو التجسد، حيث صار أقنوم كلمة الله جسداً. وكإعترافات متعددة بالإيمان بالله الذي يحكم، يقضي، ويخلص في مجال التواصل المكاني والزمني الذي نسميه تاريخ العالم، يتكون الكتاب المقدس من وثائق متفرقة، تاريخية تعليمية وتعبديه، كلها تعلن بطرق مختلفة ماذا فعل الله، وماذا يفعل وماذا سيفعل. كل وثيقة وكل إعلان خلال الوثيقة، هو مثل يسوع المسيح في كل إعلاناته، أنه مثبت في وضع تاريخي معين – هذه الخاصية تميز كل الإعلان المسيحي – ومهمة المفسر الرئيسية هي أن يميز من خلال هذه الخصوصيات المعينة حقائق من الله للتطبيق العام. ودليله في هذا هو أن المعرفة التي توجد في كلمة الله ليومنا هذا يتم الحصول عليها عن طريق فهم وإعادة تطبيق الكلمة التي تكلم بها الله منذ زمن طويل بهوية (الجوهرية وليس النحوية) الرسالة التي كانت لدى الكتاب الموحى لهم. إن الطريق إلي فكر الله يظل عن طريق عقولهم، لأن ما قالوه عن الله يحوي بصورة محددة ما يريد الله أن يقوله لنا اليوم عن نفسه. وبكلمات أخرى، يقول الله لنا في تطبيق نفس ما قاله في الأصل في تطبيق لهؤلاء الذي كتب لهم الكتاب الموحى إليهم أولاً. تختلف تفاصيل التطبيق الثاني عن الأول بشكل يتعلق بالإختلاف الموجود بين وضعنا ووضع القراء الأصليين، ولكن تظل حقائق القاعدة الأصلية التي يتم تطبيقها كما هي. إن الحديث الإلهي في حد ذاته، بالطبع، هو نموذج، ولكنه نموذج حاكم (للنماذج الأخرى). فهو يدل على واقع إعطاء التعليمات من عقل إلي عقل، من الله لنا بطريقة لفظية، وهكذا يعلمنا أن نصنف كل النماذج التعليمية الأخرى الموجودة في الكتاب المقدس، ليس كإفتراضات أو حدس ولكن كإعلان موحى به.
كيف أصبحت هذه النماذج المعلنة وسيلة للتعليم الإلهي؟ هنا، لابد أن نقول بكل أسف، أن إين رامزي، رائد تأسيس فكر التركيب النماذجي للكتاب المقدس، قد خذلنا. فهو يصف بكل وضوح كيف أن هذه النماذج قد أشعلت شرارة الإكتشافات الدينية وطالبت بالتالي بإستجابات دينية لها، ولكن بدلاً من أن يساوي بين الإيمانيات التي تعبر عنها النماذج مع التعليم الإلهي، فهو يفتح الباب تماماً، وبالتالي يحجب تماما، العلاقة بين الإكتشافات كإستنتاج للواقع مع الأفكار التي تتضمنها هذه النماذج. وهذا يعني أنه ينقصه حدود للتمييز بين الإستنتاجات الصحيحة والخاطئة. ففي بعض الأحيان يتحدث كما لو أن كل شعور “بالإكتشافات الكونية” يحمل أفكارا صحيحة ومؤكدة ذاتياً، ولكن كل ما نحتاجه هو أن نذكر بوذا، م. ماري باكر إيدي، الأنبياء الكذبة الذي كشف عنهم أرميا وحزقيا وميخا في 1مل22، وأصحاب الرؤى في كو2: 18 لكي نظهر أن منطقه غير صحيح. يبدو أيضاً أن رامزي ليس لديه حدود لعلاقات النماذج ببعضها البعض ولا لتطوير نظام إيماني متوافق منها، وهو لم يعتبر في أي مكان ماذا يجب على نموذج الحديث الإلهي أن يعني.[ii]
هل يجب لفهمنا لكيفية عمل النماذج الكتابية أن يكون محدوداً أم فضفاضاً كرامزي؟ ليس بالضرورة. إن ملاحظة أن الشهادة الكتابية لله لها منطق النماذج – التي ليست معزوله، ولا حدثت بالصدفة، ولكنها متصله ببعضها البعض، ويحدد كل منها الأخر في وحدات محدودة من المعاني – متوافق مع كل وجهات النظر المستخدمة في النقاش التفسيري المعاصر. وهناك سؤالين مركزيين لهذا النقاش. الأول هو هل النقطة المرجعية والمادة الذاتية للشهادة الكتابية هي مجرد تحول نفسي، كما “لمخلوق جديد”، أو أنها ليست كذلك، بل بالأساس في الواقع، تشير لعمل خلاصي إلهي ولمخلص إلهي حي كانا في الأصل كواقعين يمكن تأريخهما في تواصل مكاني زمني من تاريخ العالم، وأنهما يدينان بقدرتهما على التغيير “هنا” في حياة المسيحيين الآن لحقيقة أنهما كانا (موجودين) “هناك” على مسرح التاريخ وقتها. على قدر ما يتم تبني الحل السابق، لابد أن نقول أن المعلومات الحقيقية الوحيدة التي تواصل بها كتاب الوحي معنا هي أن شعب الرب قد شعر وفكر بطرق معينة في أوقات معينة وفي مواقف معينة. وهنا لابد لنا من أن نواجه السؤال بهل كان كاتبي الوحي قد فكروا أن هذه هي كل المعلومات الحقيقية التي سيتواصلون بها معنا أم لا؛ إن جاوب أحد بلا، فلابد له أن يبرر عدم إتفاقه معهم؛ وإن جاوب أحد بنعم، فعليه أن يشرح لماذا كان الكثير من شهادتهم عن المسيح لها صورة روائية لحقائق عنه – لماذا، بالفعل، تم كتابة الأناجيل بصورة أدبية. ولكن إن قام أحد، على كل حال، بتبني الحل الأخير، كما يبدو أن كل تفكير سليم سوف يفكر، يأتي إذاً السؤال المركزي الثاني: كم هو مقدار التشويش للحقائق في العمل الروائي، وكم هو مقدار التخمين، والحدث، والخيال الموجود في تفسير الوقائع التاريخية التي كانت “هناك”؟ لا أستطيع أن أجاوب على هذا الموضوع الضخم المعقد هنا؛ وأضيف معترفاً، أنه بخصوص هذا النقاش، أنني أكمل طريقي على أساس أن كتاب الوحي يعطون بالفعل معلومات حقيقية عن أحداث تاريخية محددة، عامة، ويمكن تأريخها من جهة المبدأ، والتي أنتجت مخلصاً وخلاصاً “هناك” للخطاة لكي يقبلوه بالإيمان؛ وأن نماذج الفكر الكتابي بالتحديد في الألفاظ التي قدمت فيها هذه الأحداث وشرحت هي نماذج موحى بها وطرق تفكير علمنا إياها الله نفسه للوصول لفهم حقيقي لما قد فعله لنا وما سيفعله فينا.
وأيضاً أكمل طريقي على أساس أن الروح القدس الذي أوحى بالشهادة النبوية والرسولية في صورتيهما المكتوبة والشفوية هو يعمل الآن لكي يعلمها للمسيحيين، ويجعلهم واعين لنوعيتها الإلهية الكلية، ورسالتها لهم، ولحضور الله وقوته التي في المسيح التي تشير له. وحيث أن الروح كان يعلم الكنيسة بهذا الشكل عبر العصور، فالكثير من سماعنا للكتاب المقدس في الحاضر سوف بكل صحة يأخذ شكل مراجعة البنايات اللاهوتية التي من الماضي، وإختبارها بالكلمة المكتوبة التي نشأت منها البنايات. وعندما تكون هناك وجهة نظر لاهوتية معينة، مُعتَرِفَه بأنها مبنية على أساس الكتاب، وأثبتت عبر العصور أنها نبع للتكريس المسيح، والإيمان والحب، لابد من التعامل معها، ليس دون فحص على الإطلاق، ولكن بإحترام، متوقعاً أن تكتشف أنها صحيحة بشكل كبير. إن مهمتنا الآن هي أن نشرح ونقيم خط تاريخي تفسيري كان له تأثير لا يمكن إحتسابه على حياة عدد لا يمكن حصره منذ أن تم توضيحه في عصر الإصلاح وحتى الآن؛ وسيكون من الغريب أن يثبت أنه خطأ تماماً.[iii]
ها قد إنتهينا، بعد كل هذا، من التحضيرات الطرائقية، والتي كانت مرهقة ولكن ضرورية، والآن فلنتجه مباشرة لموضوعنا الرئيسي.
[i] بالنسبة لتابعي توما الأكوين، التوميين، تقوم عقيدة التشبيه بشرح كيف تعطي معرفتنا للخلائق معرفة عن خالقها (اللاهوت الطبيعي) كما أيضاً كيف تعطي الصور الكتابية معرفة عن اله الطبيعة وإله النعمة (اللاهوت الكتابي). للحصول على مناقشة فنية للتوميين تركز على التشبيه في اللاهوت الطبيعي، طالع، E. L. Mascall, Existence and Analogy, Longmans, London (1949) 92-121.
[ii] للإطلاع على وجهة نظر رامزي الكلية عن النماذج اطلع على الأعمال المكتوبة في الملحوظة رقم 12. وفي معظم المواضيع اللاهوتية كانت آرائه، كما أعلنها، بلا إستثناء توسطية، ولكن الجدير بالذكر أنه في محاضرته “لاهوت الكفارة” في التاريخ المسيحي (ص28) يشيد بمعالجة هاستينجس راشدال أبيلارديان، “فكرة الكفارة في اللاهوت المسيحي (1919) على أنها “محددة” (ص29؛ ولكنه لم يعط سبباً) وتحدد “الإكتشاف الكوني” المسبب بواسطة الصليب إلى معنى “الإرادة المنتصرة لله”، الذي كانت خطته أن يحافظ على بقية ولم تفشل (ص32، 34)، وأن هذا الإنتصار يظهر حبه (ص59)؛ ويرفض التبرير على أرضية البدلية أوالإسترضاء لأنها تشمل “إشتباكات حدودية مع لغة الأخلاق” (ص40؛ وهو الإعتراض السوسياني القديم)؛ وينتقد تفسير التبرير، البدلية، الإسترضاء، المصالحة، الفداء، االكفارة، والتعويض كما لو أن هذه الكلمات “ليست نماذج على الإطلاق، لكنها تصف عملية إجراء صفقات كل منها يصف صنف من الهندسة الكفارية” (ص44). ويظهر هنا تضارب واضح جداً. فبكل تأكيد هذه الكلمات هي نماذج، ولكن الذي تمثله كنماذج هو عملية الصفقة التبادلية التي تحقق الكفارة بكل دقة، صفقات تبادلية يتعامل فيها كل من الآب والإبن مع بعضهم البعض بالنيابة عنا. إن محتوى الحجة الرسولية الذي تظهر فيها هذه النماذج يجعلها واضحة بلا أي غموض، ويفترض، كما يبدو أن رامزي يقول، أن هذه النماذج يمكنها فقط أن يكون لها مرجعية ذاتية مباشرة لما يدعوه بولتمان فهم ذاتي جديد هو إعتباطي تماماً. وفي الواقع، فإن رامزي نفسه يستمر حتى يظهر أن تصنيف النموذج للمبادئ الكتابية لا يتطلب مرجعية ذاتية حصرياً، لأنه يرتكن للحب كنموذج لعمل الله (ص59) وإن كان يمكن للحب أن يكون هذا النموذج، فلماذا لا تكون الكلمات الأخرى نماذج هي أيضاً؟ يبدو أنه من المؤكد أن رامزي أحضر لدراسته للكلمات إفتراضات أبيلاردينية-سوسيانية، بدلاً من أن أن يستخرج وجهات نظره من الدراسة نفسها.
[iii] طالع ملاحظات فينسنت تايلور فيThe Atonement in New Testament Teaching, Epworth Press, London (1940) 301f.: “إن فكرة البدلية ربما كنا متحفزين أكثر لأن نفرضها من أن نقيمها؛ وفي نفس الوقت فإن حجم الشكر والإحساس بالعرفان الذي لا يقاس المرتبطة به …. عظيم جداً بالنسبة لما هو مطلوب ويليق بنظرية الكفارة”