كتاب الطب النفسي الأرثوذوكسي (علم الآباء) لـ إيروثيئوس مطران نافباكتوس، ترجمة د. نيفين سعد
كتاب الطب النفسي الأرثوذكسي (علم الآباء) PDF
لـ إيروثيئوس مطران نافباكتوس، ترجمة د. نيفين سعد
لا يشير تعبير ” الطب النفسي الأرثوذكسي” إلى الحالات الخاصة التي تعاني من مشاكل نفسية وعصبية ولكنه يتعلق بالأحرى بكل الناس. ويرى التقليد الأرثوذكسي أن آدم صار مريضاً بعد السقوط وإظلمّ عقله وفقد شركته مع الله ودخل الموت إلى كيان الإنسان وسبب العديد من المشاكل الإنسانية والإجتماعية بل وحتى البيئية.
وفي مأساة السقوط إحتفظ الإنسان بصورة الله داخله ولكنه فقد تماماً الشبه معه حيث أن شركته مع الله كانت قد تمزقت. وعلى أية حال فإن تجسد المسيح وعمل الكنيسة يهدفان إلى جعل الإنسان قادراً على الوصول للشبه مع الله الذي هو إستعادة الشركة مع الله. ويسمى هذا العبور من حالة السقوط إلى حالة التأليه “شفاء الإنسان” لأنه مرتبط بعودته من حالة كونه ضد الطبيعة إلى الحالة الطبيعية والفوق طبيعية.
ويستطيع الإنسان بالإلتصاق بالعلاج الأرثوذكسي كما يرى آباء الكنيسة القديسون أن يتكيف مع الأفكار بنجاح وبالتالي يحل مشاكله بطريقة شاملة وكاملة.
إنني أود أن أؤكد ثانية على أن تشخيص كل الحالات المرضية والعصبية هو ليس موضوع هذا الكتاب لأن هذا يخص مجال الأمراض النفسية والعصبية. ومن ناحية أخرى فإن العديد من الأمراض النفسية يأتي من القلق من الموت وفقدان معنى الحياة والضمير المثقل بالإحساس بالذنب وفقدان إتحاد الإنسان بالله. ويستطيع اللاهوت الكنسي بكل تأكيد أن يساعد إما بالوقاية أو بشفاء الأشخاص الذين يعانون من مثل هذه المشاكل الوجودية.
وبالتالي فإن الطب النفسي والعصبي يشفي الإضطرابات على حين أن اللاهوت الأرثوذكسي يشفي الأسباب الأكثر عمقاً التي تتولد منها هذه الأمراض.
سوف يجد القارئ في هذا الكتاب المسار الذي يصل المرء من خلاله إلى الشركة مع الله وبالتالي يحقق الهدف من الوجود الإنساني كما سيجد فيه أيضاً الطريقة التي يستطيع بها أن يقي نفسه من الأمراض البدنية المختلفة.
وبالتالي سيصبح الطب النفسي الأرثوذكسي أكثر فائدة لأولئك الذين يبتغون حل مشاكلهم الوجودية الذين أدركوا أن عقلهم قد إظلم وبالتالي يجب عليهم أن يتحرروا من طغيان أهوائهم وأفكارهم لكي يصلوا لإستنارة عقولهم والشركة مع الله.
ويرتبط كل هذا العلاج النفسي بدرجة وثيقة بتقليد الكنيسة النسكي وبحياتها السكونية كما هو محفوظ في كتابات آباء الكنيسة وبصورة بارزة في تعليم القديس غريغوريوس بالاماس. ولا يجب على المرء بالتأكيد أن يغفل حقيقة أن الحياة النسكية والسكونية هي نفس الحياة التي نراها في حياة الأنبياء والرسل كما هي موصوفة في الأسفار المقدسة. وسوف يتضح في تحليل فصول هذا الكتاب أن الحياة النسكية هي في الحقيقة حياة البشائر الأربعة.
إنني أؤمن أن المشكلة العظمى للفلسفة الغربية هي أنها توحد بين العقل والذهن وبين المعرفة الذهنية والمعرفة الوجودية. وفي الواقع فإن التقليد النسكي هو التقليد المشترك بين الشرق والغرب من قبل التوحيد بين اللاهوت والغيبيات. وهذا التقليد النسكي هو الذي يهدئ تماماً روح الإنسان الذي يسعى إلى تحقيق ذاته وإلى السكون والسلام الداخلي.
إنه من الضروري أن نجد ونعيش هذا الطريق العلاجي بينما نحن نعيش في ألم وإضطراب عالم اليوم الذي يقهرنا ويؤلمنا ويوصلنا لجوع وعطش حقيقي وهذا بحسب توصيات آباء الكنيسة القديسين. وبالتأكيد فإن آباء الكنيسة القديسين سبقوا علماء النفس والأطباء النفسيين المعاصرين.
إن الأشخاص الذين شُفوا بالفعل هم الدليل على أن الكنيسة تتدخل في المجتمع بطريقة خلاصية. وهذا هو بالضبط الغرض العظيم الذي تقدمه الكنيسة الأرثوذكسية من خلال لاهوتها وحياتها. وطريقة الكنيسة هذه تختلف بوضوح عن الطرق النفسية الأخرى لأنها لا تتمركز حول الإنسان anthropocentric ولكنها تتمركز حول الإنسان المؤلهtheanthropocentric ولأنها لا تقوم بعملها من خلال طرق بشرية ولكن بمعونة وقوة النعمة الإلهية وبدرجة أساسية من خلال التناغم بين الإرادة الإلهية والإنسانية.
لقد أردت في هذا الكتاب أن أؤكد على بعض الحقائق إذ تمنيت أن أشير إلى جوهر المسيحية وأيضاً إلى الطريقة التي تستعملها لتحقيق هذا الشفاء. وهدفي الرئيسي هو مساعدة الإنسان المعاصر لكي يجد شفاءه داخل الكنيسة الأرثوذكسية إذ أننا نحن أيضاً نجاهد لكي نحصل عليه. إنني أدرك أننا جميعاً مرضى ونحتاج لطبيب؛ إننا سقماء ونحتاج للشفاء. والكنيسة الأرثوذكسية هي الملجأ والمستشفى التي يستطيع كل شخص مريض ومتألم أن يشفى فيها.
لو أصبح هذا الكتاب وسيلة للبعض للبحث عن شفائهم لدى الكنيسة وتعليمها فإنني سوف أمجد الرب الذي أعطاني الإلهام والقوة لأداء هذا العمل الصعب وسوف أطلب منه أن يرحم ضعفي.
أرشمندريت هيروثيئوس س. فالشوس
مش عارفة احمل الكتاب اللينك مش شغال