ماذا يحدث حين نموت؟ (1) – وليم لين كريج
في هذه العظة (المكتوبة) سيستخدم دكتور كريج تقارير عن خبرات الموت الوشيك أو بعد الموت ليشرح المنظور المسيحي لحالة الروح المتوسطة بعد الموت ودلالات مصداقية هذه الخبرات. هذا هو الجزء الأول ويُمكنك قراءة الجزء الثاني من هُنا.
تمت كتابة عدد من الكتب مؤخرًا من قِبل أو عن ناس ماتوا أو كانوا قريبين من الموت ويدَّعون أنهم ذهبوا إلى السماء وعادوا، مثل كتاب 90 دقيقة في السماء “90 Minutes in Heaven” أو السماء حقيقة “Heaven is Real”. وأصبحت هذه الكتب تحقق مبيعات هائلة في الأوساط المسيحية، وفيها لا يزعم هؤلاء الأشخاص أنهم ذهبوا إلى السماء فحسب بل يقولون أيضًا أنهم تقابلوا وتحدثوا مع أحبائهم وأصدقائهم وأفراد أسرتهم الذين رحلوا وسبقوهم إلى هناك.
في الحقيقة، بعض هؤلاء الأشخاص يزعمون أنهم تقابلوا مع يسوع وكان لهم حديث حقيقي معه أثناء تواجدهم في السماء. للأسف من وجهة نظرهم هم مستاؤون لعودتهم إلى الأرض من السماء ليحيوا حياتهم التي كانوا يعيشونها.
من الواضح أن كتبًا بهذه الطبيعة قد أثارت اهتمامًا كبيرًا لدى الكنيسة المسيحية؛ فنحن نتطلع إلى السماء ونحن شغوفون بالطبيعة لمعرفة ما يدور هناك. وهذه الكتب أصبحت منتشرة للغاية، ولكن في الوقت ذاته أخشى أن تكون تلك الكتب مصدرًا لسوء الفهم، أخشى أن يبدأ الناس في تأسيس نظرتهم للحياة ما بعد الموت والسماء على هذه الخبرات من الموت الوشيك بدلاً من تأسيسها على التعليم الكتابي عن الحياة ما بعد الموت.
أعتقد أن هذا خطير لسببين، الأول هو أن تلك الخبرات عادةً ما لا تتسق مع بعضها البعض، فهي متناقضة وبذلك نعرف أنها قد لا تكون صادقة في كل تفاصيلها. هذا يعني أن بعض هذه الخبرات مزيفة والصعوبة في هذا هي: كيف لنا أن نحدد الخبرات الحقيقية من المزيفة؟ خبرات الأشخاص تبدو متساوية في واقعيتها، فكيف لنا أن نحكم أية خبرة عن السماء هي الأصلية حقًّا؟
ثانيًا، والأكثر أهمية، هو أن الكتاب المقدس يُمثل مرجعنا الموثوق الذي أعطاه الله لنا للعقيدة المسيحية ويشمل عقيدة الحياة ما بعد الموت والسماء، ولكي نعرف تعليم الله الموثوق عن شكل الحياة ما بعد الموت يجب أن نرجع إلى الكتاب المقدس وليس خبرات الموت الوشيك. سنلقي نظرة على عدة فقرات مختلفة في العهد الجديد تساعدنا على استكشاف هذا الموضوع.
الحقيقة الأولى والجوهرية التي يجب أن نتمسك بها هي أن الرجاء الكتابي للخلود هو القيامة الجسدية. أكرر: الرجاء الكتابي للخلود هو القيامة الجسدية، الرجاء الكتابي ليس انفصال الروح عن الجسد يومًا ما وإقلاعها إلى السماء لتبقى مع الله إلى الأبد في السماء في كيان بلا جسد، فهذا في الواقع فَهْمٌ يونانيٌّ للغاية عن الحياة ما بعد الموت جاء من فلاسفة يونانيين مثل أفلاطون وهي يخالف طريقة التفكير اليهودية – العبرانية عن الحياة ما بعد الموت. أما بالنسبة لليهود والمسيحيين الأوائل، على حد سواء، كان رجاء الخلود ليس خلود الروح وحدها بل أيضًا قيامة الجسد. هذا الجسد المادي سيُقام من بين الأموات ويتحول إلى حياة الخلود.
قيامة المسيح هي المثال الذي يجب أن ننظر إليه في هذه الحالة وإن رجعنا إلى كورنثوس الأولى 20:15 سنجد بولس يوضِّح أن قيامتنا ستتبع نموذج قيامة يسوع نفسه إذ يقول: “وَلَكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ.”. وفكرة “الباكورة” تعني أنها نموذج تمثيلي للحصاد الآتي. كان العابدون اليهود يقدمون باكورة محصولهم لله كذبيحة في الهيكل، وهنا قيل عن المسيح أنه باكورة قيامة الأموات التي ستحدث في النهاية ولكن قيامته قد حدثت بالفعل مُقَدَّمًا كمُفتَتِحٍ لطريق قيامتنا الأخيرة، أي أن أجسادنا المُقامة ستحاكي نموذج ونمط جسد المسيح.
يقول بولس شيئًا مشابهًا في فيلبي 20:3- 21 ” فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ”. يقول بولس إن هذا الجسد المتدني المتواضع سيتحول إلى صورة جسد المسيح المجيد المُقام الذي كان لديه حين ترك القبر فارغًا وقام منتصرًا على الموت. الرجاء الكتابي للخلود يتّخذ شكل قيامة جسدية مادية من الموت.
لكن هذا يثير السؤال التالي: متى سننال أجساد القيامة؟ متى سنحصل على جسد قيامتنا؟ هل سيحدث هذا فورًا بعد الموت؟ هل ننال جسد قيامتنا فورًا بعد الموت؟ الإجابة هي: لا. تفشل هذه الفكرة في أخذ الطبيعة المادية للقيامة على محمل الجدّية، فجسد القيامة ليس نوعًا من الأجساد المختلفة، بل أنه هذا الجسد – الذي نحيا فيه الآن – مُتحوّلاً إلى صورة مجيدة من الخلود وعدم الفساد والامتلاء بالروح؛ لذلك إن نلنا جسد القيامة فورًا عند الموت ستكون قبور المسيحيين جميعها فارغةً! لن تبقى جثامين في المقابر لأن أجساد قيامتنا هي الأجساد المتحولة من هذا الجسد الأرضي؛ لذلك القيامة لا تحدث مباشرةً عند الموت بل كما يوضّح لنا الكتاب المقدس أننا ننال أجساد القيامة عند مجيء المسيح الثاني حين يأتي إلى الأرض.
إن ألقينا نظرة على رسالة كورنثوس الأولى 21:15- 23 و51- 52، سنجد بولس يقول في الآيات 21- 23: “فَإِنَّهُ إِذِ الْمَوْتُ بِإِنْسَانٍ، بِإِنْسَانٍ أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ. لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ. وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي رُتْبَتِهِ: الْمَسِيحُ بَاكُورَةٌ، ثُمَّ الَّذِينَ لِلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ”. لقد تمت قيامة المسيح أولاً كباكورة؛ أما قيامتنا ستتم حين يأتي. ثم يقول بولس في الآيات 51- 52 “هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا، وَلكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ، فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ، فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ”.
نجد وصف بولس الكامل لهذا التحوّل الذي سيتم عند مجيء المسيح الثاني في رسالته الأولى إلى الكنيسة في تسالونيكي. يقول في تسالونيكي الأولى 13:4- 17 “ثُمَّ لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ الرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ. لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذلِكَ الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ، سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضًا مَعَهُ. فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ، لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ. لأَنَّ الرَّبّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلاً. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ.”
يقول بولس إن الراقدين في يسوع (أي الذين سيموتون وهُم في حياة الإيمان بيسوع) سيقومون في مجيء المسيح الثاني والأحياء في ذلك الوقت سيتحولون إلى جسد القيامة وسنذهب للحياة كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ. لن ننال أجساد قيامتنا حتى يأتي المسيح ثانيةً.