ولكني أعطي رأيا – كيف يقول بولس الرسول أنه يعطي رأياً ؟ هل هو وحي أم مجرد آراء؟
ولكني أعطي رأيا – كيف يقول بولس الرسول أنه يعطي رأياً ؟ هل هو وحي أم مجرد آراء؟
عرضت قناة البينة هذه الصورة، وقالت ما ترونه مكتوباً، ولا يخفى على احدكم الكم الهائل من الأكاذيب والتضليل التي يمررونها داخل عقول البسطاء من الإخوة المسلمين الذين لا يراجعون خلفهم ما يقولوه، وهو ما دفعهم أكثر وأكثر إلى المزيد من الأكاذيب، وبين يدينا اليوم مثال مثالي للكذب البواح!
إستشهدت القناة بـ(1كورنثوس 9: 23) [وهذا أنا أفعله لأجل الإنجيل لأكون شريكا فيه] وعلقت القناة وقالت أن القديس بولس يقول أنه يكتب رأيه حتى يكون شريكا في الإنجيل! فمن أين أتوا بهذا الكلام وفقا لهذا النص المقتبس؟!
لو ذهبنا إلى هذا النص وقرأنا سياقه، سنجد:
1Co 9:16 لأنه إن كنت أبشر فليس لي فخر إذ الضرورة موضوعة علي فويل لي إن كنت لا أبشر.
1Co 9:17 فإنه إن كنت أفعل هذا طوعا فلي أجر ولكن إن كان كرها فقد استؤمنت على وكالة.
1Co 9:18 فما هو أجري؟ إذ وأنا أبشر أجعل إنجيل المسيح بلا نفقة حتى لم أستعمل سلطاني في الإنجيل.
1Co 9:19 فإني إذ كنت حرا من الجميع استعبدت نفسي للجميع لأربح الأكثرين.
1Co 9:20 فصرت لليهود كيهودي لأربح اليهود وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس لأربح الذين تحت الناموس
1Co 9:21 وللذين بلا ناموس كأني بلا ناموس – مع أني لست بلا ناموس لله بل تحت ناموس للمسيح – لأربح الذين بلا ناموس.
1Co 9:22 صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء. صرت للكل كل شيء لأخلص على كل حال قوما.
1Co 9:23 وهذا أنا أفعله لأجل الإنجيل لأكون شريكا فيه.
فأين قال بولس الرسول هنا أنه يعطي رأيه لكي يكون شريكا في الإنجيل؟! بولس الرسول يقول هنا أنه يبشر ويتعب لكي يكون شريكا في الإنجيل أي “الخبر السار”، فما علاقة هذا بأنه يعطي رأيه؟!! أرجوكم راجعوا سياق النصوص!
ثم عادت القناة للأصحاح السابع لتنقل لنا النص [وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهن ولكنني أعطي رأيا كمن رحمه الرب أن يكون أمينا.] (1 كورنثوس 7: 25)، وللأسف، عندما يختلط الجهل بتعمد التشويه ينتج مثل هذا الذي قالته القناة! فما حقيقة معنى هذا النص؟
من لديه أقل دراية بالكتاب المقدس سيعرف أن مقصد القديس بولس هنا هو أن بين أنه ليس لديه أمرا مباشرا من الرب يسوع أثناء حياته بالجسد، وبالتالي فهو لا يضع قانونا إلزاميا يجب على كل مسيحي أن يتبعه، بل أنه يترك الأمر للمسيحيين أنفسهم أن يبقوا بلا زواج أو يتزوجوا، ولهذا قد أعطى رأيه، أي عدم وجود قانون من المسيح، لكن هذا الرأي نفسه بالروح القدس لأن كل ما يكتبه بولس الرسول هنا هو بالروح القدس، إنما الفارق هنا في أنه يوضح أنه ليس لديه إلزاما من الرب يسوع بل يضع الأمر حسب رغبة المسيحي، أو بحسب تعبير الإخوة المسلمين، فإن هذا ليس “فرضاً”.
يقول سفيريان أسقف جبالة:
من الواضح أن بولس يقول هذا ليس لأن لديه أمر بأن يعلم بخصوص البتولية، وإنما لأن اللَّه لم يخبره بأن هؤلاء الناس يلتزمون بممارسة البتولية. لهذا يكتب مقدمًا رأيه وموصيًا البتولية دون إلزامهم بها[1].
ويقول أوكليمينوس:
هنا يبلغ بولس حكمة علوية، لكنه يتردد في فرض (العفة) مباشرة، لأن هذا قد يظهر لسامعيه أنه غير مقبول. لهذا وضع الأمر كأنه رأي لا وصية ملزمة[2].
العلامة أوريجينوس:
بعض الأحكام تقدم كوصايا اللَّه، بينما أحكام أخرى أكثر مرونة يتركها اللَّه لقرار الأفراد. النوع الأول هو الوصايا التي تمس الخلاص، والأحكام الأخرى للحياة الأفضل التي وإن لم نحفظها إلا أننا نخلص. إنها ليست ملزمة بأية طريقة، إنما ممارستها أمر اختياري[3].
يقول القمص تادرس يعقوب ملطي تعليقا على هذا النص:
بالنسبة للعذارى يشتاق أن يبقين هكذا إن أمكن [25، 26]. أما قوله: “فليس عندي أمر من الرب فيهن ولكنني أُعطي رأيًا كمن رحمه الرب أن يكون أمينًا، فأظن أن هذا حسن لسبب الضيق الحاضر أنه حسن للإنسان أن يكون هكذا” [26]، لا يعني أن الرسول متشكك في الأمر، إنما لا يقدم وصية ملزمة وإلا التزمت جميع العذارى ألا يتزوجن حتى لا يكسرن الأمر الإلهي. هنا يقدم طريقًا لراغبي وراغبات الكمال البتولي كنصيحة وليس كأمر واجب.
بكل أمانة يعلن الرسول أنه لم يتسلم أمرًا من الرب في هذا الموضوع لكنه يكتب كرسولٍ يعلن له الروح القدس الحق ويوحي له به.
وجاء في تفسير وليم ماكدونالد:
العدد 25 هو عدد آخر تذرّع به قوم للقول بأنه يعلم أن محتويات هذا الأصحاح ليست بالضرورة من الوحي. ويذهب هؤلاء إلى حد القول بأن بولس لكونه عازبا كان يفاخر بكونه ذكراً وأن تحاملاته الشخصية تعكسها أقواله هنا، ولكن تبني مثل هذا الموقف هو بالطبع بمثابة هجمة شرسة على وحي كلمة الله.
فعندما يقول بولس: [ليس عندي أمر من الرب فيهن]، يعني أن الرب في أثناء خدمته الأرضية لم يترك أي تعليم واضح حول هذا الموضوع. ومن هنا فإن بولس يعطي حكمه الشخصي في المسألة [ولكني أعطي رأياً كمن رحمه الرب أن يكون أمينا] وهذا الرأي موحى به من الله.
[1] Pauline Commentary from the Greek Church.
[2] Pauline Commentary from the Greek Church.
[3] Commentary on 1 Cor. 3:39:2-6.