نشيد حبقوق ج4 | مدخل الى سفر حبقوق النبي
نشيد حبقوق ج4 | مدخل الى سفر حبقوق النبي
‘ن الاسئلة التي طرحها حبقوق على الرب في الاصحاح الاول، والمعضلة التي اوجدتها اجوبة الرب جعلت النبي يتساءل مرة اخرى، وفي إنتظاره لاجوبة الرب شبّه حبقوق نفسه بالمنتظر والمترقب كالحارس الذي يقف على الحصن ليترقب متى يأتي الغزاة لمهاجمته، لم ينتظر حبقوق كثيرا ليأتيه الوحي الالهي، فقد قال له الرب:
سفر حبقوق 2: 2
فَأَجَابَنِي الرَّبُّ وَقَالَ: «اكْتُبِ الرُّؤْيَا وَانْقُشْهَا عَلَى الأَلْوَاحِ لِكَيْ يَرْكُضَ قَارِئُهَا،
فطلب منه الرب ان يكتب كلماته على الالواح وعلى الاغلب كانت الالواح مصنوعة من الطين والتي كانت تستخدم في ذلك الوقت للكتابة، كانت هذه الالواح ستوضع على باب بيت النبي او في الاسواق ليطلع الناس على كلام الرب، من الواضح ان الكلام الذي سيصدر من الرب سيكون بغاية الاهمية لذلك طلب منه ان يكتبه ليطلع الناس عليه
سفر حبقوق 2: 3
لأَنَّ الرُّؤْيَا بَعْدُ إِلَى الْمِيعَادِ، وَفِي النِّهَايَةِ تَتَكَلَّمُ وَلاَ تَكْذِبُ. إِنْ تَوَانَتْ فَانْتَظِرْهَا لأَنَّهَا سَتَأْتِي إِتْيَانًا وَلاَ تَتَأَخَّرُ.
لم يعطِ الرب ميعاد محدد لتحقيق النبوة بل ترك الوقت مفتوحا امام الناس للتوبة والرجوع اليه قبل الدينونة، فالرب لديه تدبير لكل البشر ومواعيده تأتي في الوقت المناسب ويندم او يتراجع عنه لان تدبيره لشعبه معروف عند قبل ان يخلق العالم، ان نهاية العالم الوثني قد بدأت ببزوغ المملكة البابلية تحت قيادة الملك نبوخذنصر والتي كانت تشكل رأس التمثال الذهبي الذي رآه النبي دانيال في الاصحاح الثاني من كتابه، و كما انتهت الوثنية بزوال الممالك الاربعة التي تكلم عنها دانيال النبي، ستظهر الوثنية مرة اخرى و ستقوم بابل جديدة كما اخبرنا اخر سفر في الكتاب المقدس.
ان عمل كل المؤمنين والانبياء هو عدم الاستسلام او فقدان الرب اثناء اي ضيقة، فتعزيات الرب ستأتينا طالما لم نتخلى عن ايماننا به (1)، في العدد الرابع من الاصحاح الثاني يبدأ الرب بالتكلم عن الخراب الذي سيحل بالكلدانيين لأنهم تمادوا في فعل الشر، يتكلم الرب عن نوعين من الاشخاص في مقدمة النبوة
سفر حبقوق 2: 4
«هُوَذَا مُنْتَفِخَةٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ نَفْسُهُ فِيهِ. وَالْبَارُّ بِإِيمَانِهِ يَحْيَا.
الرب يتكلم عن شيئين متناقضين، الايمان به والاتكال على النفس والتكبر، فغطرسة وتكبر وغرور الكلدانيين يتنافى مع مشيئة الرب لابناء البر الذين يؤمنون به ويتكلون عليه، فالأبرار سيعيشون وغير المستقيمون ستحل عليهم دينونة الرب القادمة، اقتبس بولس الرسول هذا العدد عندما كان يكلم عن التبرير عن طريق الايمان في رسالته الى اهل رومية.
رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 1: 17
لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإِيمَانٍ، لإِيمَانٍ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا».
ويقتبس بولس الرسول مرة اخرى بهذا العدد في رسالته الى غلاطية حينما يقارن بين التبرير امام الرب عن طريق الايمان وأعمال الناموس
رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 3: 11
وَلكِنْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَتَبَرَّرُ بِالنَّامُوسِ عِنْدَ اللهِ فَظَاهِرٌ، لأَنَّ «الْبَارَّ بِالإِيمَانِ يَحْيَا».
فالكلدانيين بحسب هذه الاوصاف هم يعتمدون فقط على أنفسهم ويعتقدون بأنهم اصحاب الفضل الوحيدون في تحقيق انتصاراتهم، ولهذ ازادات شرورهم كلما تعاظموا في الارض ولم يؤمنوا بان هناك من مكنهم للوصول الى هذه القوة التي يتفاخرون بها، يكمل الرب قائلا
سفر حبقوق 2: 5
وَحَقًّا إِنَّ الْخَمْرَ غَادِرَةٌ. الرَّجُلَ مُتَكَبِّرٌ وَلاَ يَهْدَأُ. الَّذِي قَدْ وَسَّعَ نَفْسَهُ كَالْهَاوِيَةِ، وَهُوَ كَالْمَوْتِ فَلاَ يَشْبَعُ، بَلْ يَجْمَعُ إِلَى نَفْسِهِ كُلَّ الأُمَمِ، وَيَضُمُّ إِلَى نَفْسِهِ جَمِيعَ الشُّعُوبِ.
هنا يتكلم الرب عن الصفات السيئة الاخرى التي عند الكلدانيين، فهم ليسوا متكبرين فقط، بل هم مدمنين على شرب الخمر ويحبون السكر وكما يقول الكتاب
سفر الأمثال 20: 1
اَلْخَمْرُ مُسْتَهْزِئَةٌ. الْمُسْكِرُ عَجَّاجٌ، وَمَنْ يَتَرَنَّحُ بِهِمَا فَلَيْسَ بِحَكِيمٍ.
يصف النبي باسلوب شعري الخمر بالغادرة، والتهمة الثانية في هذا العدد تتكلم عن حب هذه الامة للغزو والحرب ومشبهتاً حبها للحرب بالهاوية التي لا تمتلئ وهذا مشابه لما جاء في سفر الامثال.
سفر الأمثال 27: 20
اَلْهَاوِيَةُ وَالْهَلاَكُ لاَ يَشْبَعَانِ، وَكَذَا عَيْنَا الإِنْسَانِ لاَ تَشْبَعَانِ
سفر الأمثال 30: 15-16
لِلْعَلُوقَةِ بِنْتَانِ: «هَاتِ، هَاتِ!». ثَلاَثَةٌ لاَ تَشْبَعُ، أَرْبَعَةٌ لاَ تَقُولُ: «كَفَا»:
الْهَاوِيَةُ، وَالرَّحِمُ الْعَقِيمُ، وَأَرْضٌ لاَ تَشْبَعُ مَاءً، وَالنَّارُ لاَ تَقُولُ: «كَفَا».
في الاعداد 6-20 يتكلم الوحي عن خراب هذه المملكة للاسباب المكذكورة أعلاه، بعدها يترنم الذين كانوا ضحايا لحروب هذه الامة، تتكون هذه الترنيمة من خمسة ابيات شعرية في كل ثلاثة اعداد وفيها ويلات للكلدانيين بسبب شرهم.
6 فَهَلاَّ يَنْطِقُ هؤُلاَءِ كُلُّهُمْ بِهَجْوٍ عَلَيْهِ وَلُغْزِ شَمَاتَةٍ بِهِ، وَيَقُولُونَ: وَيْلٌ لِلْمُكَثِّرِ مَا لَيْسَ لَهُ! إِلَى مَتَى؟ وَلِلْمُثَقِّلِ نَفْسَهُ رُهُونًا؟
7 أَلاَ يَقُومُ بَغْتَةً مُقَارِضُوكَ، وَيَسْتَيْقِظُ مُزَعْزِعُوكَ، فَتَكُونَ غَنِيمَةً لَهُمْ؟
8 لأَنَّكَ سَلَبْتَ أُمَمًا كَثِيرَةً، فَبَقِيَّةُ الشُّعُوبِ كُلِّهَا تَسْلُبُكَ لِدِمَاءِ النَّاسِ وَظُلْمِ الأَرْضِ وَالْمَدِينَةِ وَجَمِيعِ السَّاكِنِينَ فِيهَا.
9 «وَيْلٌ لِلْمُكْسِبِ بَيْتَهُ كَسْبًا شِرِّيرًا لِيَجْعَلَ عُشَّهُ فِي الْعُلُوِّ لِيَنْجُوَ مِنْ كَفِّ الشَّرِّ!
10 تَآمَرْتَ الْخِزْيَ لِبَيْتِكَ. إِبَادَةَ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ وَأَنْتَ مُخْطِئٌ لِنَفْسِكَ.
11 لأَنَّ الْحَجَرَ يَصْرُخُ مِنَ الْحَائِطِ فَيُجِيبُهُ الْجَائِزُ مِنَ الْخَشَبِ.
12 «وَيْلٌ لِلْبَانِي مَدِينَةً بِالدِّمَاءِ، وَلِلْمُؤَسِّسِ قَرْيَةً بِالإِثْمِ!
13 أَلَيْسَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْجُنُودِ أَنَّ الشُّعُوبَ يَتْعَبُونَ لِلنَّارِ، وَالأُمَمَ لِلْبَاطِلِ يَعْيَوْنَ؟
14 لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَجْدِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ.
15 «وَيْلٌ لِمَنْ يَسْقِي صَاحِبَهُ سَافِحًا حُمُوَّكَ وَمُسْكِرًا أَيْضًا، لِلنَّظَرِ إِلَى عَوْرَاتِهِمْ.
16 قَدْ شَبِعْتَ خِزْيًا عِوَضًا عَنِ الْمَجْدِ. فَاشْرَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَاكْشِفْ غُرْلَتَكَ! تَدُورُ إِلَيْكَ كَأْسُ يَمِينِ الرَّبِّ، وَقُيَاءُ الْخِزْيِ عَلَى مَجْدِكَ.
17 لأَنَّ ظُلْمَ لُبْنَانَ يُغَطِّيكَ، وَاغْتِصَابَ الْبَهَائِمِ الَّذِي رَوَّعَهَا، لأَجْلِ دِمَاءِ النَّاسِ وَظُلْمِ الأَرْضِ وَالْمَدِينَةِ وَجَمِيعِ السَّاكِنِينَ فِيهَا.
18 «مَاذَا نَفَعَ التِّمْثَالُ الْمَنْحُوتُ حَتَّى نَحَتَهُ صَانِعُهُ؟ أَوِ الْمَسْبُوكُ وَمُعَلِّمُ الْكَذِبِ حَتَّى إِنَّ الصَّانِعَ صَنْعَةً يَتَّكِلُ عَلَيْهَا، فَيَصْنَعُ أَوْثَانًا بُكْمًا؟
19 وَيْلٌ لِلْقَائِلِ لِلْعُودِ: اسْتَيْقِظْ! وَلِلْحَجَرِ الأَصَمِّ: انْتَبِهْ! أَهُوَ يُعَلِّمُ؟ هَا هُوَ مَطْلِيٌّ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلاَ رُوحَ الْبَتَّةَ فِي دَاخِلِهِ!
20 أَمَّا الرَّبُّ فَفِي هَيْكَلِ قُدْسِهِ. فَاسْكُتِي قُدَّامَهُ يَا كُلَّ الأَرْضِ».
كانت بابل مثالا يضرب به بالقوة والغنى والمجد، فقد كانت من أعظم المدن التاريخية في العالم القديم وقال عنها هيرودوت المؤرخ اليوناني بأ طول اسوارها كان حوالي 350 قدم، كما للمدينة 100 بوابة ضخمه مصنوعة من البرونز مزخرفه بحرفيه شديدة، لو أخذنا بكلام المؤرخين عن جمال مدينة بابل سيبدوا للقاريء باننا نتكلم عن مدينة خيالية (2)
حلت دينونة الرب على بابل لاحقا عندما تعاظمت امبراطورية اخرى في الشرق وهي امبراطورية مادي وفارس تحت قيادة الملك قورش، وفي سنة 539 للميلاد حاصرت قواتها عاصمة الكلدانيين وتسللوا اليها ليلا وقتلوا الملك وبذلك انتهت الامبراطورية البابلية من الوجود
…………………………………
- C. Gaebelein, The Annotated Bible, “Daniel-Malachi,” pp. 224–25.
- A. Hammerton, Wonders of the Past, I, 605.