بماذا كلفنا المسيح؟ – القس عماد ميخائيل
بماذا كلفنا المسيح؟ – القس عماد ميخائيل
بماذا كلفنا المسيح؟ – القس عماد ميخائيل
ماذا كلفنا به السيد المسيح قبل عودته إلى الآب؟ هل كلفنا أن نؤمن به وننتظره فقط؟ أم أنه أوصانا بعمل ما؟ ما طبيعة هذا العمل؟ هل طلب منا نشر “شريعته” بالقوة؟ هل ترك لنا تعليمات واضحة؟ في الواقع سجل الإنجيل وصايا المسيح لتلاميذه أثناء الأربعين يوم التي أمضاها معهم بين القيامة والصعود إلى السماء. لم يترك السيد الأمر غير واضح بل شرحه بأكثر من طريقة كما نرى في العهد الجديد. دعونا ندرس تكليفه لنا بدقة والذي يُسمى “المأمورية العظمى” ففي هذا التكليف نرى هدف وجودنا الأساسي على الأرض وهدف عمل الله حتى النهاية. علينا نتذكر أن هذه هي كلماته الأخيرة وكما نعلم فتوصيات الوداع هي دائماً الأهم.
فلنبدأ بأقصر صيغة للمأمورية والتي نجدها في يوحنا 20: 21: “كما أرسلني الآب أرسلكم أنا”. جاء هذا التكليف في أول ظهور للمسيح لرسله المجتمعين في مساء يوم القيامة ومباشرة بعد تحيةالسلام وعرض يديه وجنبه لهم ليتأكدوا من هويته. من هنا نرى ما كان على قلبه حينما قام من الأموات وكأنه يقول: “ها أنت قد صُلبت وقمت من أجل تحقيق خلاصكم وخلاص العالم. كان هذا هدف الآب حينما أرسلني والآن أنا أرسلكم لتكملة المهمة ونشر خبر ما فعلت. أنتم مرسلين كما أنا! أنتم امتداد لما بدأته!” ولأنه علم أن التكليف كبير نفخ عليهم وقال “اقبلوا الروح القدس” الذي بدونه لن يستطيعوا أن يقوموا بالعمل (يوحنا 20: 22). فهموا معنى كلامه يوم حلول الروح القدس بعد خمسين يوم. أما كلامه عن مغفرة خطايا الناس أو امساكها (يوحنا 20: 23) فهو يفهم في ضوء الصيغ الأخرى للمأمورية والمعنى أنه يعطيهم وكل شعبه سلطة نشر بشارة الغفران.
نجد في كلامه في لوقا 24: 44-49 وفي أعمال 1: 4-8 (التي كتبها لوقا أيضاً) الآتي:
- ربط إرساليته وارساليتنا بما جاء في العهد القديم (44-46) فما يكلفنا به جزء من هدف الله الكبير في التاريخ
- وصف إرساليتنا على أنها “كرازة باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم” (ع 47) تؤكد مفهومنا ليوحنا 20: 23.
o كلمة “كرازة” تعني “إعلان هام عن حدث معين” وقد تحمل فكرة الإعلان الملكي (“باسمه”)
o هنا تصريح واضح أن الكرازة يجب أن تتم بين جميع الأمم مبتدأ من أورشليم والتي ستشمل اليهودية والسامرة وأقاصي الأرض!
- “أنتم شهود” (ع 48 وأع 1: 8) —على نهاية القرن الأول وبداية الثاني اكتسبت كلمة شاهد (“مارتوس”) في المسيحية معنى “شهيد” أي أن الشاهد قد يصير شهيد ولديه الاستعداد أن يختم شهادته بدمه!
- نجد وعد الروح القدس (شبيه بما ورد في يوحنا) الذي يسميه “موعد أبي” ويربطه بالقوة التي سينالونها بعد أيام قليلة في أورشليم (لوقا 24: 48-49, أعمال 1: 4-8).
- إذا نجد لوقا يتحدث عن مراحل هامة في الإرسالية العظمى: مرحلة النبوة في العهد القديم ثم مرحلة آلام المسيح وقيامته ثم نوال القوة في الروح القدس ثم الكرازة العالمية التي يكلفنا بها.
أما في متى 28: 18-20 نجد الآتي:
- مقدمة هامة للغاية في ع 18 “دُفع إلىَ كل سلطان في السماء وعلى الأرض”. والفعل “دُفع” فعل ماضي مبني للمجهول أي أنه يشير لحدث قد تم بواسطة فاعل آخر! بناءً على شواهد مثل فيلبي 2: 9 يتضح أن هذا الفاعل هو الآب ومنح السلطة قد تم نتيجة إطاعة المسيح للآب حتى الموت. السلطة هنا بالطبع لا تشير لسلطانه كابن الله الأزلي لكنها تشير لتمجيده كابن الإنسان، آدم الأخير المولود من نسل إبراهيم ونسل داود. أي أن المسيح اكتسب سلطة ملكية كإنسان بسبب اطاعته وموته وهذا ما تؤكده شواهد كثيرة مثل دانيال 7: 13-14 ورؤية 5: 5. هذه السلطة تؤكد انتصاره على الشيطان والخطية والموت والذي تكلمنا عنه في مقالات أخرى.
- ما هي علاقة سلطة المسيح بالإرسالية؟ لها علاقة محورية وشاملة (لاحظ الفاء السببية في عدد 19 “فاذهبوا”)
o سلطة المسيح تُعلن في الرسالة نفسها كما نراها في أعمال 2 وكل كرازة الرسل في سفر الأعمال (أع 2: 24-36، 3: 15، 21، 26، 5: 30-32، 7: 56، 10: 40-43، 13: 32-39، 17: 31) أي أننا نعلن للناس أن المسيح أنتصر وقد ارتفع رباً على كل الخليقة. هذا الإعلان هو من صميم الأخبار السارة كما نرى في الشواهد أعلاه من سفر الأعمال وفي رومية 10: 9 أي أن الله انتصر على الشر والشرير من خلال ابنه البار ولذلك يعلن الحرية والغفران لكل من يؤمن!
o سلطة المسيح تعطيه حق أن يُرسل وأن يُطاع
o سلطة المسيح تعطينا يقين أن الإرسالية ستنجح رغم كل التحديات والنكسات
o قال ف. ف. بروس وكثير من المفسرين والعلماء أن سلطة يسوع المسيح الممجد هي محور العهد الجديد!!
- الأمر المباشر الوحيد في متى 28: 18-20 هو “تلمذوا” وهو وصف شامل لمأموريتنا ويُفسر في ضوء ما قاله المسيح سابقاً عن التلمذة. فالتلمذة ليست سلسلة دروس تُقدم للمؤمن الجديد (هذا هو المفهوم المعاصر للكلمة لكنه ليس معنى الكلمة في العهد الجديد). نجد التلمذة الحقيقية في كلام المسيح في متى 11: 28-30 حيث يقول إنها تبدأ بالقدوم لشخصه وحمل نيره لإيجاد الراحة الحقيقية. يجب أن نربط متى 11 بمتى 28 لأن كلمة “تعلموا” في متى 11: 29 تأتي من نفس الكلمة اليونانية التي تأتي منها “تلمذوا” في متى 28: 19 وتعني “تتلمذوا” لي. فعلينا أن نتتلمذ له وهكذا نتلمذ الآخرين. في أجزاء أخرى من تعاليمه أوضح المسيح أن تابعيته أي التلمذة له مكلفة للغاية لأنها تتطلب إنكار الذات (متى 16: 24-26). من هنا نرى أن التلمذة تبدأ بالتوحل للمسيح وتنمو في تابعيته والخضوع له ولتعاليمه. أي أن التلمذة الحقيقية ليست مرحلة من العمل لكنها وصف للعمل كله.
- في متى 28: 19-20 يشرح الرب يسوع عمل التلمذة باسمين فاعل:
o “عمدوهم…” أو بحسب الصيغة اليونانية “معمدين إياهم” أي أن عملنا يبدأ بالكرازة والمعمودية باسم الآب والابن والروح القدس. المعمودية تفيد عدة أمور منها الانتماء.
o “علموهم” أو بحسب اليوناني “معلمين إياهم أن يحفظوا كل ما أوصيتكم به” بما في ذلك التعاليم عن حمل النير والصليب وعن المحبة والتواضع والمأمورية العظمى نفسها!
o فالمعمودية والتعليم العملي أجزاء من التلمذة أي أبعاد في التبعية الحقيقية
o إذا لا نرى هنا 3 مراحل: تلمذة – معمودية – تعليم!! بل أن التلمذة تشمل الكرازة والمعمودية والتعليم.
o إذا فالمأمورية لا تكتمل إلا إذا كرزنا وعمدنا وعلمنا المؤمنين أن يحفظوا كل ما أوصى به السيد ذاكرين أننا نحن أيضاً نتتلمذ في نفس الوقت! فالكل يساعد على تلمذة الجميع! لذلك نرى أن مأمورية المسيح عمل متكامل لا يقوم به شخص واحد بل إنه يخلق الكنيسة ويسخرها للاستمرارية في العمل. نلاحظ في سفر الأعمال أن الرسل فهموا المأمورية بهذه الطريقة فبشروا الناس وكانت النتيجة زرع الكنيسة التي في حضنها تمت المعمودية وتم التعليم والنمو ومنها انطلقت البشارة لأماكن أخرى لتمتد عملية التلمذة إلى أن يجئ المسيح. لم يفصلوا أبدا الكرازة عن زرع الكنائس.
- يختم المسيح “المأمورية العظمى” في متى 28: 20 بوعد معيته إلى انقضاء الدهر. المسيح مع كنيسته المرسلة ليضمن نجاحها. واضح من هذه الصيغة أن المأمورية العظمى سارية المفعول إلى نهاية التاريخ!
فهل نحن منشغلون بتكليف المسيح لنا؟ علينا أن نطلب نعمة حتى نطيعه ونعمل عمله من دافع المحبة والخضوع. أيضا علينا أن نعمل معاً لكي نقوم بعمل كامل وليس بعمل مبطور فالكثيرون اليوم يكرزون لكنهم لا يتممون مطلب المأمورية العظمى. صلي حتى تجد نفسك في كنيسة مرسلة تريد أن تطيع المسيح ولا تنشغل كثيراً بالمواصفات البشرية للكنيسة طالما فيها مواصفات الرب (انظر المقال عن الكنيسة).
نحن نعيش في عالم مضطرب وهناك أصوات عالية تضل الناس أكثر وتبعدهم عن الحق. هناك آلاف من المجموعات العرقية التي لم يذهب لها أحد إلى الآن وملايين من الناس لم تسمع. أين صوت أخبار الله المفرحة؟ كيف نقول أننا مؤمنين به ولا نهتم بالذين لم يسمعوا عنه؟ علينا أن نعيش البشارة ونتكاتف لنشرها في كل مكان بحسب منهجية المسيح مخلص العالم الذي له كل المجد أمين.