لا تجادل ولا تناقش يا أخ جورج، هل تدعونا المسيحية لعدم السؤال والنقاش بل والجدال؟ هل تمنع المسيحية الفكر؟
هل أمر بولس الرسول في رسالة فيلبّي المؤمنين هناك ان يفعلوا أي شيء يتم امرهِم به دون نقاش او مجادلة؟
يقول المعترض أن الكتاب المقدس يعلم اتباعه الخضوع للأوامر بلا تردد او استفهام او محاولة للفهم، مستشهداً بما جاء في بولس الرسول لأهل فيلبّي:
Php 2:14 افعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مجادلة.
فحسب فهمه فإنه يقول أن كلمة “مجادلة” هنا تعني ألا يسأل المسيحي عن شيء لا يفهمه بل يفعله دون فهم ودون سؤال بل دون عقل! ولكي نعرف ما هو المعنى الحقيقي لهذا النص لابد أن نتبع خطوات رئيسة.
أولا: النص في سياقه
المعترض فضل ان يبتر (يقص) العدد الـ 14 من وسط أصحاح كامل ليضع أكاذيبه على النص في حين مِن قراءة النص في سياقه سيتضح أن ما فعله المعترض أمر مشين وان الكلام واضح لا مشكلة فيه، فقد جاء السياق في رسالة بولس الرسول لأهل فيلبّي والأصحاح الثاني:
14 افعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مجادلة
15 لكي تكونوا بلا لوم وبسطاء اولادا للّه بلا عيب في وسط جيل معوج وملتو تضيئون بينهم كأنوار في العالم
16 متمسكين بكلمة الحياة لافتخاري في يوم المسيح باني لم اسع باطلا ولا تعبت باطلا.
ففي النص اليوناني الاعداد من 14 الى 16 هي عبارة واحدة مركبة لأنها كلها تحوي فكرة واحدة كما قال البيرت نيدا[1]، وهنا الرسول بولس أوضح مفارقة لما يجب ان يكون بين سلوك المؤمنين وسلوك العالم بأن يكونوا بسطاء بلا مجادلة او تذمر لأنهم اولاد الله، في حين انهم يعيشون وسط جيل معوجٍ وملتوٍ، فالأمر لا علاقة له بفعل اي أوامر أو خلافه دون فهم، مما قاله هذا المعترض، ولكن أوصاهم الرسول بأن يعيشوا ببساطة بلا تذمر او مجادلة او شكوى في العلاقات بين المؤمنين في فيلبّي، وسنتعرف في الشق اللغوي ما هو نوع هذا “الجدال”.
الذي يقصده القديس بولس هنا، فلا يمكن فصل العدد ال 14 عن السياق، لكي لا يُفهم النص على غير معناه الحقيقي، كما حدث مع المعترض، فلو أردنا وضع ترجمة بديلة للنص على ضوء فهمه في سياقه فسيكون المعنى كالاتي:
“حينما يفعل شخص ما أي شيء يجب ان يفعله بلا شكوى” او “لا تتذمر حينما تفعل شيء ما” او “لا تتذمر حينما تفعل شيء لازما عليك ان تفعله”، لان الشكوى والمجادلة تشيران للعلاقة بين المؤمنين في فيلبّي، فالترجمة الدقيقة هي “لا تشتكي لشخص اخر او لا تجادل ضد شخص اخر”، كما يؤكد نيدا.
فالأمر الرسولي من قِبَل بولس الرسول هنا ليس “لا تجادل او لا تناقش” كما كذب المعترض بل المعنى “حينما تفعل شيء ملزم عليك فافعله بلا شكوى أو مجادلة ضد الآخرين “فالشكوى والتذمر هنا يشيران لعلاقة المؤمنين بينهم وبين بعض، فيجب ألا يكون هذا الاسلوب بينهم، ويقول بيتر توماس[2] في التعليق على النص اليوناني لرسالة فيلبّي ان المصطلح هنا ينبه الفلبيين لأفعالهم الخلافية كمثل الصراعات او النزاعات سواء داخل المجمع مع القادة او خارجا. ان يتجبنوا هذا الاسلوب للدرس المتعلم من الإسرائيليين في البرية عن تذمرهم ضد الله.
هنا بولس الرسول يقتبس صورة من صور تمرد وشكوى اسرائيل ضد الله في البرية (خروج 15: 24) ويحاول ان يُقوِم سلوك الفلبيين بان يتجبنوا الشكوى والتذمر والمجادلة ضد الاخرين حينما يفعلون اشياء يجب ان يفعلونها فيكون “بلا شكوى وبلا مجادلة” ليتجنبوا الصراعات والمنازعات
ثانيًا: الشِق اللغوي
ظهرت كلمة διαλογισμός، المستخدمة هنا في النص (فيلبّي 2: 14)، أربع عشر مرة في العهد الجديد، وخمس مرات في رسائل الرسول بولس وكلها أتت في شكل سلبي يدعو فيه القديس بولس إلى الابتعاد عنه، لكن ما هو معناها في النص هنا؟
فقد جاء في Analytical Lexicon of the Greek New Testament:
διαλογισμός, ου, ὁ (1) in a positive sense thought (process), reasoning, design (LU 2.35); (2) in a negative sense doubt, dispute, argument (LU 24.38); κριταὶ διαλογισμῶν πονηρῶν judges with evil motives (JA 2.4)[3]
وجاء في The Complete Word Study Dictionary:
διαλογισμός dialogismós; gen. dialogismoú, masc. noun from dialogízomai (1260), to reason. Thoughts and directions.
(I) Generally (Luke 2:35; 5:22; 6:8; 9:47; James 2:4, “judges having evil thoughts” [a.t.], unjust, partial; Sept.: Ps. 92:6; Is. 59:7; Dan. 2:29, 30). Reasoning, opinion (Rom. 1:21; 1 Cor. 3:20; Rom. 14:1; Sept.: Ps. 94:11). Mind, purpose, intention (Luke 6:8). Especially evil thoughts, purposes. (Matt. 15:19; Mark 7:21; Sept.: Ps. 56:6, evil; Is. 59:7), doubts (Luke 24:38, doubtful thoughts, suspense).
(II) In the sense of dispute, debate, contention (Mark 9:33, 34 in its verbal form; Luke 9:46; Phil. 2:14; 1 Tim. 2:8).[4]
وفي Dictionary of Biblical Languages With Semantic Domains جاء:
1369 διαλογισμός (dialogismos), οῦ (ou), ὁ (ho): n.masc.; ≡ Str 1261; TDNT 2.96—1. LN 30.10 reasoning, a carefully thinking out of (Ro 1:21; 1Co 3:20+); 2. LN 30.16 what is reasoned, content or result of one’s thinking (Mt 15:19; Mk 7:21; Lk 2:35; 5:22; 6:8; 9:47; Jas 2:4+); 3. LN 33.446 dispute, argument (Lk 9:46; Ro 14:1; Php 2:14; 1Ti 2:8+); 4. LN 31.37 doubt, be uncertain about (Lk 24:38+), note: there may be overlap in verses and entries[5]
فالكلمة لا تعني مجرد الإستفهام عن أمر ما، أو إستيضاحه، وليس مقابلها هو التنفيذ الآلي أو التنفيذ عن عدم فهم، لكنها تعني المجادلات التشاحنيّة، الخصاميّة، بين الشعب نفسه، فالنص لا يتكلم عن رئيس ومرؤوسيه، بل عن النقاشات الداخلية بين الشعب نفسه، فدائما كان الرُسل يواجهون التحزبات والتشاحن الحادث بين الشعب، راجع:
Rom 16:17 وأطلب إليكم أيها الإخوة أن تلاحظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات خلافا للتعليم الذي تعلمتموه وأعرضوا عنهم.
1Co 1:10 ولكنني أطلب إليكم أيها الإخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تقولوا جميعكم قولا واحدا ولا يكون بينكم انشقاقات بل كونوا كاملين في فكر واحد ورأي واحد
1Co 3:3 لأنكم بعد جسديون. فإنه إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق ألستم جسديين وتسلكون بحسب البشر؟
1Co 3:4 لأنه متى قال واحد: «أنا لبولس» وآخر: «أنا لأبلوس» أفلستم جسديين؟
1Co 3:5 فمن هو بولس ومن هو أبلوس؟ بل خادمان آمنتم بواسطتهما وكما أعطى الرب لكل واحد:
Gal 5:15 فإذا كنتم تنهشون وتأكلون بعضكم بعضا، فانظروا لئلا تفنوا بعضكم بعضا.
Gal 5:26 لا نكن معجبين نغاضب بعضنا بعضا، ونحسد بعضنا بعضا.
Jas 4:1 مِنْ أَيْنَ النِّزَاعُ وَالْخِصَامُ بَيْنَكُمْ؟ أَلَيْسَ مِنْ لَذَّاتِكُمْ تِلْكَ الْمُتَصَارِعَةِ فِي أَعْضَائِكُمْ؟
2Co 12:20 لأني أخاف إذا جئت أن لا أجدكم كما أريد، وأوجد منكم كما لا تريدون. أن توجد خصومات ومحاسدات وسخطات وتحزبات ومذمات ونميمات وتكبرات وتشويشات
فيقول القديس يوحنا ذهبي الفم: ماذا يعني “ولا مجادلة”؟ أي الحوار المستمر إن كان هذا أمر صالح أم غير صالح؛ لا تدخلوا في مجادلات[6].
فأين هذا كله من الفهم المغلوط الذي أراده صاحب الشبهة؟!!!
[1]I-Jin Loh and Eugene Albert Nida, A Handbook on Paul’s Letter to the Philippians, Originally Published: A Translators Handbook on Paul’s Letter to the Philippians, c1977., UBS Helps for translators; UBS handbook series (New York: United Bible Societies, 1995], c1977), 70.
[2]Peter Thomas O’Brien, The Epistle to the Philippians: A Commentary on the Greek Text (Grand Rapids, MI: Eerdmans, 1991), 292.
[3]Timothy Friberg, Barbara Friberg and Neva F. Miller, vol. 4, Analytical Lexicon of the Greek New Testament, Baker’s Greek New Testament library (Grand Rapids, Mich.: Baker Books, 2000), 110.
Sept (Septuagint)
[4]Spiros Zodhiates, The Complete Word Study Dictionary : New Testament, electronic ed. (Chattanooga, TN: AMG Publishers, 2000, c1992, c1993), G1261.
Str Strong’s Lexicon
TDNT Kittel, Theological Dictionary of the New Testament
LN Louw-Nida Greek-English Lexicon
+ I have cited every reference in regard to this lexeme discussed under this definition.
[5]James Swanson, Dictionary of Biblical Languages With Semantic Domains : Greek (New Testament), electronic ed. (Oak Harbor: Logos Research Systems, Inc., 1997), DBLG 1369, #4.
[6] Homilies on Philippians, homily 8.