المسيحيَّة ، سترةُ مَساجين – تيموثي كِلر
المسيحيَّة ، سترةُ مَساجين – تيموثي كِلر
قالت كيث (Keith)، وهي فنَّانة شابَّة تُقيم في بروكلين: ” يؤمنْ المسيحيُّون بأنَّ لديهم الحقيقة المُطلقة التي ينبغي أن يؤمن بها كلُّ شخصٍ آخر، وإلَّا… وهذا الموقف يُعرِّض حرّيَّة كل إنسان للخطر”.
ووافقت كلوي (Chloe)، وهي فنَّانة شابَّة أخرى، قائلة: ” نعم، إنَّ فكرة شعارها “حقيقة واحدة للجميع” تُقيِّد المرء تقييدًا يُجاوز كلَّ حدّ. فلا يبدو أنَّ لدى المسيحييِّن الذين أعرفهم الحرّيَّة للتفكير بالأصالة عن أنفُسهم. وأنا أعتقد أنَّ على كل فرد – رجلاً كان أم امرأة – أن يُحدِّد الحقيقة لنفسه”.
أيكون الإيمان بحقيقة مُطلقة عدوًّا للحرِّيَّة؟ مُعظم الذين قابلتُهم في مدينة نيويورك يعتقدون أنَّه كذلك. فالمسيحيَّة تُسمِّي بعض المعتقدات “هرطقة” وبعض الممارسات “لاأخلاقيَّة”. وهي تحرم من شَركتها أولئك ثالذين يتعدَّون حدودها العقائديَّة والخُلُقيَّة. ويبدو هذا للمُراقبين المُعاصرين أنَّه يُعرِّض الحرِّيَّة المدنية للخطر؛ لأنه يَقسمُ الناس ولا يُوَحِّدهم. كما يبدو أيضًا أنَّه تزمُّت على الصعيد الحضاري، إذ يُخفقُ في الإقرار بأنَّ لمختلف الحضارات وجهات نظرٍ شتَّى بشأن الواقع. وأخيرًا يبدو أنَّه يستعبد الأتْباع، أو على الأقلِّ يُعاملهم كأطفال، إذ يُحدِّد ما يجب أن يؤمنوا به ويمارسوه في كلِّ شأن محدَّد. وقد تحدَّث أم. سكوت بَك (M. Scott Peck) بشأن تقديمه المَشورة لامرأةٍ اسمها شارلين (Charlene) قالت عن المسيحيَّة: “لا مكانَ لي في ذلك. إنَّه سيَعني موتي!… لستُ أريد أن أحيا لله، ولن أفعل. أريد أن أحيا…. لأجل ذاتي”.[1] فإنَّ شارلين اعتقدت أنَّ المسيحيَّة ستَعوق إبداعها ونُموَّها.. وقد سبقتها إلى ذلك الناشطة الاجتماعيَّة إيما غولدمان (Emma Goldman) التي عاشتْ في أوائل القرن العشرين، إذ دعت إيما المسيحيَّة “هادمة الجنس البشريّ، كاسرة إرادة الإنسان فلا يجرؤ الإنسان ولا يعلم … إنَّها شبكةٌ من حديد، سترة مساجين لا تَدَع الإنسان يتمدَّد أو ينمو”.[2]
في نهاية فيلم “أنا الروبوت ” المُنتج في عام 2004، كان الروبوت المدعوُّ سوني (Sonny) قد حقَّق أغراض برنامج تصميمه، إلَّا أنَّه أدرك حالاً أنَّه بات بلا غايةٍ بعد. ويُختم الفلم بحوار بين سوني والشخصية الرئيسيَّة الأخرى، المُحقِّق سبونر (Spooner).
سوني: ها أنا الآن قد أتْمَمت غايتي، ولا أدري ما أفعل.
المحقِّق سبونر: يُخيَّل إلىَّ أنَّك ستُضطرُّ إلى إيجاد سبيلك على غِرارنا أجمعين، يا سوني… فهذا هو ما يَعنيه ان تكون حُرًّا.
حسبَ هذه النظرة، تعني الحرِّيَّة عدم وجود غاية مُهَيمنة خُلِقنا لأجلها. ولو كانت موجودة، لكُنَّا مُلزَمين ان نخضع لها ونُتمَّها، وهذا يُقيِّدنا. فالحرِّيَّة الحقيقية هي حرِّيَّتك بأن تُوجد مَعناك وغايتك الخاصَّين. وقد ادَّخرَتِ المحكمة العليا هذه النظرة لمَّا ارتأت أنَّ “قلب الحرِّيَّة هو أن يُحدِّد المرءُ مفهومه الخاصَّ للوجود، لمعنى الكون”.[3] ويتَّفق ستيفن جاي غولد (Stephan Gould) مع القائلين بهذا الرأي:
نحن هنا لأنَّ طائفة غريبة من السَّمك كانت زعانفها ذات تركيب خاص مكَّنها من أن تتحوَّل إلى أرجُل لمخلوقات البرَّ؛ لأنَّ نيازك ضربت الأرض وأزالت الديناصورات، مُتيحة للثَّديِّيات فرصة ما كانت لتُتاح لولا ذلك… ربَّما نتوق إلى جواب “أسمى” – ولكن لا جواب كهذا. ولئن كان هذا التفسير مُقلقًا على نحو سطحيّ، إن لم يكن مروِّعًا، فهو مُحرِّر ومبهج إلى أقصى حدّ. إنّنا لا نستطيع ان نقرأ معنى الحياة بخمولٍ في وقائع الطبيعة. فعلينا أن نُنشئ هذه الأجوبة لأنفسنا…[4]
تبدو المسيحيَّة وكأنَّها عدوَّة للتَّماسك الاجتماعيّ، والتكيُّفيَّة الحضاريَّة، بل الشَّخصانيَّة الأصيلة أيضًا. ولكن هذا الاعتراض مؤسَّس على أغلاطٍ بشأن طبيعة الحقِّ، والجماعة، والمسيحيَّة، والحرِّيَّة نفسها.
الحقُّ لا مفرَّ منه
كتب الفيلسوف الفرنسيُّ فوكو (Foucault): “إنَّ الحق شيء يخص هذه الدُّنيا. وهو يَنتُجُ فقط بأشكال شتَّى من التقييد تشمل مفاعيل السُّلطة المُنتظمة”[5]. وباسْتلهام فوكو، يقول كثيرون إنَّ جميع مزاعم الحقِّ هي لُعَبُ سُلطة. فعندما تزعمُ أنَّك تملك الحقَّ، فأنت تحاول أن تحوزَ السُّلطة والسَّيطرة على الآخرين. وقد كان فوكو تلميذًا لنيتْشه (Nietzsche)، وهما- لصدقيتهما- استخدما هذا التَّحليل بالنسبة لليساريِّين واليمينيِّين على السواء. فإنَّ صرَّحت أمام نيتشه قائلاً “على الجميع يُنصفوا الفقراء”. فإنَّه سيسأل: أقلت ذلك لأنَّك تحبُّ العدل والفُقراء حقًّا، أم لأنَّك تريد مباشرة ثورة تؤتيك السَّيطرة والسُّلطة؟
غير أنَّ الاعتراض بأنَّ الحق كله لُعبة سلطة يقع فريسة للمشكلة نفسها التي تُواجه الاعتراض بأنَّ الحق كُله خاضع للتكييف الحضاري والثقافي. فإن حاولت أن تُسقِط بالشَّرح جميع توكيدات الحقِّ بهذه الذَّريعة أو تلك، أو بحًجَّة أخرى، فإنَّك تجد نفسك في موقع يتعذَّر الدِّفاع عنه. وقد كتب سي. إس. لويس في كتابه “إبطال الإنسان“ (The Abolition of Man):
ولكنَّك لا تستطيع أن تستمر إلى ما لانهاية في “إسقاط الأمور بالشرح”: إذ سيتبين لك أنَّك أسقطت بالشرح الشرح عينه. ولا يسعك أن تمضي إلى الأبد في “استشفاف” حقائق الأمور. فبيت القصيد في استشفاف حقيقة أمر ما هو ان ترى شيئًا من خلاله. ومن الخير أن النافذة ينبغي أن تكون شفافة؛ لأن الشارع أو البستان وراءها معتم (غير شفَّاف). فكيف يكون الوضع لو تمكَّنت أن ترى من خلال البستان أيضًا؟… إنَّ عالمًا شفافًا إلى التمام هو عالم غير منظور. فإن “تَستشِفَّ” جميع الأشياء وأن لا ترى أيَّ شيء سيَّان.[6]
فإذا قُلت إنَّ جميع مزاعم الحق لُعَبُ سُلطة، فكذلك تكون مقولتك هذه أيضًا الأمر ذاته. وإذا قُلتَ (مثل فرويد [Freud]) إنَّ جميع مزاعم الحقِّ بشأن الدين والله هي مجرَّد إسقاطات نفسيَّة لأجل التَّصدِّي لقلقك وشعورك بالذَّنْب، فكذلك تكون مقولتك هذه أيضًا الأمر ذاته. فأن ترى من خلال كلِّ شيء هو ألا ترى شيئًا.
لقد كان فوكو يُشدِّد على أن يعتنق الآخرون حق تحليله، رُغم إنكاره لمقولة الحقِّ ذاتها. وهكذا، فإنَّ بعضًا من مزاعم الحق يبدو أمرًا لا مفر منه. والتناقض الذاتي في مقاومتك الظلم والطغيان عمليًّا، وأنت ترفض الاعتراف بوجود شيء مثل الحق، هو السَّبب الذي من أجله رُبَّما كان مفهوما “النظرية” (Theory) و”النَّقض” (Deconstruction) اللذان تَلَيَا الفلسفة الحديثة آخذين في الضَّعف.[7] هذه النُّقطة عينها أوضحها جي. كاي. تشسترتون (G.K. Chesterton) منذ مئة سنة تقريبًا:
الثائر الجديد شكوكي، ولن يثق بأي شيء.. [ولكنَّه] لذلك لا يمكن أن يكون البتَّة ثوريًّا بالفعل. ذلك أنَّ كل تنديد يتضمَّن عقيدة خُلقيَّة من نوع ما… ولذلك، فإنَّ الإنسان الحديث في ثورته قد بات من الناحية العلميَّة عديم النفع بالنسبة إلى جميع مقاصد الثَّورة. إذ بثورته على كلِّ شيء فقد حقَّه بأن يثور على أيِّ شيء… فهنالك فكرة توقف كلَّ فكرة. وتلك هي الفكرة الوحيدة التي ينبغي أن توقف.[8]
الجماعة لا يمكن أن تكون شاملة كليًّا
تقتضي المسيحيَّة معتقدات محدَّدة لكي يكون المرء عُضوًا في جماعتها المُشتركة. فهي ليستْ مفتوحة للجميع. ويُحاجُّ النقَّاد بأنَّ هذا يدعو إلى الشِّقاق اجتماعيًّا. إنَّما ينبغي بالأحرى للجماعات البشريَّة أن تكون شاملة كليًّا، مفتوحة أمام الجميع على أساس بشريتنا المشتركة. ويُشدِّد أنصار هذا الرأي على أنَّ أحياء كثيرة في المدن تضمُّ سكانًا من مختلف الأجناس والمعتقدات الدينيَّة، يعيشون ويعملون كجماعة مشتركة رغم ذلك. وكلُّ ما هو مطلوبٌ لجماعة كهذه أن يحترم كل شخص خصوصية الآخرين وحقوقهم ويعمل في سبيل تكافؤ الفرص للجميع بالنسبة إلى التربية والتعليم والوظائف والأشغال وتقرير الخيار السياسي. ويُقال إنَّ المعتقدات الخُلُقية المشتركة ليست ضروريَّة في “ديمقراطيَّة ليبراليَّة”.
ممَّا يؤسف له أنَّ الرأي المُعبِّر عنه توًّا هو إفراط في التبسيط واسع النطاق ومُشوِّه للحقيقة. فالديمقراطيَّة الليبراليَّة مؤسَّسة على لائحة افتراضات شاملة: تفضيل الحقوق الفرديَّة على الجماعيَّة، فَصْل بين الأخلاقيَّات الخاصة والعامَّة، تقديس الاختيار الشخصي. وهذه المعتقدات كلُّها غريبة عن حضارات أخرى كثيرة.[9] ومن ثَمَّ فإنَّ ديمقراطيَّة ليبراليَّة ما (كما في كلِّ جماعة مُشتركة) مؤسَّسة على جُملة معتقدات مُشتركة خصوصية جدًّاً. والمجتمع الغربي قائم على التزامات مشتركة للمنطق والحقوق والعدالة، رغم عدم وجود أيَّ تعريف مقبول بالإجماع لأيٍّ من هذه.[10] فكلُّ وصف للعدل والعقل هو مُدغَمٌ في تشكيلة من المعتقدات الخصوصيَّة بشأن معنى الحياة البشريَّة التي لا يشترك فيها الجميع على السواء.[11] وعليه، فإنَّ فكرة وجود جماعة مشتركة كلية الشمول هي وَهم.[12] إذ إنَّ كل جماعة بشريَّة مشتركة تعتنق على العموم بعض المعتقدات التي لا بدَّ أن تُوجِد حدودًا، فتشمل بعض الناس ضمن دائرتها وتُقصي آخرين عنها.
ولنأخُذْ مثلاً يُوضح ذلك. تصوَّر أن واحدًا من أعضاء الهيئة العامَّة في جمعيَّة غربيَّة تدافع عن حقوق المثليِّين والمتحولين جنسيًا يُصرِّح قائلاً: “لقد حصلَ لي اختبارٌ دينيٌّ، وأنا الآن أعتقد أنَّ مُضاجعة النظير خطيَّة”. وإذْ تمرُّ الأسابيع، يُصرُّ على إعلان توكيده. وتَصوَّرْ أن عضوًا من أعضاء الهيئة العامَّة في جمعيَّة أخرى تُناهض الشُّذوذ الجنسي يُصرِّح قائلاً: “اكتشفتُ أنَّ ابني مثليٌّ، وأعتقد أن له الحقَّ في الزواج بشريكه”. فمهما كان أعضاء كلتا الجمعيَّتين لُطفاء ومَرِنين على الصعيد الشخصيّ، فلا بدَّ أن يأتي اليوم الذي فيه تُضطرُّ الجمعيَّة إلى القول: “عليك أن تخرج من الهيئة؛ لأنَّك لا تشاركنا في التزامنا المشترك”. ولئن كانتْ أولى هاتين الجمعيَّتين مشهورة بكونها إشتماليَّة، والثانية بكونها حصريَّة، فإنَّ كلتيهما – في الممارسة – تتصرَّفان بالطريقة نفسها تقريبًا. فكِلتاهما مؤسَّستان على معتقدات مشتركة تؤدِّي دوْرَ الحدود، حيث تشمل بعضًا وتُقصي آخرين. وليست أيَّة واحدة منهما “ضيِّقة أفق التفكير” في تصرُّفهما هكذا، إذ إنَّهما تصرَّفتا بوصفهما جمعيَّتين لجماعتَين.
إنَّ أيَّة جماعة مشتركة لا تُحاسب أعضاءَها على مُعتقدات ومُمارسات معيَّنة لن تكون لها هُويَّة جماعيَّة، ولن تُشكِّل بالحقيقة جماعة مشتركة أبدًا.[13] فلا يمكنُنا أن نحسب مجموعة ما حصريَّة لمجرَّد تمسُّكها بمعايير لأعضائها. أفليس من سبيل إذًا إلى الحكم بشأن جماعة ما أهي مُنفتحة ومُباليَّة، وليست مُتشدِّدة وطاغية؟ بلى! إليك صيغة من الأسئلة أفضل بكثير: أيَّة جماعة تعتنقُ معتقدات تدفع أعضائها لأنْ يعاملوا أهل الجماعات الأخرى بمحبَّة واحترام، وأن يخدموا ويُلبُّوا حاجاتهم؟ أيَّة مُعتقدات للجماعة تدفعُها لأن تحسب مُنتهكي حدودها شياطين وتُهاجمهم، بدلَ أن تُعاملهم بلطفٍ واتِّضاع ومرح؟ وينبغي أن ننتقد المسيحيِّين حين يكونون ديَّانين وغير لُطفاء نحو غير المؤمنين.[14] إنَّما لا ينبغي أن ننتقد الكنائس حين تتمسَّك بمعايير للعضويَّة تُوافق مُعتقداتها. فكلُّ جماعة هي جماعة مشترَكة يجب أن تفعل الأمر ذاته.
المسيحيَّة ليست صارمة حضاريًّا وثقافيًّا
يُشاع عن المسيحيَّة أيضًا أنَّها سترة مساجين حضاريَّة وثقافيَّة. ويزعمون أنَّها تُقحِم أهل الحضارات المختلفة في قالب حديدي واحد. ويُنظَر إليها كما لو كانت عدوَة للتعدُّدية والتنوُّع الحضاري. غير أنَّ المسيحيَّة ما تزال في الواقع أكثر تكيُّفًا (وربَّما أقل هدمًا) حيال مختلف الحضارات لدى مقارنتها باللَّادينيَّة وبكثير من فلسفات الحياة الشاملة الأخرى.
إنَّ نموذج التوسُّع في المسيحيَّة يختلف عنه في ديانات العالم الأخرى. فإنَّ مركز الاسلام وأكثريَّته ما يزالان في مكان نشأته، أي الشَّرق الأوسط. والبلدان الأصليَّة التي كانت المراكز الدِّيمغرافيَّة للهندوسيَّة والبوذيَّة والكونفوشيوسيَّة ما تزال هكذا. وعلى النقيض، كانت الأكثريَّة في المسيحيَّة أوَّلاً من اليهود، وتركَّزْت في أورشليم. بعد ذلك صار السَواد الأعظم فيها من الهلِّينييِّن (اليونانيِّين)، وتركَّزتْ في منطقة البحر الأبيض المتوسِّط. ومن ثَمَّ قَبِلَ المسيحيَّة أجنبيُّو أوربَّا الشماليَّة، فباتت أكثريَّة المسيحيين من الأوروبيِّين الغربيِّين، وبعد ذلك من الأمريكييِّن الشماليِّين. واليوم يعيش أغلبُ مسيحيِّي العالم في أفريقيا وأمريكا اللاتينيَّة وآسيا. وقريبًا ستتركَّز المسيحيّضة في الأجزاء الجنوبيَّة والشرقيَّة للكرة الأرضيَّة.
وهنا تُنوِّرنا دراسة حالتَين. ففي 1900، شكل المسيحيُّون 9% من سُكَّان أفريقيا، واكن المسلمون يفوقونهم عددًا بنسبة 4 إلى 1. أمَّا اليوم، فالمسيحيُّون يشكلون 44% من مجموع السُّكَّان،[15] وفي ستِّينيَّات القرن العشرين فاقُوا المسلمين عددًا.[16] هذا النُّموَّ الانفجاري هو الآن في بدايته في الصين،[17] حيثُ المسيحيَّة تتنامى ليس فقط بين الفلاَّحين، بل أيضًا في أوساط الهيئتَين الاجتماعيَّة والثقافيَّة، بما في ذلك الحزب الشُّيوعي. وبمعدَّل النُموِّ الجاري حاليًا، فإنَّه في غضون ثلاثين سنة سوف يُشكِّل المسيحيُّون 30% من سُكَّان الصين البالغ عددُهم مليارًا ونصف مليار نسمة.[18]
تُرى، لماذا انتشرت المسيحيَّة انفجاريًّا على هذا النَّحو في تلك الأماكن؟ يُقدِّم العالم الأفريقيُّ لمين سانه (Lamin Sanneh) جوابًا آسرًا جدًّا. فهو يقول إنَّ للأفريقيين تقليدًاً طويلاً من الإيمان بعالم فوطبيعي زاخرٍ بالأرواح الخيِّرة والشرِّيرة. فلما بدأ الأفريقيُّون يقرأون الكتاب المقدَّس مترجمًا إلى لُغاتهم الخاصَّة، أخذ كثيرون منهم يَرَون في السيِّد المسيح الحلَّ النهائيَّ لأشواقهم وآمالهم التاريخية بوصفهم أفارقة.[19] وممَّا كتبه سانه:
لبَّت المسيحيَّة هذا التحدَّي التاريخيّ بإعادة توجيهها للرؤية إلى العالَم… فقد أحسَّ الناس في قلوبهم أنَّ السيَّد المسيح لا يسخرُ باحترامهم لما هو مقدَّس ولا بتوقهم الصَّارخ إلى مخلِّص لا يُقهَر. وهكذا قرعوا له طُبولهم المقدَّسة حتى تَواثَبت النجوم وتراقصت في الأفلاك. وبعد تلك الرَّقصة لم تعد النجوم صغيرة! فقد ساعدت المسيحيَّة الإفريقيين على أن يصيروا أفارقة مَولودين من جديد، لا أوربيين مُصنَّعين.[20]
ويُحاجُّ سانه بأنَّ العلمانيَّة، برفضها للفوطبيعية وفردانيتها هي أكثر من المسيحيَّة بكثير هدمًاً للحضارات المحلِّيَّة و”للأفرَقة” (African-ness). ففي الكتاب المقدَّس، يقرأ الإفريقيُّون عن سُلطة السيَّد المسيح على الشرِّ الفوطبيعي والروحي، وعن دَحْره له على الصليب. وعندما يصيرون مسيحيِّين حقيقيِّين، تهتدي أفرقتُهم وتُكمَّل وتُوطَّد، دون أن تحلَّ محلَّها الأوربة (European-ness) أو أيُّ شيء آخر.[21] فبالمسيحيَّة، يكتسبُ الأفارقة بُعدًا يكفي لنقد تقاليدهم، وللتَّمسُّك مع ذلك بالصَّالح منها أيضًا.[22]
ومن الأمثلة اللافتة على التكيُّف الحضاريِّ والثقافيِّ جمهور المؤمنين في كنيسة الفادي المشيخيَّة في منهاتن، حيث أخدمُ راعيًا. فإنَّ نموَّها في تلك البيئة قد فاجأ المُراقبين، بل صعقَهم أيضًا. ويُوجَّه إلىَّ تكرارًا هذا السؤال: “كيف تتمكَّنون من الوصول إلى آلاف الراشدين الشباب في مكان لا دينيٍّ كهذا؟” فالجواب هو أنَّ المسيحيَّة قد فعلتْ في مدينة نيويورك ما قد فعلته في جميع الأماكن الأخرى التي تنامَت فيها. ذلك أنَّها تكيَّفت على نحوٍ مهمٍّ وإيجابي بمُقتضى الحضارة المحيطة بها دون أن تساوم على مُعتقداتها الرئيسيَّة.
إن العقائد الأساسيَّة في كنيسة الفادي تتَّفق مع مثيلاتها من المعتقدات الفوطبيعيَّة وقويمة الرأي لدى الكنائس الإنجيليَّة والخمسينيَّة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينيَّة وجنوب الولايات المتَّحدة وغربها الأوسط. وهذه العقائد هي: ألوهيَّة السيَّد المسيح، عصمة الكتاب المقدَّس، وجوب الولادة الثانية الروحيَّة بواسطة الإيمان بموت السيَّد المسيح الكَّفاري. وهي مُعتقدات غالبًا ما تضعُنا في صراع مع الآراء والمُمارسات التي يُراعيها كثيرون من سكَّان مدينة نيويورك. وفي الوقت نفسه، تبنَّينا بسرور كثيرًا من النواحي الأخرى في الثقافة المدينيَّة التعدُّديَّة. فنحن نُحبِّذ الفنون، ونُقدِّر التنوُّع العرقي، ونُشدَّد على أهمَّيَّة العمل في سبيل تمتيع جميع مَواطني المدينة بالعدالة، ونتواصل مع الناس بلُغة حضارتنا المتركِّزة في وسط المدينة وبِوَعيها وإدراكها. ونحن نُشدِّد أكثر الكل على نعمة مخلِّص تناول الطَّعام مع أناس دعاهم المجتمع “خطاة”، وأحبَّ أولئك الذين عارضوه. وهذه الأمور كلُّها مُهمَّة جدا عند المقيمين في منهاتن.
نتيجة لذلك، تجتذب كنيسة الفادي وتبلغ جمهورًا مدينيًّا كثير التنوُّع. ففي إحدى خدمات أيَّام الأحد بكنيسة الفادي، عُرِّفَتْ زوجتي كاثي برجل جالس أمامها، أتى به إلى الكنيسة جون ديلوريان (John DeLorean)، كان كاتب خُطب لمُرشَّح رئاسيٍّ جمهوريّ. وبُعيد ذلك نَقَرتْ كتفها امرأةٌ جالسةٌ وراءها، أرادت أن تُعرِّفها بضيف آخر. فهي قد أتَتْ الكنيسة برجُل كان حينذاك كبير كُتَّاب الأغاني لدى مادونا (Madonna). وقد سُرَّت كاثي بوجود ذينك الضيفين كليهما، إلَّا أنَّها تمنَّت ألَّا يلتقي أحدهما الآخر قبل سماع العظة!
ومنذ بضع سنين زار كنيسة الفادي رجُل من ولاية جنوبيَّة في الولايات المتَّحدة. وان قد سمع أنَّنا توسَّعنا في وسط مدينة لادينيَّة شكوكيَّة، رغم تمسُّكنا بالعقيدة المسيحيَّة المستقيمة. وتَوقَّع أن يجد أنَّنا نجتذب الناس بمُوسيقى مُبتكرة، وأجهزة فيديو ومقاطع أفلام، وتمثيليَّات دراميَّة، وخلفيَّات مُشوِّقة بصورة استثنائيَّة، وغير ذلك من المشاهد الجذابة للنَّظر. ولكنْ أدهشه أنْ وجد خدمة بسيطة ومألوفة بَدَت في الظاهر مُماثلة لتلك التي تُقام في موطنه الأكثر مُحافظة. إلَّا أنَّه استطاع أيضًا أن يُلاحظ أنَّ الجمهور ضمَّ أشخاصًا كثيرين ما كانوا ليرتادوا قطعًا الكنائس التي يعرفها. وبعد الخدمة قابلني ثُمَّ قال: “هذا لُغزٌ تام بالنسبة إليَّ. أين الدببة الراقصة؟ أين أساليب التأثير المُبتكرة؟ لماذا احتشد هؤلاء القوم هنا؟”
أحلته على بعض المُشتغلين بالفن في وسط المدينة ممَّن دأبوا في حضور الكنيسة مدَّةً من الزَّمن، فاقترحوا عليه أن ينظر ما دون السَّطح (إلى العمق). وقال أحدهم إنَّ الفرق بين كنيسة الفادي وغيرها جوهريٌّ، وهو يكمُن في “التَّهكُّم اللطيف والمحبَّة والإحسان والتواضع”. وقالوا لقد أعوز كنيسة الفادي اللُّغة الطنَّانة، والمُفرطة في الوجدانيَّة، تلك التي يجدونها ذات تأثير عاطفيٍّ مُصطنَع لدى كنائس أخرى. أمَّا أهل كنيسة الفادي، بدلًا من ذلك كانوا يُخاطبون الآخرين بتهكُّم لطيف. وليس ذلك فقط، بل إنَّ العقائد هنا كانت مُعتنَقة بمحبَّة وإحسان وتواضُع، ممَّا جعل أهل منهاتن يشعرون بأنَّهم مَعنيُّون ومُرّحَّب بهم، حتى لو اختلفوا عن الكنيسة في بعض مُعتقداتها. وقالوا أيضًا إنَّ التعليم والتواصُل في كنيسة الفادي، في المقام الأوَّل، اتَّصفا بالدراية والفطنة والتنبُّه إلى التَّفاوت، مع إبداء الحسَّاسية حيث يكون أناسٌ حسَّاسون.
إنَّ نقاط التَّشديد هذه كلَّها تلقى استحسانًا في منهاتن، ولكنَّ لكلٍّ منها جذورًا عميقة في العقيدة المسيحيَّة التاريخيَّة. فالتَّشديد على التنوُّع العرقيِّ مثلًا مُستَمَدٌّ مُباشرة من الأصحاح الثاني في رسالة بولس الرسول إلى مؤمني أفسُس، حيث يُبيِّن بولس أنَّ التنوُّع العرقيَّ في الكنيسة هو شهادة مهمَّة لحقِّ الرسالة المسيحيَّة. ولنا مَثَل آخر فيما قاله راينهولد نايبُر (Reinhold Niebuhr) إذ أشار أنَّ التَّهكُّم أو السُّخرية حيال رؤية الكائنات البشريَّة تحاول أن تكون مثل الله ولكنَّها تفشل، هي طريقة مسيحيَّة تمامًا في النظر إلى الأمور.[23] ولأنَّ لهذه التوكيدات التكيُّفيَّة كُلِّها جذورًا عميقة في التعليم المسيحي التاريخي، فهي ليسَت مجرَّد تقنيَّات تَرويجيَّة.
لماذا تيسَّر للمسيحيَّة، أكثر من أيَّة ديانة رئيسيَّة اخرى في العالم، أن تتسرب إلى عدد كبير من الحضارات المختلفة جذريًّا؟ هنالك بالطَّبع خلاصة تعاليم جوهريَّة (قانون الإيمان الرسولي، الصلاة الربَّانيَّة، الوصايا العشر) تلتزمُها جميعُ اشكال المسيحيَّة. ولكن ثَمَّة قدرًا كبيرًا من الحرِّيَّة في كيفِّية التَّعبير عن هذه المُطلقات وتشكُّلها داخل حضارة معيَّنة. فالكتاب المقدَّس مثلاً يوجه المسيحيين إلى الاتحاد في ترنيم التسابيح، ولكنَّه لا يُحدِّد الوزن الشِّعري أو الإيقاع، أو مستوى التعبير العاطفي، أو استخدام الآلات الموسيقية – فهذا كله متروك كي يجري التعبير عنه حضاريًا بطُرق شتَّى. وممَّا كتبه المؤرِّخ أندرو وولز (Andrew Walls):
إنَّ التنوُّع الحضاري كمن في صُلب المسيحيَّة… ففي الأصحاح 15 من أعمال الرسل، حيث أعلن أنَّ المسيحييِّن الجددمن أهل الأمم ليسوا مُضطرِّين لأن يدخلوا الحضارة اليهوديَّة. تُرِك للمُهتدين ان يصوغوا طريقة هلِّينيَّة بها يكونون مسيحيِّين. وهكذا، فلا أحد يحتكر الإيمان المسيحيّ ولا توجَدُ “حضارة مسيحيَّة ” بالطريقة التي بها توجَد “حضارة إسلاميَّة ” يمكنك أن تُميزها من باكستان إلى تونس إلى المغرب…[24]
في نصوص من الكتاب المقدَّس مثل إشعياء 60 ورؤيا 21 و22 وصفٌ لعالم مُستقبليٍّ مُجدَّد كامل، فيه نستبقي فوارقنا الحضاريَّة (“كلُّ قبيلة ولسان وشعب وأمة”). وهذا يعني أنَّ كل حضارة بشريَّة فيها (من عند الله) نقاطُ خير وقوَّة جليَّة لإغناء الجنس البشريّ. وكما يُبيِّن وولز، فبينما تشتمل كلُّ حضارة على تحريفات وعناصر لا بدَّ أن تُنقَد وتُراجَع في ضوء الرسالة المسيحيَّة، فإنَّ كلَّ حضارة تتضمَّن أيضًا عناصر خيِّرة وفريدة تَنسجم المسيحيَّة معها وتتكيَّف بمُقتضاها.
فعلى نقيض الرأي الشائع إذًا، ليست المسيحيَّة ديانة غربيَّة تُقوِّض الحضارات المحلِّيَّة، بل هي بالأحرى قد اتَّخذت أشكالًا حضاريَّة شتَّى أكثر من أيَّة ديانة أخرى.[25] وفيها طبقات تَبصُّر عميقة من الحضارات العبريَّة والإغريقيَّة والأوروبيَّة، وفي غضون المئة سنة الآتية سوف تؤثِّر في تشكيلها أيضًا أفريقيا وأمريكا اللاتينيَّة وآسيا. وقد تصير المسيحيَّة بالفعل “أشمل رؤية إلى العالم”[26] إذ إنَّها قد فتحت أبواب قيادتها على مرِّ القرون لأشخاص من كل لسان وقبيلة وشعب وأمَّة.
الحرِّيَّة ليستْ بسيطة
يزعمون أنَّ المسيحيَّة قَيدٌ للنموِّ والإمكانيَّة الشخصيَّين لأنَّها تُقيِّد حرِّيَّتنا في أن نختار مُعتقداتنا وممارساتنا. وقد عرَّف عمانوئيل كانْت (Immanuel Kant) الكائن البشري المُستنير بأنَّه شخص يثق بقدرته الشخصيَّة على التفكير، بدلًا من الوثوق بالسُّلطة أو التقليد.[27] وهذه المقاومة للسُّلطة في المسائل الخُلُقيَّة هي الآن تيَّار عميق في الثقافة الغربيَّة. فإنَّ حرِّيَّة المرء في تحديد معاييره الخُلُقية الخاصَّة تُعدُّ ضرورة كي يكون إنسانًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
غير أنَّ هذا إفراط في تبسيط الأمور. فلا يمكنُ تعريف الحرِّيَّة بلغة سلبيَّة تمامًا، باعتبارها غياب الحجز والتقييد. إذ أنَّ الحجز والتقييد بالحقيقة يكونان، في أحوالٍ كثيرة، وسيلة للتَّحرير فعليًّا.
إن كانت لديك مَلَكة موسيقيَّة، فقد تعكفُ كلِّيًّا على الممارسة، فتُمارس عزف البيانو مثلاً دون انقطاع سنين عديدة. وهذا تقييدٌ أو حدٌّ لحرِّيَّتك فثمَّة أمور كثيرة لن تكون قادرًا على القيام بها في الوقت الذي تستثمرُه في الممارسة والتمرُّن. ولكن إذا كانت لك الموهبة، فإنَّ الانضباط والتقييد سيُحرِّران قدرتك التي لولاها لتبدَّدت فعلًا. وماذا فعلت؟ لقد حرمت نفسك عَمْدًا حرِّيَّة الاشتغال ببعض الأمور حتى تُطلق نفسك إلى نوع من الحرِّيَّة أغنى في سبيل إنجاز أمور أخرى.
لا يعني هذا أنَّ التقييد والانضباط والحجز مُحرَّرة تلقائيًّا بصورة جوهريَّة. فإنَّ ذَكَرًا راشدًا وزنه لا يتخطى 60 كيلو غرامًا، مثلًا، لا ينبغي أن يعقد عزمه على أن يصير لاعب هجوم رئيسيًّا في مباريات كُرة القدم الأمريكيَّة. إذ إنَّ كلَّ ما في الدُّنيا من انضباط وجهد لن يعمل إلَّا على تخييبه وسَحْقه (حَرفيًّا!). فهو ينطح صخرة واقع بَدَني، إذ لا يملك مجرَّد الإمكانيَّة. وفي المجتمعات الغربيَّة كثيرون ممَّن بذلوا جهدًا شاقًا فائقًا لامتهان مهَنٍ تعود عليهم بالرَّبح الأوفر بدل ان تكون مناسبة لمَلَكاتهم واهتماماتهم الحقيقيَّة. ولكنَّ مِهَنًا كهذه هي ستراتُ مساجين تُقيِّدُنا وتُجرِّدنا من مزايانا الإنسانيِّة في آخر المطاف.
وهكذا، فإنَّ الضَّوابط والقُيود تُحرِّرنا فقط حين تُلائم حقيقة طبيعتنا وقدراتنا. فلأنَّ السَّمكة تستمد الأكسجين من الماء، لا من الهواء فهي تكون حُرَّة فقط إذا كانت مُحدَّدة ومُقيَّدة بالماء. وإذا وضعناها على العُشب، فإنَّ حرِّيَّتها في الحركة، بل في الحياة أصلًا، لن تُعزَّز، بل تُبدَّد فعلًا. إنَّ السَّمكة تموت إن لم تحترمْ حقيقة طبيعتها!
ففي ميادين كثيرة من الحياة، ليست الحرِّيَّة غياب القيود بقدْر ما هي إيجادُ القيود الصحيحة- القيود المُحرِّرة. وتلك القيود التي تُلائم حقيقة طبيعتنا والعالم تُنتج لقدراتنا طاقةً أكبر ومجالًا أوسع، وفرحًا أعمق وإشباعًا أوفى. ثُمَّ إنَّ التجريب والمُخاطرة وارتكاب الأخطاء تؤتينا نموًّا فقط إنْ بيَّنت لنا، على مرِّ الزَّمن، حدودنا وقُدراتنا على السواء. وما دُمنا لا ننمو فكريًّا ومهنيًّا وبدنيًّا إلَّا بوجود ضوابط مُحكَمة، فلماذا لا تكون الحال على هذا المنوال أيضًا بالنِّسبة إلى النُّموِّ الروحيِّ والخُلُقيّ، فبدلًا من الإصرار على الحرِّيَّة في سبيل إيجاد الحقيقة الروحيَّة، ألا ينبغي أن نكون ساعين إلى اكتشافها وضَبْط نفوسنا للعَيش بمُقتضاها؟
إنَّ المفهوم الشائع – ذاك القائل إنَّ على كلٍّ منَّا أن يُحدِّد مبادَئهُ الأخلاقيَّة الخاصَّة – مؤسَّسٌ على الاعتقاد أنَّ العالم الروحيَّ لا يُشبه في شيء باقي الكون على الإطلاق. هل يعتقد أحدٌ ذلك فعلًا؟ دأبتُ طوال سنين كثيرة، بعدَ كلتا خدمتَي الصباح والمساء كلَّ يوم أحد، في البقاء في قاعة الاجتماعات للإجابة عن الأسئلة الفوريَّة. وكان مئاتٌ من الناس يَبقَون لحضور مناقشات تبادُل الآراء. ومن أكثر العبارات التي سمعتُها تكرارًا: “على كلِّ شخص، رجلًا كان أم امرأة، أن يُحدِّد لنفسه الصواب والخطأ”. وكنتُ دائمًا أردُّ على المتكلِّمين بسؤالهم: “أفي العالم الآن أيُّ شخص يعمل أمورًا تعتقدون أنتم أنَّ عليه أن يكفَّ عن القيام بها مهما كان اعتقاده هو الشخصيُّ بشأن صواب تصرُّفه؟” فكانوا يجيبون على نحوٍ ثابت: “نعم، طبعًا!” ومن ثَمَّ كنتُ أسأل: “ألا يَعني هذا أنَّكم تعتقدون فعلًا أنَّ هنالك نوعًا من الحقيقة الأخلاقيَّة “موجودًا” حقًّا، لم نُحدِّده نحن، إنَّما تنبغي مُراعاتُه بصرف النظر عمَّا يشعر به المرء أو يفتكره؟” ودائمًا على وجه التقريب، كان هذا السؤال يُقابَل بالصّمت، مقرونًا إمَّا بالتفكير العميق وإمَّا بالامتعاض الظاهر.
المحبَّة، الحرِّيَّة القُصوى، هي أكثر تقييدًا
ممَّا قد نظنّ
إذًا، ما الحقيقة الأخلاقيَّة- الروحيَّة التي يجب أن نعترفَ بها لكي نُفلح؟ ما البيئة التي تُحرِّرنا إنْ عهدنا بأنفسنا إليها، كما يُحرِّرُ الماء السَّمكة؟ إنَّها المحبَّة. فالمحبَّة هي فقدان الحرِّيَّة الأكثر تحريرًا على الإطلاق.
من مبادئ المحبَّة- سواءٌ هي محبَّة لصديق أم أنَّها حُبٌّ رومانسيّ-أنَّ عليك أن تفقد الاستقلاليَّة كي تُحرز حَميميَّة أعظم. فإنْ طَلبْت “حُريَّات” المحبَّة- الرِّضى والأمان وما تؤتيه المحبَّة من شعور بالقيمة الذاتيَّة– يجب عليك أن تُقيِّد حُرِّيَّتك بطُرق كثيرة. إذ لا يَسَعُك أن تدخل في علاقة وثيقة، ومع ذلك تُقرِّر قرارات من جانب واحد، أو لا تسمح لصديقك أو لحبيبتك بإبداء أيِّ رأي بشأن الكيفيِّة التي بها تعيش حياتك. فلِكَي تختبر فرح المحبَّة وحرِّيَّتها، يجب عليك أن تتخلَّى عن استقلاليَّتك الشخصيَّة. وقد أحسنت الرِّوائيَّة الفرنسيَّة فرانسواز ساغان (Françoise Sagan) التعبير عن هذا في مقابلة نشرَتها لوموند (Le Monde). فهي أفصحَتْ عن رضاها بالطريقة التي بها عاشَتْ حياتها، ولم تكُن نادمة قطّ:
مُجري المقابلة: إذا كانت لك الحرِّيَّة التي أردتها؟
ساغان: نعم… كنت أقلّ حرِّيَّة على نحو جلي لمَّا كنتُ في علاقة حُبّ بأحدهم… ولكنَّ الإنسان لا يكون واقعًا في الحب كل حين. فبمعزل عن ذلك أنا حُرَّة.[28]
إنَّ ساغان على حقّ. فعلاقة الحبِّ تضع حدودًا لخياراتك الشخصيَّة. وها نحن مرَّة أخرى في مواجهة مفهوم “الحريَّة” المُعقَّد. فالكائنات البشريَّة تكون أكثر حرِّيَّة وحياة في علاقات الحُبّ. ونحن إنَّما نصيرُ أنفُسَنا في المحبَّة، ومع ذلك فإنَّ علاقات الحُبّ السَّليمة تشتمل على الخدمة الَّلاأنانيَّة المُتبادَلة، على فقدان مُتبادَل للاستقلاليَّة. وقد أجاد سي. أس. لِويس التعبير عن هذا الأمر ببلاغته المعهودة:
أحبب أي شيء، فيُعصر قلبُك حتمًا، وربَّما يُكسر. فإنْ أردتَ أن تُبقي قلبك سليمًا من أيّ أذى، فيجبُ عليك ألَّا تُعطيه لأحد، ولا حتّى لحيوان. لفَّه جيَّدًا بالهوايات ووسائل التَّرَف اليسيرة؛ تجنَّب جميع الأشراك، أقفل عليه بإحكام داخل صندوق أنانيَّتك أو تابوتها. ولكنَّه في ذلك الصُّندوق –حيثُ الأمان والظَّلام وسكون الحركة والهواء – سوف يتغيَّر. فهو لن ينكسر، بل يصيرُ غير قابل للانكسار والاختراق والافتداء. إنَّ بديلَ المأساة، أو على الأقل مغامرة المأساة، هو الهلاك.[29]
فليست الحرِّيَّة إذًا غياب القيود والضَّوابط، بل هي إيجادُ الصحيحة منها، تلك التي تُلائم طبيعتنا وتُحرِّرنا.
ولكي تكون علاقة المحبَّة سليمة، يجب حصول فقدانٍ مُتبادَل للاستقلاليَّة. فلا يمكن أن يكون سبيلُ الحُبِّ طريقًا ذا اتِّجاه واحد، بل يجب أن يقول كلا الطَّرفين بعضُهما لبعض: “سوف أعدِّل ذاتي معك. سوف أتغيَّرُ من أجلك. سوف أخدمُك، حتَّى لو عَنَى ذلك تضحيةً من قِبَلي”. فإذا كان جانبٌ واحدٌ فقط يقوم بجميع أفعال التضحيَّة والعطاء، فيما يقوم الجانب الآخر بإصدار الأوامر كلَّها ولا يقوم إلَّا بمًجرَّد الأخذ، تكون هذه العلاقة استغلاليَّة، وتُخمِدُ حياة كلا الطَّرَفين وتُفسدُها.
فللوهلة الأولى إذًا، تبدو العلاقة بالله في جوهرها مُجرِّدةً للإنسان من الإنسانيَّة. ولا بدَّ أن تكون “على طريقة واحدة”، ألا وهي طريقة الله. فإنَّ الله، الكائن الإلهيَّ السماويّ، يملكُ القدرة كلَّها. وعلىَّ انا أن أعدِّل ذاتي مع الله – إذ لا سبيلَ لأنْ يُعدِّل الله ذاته معي ويخدمني.
لئن صحَّ هذا في أشكال أخرى من الدِّين والإيمان بالله، فإنَّه لا يصحُّ في المسيحيَّة. ذلك أنَّ الله، بالطريقة الأكثر جذريَّةً، قد عدَّل ذاته معنا – في تجسُّده وكفَّارته. ففي يسوع المسيح، صار الله كائنًا بشريًا محدودًا، معرَّضًا للألم والموت. وعلى الصليب، أخضعَ ذاته لحالتنا- بوَصفنا خُطاةً- ومات في مكاننا حتَّى يغفر لنا. وبأعمق طريقة على الإطلاق، قال الله لنا، في السيِّد المسيح: “سوف أعدِّلُ ذاتي معكم. سوف أتغيَّر من أجلكم. سوف أخدمكم، حتَّى لو عنى ذلك تضحية من قِبَلي”. ولمَّا كان الله قد فعل هذا من أجلنا، ففي وُسعنا- وينبغي لنا- أن نقول مثل هذا القول له وللآخرين. وقد كتب الرسول بولس أنَّ “محبَّة المسيح تحصرنا” (2 كورنثوس 5: 14).
ذات مرَّة سُئل أحد أصدقاء سي. أس. لِويس: “أهو أمرٌ سهلٌ أن يُحَبَّ الله؟” فأجاب: “هو سهلٌ على الذين يحبُّونه!”[30] وليس في هذا تناقضٌ كما يبدو. فعندما تَغوص في لُجَّة المحبَّة، تُريدُ أن تُسرَّ المحبوب. وأنت لا تنتظرُ حتَّى تطلب الحبيبة منك أن تفعل من أجلها شيئًا ما، بل تُفتِّش بِشَوق وتتعرَّف كلَّ أمر يؤتيها السُّرور. ثُمَّ تأتي به إليها، حتَّى لو كلَّفك مالًا أو مشقَّة بالغة. . فشعورُك هو: “أمنيتُك بالنسبة إلىَّ هي أمر!” ولست تحسب ذلك ثقيل الوطأة عليك أبدًا. من الخارج، قد يقول الأصدقاء المشدوهون لأنفسهم: “لقد جعلَته طوع أمرها في كل شيء”، ولكنْ في الداخل تشعرُ وكأنَّك في السماء.
وبالنِّسبة إلى المؤمن بالسيَّد المسيح، حاله مع يسوع هي على هذا المنوال. ذلك أنَّ محبَّة السيِّد المسيح تحصر المؤمن حقًّا. فما إن تدرك كيف تغيَّرَ السيِّد المسيح من أجلك وبذل نفسه من أجلك، حتَّى لا تعود تخشى أن تتخلَّى عن حرِّيَّتك، ومن ثَمَّ تجد حرِّيَّتك فيه.
* سترةُ المساجين (Straightjacket) هي سترة ذات أكمام طويلة مصنوعةٌ من قماش قويّ، مصمَّمة للسيطرة على مسجونٍ ثائر وذلك بضمِّ ذراعيه باتِّجاه جسمه. وتُستخدم أيضًا في المصحَّات النفسيِّة. ويحمل هذا المصطلح في طيِّاته أيضًا معنى التقييد الفكريّ (الناشر).
[1] M. Scott Peck, The People of the Lie: The Hope for Healing Human Evil (Simon and Schuster, 1983), Chapter 4, p. 168.
يستخدم بك شارلين مثلاً على عدم الصحَّة العقليَّة الذي يكتنفُ شخصًا ليس في حياته ما هو أهمُّ من تلبية الاحتياجات والرغبات الفرديَّة.
“تقتضي الصحَّة العقليَّة أن يُخضع ما هو بشريّ ذاته لشيءٍ أسمى من ذاته. فَلِكَي نتصرَّف بليلقة في هذا العالم، أن نُخضِع أنفسنا لمبدإ من المبادئ يسمو على مل نريده في أيَّة لحظة محدَّدة” صفحة 162
[2] Emma Goldman, “The Failure of Christianity,” first published in 1913, in Golden’s Mother Earth journal. Found at accessed on December 26, 2005.
[3] This is from the famous “Sweet Mystery of Life” statement in the Supreme Court’s Planned Parenthood c. Casey ruling:
في لبِّ الحرَّيَّة حق المرء في تحديد مفهومه الخاص للوجود، ولمعنى الكّون، وسرَّ الحياة البشريَّة.
لاحظْ أنَّ العبارة لا تقول إنَّنا فقط أحرار في “اكتشاق” الحقيقة بأنفسنا، بل بالأحرى في “تحديدها” وتكوينها.
[4] From David Friend and the editors of Life, The Meaning of Life: Reflections in Words and Pictures on Why We Are Here (Little Brown, 1991), p. 33.
[5] Form “Truth and Power,” in Michel Foucault, Power Knowledge: Selected Interviews and Other Writing 1972, ed. Colin Gordon (Pantheon, 1980), p. 131.
[6] C. S. Lewis, The Abolition of Man (Collins, 1978), p. 48.
[7] Emily Eakin, “The Latest Theory Is That Theory Doesn’t Matter,” New York Times, April 19, 2003, and “The Theory of Everything, RIP, “New York Times, October 17, 2004. See also Dinitia Smith, “Cultural Theorists, Start Your Epitaphs,” New York Times, January 3, 2004.
[8] G. K. Chesterton, in Orthodoxy: The Romance of Faith (Doubleday, 1990), pp. 33, 41-42.
[9] For a good summary of the faith-commitments underlying any “liberal democracy” see Michael J. Perry, Under God?, p. 36. See also Stanley Fish’s November 10, 2006, Chronicle of Higher Education article, “The Trouble with Tolerance.”
[10] Alasdair MacIntyre, After Virtue: A Study in Moral Theory, 2nd ed. (University of Notre Dame Press, 1984), and Whose Justice? Which Rationality? (University of Notre Dame Press, 1988).
[11] On this subject there are many good books. Among them are Stephen L. Carter, The Dissent of the Governed (Harvard University Press, 1999), p. 90. See also Alasdair MacIntyre, Whose Justice? Which Rationality? (Duckworth, 1987). Richard John Neuhaus, The Naked Public Square; Religion and Democracy in America 2nd ed. (Eerdmans. 1986) and Wilfred McClay, “Two Kinds of Secularism,” The Wilson Quarterly (Summer 2000). A sophisticated dialogue on this subject can be found in R. Audi and N. Wolterstorff, Religion in the Public Square: The Place of Religious Convictions in Politi cal Debate (Rowman and Little-field, 1997). See Chapter 8 for more on the worldview soil that human rights need in order to grow.
[12] أشار ميشيل فوكو إلى أنَّ تشديد المجتمع الغربيِّ على حقوق الفرد و”احتضان” الأقليَّات والنساء وأمور أخرى يصحبه “تاريخ ظلٍّ” من الحصريَّة والإقصاء. فكيف نحسب أولئك الذين لا يقبلون المفاهيم الغربيَّة المتعلِّقة بحقوق الفرد وخصوصيَّته؟ يُبين فوكو أنَّ أولئك الذين يؤتابون في آراء العصريَّة المتعلقة بالحقوق والمنطق يُوصَمون الآن ليس بأنَّهم “لا أخلاقيون” أو “مُهرطقون” (كما في القرون الوُسطى)، بل بأنَّهم “لا عقلانيُّون” و”غير متمدِّنين”
إذا أردت قراءة خلاصة جيِّدة عن نقد فوكو لما يُدعى “الشُّموليَّة” الغربيَّة، انظر المرجع التالي:
Miroslav Volf, Exchusion and Embrace: A Theological Exploration of Identity, Otherness, and Reconciliation (Abingdon, 1996), pp. 58-64.
[13] “الَّلاحتمية المتطرفة” تتلازم مع نزعة ثابتة نحو الشمول تُسوِّي جميع الحدود المقسَّمة.ولكن، ألا تقوِّض هذه من الداخل فكرة الاشتمال؟ فبلا حدود نكون قادرين على أن نعرف فقط مانحارب ضدِّه، إنَّما ليس مانحارب من أجله.والكفاح الذكيُّ ضد الحصريَّة يقتضي وجود فئاتٍ ومعايير قياسيَّة تمكّننا من التمييز بين الممارسات القمعية وتلك الَّلاقمعيَّة. فالتعبير “لا حدود” يعني أنْ لا السعادة ولا المسرَّة، ولا الحرَّيّة ولا العدالة، يمكن أن تحدَّد”.
Volf, Exclusion and Embrace, p.61.
[14] لنا مثلٌّ واضح في تعليق جري فولول (Jerry Falwell)على ماكتبه بات روبتسون (The 700 Club) في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول / سبتمبر:
“أعتقد حقًا ان الوثنيين والإجهاضيين ودعاة مساواة المرأة الشاملة، والمثليين، والسحاقيات الذين يحاولون جاهدين أن يجعلوا ذلك نمط حياة بديلاً. إن أولئك الذين حاولوا ان يجعلوا أمريكا لادينية هم مسؤولون. إني أمدُّ سبابتي إلى وجوههم وأقول: “أنتم أسهمتم في حدوث هذا!” إلَّا أَّن الاحتجاجات والاعتراضات الواسعة الانتشار من داخل الكنيسة أرغمت فولول على التَّراجع عن تعليقه في غضون ساعات قليلة .
(See http://archives.cnn.com/ 2001 /US/09/14/Falwell. apology. Last accessed March 5, 2007.)
[15] Lamin Sanneh, Whose Religion Is Christianity? (Eerdmans, 2003), p. 15.
[16] Philip Jenkins, Christendom: The Coming of Global Christianity (Oxford, 2002), p. 56. The Next Christendom: The Coming of Global Christianity (Oxford University Press, 2002), p. 56.
[17] Ibid., p. 70.
[18] David Aikman, Jesus in Beijing: How Christianity Is Transforming China and Changing the Global Balance of power (Regnery, 2003), p. 285.
[19] يعزو لامين سانه هذا إلى “قابلية المسيحية للترجمة “.وإذهو غامبي ومسلم سابق، يفارق بينم المسيحية والاسلام الذي يصر على أن القرآن الحقيقي لايمكن أن يترجم. فلكي يسمع المرء كلمة الله، يجب ان يتعلم العربية.ولكن إيثار لغة واحدة يعني إيثار حضارة واحدة ؛ لأن الكلمات المفتاحية في أية لغة ذات معنى متجذر في تقاليد حضارة معينة وقوالبها الفكرية.بمعجزة يوم الخمسين الذي فيه سمع كل حاضر بشارة الانجيل بلغته القومية.وهكذا، فما من لغة أو حضارة واحدة تتفوق على أية لغة أو حضارة أخرى.وقد ترجم الكتاب المقدس إلى كل لغة وحضارة.
See Lamin Sanneh, “Translatability in Islam and Christianity ,with Special Reference to Africa, ” Translating the Message: The Missionary Impact on Culture (Orbis, 1987),p.211ff.
[20] 20.Lamin Sanneh, Whose Religion is Christianity? (Eerdmans,2003) ,p.43
[21] 21. Ibid., pp. 43-44, 69-70.
[22] Sanneh and Andrew F. Walls do not deny
إن سانه وأندرو أف.ولز لاينكران ان المرسلين المنتمين إلى حضارة معينة (الأوربية مثلاً ) غالباً مايفرضون شكل المسيحية الخاص بحضارتهم على المهتدين الجدد. ولكن حين يقبل المهتدون على قراءة الكتاب المقدس بلغتهم الخاصة، يرون في الكلمة المقدسة أموراً كان المرسلون قد “قللوا من أهميتها” (مثل الرقى والتعويذات)أموراً أخرى كانوا قد “أبرزوها للعيان” بمقتضى منظوراتهم و انحيازاتهم الحضارية الخاصة.
وقد يؤدي هذا إلى ردة فعل مبالغ فيها على شكل الايمان الذي دعا إليه المرسلون وفي الأخير، يتفهم المهتدون حضارتهم وتقاليدهم الخاصة – رافضين اجزاء مناه، ومؤكدين أجزاء أخرى، ومكيفين أجزاء أخرى في ضوء قراءاتهم للأسفار المقدسة.
[23] From R. Niebhur, “Humour and Faith,” The Essential Reinhold Niebhur, R. M. Brown, ed. (Yale University press, 1986), p. 49ff. Quoted in Sommerville, The Decline of the Secular University, p.129.
[24] Andrew F. Walls, “The Expansion of Christianity: An Interview with Andrew Walls,” Christian Century, August 2-9,2000, p.792.
[25] ” المسيحية هي ديانة مايزيد عن ألفي مجموعة لغوية مختلفة في العالم.فالذين يصلون ويعبدون من المسيحيين تفوق لغاتهم عدد أمثالهم من أهل أية ديانة أخرى في العالم…ومن البديهي أن هذه الحقائق المتعلقة بالريادة الحضارية واللغوية تتضارب مع صيت المسيحية بوصفها فعلاً هائلاً من عدم التسامح الحضاري.وقد ادى ذلك إلى عقدة شعور بالذنب عميقة في العالم المسيحي، تبدو جميع البينات المعاكسة له عديمة النفع.ولكن من المهم أن يدفع الناس إلى التغيير؛ لأن المسيحة الناقصة التي يمارسونها الآن هي شطر حضاري بال من شيء أكثر عظمة وجدة.
Sanneh, Whose Religion Is Christianity?, pp. 69-70.
[26] This term come from A. J. Conyers, “Can Postmodernism Be Used as a Template for Christian Theology?” Christian Scholar’s Review 33 (Spring 2004): 3.
[27] Kevin Vanhoozer, “Pilgrim’s Digress: Christian Thinking on and About the post/Modern Way,” in Christianity and the post-modern Turn, ed. Myron B. Penner (Brazos,2005), p. 74.
[28] Quoted in John Stott, The Contemporary Christian (IVP, 1992). The interview’s English translation appeared in the Guardian Weekly, June 23, 1985.
[29] C. S. Lewis, The Four Loves (Harcourt, 1960), p.123.
[30] The unnamed “old author” is quoted in C. S. Lewis, The Four Loves (Harcourt, 1988), p. 140.