السؤال 59 (الصلب والفداء) هل كان يريد الصلب أم لا يريد؟
السؤال 59 (الصلب والفداء) هل كان يريد الصلب أم لا يريد؟
تزعمون أن المسيح جاء برضاه إلى الدنيا لكي يقتل على الصليب ولكي يصالح البشرية مع الله ويفديهم بدمه ليخلصهم من خطيئة أبيهم آدم. وهذا يتناقض مع ما جاء في الأناجيل، فقد بينت الأناجيل أن المسيح لم يكن راضياً على صلبه، وأنه أخذ يصلي ويستغيث بالله، أن ينجيه من أعدائه، حتى أن عرقه صار كقطرات دم نازلة على الأرض ، واستمر في دعائه قبل القبض عليه وبعد أن وضع على الصليب حسب اعتقادكم : (( حِينَئِذٍ جَاءَ مَعَهُمْ يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي فَقَالَ لِلتَّلاَمِيذِ : اجْلِسُوا هَهُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ. ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. فَقَالَ لَهُمْ : نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ. امْكُثُوا هَهُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي. ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: يَا أَبَتَاهُ إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ )) (متى 26عدد 36-44) و (مرقس 14عدد 32-39) و(لوقا 22عدد 41-44)
الإجابة
أولاً ينبغي أن أصحح معلومة ذكرتها أنت، أنت تقول:”واستمر في دعائه قبل القبض عليه وبعد أن وضع على الصليب حسب اعتقادكم”. ونصحح هذه المعلومة فنقول: أن هذا ليس اعتقاداً ولكنه إيمان مبني على قراءة لما جاء في كتاب الله المقدس، الإنجيل.
ثانياً، وهي أيضاً تصحيح لمعلومة، فقد بحثت عن عبارة “وأنه أخذ يصلي ويستغيث بالله، أن ينجيه من أعدائه” التي تفضلت وعلقت عليها, فلم أجدها … أاين هي؟ أم أنك تحرك الكلمات عن موضعها، وتحذف وتزيد؟ ….
يسوع المسيح يقول بمنتهى التواضع “ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت”. إنها قمة الخضوع للمشيئة الإلهية, ولكن الأمر المقبل عليه هو في منتهى الصعوبة ويحتاج الى مؤازرة السماء له, وهو عنوان صلاته, وما يريده من الآب.
نحن البشر إذا كنا مقبلين على حدث عظيم نصلي ونرفع قلوبنا للسماء حتى يعطينا الله القوة, وهذا ما فعله جانبه الإنساني.
أما طلبته: “إن أمكن أن تجيز هذه الكأس”، فلها معنى واحد, أن هذا الأمر لا بديل عنه وهو لا يريد ان يتملص من العمل, ولكنه يقول إن كان هناك بديل آخر لخلاص البشر فلتفعل, ولكنه لا بديل سوى العدل, لذلك اختار طواعية أن يجتاز العدل الإلهي. هو اختيار أوضح الكتاب أنه صعب, ولكن المحبة انتصرت.
اقرأ معي ما قاله السيد المسيح لبطرس بعد تلك الصلاة التي تفضلت بالسؤال عنها “إِذَا وَاحِدٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَ يَسُوعَ مَدَّ يَدَهُ وَاسْتَلَّ سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذْنَهُ َقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟ فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟ (متى 26: 51- 54)., ونحن نرى من النص أن المسيح كان يقدر أن يتفادى الصليب, ولكنه اختار طواعية أن يتقدم الى الصلب.
شيء آخر … لقد علق كاتب الرسالة إلى العبرانيين على هذه الصلاة, فماذا قال؟ “إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ مَعَ كَوْنِهِ ابْنًا تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ وَإِذْ كُمِّلَ صَارَ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ، سَبَبَ خَلاَصٍ أَبَدِيٍّ،” (عبرانيين 5: 7-9) , ومن هذه الآيات نفهم أن موضوع صلاته أن يخلصه الله من الموت, وقد قام من الموت مننتصراً, لذلك نراه قد حصل على استجابة لصلاته, وهذه الاستجابة كانت بسبب تقواه, وهذا من أدلة ان المسيح لم يعرف خطية, وأصبح في انتصاره المبرر لنا لكي نطيعه, لأن في طاعته خلاصاً لنا.
عزيزي: إن القفز بالاستنتاج بدون روية يجعل القاريء يخطيء سواء بقصد أو بجهل, ولكن الحق واضح. وإذا تتبعت الآيات ستجد أن المسيح تقدم للصليب طواعيةً كما وضَّحتُ لك في ردي ضمن الأسئلة السابقة, بل أنه قال لتلاميذه إنه ينبغي لابن الإنسان أن يموت ويقوم في اليوم الثالث, لدرجة أن بطرس أراد منعه عن هذه المهمة, لكنه انتهر الشيطان الذي تكلم على لسان بطرس. إن الصليب هو مهمة المسيح الأولى, والكبرى. والأمر كان يستحق أن يصلي في جثسيماني لأجل هذه المهمة الصعبة