كيف يمكنني أن اعرف الله؟
كيف يمكنني أن اعرف الله؟
تمييز حجر العثرة
القيام بالخطوة الاولى
“إنَّه يسوع. إنَّه يسوع مَن غير حياتي. “أريد لكلِّ إنسان أن يعرف إنَّه يسوع”.
الراحل ﭙاين ستيوارت، لاعبُ الغولف المحترف، مخاطبًا القسِّيس ج. ب. كولنغزورث، بعد مشاهدة ڤيديو يصوِّر انتصار ستيوارت الساحق عام 1999.[1]
“الله وحدَه يُغيِّر القلوب”.
يول آزينغر، لاعب الغولف المحترف، مُعلِّقًّا على اهتداء صديقه ﭙاين ستيوارت إلى الايمان بالمسيح
“عندكم وعندي، في لبِّ كياننا، فراغٌ لا يسدُّه سوى الله”.
بلايز ﭙاسكال، الفيزيائي الفرنسي البارز في القرن السابع عشر
قبل عدَّة سنين، شغلتُ وظيفة العميد الأكاديميّ في كليَّة صغيرة بغرب أميركا الأوسط. وكانت مهمَّتي ان أُقابِل طالبي الوظائف في الكلِّيَّة. وأتذكَّر واحدًا من المرشَّحين كان جديرًا بأن يُحَبّ جدًّا ولكنَّه كان محدود الثقافة. وقد استمتعتُ كثيرًا بزيارته حَرَم كليَّتنا، إلَّا إنَّه تأكَّد لي إنَّه غير مؤهَّل للوظيفة. فبعد وقت بدا إنَّه نحو ساعةٍ من الملاحظات والتلميحات المُداوَرة، سعيًّا منِّي لأن اكون ودودًا ولبقًا، نظر الرجُل إليَّ وسألني: “ما هي النقطة الجوهريَّة؟” ومِن ثَمَّ، في ظرف خمس ثوانٍ تقريبًا وبجُملةٍ واحدة، أطلعتُه على الحقيقة بصراحة.
وأذكر أيضًا إنَّ طالبًا كان قد حضر دروسي الجامعيَّة اتَّصل بي تليفونيًّا من بيته، على غير توقُّع منِّي، في أثناء العطلة الصيفيَّة. وبعد تبادُل السلام والكلام، مضى يتحدَّث بإسهابٍ كثير عن فرصةٍ انفتح بابُها أمامه. وقد أطرأني كثيرًا وأثنى على كوني شخصًا رائعًا وأُستاذًا رائدًا. فكان لابُدَّ ان أسأله أخيرًا: “ما هي النُقطة الجوهريَّة؟ ولماذا اتَّصلتَ بي؟” وعندئذٍ اعترف بإنَّه يريد أن أُعطيَه 1500 دولار.
وقبلَ ذلك بسنين، حدث لي شيءٌ من هذا النَّوع في مسيرة بحثي عن الله. فإنَّي كنتُ قد قضيت شهورًا طويلة متفاعلاً مع خطوط شتَّى من البيَّنات المُمتازة. كما كنتُ قد تحاورتُ مع أشخاصٍ غير أقلّاء، ورُزتُ الحجَج المؤيدة والحجج المُعارِضة للقيام بالتزامٍ لاتِّباع يسوع المسيح. ولكنْ حلَّ الوقتُ الذي فيه اضطُررتُ لأنْ أطرح السؤال: “ما هي النقطة الجوهريَّة الروحيَّة؟” وقد جعلني ذلك السؤال أرتقي إلى مواجهة الحقيقة: إنَّ ما يؤخِّرني عن الإيمان لم يعُد تلك السلسلة من الأسئلة العقلانيِّة المشروعة. فكان عليَّ أن أتعامل مع أمرٍ أصعب بكثير جدًّا، ألا وهو مبدأ روحيٌّ مُتأصِّل في أعماق طبيعتي.
تحديد المبدإ الروحيّ
يمكن تحديد المبدإ الأساسيِّ من خلال حادثة جَرَت لبطرس، قبل أن يصير مؤمنًا ورسولاً.
وإذ كان الجمع يزدحم عليه ليسمع كلمه الله، كان واقفًا عند بحيرة جنِّيسارت. فرأى سفينتين واقفتين عند البحيرة، والصيّادون قد خرجوا منهما وغسلوا الشِباك. فدخل إحدى السفينتين التي كانت لسمعان، وسأله أن يُبعِد قليلاً عن البرّ. ثمَّ جلس وصار يُعلِّم الجموع من السفينة.
ولمّا فرغ من الكلام، قال لسمعان: “ابعُد إلى العُمق، وألقوا شِباككم للصيَّد”.
فأجاب سمعان وقال له: “يا معلِّم، قد تعبنا الليلَ كلَّه ولم نأخذ شيئًا. ولكنْ، على كلمتك، أُلقي الشّبكة”.
ولمَّا فعلوا ذلك، أمسكوا سمكًا كثيرًا جدًّا، فصارت شبكتهم تتخرَّق. فأشاروا إلى شركائهم الذين في السفينة الأُخرى أن يأتوا ويساعدوهم. فأتَوا وملأُوا السفينتين حتَّى أخذنا في الغرق.
فلمَّا رأى سمعان بطرس ذلك، خرَّ عند ركبتي يسوع قائلاً: “اخرُج من سفينتي، ياربُّ، لإنَّي رجُل خاطئ!” إذِ اعترته وجميعَ الذين معه دهشةٌ على صيد السمك الذي أخذوه …[2]
الشرط الأساسيُّ للإيمان
بعد قضاء الليل بطوله في الصيد بغير إمساك أيِّ شيء، كان بطرس وصيّادو السمك الذين يُعاوِنونه يغسلون الشِباك، مُتشوِّقين على الأرجح إلى قسط من الراحة. ولم يكن الصَّيد هواية العطلة الأُسبوعيَّة لدى بطرس، بل كان بالحريِّ مهنة حياته. فكان خبيرًا وعليمًا بكل لمحة من ملامح البحيرة علمًا دقيقًا. ولا شكَّ إنَّه استخدم كلَّ طريقةٍ يعرفُها في تلك الليلة. فلم يكُن السمك يؤاتي صيَّاده الذي ربَّما اشمأزَّ واعتكر مزاجه.
في ذلك الإطار، ظهر يسوع، النّجار والمعلِّم الدينيُّ الجوَّال (وصيّاد السمك المُبتدئ!)، ليقترح طرح الشباك في المياه العميقة. ثُمَّ تحدث حادثةٌ تنطوي على عِبَرٍ ودلالات وافرة. فقد تباطأ بطرس، على نحوٍ بادٍ، لثقته بإنَّه يعرف تمامًا ما سيجري (وفضلاً عن الإخفاق في اصطياد أيِّ سمك، لا بدَّ أن يعني ذلك غسل الشِباك من جديد). وتجنُّبًا لأيَّة خيبة بمشهدٍ من مُعاونيه، يتيقّن بأن يعرفوا إنَّ تلك ليست فكرته (“على كلمتك”). فبطرس يعتقد إنَّه يعرف أفضل ممّا يعرفه يسوع. إذ إنَّ الصَّيد ميدانُه وله فيه صولاتٌ وجولات، وهو على الشاطئِ الخبيرُ البارع. وعلى كلِّ حال، ماذا يعرف معلِّمٌ دينيٌّ طوَّاف عن الصَّيد؟ من هذا المُنطلَق يُخاطِب بطرسُ الربَّ يسوع قائلاً له “يا مُعلِّم”، وهذا لقبُ احترامٍ بالطبع، إلاَّ إنَّه يلحظ ناسوته فقط.
الرسم 1
بعدئذٍ يأتي صيدُ السمكِ العجيبُ المُذهِل. وتصدر عن بطرس استجابةٌ ذاتُ شأن. فهو الآن يصف نفسه بإنَّه “رجُل خاطئ” ويُخاطِب يسوع على إنَّه “ربّ”، بمعنى صاحب السيادة المُطلقة. والكلمة اليونانيَّة التي استخدمها هي “كيريوس”، ومعناها أحيانًا “سيِّد” إلاَّ إنَّها في أغلب الحالات الترجمةُ اليونانيَّة للكلمة العبريَّة “يهوه” أي الربّ أوِ الله. فبالنظر إلى اتِّضاع بطرس المُفاجئ واستجابته بالتعبُّد، يتَّضح إنَّه ينسب الأُلوهة إلى يسوع.[3]
إنَّ المبدأ الروحيَّ يمكن أن يظهر بوضوح لدى الرجوع إلى الرسم 1. فالمُثلَّثان الأعلى والأدنى داخل المُستطيل يُمثِّلان بطرس ويسوع على التوالي. وقبل صيد السمك العجيب، يبدو بطرس بصفته “الخبير” ويتصوَّر إنَّه يعرف أكثر ممَّا يعرفه يسوع (كما يتَّضح من قاعدة مُثلَّثِه الكبيرة عند أقصى اليمين). وإذ تتكشَّف الحادثة، مثلما يُصوِّرها سهمُ “سبيل الإيمان” المائلُ صعودًا من اليمين إلى اليسار، يصغر المُثلَّث الأعلى الذي يُمثِّل بطرس، ويكبر المُثلَّث الأدنى الذي يُمثِّل يسوع (كما يتَّضح من قاعدة مُثلِّثه الكبيرة عند أقصى اليسار). فإنَّ تلك المعجزة أظهرت محدوديَّات بطرس واستقلاليَّته المتَّسمة بالكبرياء. وقد كانت النتيجة اعترافه بخطيَّته وإقراره بكون يسوع ربًّا. فإدراك بطرس إنَّ يسوع هو الربُّ نقله من الكبرياء إلى الإتِّضاع. وغالبًا ما يحصل هذان التبصُّرُ والانسحاق عند سلوك السبيل إلى علاقةِ إيمانٍ بيسوع.
مفتاحُ الانتِفاع
في الإيضاح المعروض في الرسم 1 مضامين جليَّة تتعلَّق بحياتنا. فعلى الصعيد العقليّ، ربَّما تكون مقتنعين من البيَّنات بإنَّ يسوع هو الله مُتجسِّدًا. ولكنَّ غرورنا وكبرياءنا قد يحولان دون اعترافنا بإنَّنا في حاجةٍ إليه. فما دُمنا نعتقد إنَّنا نحنُ الفُهَماءُ والخُبَراء، نبقى غير مستعدِّين للإذعان لحقِّ يسوع من حيث كونُه ربًّا في توجيه حياتنا. وكما قال المسيح للفرِّيسيِّين ذوي البرِّ الذّاتيِّ والكبرياء: “لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب، بل المرضى: لم آتِ لأدعوَ أبرارًا، بل خُطاةً، إلى التوبة”.[4]
وفي حالتي الشخصيَّة، لم يكُن الاتِّضاع من شِيَمي الثابتة. فإنَّ كبريائي كانت العائق الأكبر الذي حال دون قبولي الإيمان والإتِّكال على الربِّ يسوع. وفي سبيل اتِّباعي له طائعًا، كنتُ في حاجةٍ إلى اختبار غفرانه لى وإخضاع حياتي لأغدوَ متّكلاً على القوَّة التي يعطيني إيّاها الروحُ القدس.
إيضاحُ المبدإ الروحيّ
قد يكون من المفيد أن نُوضِح كيف ظهر هذا المبدأُ الروحيُّ في حياة كلٍّ من يوحنّا المعمدان وموسى، وهُما شخصان استخدمهما الله في دورين بالِغي الأهميَّة.
يوحنّا المعمدان
كان يوحنّا المعمدان أكبر من يسوع بستَّة أشهر، وقد عاش حياةً اتَّسمت بنكران الذات ووحدة الغَرَض. فإنَّ حياته بكاملها كانت تهيئةً لإعلان مجيء يسوع المسيح، “حمل الله الذي يرفع خطيَّة العالم.”[5] وكان له تلاميذ كثيرون يتبعونه شخصيًّا، كما كانت له شعبيَّة مرموقة. وقد ضحَّى تضحياتٍ عظيمةً في سبيل النجاح الذي كان يختبره. وكان سهلاً عليَّ أن أتصوَّره مدافعًا باستماتةٍ عن حقّه في منصبه وشهرته.
إنَّما بعد بضعة أشهر، جاء إلى المعمدان تلاميذُه يشكون همًّا مسؤّغًا: إنَّ مزيدًا من النّاسِ شرعوا يتبعون يسوع بدلاّ منه. وبدا جليًا إنَّ أتباع يوحنّا أخذت فيهم الغيرة ورأوا في أنشطة يسوع انتهاكًا لحقوق معلِّمهم. غير إنَّ يوحنّا رأى الأمر من زاوية أخرى، إذ شهد قائلاً: “يأتي بعدي رجلٌ صار قدَّامي، لإنَّ كان قبلي… لستُ بمستحقٍّ أن أحلَّ سيور حذائه.”[6] وباتِّضاعٍ كلِّيٍّ صرَّح بعدُ: “لا يقدر إنسان أن يأخذ شيئًا إن لم يكُن قد أُعطي من السّماء… ينبغي إنَّ ذلك يزيد، وإنَّي أنا أنقص.”[7]
كيف استطاع يوحنّا أن يفعل ذلك؟ لإنَّه كان على علاقة إيمانٍ بالله، وعلم إنَّ العمل بمشيئة الله الأزليَّة أهمُّ من المنصب والنّجاح الوقتيَّين. بعبارةٍ أخرى، لقد تعلَّم الاتِّضاع. وقد امتدح المسيح مثل هذا الموقف إذ تكلَّم فيما بعد عن يوحنَّا المعمدان، فقال: “إنَّه بين المولودين من النساء ليس نبيٌّ أعظم من يوحنّا المعمدان.”[8] ولا شكَّ إنَّه في سني دراستي الجامعيَّة كان صعبًا عليَّ أن أتصوَّر طبيعتي المُنافِسة خاضعةً للسّيطرة والتوجيه في مثل هذا السبيل المتَّسِم بالاتِّضاع.
موسى
لا بدَّ لأيِّ امرئٍ تعرَّف بمآثر موسى في مصر من أن يَرنوَ إليه كما لو كان عملاقًا بين البشر. ولكنَّ قلَّةً يدركون إنَّ شهرته مؤسَّسةٌ كلِّيًّا على مرحلة حياته التي عاشها بعدما بلغ من العمر ثمانين سنة. وكما سأُحاوِل أن أُبيِّن، في الواقع إنَّ إعمال المبدإ الروحيِّ المُحدَّد آنفًا في حياته الباكرة كان هو مفتاحَ عظمته المتأخِّرة.
وُلِد موسى ابنًا لأبوين مُستعبدَين بمصر في زمن تالٍ لإعلان الفرعون حكمًا بالإعدام بحقِّ الأطفال العبرانيِّين الذكور حالَ ولادتهم.[9] وفي تحرُّكٍ يائس لإنقاذ حياته، وضعته أُمُّه في سلَّ بين بعض القَصَب على مقربة من نهر النيل خلف القصر الملكيّ. ولدى عثور ابنة الفرعون على الطفل الباكي، تحنَّنت على موسى وتبنَّته باعتباره ابنًا لها. فبفضل هذه الظروف التي رتَّبتها عناية الله، تنعَّم موسى برفاهيَّة القصر وامتيازاته طيلة أوَّل أربعين سنة من حياته. ويُوصَف بإنَّه “تهذَّب… بكلِّ حكمة المصريِّين، وكان مقتدرًا في الأقوال والأفعال.” وبغير استثناء، كان هو العبرانيُّ الأكثر ثقافةً ونفوذًا في عالَمِ زمانه.
وفي نحو الأربعين من العمر، ارتكب موسى فعلَ خيانةٍ بقتله حارسًا مصريًّا بدافع العطف على عبدٍ عبرانيٍّ كان يتلقَّى منه الضرب. وحاول أيضًا أن يكون حَكَمًا أو قاضيًا في النزاعات بين العبرانيِّين وتكمن أهميَّة أنشطةٍ من هذا النوع في تصوُّر موسى لنفسه، إذ “ظنَّ إنَّ إخوته يفهمون إنَّ الله على يده يُعطيهم نجاةً.”[10] إنَّما لا يتضمَّن الكتابُ المقدَّس أيَّة عبارة، ولا حتَّى تلميحًا، تُفيد إنَّ الله فاتَح موسى آنذاك بأن يكون المُنقِذ المُختار لدَيه. فإنَّ الله فاتَحه بذلك فعلاً وانتدبه لهذه المهمَّة بعد مُضيِّ أربعين سنة. وقد كان ذلك تأجيلاً حاسمًا لسبب مهمٍّ جدًّا.
يبدو جليًّا إنَّ موسى تصرَّف من تلقاء ذاته. لماذا؟ لقد كان هو “الآمِرَ المُطاع” في القصر! ومهما كانت نيَّته حسنة، فواضحٌ إنَّه بالغَ في تقدير أهميَّته ومعصوميَّته الذاتيَّتين. فهو كان الخبيرَ العليم! وقد دفعت موسى كبرياؤه إلى الظنِّ بإنَّه لو وُجِد أحدٌ له قدرةٌ وقوَّة لإنقاذ العبرانيِّين من العبوديَّة لكان هو ذلك الشخص. غير إنَّه لقي الصدَّ من قِبَل بني قومه، وممَّا زاد الطين بلَّةً إنَّ عائلته المصريَّة المُتبنيَّة لفظت بحقّه حكمًا بالإعدام. وها هو قد فشل فشلاً ذريعًا، هرب لينجو بحياته إلى صحراء العربيَّة السعوديَّة حاليًّا، بقربِ خليج العقبة.
ما مِن مُرشِدٍ مهنيَّ كفوء تخطر في باله فكرةُ إسناد مهنة رعيٍ في البرِّيَّة إلى العبرانيَّ الأكثر ثقافةً وكفاءةً في العالم. إنَّما الله وحده قادرٌ أن يعلم كيف يكون تعيينُ عملٍ مدَّتُه أربعون سنةً في الصحراء علاجًا إصلاحيًا لصاحب دعوى خاسرة بالكفاءة الذاتيَّة والقيمة الشخصيَّة. وفي وسعي أن أتصوَّر إنَّ موسى لا بدَّ ان يكون قد فكَّر مرارًا وتكرارًا في إخفاقه وكيفيَّة تبديده كلَّ شيءٍ تبديدًا مروِّعًا من جرّاء تهوُّره. فلقد كانت الدُّنيا مِلكَ يمينه، إلاّ إنَّه ضيَّعها!
فَهْمُ سؤاَلين
“مَن أنا؟”
على هذه الخلفيَّة، بعد أربعين سنة، تكلَّم الله إلى موسى من وسط عُلَّيقة متَّقدة في الصحراء، قائلاً: “الآنَ هلمَّ فأرسلك إلى فرعون، وتُخرِج شعبي، بني إسرائيل، من مصر!”[11] قبل ذلك بأربعين سنة، ربَّما كان من شأن موسى أن يُفكِّر قائلاً: “يا الله، إنَّي لا أعرفك جيِّدًا جدًا، ولكن عليَّ أن أُناوِلك يدي. يقينًا إنَّك تعرف كيف تنتقي الرجال. فإذا كان أحدٌ يستطيع أن يُنجز مهمَّة كهذه، فإنَّا أستطيع بكلِّ تأكيد”. ولكنْ في الثمانين من العمر، بعد أربعين سنةً في البرِّيَّة، يُجيب موسى: “مَن أنا حتَّى أذهب إلى فرعون، وحتَّى أُخرِج بني إسرائيل من مصر؟” هذا هو موسَى آخر، رجلٌ ذو اتِّضاع! ثُمَّ إنَّه قبل أربعين سنة جرَّب فعلاً ما يطلبه الله منه الآن، فلم يُفلِح. فلماذا قد يختلف الأمرُ الآن في شيء؟ لم يكُن موسى قد فهم بعدُ أهميَّة سؤاله الخاصِّ الحيويّ: “مَن أنا؟”
إنَّ جواب الله لموسى حاسمٌ في مبحثي: “إنَّي أكون معك!” فالمعنى الضمنيُّ جليّ: لمَّا حاول موسى إنقاذ شعبه قبل أربعين سنة، فعل ذلك من تلقاء ذاته، ربَّما لإنَّه ظنَّ إنَّه كفوءٌ تمامًا وحده. ولذلك أخفق. فهذه المرَّة لن يكون التعويلُ على كفاءة موسى بل على قوَّة الله العاملة فيه لأجل ضمان النجاح. وفي الأربعين، كان موسى العبرانيَّ الأكثر ثقافةً وكفاءةً في العالم، فكان رجُلاً ذا كبرياء بوصفه الخبيرَ العليم. أمَّا في الثمانين، فكان رجُلاً ذا اتِّضاع يُقِرَّ بحاجته إلى الله كي ينجح حقًّا في حياته وأعماله.
“مَن أنا؟”، أو بصورةٍ أفضل: “مَن أظنُّ أننَّي أنا؟”، كان هو السؤال الحاسم الأوَّل الذي واجهتُه أنا بوصفه النقطة الجوهريَّة الروحيَّة لديَّ. وقد كان تقاعُسي عنِ الاعتراف بقُصوري الخُلقيِّ الخاصِّ واحتياجي الفعليِّ عائقًا أكبر من أيِّ عاملٍ آخر يحول دون اعترافي بالمسيح ربًّا اعترافَ إيمانٍ صادق.
“اللَّهمَّ، مَن أنت؟”
ما زال موسى غير مُتيقِّن. فلديه ذكرى أليمة ما برح يحملها منذ أربعين سنة، أعني رفض شعبِه له: “مَن جعلك رئيسًا وقاضيًا علينا؟” كما قال واحدٌ منهم. وإذ خشي موسى تكرار هذا الرَّفض، سأل: “اللَّهمَّ، مَن أنت؟” إذ قال لله: “إذا قالوا لي: ما اسمُه؟ فماذا أقول لهم؟” فجاء جواب الله جليلاً مهيبًا: “أهْيَهِ الذي أهْيَه … أهْيَه أرسلني إليكم!” ومعنى الاسم: “أكونُ الذي أكون” أو “أنا الكائن بذاتي”. فعلى موسى أن يذهب إلى الشعب بوصفه أداةً بيد الله الذي هو “أنا الكائن”، مَن لا بداية له ولا نهاية، الحاضر دائمًا وأبدًا، الواحدُ الأزليّ. ثُمَّ إنَّ موسى عبَّر عن خشيته ألاَّ يُصدِّقوه، إذ قال: “ولكنْ ها هم لا يُصدِّقونني ولا يسمعون لقولي! …”[12] فمضى الله قُدمًا ليُحوِّل عصا الراعي التي بيد موسى إلى حيَّة ثمَّ يردَّها عصا، ويجعلَ يده برصاء كالثلج ثُمَّ يعيدَها سليمة. إنَّ الله لم يكن يُركِن إلى ثقافة موسى وقدراته. فله كاملُ السُّلطة والقوَّة في الكون كلِّه. وقد بينَّ لموسى بوضوحٍ إنَّه قديرٌ وراغبٌ في ملء الأواني البشريَّة الخاضعة والمتواضعة بمحبَّته وقدرته، ما دام المدح والفضل يُعادان على النحو الموافق إلى مصدر كلِّ خير وصلاح، إلى الله نفسه.
هذان هما السؤالان الخالِدان اللذان ينبغي لكلِّ واحدٍ منّا أن يواجههما في فكره واختباره عند الإقبال إلى الإيمان بيسوع المسيح. فعلى الرُّغم من قدراتنا، ينبغي أن نُدرِك إنَّ أمرًا ما يظلُّ ناقصًا من حياتنا. وطِباقُ القوَّةِ والإتِّضاعِ الظاهرُ في حياة موسى المتأخِّرة لا بدَّ أن يكون جذَّابًا لنا. وقد امتُدح موسى من أجل “جميع الآيات والعجائب التي أرسله الربُّ ليعملها في أرض مصر بفرعون”، ومن أجل “كلِّ اليد الشديدة وكلِّ المخاوف العظيمة التي صنعها …” ومع ذلك فقد وُصِف بإنَّه “كان حليمًا جدًّا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض.”[13] ومن المُستبعَد أن يكون تعلَّم الإتِّضاع في بلاط الفرعون بمصر. فلعلَّنا نحن أيضًا ينبغي لنا أن نُفكِّر في زيارة إلى الصحراء كي نتعلَّم الرعاية!
تطبيقُ المبدإ الروحي
لم يكُنِ السؤالان “مَن أنا؟” و”اللَّهمَّ، مَن أنت؟” قد تشكَّلا في تفكيري حين كنتُ أخوض صراعًا مع التزامي الشخصيِّ للإيمان. غير إنَّ المفهوم كان حاضرًا. فقد تبيَّن لي إنَّ “مَن ظننتُ إنَّني أنا” حدَّد إلى مدَّى بعيد “كم يمكن أن يكون إلهي عظيمًا”. وقد وقعتُ على هذه الفكرة في قراءتي سي أس لِويس:
“إنَّ علاقةَ المرء بالله وبيسوع المسيح هي علاقةُ شخصيَّة صرف. فلا يستطيع المرء أن يبقى على الحياد بشأن الله”. شارلز كولسُن مُعاوِن سابق في البيت الأبيض |
تجد في الله ما هو مُتفوِّقٌ عليك تفوُّقًا لا حدود له من كلِّ ناحية. وما لم تعرِف الله بهه الصفة (ومن ثمَّ تعرف نفسك باعتبارك لا شيئًا مقارنةً به) فلن تعرفه أبدًا. فما دمتَ متكبّرًا، فلا يمكنك أن تعرف الله.[14]
إنَّني كنتُ في الوقت نفسه مُتردَّدًا وغير قادرٍ على جعل نفسي أصغر، إن صحَّ التّعبير. فلم يكُن قبل أن أعلن لي الله كم هو كبيرٌ إنَّني أخيرًا رأيتُ نفسي صغيرًا مقارنةً به. ولقد غيَّر ذلك مجرى حياتي.
جَردةُ لموجوداتي
وُلِدت وتربَّيت في حيٍّ زراعيٍّ صغير في الجنوب الشرقيِّ في ولاية داكوتا الجنوبيَّة. ولم يَكَد يُعقَل أن تكون تلك البيئة منشأً للغطرسة، مع إنَّنا كُنّا على سبيل الدُّعابة نُعبِّر عن فخرنا بكوننا على الأقلّ لسنا من ولاية أيوا المجاورة!
وقد ورثت عن أبويَّ عدَّة موجودات، إلاَّ إنَّ أمرين يبرزان بكونهما تميَّزا بأهميَّة خاصَّة في نظري. وبالحقيقة إنَّهما كانا مهمَّين جدًّا عندي حتَّى سمحتُ لهما بأن يصيرا عائقَين. الأوَّل إنَّني كنتُ ذا قدرة رياضيَّة جيِّدة. ولئن أدركتُ في ما بعد تمامًا إنَّ نطاق مقارنتي لم يكن واسعًا جدًّا، فإنَّني من حيثُ كنتُ أقف بدَوتُ “جيِّدًا إلى حدٍّ بعيد”. وقد أتاحت لي بطولات الأفرِقة والمنطقة والولاية، في مختلف الألعاب الرياضيَّة، أساسًا لحسبان نفسي أفضل من الآخرين؛ الأمرُ الذي تعزَّز دوريًّا بالتغطية الصحافيَّة التي حظيتُ بها من قِبَل صحيفتنا المحليَّة الأُسبوعيَّة. وكانت أخبار الصفحة الأُولى تشتمل على إنجازات كرة القدم في الثانويَّات المحليَّة، فضلاً عن الأنباء البارزة الأُخرى في المجال الرِّياضيّ. وكُلَّما خُبِّر عنِّي مزيدٌ من المقالات أوِ الأخبار، تضاعفت أنانيَّتي. وكان المُدرِّبون أوَّل من تنبَّهوا إلى وجود مشكلة إذ وجب عليهم كلِّ أسبوع أن يُعطوني خُوذةَ كُرةِ قدم أكبر!
أمَّا ثاني إرثٍ حوَّلتُه إلى عائقٍ شخصيّ فكان فطنتي العقليَّة. وقد جاءتني العلامات العالية بكلِّ يُسر، ورمقني أترابي على إنَّي “صاحبُ دماغٍ كبير”. فإذا بالاعتبار والجوائز التي نلتُها في المجال الأكاديميّ، مضافةً إلى إنجازاتي الرياضيَّة، تُشكِّل الصيغة التي أمدَّت هويَّتي الذاتيَّة وقِيَمي بالوقود الفعّال. في ذلك الحين لم يكُن الله ضروريًّا عندي، ما دمت أُبلي حسنًا بمعزلٍ عنه. ولم أكن مُتغطرِسًا بمقدار ما كنتُ مكتفيًا بذاتي ومغرورًا.
وكان في أثناء درسٍ عمليّ في مختبر علم الأحياء، وأنا في السنة الجامعيَّة الثانية، إنَّني التقيتُ فتاةً لها نظرةٌ مختلفة إلى الحياة. وقد كانت ﭬِرني أيضًا مقتدرة جدًّا، غير إنَّها تحدَّثت عن علاقة شخصيَّة بينها وبين الربِّ يسوع. كانت تلك هي النقطة المحوريَّة في حياتها، وقد حدَّدت رضاها الذاتيُّ وقِيَمها. وكان لديها تواضُعٌ أيضًا. فوجدتُها جذَّابة، وشرعنا نقضي بعض الوقت معًا. وقد دفعني تأثيرها إلى الإنطلاق في مسيرة بحثٍ روحيَّة دامت بضع سنين. وكان بعد بضعة أعوامٍ إنَّنا تزوَّجنا. وقد أحببتُها هي ومادَّةَ علم الأحياء والربَّ الذي دلَّتني عليه مُذ ذاك! غير إنَّ السنين السابقة لذلك الحين انتجت لديَّ إفلاسًا روحيًّا وضع قدميَّ على دربٍ جديد.
النجاح الوقتيُّ
كان من البديهيِّ أن أُعِدُّ نفسي لدخول الجامعة. وكان من شأن النظر في عُروض المِنَح التعليميَّة واختيار الأنسب من بينها أن يكون اختبارًا من اختبارات القصر (على غِرار موسى)، وقد جعلني أشعر بإنَّني مُمسِكٌ بزمام مصيري. وقد يسَّرت لي سنو الدراسة في الجامعة فُرَصًا لإحراز مزيد من المآثر الرياضيَّة، والإنجازات الأكاديميَّة، بلِ الاعتبار الاجتماعيِّ أيضًا، إذ دُعيتُ “مَلِك حفلة فالنتين” في حَرَم الجامعة.
وعلى الصعيد الفكريِّ، تكوَّن لديَّ الانطباعُ الأقوى حيال من تعرَّفتُ بهم في كليِّة العلوم الطبيعيَّة من مدرَّسين وباحثين منطقيَّين وعقلانيِّين لكنْ جذَّابين ومحبوبين. فإنَّهم لم يتزحزحوا عن قناعتهم العلميَّة بشأن التطوُّر البشريِّ في وجه الانتقاد الصادر عمَّن اعتبرتُهم آنذاك أشخاصًا أقلَّ علمًا وذوي أُفق دينيٍّ ضيِّق. وقد انطوى اختياري التخصُّص في علم الأحياء والإعداد التربويّ للمرحلة الثانويَّة على عُنصرٍ إنقاذيّ. أعني إنَّي كنتُ ناويًا أن أنطلق وأُنقِذ الجيل التالي من التزمُّت الدينيّ حتّى ينعم أهلُه بهذا الفهم العلميّ الأكثرِ تَنوُّرًا.
أمَّا قمَّة غروري الباطل باعتباري “الخبير الفهيم” فقد برزَت في سنتي الأولى مُعلِّمًا ثانويًّا لموادِّ العلوم العامَّة، وعلم الأحياء والكيمياء. إذ تلقَّيتُ اتِّصالاً تلفونيًّا من المسؤول عن برنامج دراسات عُليا في علم الأحياء بجامعةٍ رسميَّة، بقصد إقناعي بزيارة الجامعة على سبيل التعرُّف. ولكنّي شرحتُ له إنَّ سني دراستي الجامعيَّة، وممارستي لثلاث رياضات طوال تلك المدَّة، وإنجازي المُقرَّرَ الشاقَّ في العلوم، جعلتني كلُّها مُجهَدًا مرهقًا. فلم أكن أرنو إلى استئناف الدراسة الجامعيَّة العُليا في الحال. غير إنَّني على كلِّ حال أكملتُ عمليَّة تقديم الطلب، لإنَّه في الجوهر بعد تدريس العلوم العامَّة ثلاثة أشهُر لطلاّبٍ في أوائل المرحلة الثانويَّة بدا جليًّا لي إنَّ في الحياة أُمورًا أسوأ من العودة إلى الدراسة.
وبُعيدَ عطلة عيد الميلاد، استُدعيتُ إلى مكتب المدير لتلقّي مخابرة خارجيَّة. وقد كان ذلك المسؤول عينُه في قسم الدراسات العُليا يتَّصل بي مُهنّئًا إيّاي بقبولى في دائرة علم الأحياء، ويُعلِمني باختياري مُستفيدًا من منحةٍ وطنيَّة كاملة تتكفَّل بدفع جميع نفقات تخصُّصي، فضلاً عن مُرتَّب يكفي لإعالتي على مدى السنين الأربع أو الخمس التي يستغرقها إعدادي لشهادة دكتوراه في الفلسفة. وكان ينبغي لي أن أخرَّ على ركبتي ذارفًا دموع العرفإنَّ والامتنان… إلاَّ إنَّي لم أفعل ذلك. ويُربِكني ويُخجِلني الآن أن أسترجع أفكاري وأنا أتوجَّه إلى مُختبر العلوم المُخصَّص لي: “عندما تكون جيِّدًا كفايةً، يحصل لك هذا النوع من الأمور!” لقد تصوَّرت إنَّني فُزتُ بتلك المكافأة عن جدارة. وبدلاً من اختبار العرفإنَّ والشُكران، كانت تلك أقصى رحلةٍ ما على طريق الأنانيَّة، كيف لا وأنا سأصير دكتورًا في الفلسفة؟!
الإفلاسُ الروحيّ
لا بدَّ إنَّ الله ضحك ضحكةً رنّانة، إن جاز التعبير، إزاء إدّعائي القبض على ناصية الدُّنيا! وبُعيدَ وصولي إلى الجامعة للبدء بدراستي العُليا، قابلتُ بضعة رجالٍ من المؤمنين بالمسيح، ممَّن لم يُناسِبوا قالب فكرتي المقرَّرة عن المؤمنين بإنَّهم لاعقلانيُّون. حتَّى إنَّ بعضهم كانوا عُلَماء جامعيِّين من حَمَلة الدكتوراه. ولم يكن أيٌّ منهم من مُزعِج عند ترويج إيمانه، الاّ إنَّهم دافعوا عنه فعلاً ببيِّناتٍ ما كنتُ أعرف قطُ إنَّها موجودة. ولقد تساءلت خصوصًا كيف يُعقَل أن يُسوِّغ أحدٌ تصديق كتابٍ مقدَّس يُروِّج لأساطير سبقت حقائق العلم، منها – على سبيل التمثيل – خلقُ العالم بصورة خاصَّة في ستَّة أيَّام يتكوَّن واحِدَها من أربعٍ وعشرين ساعة، وجهنّمٌ فعليَّة (من نارٍ وما شابه)، وإبليسٌ حقيقيّ.
لستُ أستذكر أيَّةَ علائقِ مُخاصمةٍ بأولئك الرجال، ولكنَّني في قرارة نفسي عقدتُ العزم على أن أُبرهِن إنَّني على صواب. وشرعتُ أقرأ كتبًا أعطَوني إيّاها عن البيِّنات الخارجيَّة المستمدَّة مثلاً من عِلم الآثار ودراسة المخطوطات. وكم كانت مفاجأتي شديدةً إذ تبيَّن لي إنَّ مضمون كتاب العهد الجديد هو الأكثر موثوقيَّةً بين جميع الآثار الكتابيَّة القديمة! ثُمَّ استنهض رجلٌ آخر همَّتي كي أقرأ كتاب العهد الجديد مباشرةً وأدرسَه دراسةً نقديَّة مُجرَّدة. صحيحٌ إنَّني كنت مُطَّلِعًا على الكتاب المقدَّس منذ صِغَري، ولكنَّني لم أكُن قد فحصتُ صِدقيَّته راشدًا.
وأوَّلَ مرَّة في حياتي وجدتُني أستخدم أدوات البرهنة والاستدلال والتعليل العقليِّ في فحص الإيمان والنظر فيه. ثمَّ استمرَّت هذه العمليَّة الدراسيَّة أشهُرًا. وكنتُ أقضي في تفحُّص الكتاب المقدَّس والكتب البُرهانيَّة عنه وقتًا يُعادِلُ ما أقضيه في إنجاز دراساتي العُليا في عِلم الأحياء. وقد تكشَّف لي تدريجيّاً إنَّني كنتُ مُخطئًا في مُعظَم ما بنيتُ شُكوكيَّتي على أساسه. فإنَّ البيِّنات المؤيِّدة للمسيحيَّة، والتي كنتُ أتعلَّمها، بدأت تُشبِع فُضولي وتُرضي عقلي. ولكنَّ الله لم يكن على مَقرُبةٍ منّي، ولا شعرتُ بأيَّة علاقةٍ به آنذاك.
إنَّما كان الأمرُ اللافت إنَّ قراءاتي ظلّت تعود بي إلى التركيز على شخص يسوع المسيح. وقد خلب لبّي فعلاً، فإنَّجذبتُ إليه ونفرتُ منه في آنٍ معاً. فإنَّ حياته راقتني: عطفُه وحنانه وفطنته، وإحساسه المُرهف، وقدرته وقوّته وسمّوه الخُلقيّ. ولكنَّ بعضًا من تعاليمه هالتني: السُّلطان المطلق، القداسة التي لا هوادة فيها، الغفران اللامُتناهي ولو من نحو الأعداء. ففي سرِّي، على غِرار بطرسَ “الخبيرِ” العليم بالصَّيد، كنتُ ما أزال أعتقد إنَّ هذه بعضٌ من الأُمور التي أنا أعلمُ من يسوع بها!
وقد حصلت نقطة التّحوُّل في حياتي في أواخِر إحدى الليالي بطريقةٍ ما كنتُ أتوقَّعها قطّ. كانت زوجتي ڤرني قد أوَت إلى السرير، تاركةً إيّاي وحدي أُقارع الكتب كعادتي حتَّى ساعات الصباح الباكرة. وعند نُقطةٍ ما، عزمتُ على القراءة في الكتاب المقدَّس حينًا. ولستُ أذكُرُ السبب، غير إنَّي اجتُذِبتُ إلى سفر أيُّوب من العهد القديم. وإذ كنتُ مطبوعًا على التنافُس، قرأتُ بانتباهٍ التحدِّيَ الذي قدَّمه إبليس لله بشأن حياة أيُّوب.[15] ولمَّا قرأتُ عن المُصيبة التي حلُّت بأيُّوب، خُيَّل إليَّ إنَّ الله كان غير مُنصِفٍ في معاملته، وتعاطفتُ مع أيُّوب عندما صرخ مظلومًا: “اِعلموا إنَّ الله قد عوَّجني”.[16] وتراءى لي إنَّ من حقِّه تمامًا أن يقول: “فقط أُزكِّي طريقي قدَّامه… هَأنذا قد أحسنتُ الدعوى… ادعُ فإنَّا أُجيب، أو أتكلَّم فتجاوبني.”[17] إذ ذاك رأيتُ إنَّ على الله أن يُقدِّم حسابًا ما. تُرى، مَن يحسب تعالى نفسه على كُلِّ حال؟
ولقد أُعطي أيُّوبُ فُرصتَه. وأنا دُهشتُ مثل أيُّوب لمَّا ظهر الله وتكلَّم إليه: “مَن هذا الذي يُظلِم القضاء بكلامٍ بلا معرفة؟ اشدُدِ حَقَويك كرجُل، فإنَّي أسألك فتُعلِّمني!”[18] وقد تكلَّم الله مُتهكِّمًا عندما قال إنَّه سيجلس عند قدميّ أيُّوب كي يتعلَّم منه! وليس ممكنًا أن نشعر بتأثير هذه المحاورة كاملاً دون أن نقرأها كلَّها في الإصحاحات 38 – 42 من سفر أيُّوب. إلاَّ إنَّ من شأن بعض المُقتَطَفات من مُساءلات الله أن تُعطيَنا فحواها فحسْب:
أين كنتَ حين أسَّستُ الأرض؟ أخبِر إن كان عندك فهم مَن وضع قياسها؟ لإنَّك تعلم! …
هل في أيَّامك أمرتَ الصُّبح؟ هل عرُّفتَ الفجر موضعه؟ ….
هلِ انكشفَت لك أبوابُ الموت؟ …
هل تربط أنت عُقَد الثريّا، أو تفكُّ رُبط الجبّار؟
أتُخرِج المنازلَ في أوقاتها؟ …
مَن وضع في الطَخاء (أو القلب) حكمةً، أو مَن أظهر في الشُّهب (أو العقل) فِطنة؟ …
لقد كانت هذه كلُّها أسئلةً عن الدِّقة والرَّوعة اللتين يتميَّز بهما الكون. وخطر في بالي إنَّ الله قد تبحًر حقًّا في العلوم. وقد كان ذلك هو المجال الذي كنتُ أنا بارعًا فيه. غير إنَّ هذه الأسئلة غاصت في أسرار الأُصول والوظائف غوصًا أعمق ممَّا واجهتُه في أيِّ امتحانٍ اجتزتُه. ومهما يكُن، فالأفضلُ آتٍ، بعدُ: علمُ الأحياء، اختصاصي!
مَن يُهيّئ للغراب صيده، إذ تنعب فراخُه إلى الله، وتتردَّد لعدم القوت؟ …
من سرَّح الفراء حُرًّا، ومَن فكَّ رُبط حمار الوحش؟ …
هل أنت تُعطي الفرس قوَّته، وتكسو عنقه عرفًا؟
أمن فهمك يستقلُّ العُقاب، وينشر جناحيه نحو الجنوب؟ أو بأمرك يُحلِّق النَّسر ويُعلِّي وكره؟ …
وبعدَ أصحاحَين كاملَين من الأسئلة العلميَّة، توجَّه الله نحو أيُّوب سائلاً: “هل يُخاصِمُ القديرَ موبَّخه، أم المُحاجُّ الله يُجاوِبه؟” وقد جاء جوابُ أيُّوبٍ خلافَ ما توقَّعتُه: “ها أنا حقير، فماذا أُجاوِبك؟ وضعتُ يدي على فمي. مرَّة تكلَّمتُ فلا أُجيب، ومرَّتين فلا أزيد.”[19]
وفي غروري، تصوَّرتُ إنَّ جواب أيُّوب كان تملُّصًا على الأرجح. أفلم يعرف أيَّ شيء عن هذه المسائل؟ إنَّني لم أكن بعدُ قد رأيتُ بمثل الوضوح الذي به رآه أيُّوب.
ثُمَّ أردف الله قائلاً لأيُّوب: “لعلَّك تُناقِض حكمي: تستذنبني لكي تتبرَّر أنت؟ هل لك ذراعٌ كما لله، وبصوتٍ مثل صوته تُرعِد؟… فرِّق فيض غضبك، وانظُر كلَّ مُتعظِّم واخفِضه… فإنَّا أيضًا أحمدك لإنَّ يمينك تُخلِّصك!”
يلي ذلك أصحاصان آخران حافِلان بالأسئلة المتعلِّقة بالنظام والتصميم الجليَّين في العالم.
وفجأةً، بطريقةٍ شخصيَّة على نحوٍ عميقٍ جدًّا، لم يعُد الله يُخاطِب أيُّوب، بل شرع يُخاطِبني أنا! فبقوَّة غامرة، وإن لم يكن بصوتٍ مسموع، اختبرتُ صوت الله يسألُني: “دُن، مَن تحسب أنت نفسك على كلِّ حال؟” وإذا بعين ذهني تلتفتُ حالاً إلى الأحداث الكثيرة التي نمَّت عمَّا كنتُ عليه من كبرياء وحسد وغرور، واستقلاليَّة سلبيَّة وانخداع. لقد أخذ الله يكشف لي طبيعة قلبي الحقيقيَّة. وعلى نقيض ذلك، بدا لي إنَّني في حضرةِ إلهٍ قدير وحكيم وبارّ. وقد كان في ملاحظات أيُّوب الختاميَّة وصفٌ لِما كنتُ أختبره:
قد علمتُ إنَّك تستطيع كلَّ شيء، ولا يعسر عليك أمر.
(سألتَ:) “فمن ذا الذي يُخفي القضاء بلا معرفة؟” ولكنّي قد نطقتُ بما لم أفهم، بعجائب فوقي لم أعرِفها.
(قلتَ:) “اسمع الآن وأنا أتكلَّم: أسألك فتُعلمني!” بسَمْـع الأذن قد سمعتُ عنك، والآن رأتك عيني. لذلك أرفض (ذاتي) وأندم (تائبًا وجالسًا) في التراب والرماد.
إذ ذاك انزلقت عن كُرسيِّ وجثوتُ على رُكبتيَّ، وأخذتُ أبكي. واستحوذَت عليَّ فكرةٌ عاطفيَّة عميقة: “يا ربِّ، إنَّي آسِف!” كنتُ قد تربَّيتُ مُتكيِّفًا بمقتضى الفكرة القائلة بإنَّ الأقوياء لا يبكون، وإنَّ البُكاء علامةُ ضعفٍ في الرجُل. ولكنْ في تلك الليلة لم تكُن المُكابرة لتُجديَ نفعًا. فقد هالني التبكيتُ على خطاياي ولم أستطع إلاَّ أن أُكرِّر مرَّةً بعد أخرى :”أنا آسف… ياربّ، إنَّي آسِف!” ولا أدري كم من الوقت مضى قبل أن يُفاجئني تطوُّرٌ غير مُتوقَّع.
كنتُ ما أزال جاثيًا على رُكبتيَّ، مُتأمَّلاً هيبة الله وجلاله، ومُفكِّرًا في تصميمي الجديد على وضع ذاتي تحت سُلطته. وانطلقتُ من فكرة كوني قد تحرَّرتُ… من حاجتي لأنْ أفوز دائمًا، وأن أكون دائمًا في المرتبة الأولى، وأن أُثبِت ذاتي، ومن عبوديِّتي لذاتي. وليس عليَّ أن أُنجِز بعد. عجبًا، يا لها من راحة! عندئذٍ فقط غمرني الإدراك إنَّي مغفور الخطايا. فإنَّ محبَّة الله، من خلال ذبيحة المسيح، حَمَلِ الله، قد تولَّت دفع الثمن كاملاً. وكإنَّما تبدَّدت جميعُ الأُصول والنُّظم التي سبق لي أن أنَطتُها بالكنيسة وبالله. ومحلَّها – مجازيًّا – وقف إلَهٌ شخصيُّ عطوف، فاتحًا ذراعيه وقائلاً: “دُن، أنا أُحِبُّك!” فكان عليَّ أن أعترِفَ في اتِّضاع بإفلاسي الروحيّ، وأقبل الغفران هِبةً من الله لي. ثمَّ فاضت دموعي ثانيةً، ليس من أسفٍ أو ندم هذه المرَّة، بل كانت دموع فرح، إذ هتف قلبي “شكرًا لك يا رب… شكرًا لك… شكرًا لك!” لقد غدَوتُ إنسانًا جديدًا، مغفور الخطايا ومُحرّرًا.
تحتَ إدارةٍ جديدة
مضت سنون كثيرة بعد تلك الليلة الحافلة. ومضيتُ أُعِدُّ شهادة الدكتوراه تلك في علم الأحياء، وبعدها شهادة أُستاذيَّة في الدراسات المختصَّة بكتاب العهد الجديد، إنَّما ليس إرضاءً لأناي. فإنَّ حقيقة قيام علاقة شخصيَّة بين المسيح وبيني، تلك العلاقة التي أعرف الآن إنَّها كانت حيَّة وفعَّالة حقًّا، غرست فيَّ حسَّ مسؤوليّةٍ تجاه خالقي وقاضيَّ الأسمى. وليس الأمر صارمًا كما قد يبدو؛ إذ هو المزيج الصحيح من المحبَّة والانضباط. فقد حُرِّرتُ حتَّى أخدم، وأكونَ ذاتي تحت سيادة الربّ أكثر منِّي في أي وقتٍ مضى، بالطريقة التي خلقتُ كي أكون عليها. وها أنا في سلام… تحت إدارةٍ جديدة.
تُرى، أيّ فرقٍ أحدث المسيح في حياتي؟ هاك نقاطًا محدَّدة:
1) لقد نلتُ غفران خطاياي، وما زلتُ أختبره.
فإنَّ المسيح أيضًا تألَّم مرَّةً واحدة من أجل الخطايا، البارُّ من أجل الأثمَة، لكي يُقرِّبنا إلى الله”.[20]
“إنِ اعترفنا بخطايانا، فهو أمين وعادلٌ حتّى يغفر لنا خطايانا ويُطهِّرنا من كلِّ إثم.”[21]
2) أنا وَلَدٌ لله بالمعنى الروحيّ، والروحُ القدس الساكنُ فيَّ يُقدِّرني على اتِّباعه تعالى.
“وأمَّا كلُّ الذين قبلوه، فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنين باسمه”.[22]
“وأمَّا المُعزّي، الروح القدس الذي سيُرسِله الآب باسْمي، فهو يُعلِّمكم كلَّ شيء، ويُذكِّركم بكلِّ ما قلتُه لكم”.[23]
3) أنا في سلامٍ مع الله ولا أخشى الدّينونة.
“لإنَّه لم يُرسِل الله ابنه إلى العالم ليَدين العالم، بل ليخلُصَ به العالم: الذي يؤمن به لا يُدان”.[24]
إذًا لا شيءَ من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع… لإنَّ ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطيَّة والموت.[25]
4) لي يقينٌ بالحياة الأبديَّة بعد الموت.
“أنا هو القيامة والحياة: مَن آمن بي، ولو مات، فسيحيا…”[26]
“كتبتُ هذا إليكم – أنتم المؤمنين باسم ابنِ الله – لكي تعلموا إنَّ لكم حياةً أبديَّة”.[27]
“ما برح اِّتباع يسوع المسيح اختبارًا يتزايد فيه التحدِّي والمغامرة والسعادة. إنَّه كليًّا مستحقٌ التقدير والتعب. فما أصدق قوله: “وأمّا أنا فقد أتيتُ لتكون لهم حياة ويكون لهم أفضل”!”. مارك هاتفيلد، سيناتور أمريكيّ سابق |
وليُفهَم تمامًا إنَّني لا أدَّعي لنفسها هذه الأُمور لإنَّني أحسب نفسي مستحقًا، أو لإنَّي قد عملتُ عملاً مّا لكي أكسبها. فالكتاب المقدَّس يقول: “لإنَّكم بالنِّعمة مُخلَّصون، بالإيمان: وذلك ليس منكم؛ هو عطيَّةُ الله. ليس من أعمال، كي لا يفتخر أحد.”[28] ثمّ إنَّنا، أنا وزوجتي ﭬِرني معًا، نُدرِك إنَّنا ما كنَّا لنبقى معًا في علاقة الزواج مدَّةً زادتِ الآن عن أربعين سنة لولا نعمةُ الله التي تتيح لنا المسامحة والتغيير. وقد تعرَّف ابنانا كلاهما أيضًا على المسيح وأقرَّا به ربًّا ومخلّصًا. ويا له من رجاء عظيم في يقيننا بإنَّه عندما تنتهي علاقتنا العائليَّة هُنا ذات يوم، فإنَّ الموت لن يعمل إلاَّ على جمع شملنا من جديد، في لقاءٍ لا فراق بعده إلى الأبد! إنَّ كل ناحية من نواحي حياتي قد تعزَّزت واغتنَت تحت إدارةِ الربِّ يسوع المسيح، تلك الإدارة الجديدة الرائعة!
دعوة شخصيَّة
لقد عبَّر كلارك ﭙنُّك، بإيجاز وإحكام، عمَّا اكتشفتُه شخصيًّا بشأن الإيمان في رحلة حياتي:
أنا مقتنع بإنَّ الإيمان لا بدَّ أن ينجح في امتحان الصدقيَّة، وبإنَّ الرسالة المسيحيَّة تُوافِق الحقائق والوقائع. فهو ليس افتراضًا مُسبَّقًا يجب قبوله بناء على سُلطةِ مرجعيّةٍ ما، ولا حقيقةً ظاهرة بذاتها لا تحتاج إلى مُحاجَّة. إنَّه دعوى حقٍّ متينة يمكن فحصُها وإثبات صحَّتها عبر سلسلة الاختبار البشريِّ بكاملها. فهو يُلبِّي حاجاتنا الوجوديَّة، ويُضفي المعنى على حصائل حدسنا الدينيّ، ويصمد أمام التفحُّص العقليّ الدقيق، ويتوافق مع البيِّنات التاريخيَّة، ويتصدَّى للضرورات الخُلقيَّة السائدة اليوم…
إنَّ وقوفك تحت ربوبيَّة المسيح ليس نكدًا عليك ولا إذلالاً لك، بل هو بالحريِّ سبيلْ الدخول إلى رحاب الحياة الفيّاضة، وإلى وجودٍ مُشتهى حقًّا.
لذلك أُناشِدَك هذه المناشدة: افتحْ مغاليق نفسك لله، واعترفْ له بفشلك في عيش حياةٍ مستقيمة ومقدَّسة، واعقدْ عزمك على اتِّباع الربِّ يسوع. تصرَّف بموجب البيِّنات القاطعة الماثلة واقبل عرض الخلاص المُقدَّم إليك بالنّعمةِ.[29]
يقول الكتاب المقدَّس إنَّ المسيح “قد جاء لكي يطلب ويُخلِّص ما قد هلك.”[30] والربُّ يسوع يحترم إرادتك. فهو ينتظر دعوةً: تسليمًا من جانبك بأن تطلب منه غفران خطاياك، وإعطاءَه زمام حياتك. وليس في وسع أحدٍ أن يُعبِّر عن ذلك مثلما فعل هو نفسه:
” تعالَوا إليَّ يا جميع المتعَبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم. اِحملوا نيري عليكم وتعلَّموا منِّي، لإنَّي وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحةً لنفوسكم: لأنَّ نيري هيِّن وحِملي خفيف”.[31]
ولقد وعد الرسولُ بولس بأنَّك “إنِ اعترفت بفمك بالربِّ يسوع، وآمنت بقبلك بإنَّ الله أقامه من الأموات، خَلَصتَ.“[32]
إنَّما هذه الوعود لن تعنيَ لك شيئًا كثيرًا إلاَّ إذا مددتَ يدك وتناولتَها لنفسك. فإن كنتَ راغبًا ومستعدًّا أن تدخل في علاقةٍ حيَّةٍ بالله عن طريق الإيمان بيسوع المسيح، فأعلِمه ذلك بصلاةٍ ترفعها. ولعلَّ الصلاة البسيطة تفيدك إذا لم تكن على يقين من جهة ما ينبغي أن تقوله:
أللَّهمَّ، أشكرك على تزويدنا ببيِّناتٍ تدلُّ على وجودك. إنَّني أُريد أن أختبر بالحقيقة علاقةً شخصيًة بك. وإنَّي أعترف بأنَّ كوني خاطئًا قد فصلني عنك. فأنا أتوب، وأعترف بيسوع المسيح على أنَّه مُخلِّصي وربِّي. إنِّي أُومن بأنَّه مات بدلاً منِّي، وأنَّك قد أقمتَه حيًّا من بين الأموات. أرجو أن تُعطيني هِبَةَ الروح القدس كي يوجِّه حياتي ويُقدِّرني على أن أفهم كلمتك المقدَّسة وأُطيعها من اليوم فصاعدًا. شكرًا لك على جعْلك إيَّاي ولدًا من أولادك بالمعنى الروحيّ، وعلى إعطائي اليقين بالحياة الأبديَّة. آمين!
للتركيز والبحث
1) ورد في المتن إنَّ رفض المرء للإقرار بكونه خاطئًا هو عائقٌ أقوى من أيَّ عاملٍ فردٍ آخر دون الإعتراف بألوهة المسيح. اشرح المقصود. أيمكنك رؤية ذلك في ضوء اختبارك الشخصيّ؟
2) أي سؤالين يجب أن يطرحهما كلُّ شخص ويُجيب عنهما بصدق على طول طريق الإيمان؟ وكيف يترابطان؟
3) ما “النقطة الجوهريَّة” في تصالُح الإنسان مع الله؟ لماذا تشكِّل الكبرياء أو الاكتفاء الذاتيُّ أمرًا تصعب معالجته جدًّا؟ وهل الصعوبة عقلانيَّة بطبيعتها جوهريًّا؟
4) ماذا لو أنَّ أحدهم قال: “إنَّ صيرورة المرء مسيحيًّا هي أسهل أمرٍ في الدُّنيا”؟ ماذا تظنُّ إنَّه يقصد بذلك؟
5) ماذا تتضمَّن حقيقةُ كون الخلاص هِبةً من عند الله بشأن أساسِ يقين المؤمن المسيحيِّ بالحياة الأبديَّة؟ علامَ يعتمد؟
اتخاذ الخطوة التالية
أهنِّئُك بإنجاز قراءة “أدهشني الإيمان”. أرجو أن يكون قد أعانك في بحثك عن معرفة الله، مُجيبًا عن أسئلتك بشأن الإيمان، أو قد قوَّى وعمَّق إيمانك الموجود فعلاَ.
إنَّ التزامك أن تتبع يسوع المسيح هو أهمُّ قرارٍ تتَّخذه في حياتك على الإطلاق. لذلك أدعوك لأن تخطو الخطوة التالية التي تُطَمئنك إلى التمتُّع بالشبع الروحيّ المُتاح. فإنَّ الكتاب المقدَّس يقول:
“فكما قبلتُم المسيح يسوع الربّ، اسلكوا فيه، متأصِّلين ومبنيِّين فيه، وموطِّدين في الإيمان… مُتفاضِلين فيه بالشكر” (رسالة كولوسِّي 2: 6 و7).
لقد قطع لنا المسيح وعدًا حين قال: “وأمَّا أنا فقد أتيتُ لتكونَ لهم حياة، وليكون لهم أفضل” (يوحنّا 10:10). والعبارة “يكون لهم أفضل” تُترجم أيضًا “وتكون حياةً فيّاضة”. فالفرق بين “إيمانٍ بَين بين” والحياة الفيَّاضة التي وعد بها الربُّ يسوع كامنٌ في تعزيز علاقتنا بالله من خلال دراسة كلمة الله، أيَ الكتاب المقدَّس، ومن خلال الصلاة والشركة مع المؤمنين. هكذا عاشت الكنيسة أوًلَ عهدها، وهكذا ينبغي أن يعيش المؤمنون دائمًا: “كانوا يُواظِبون على تعليم الرسل، والشركة، وكسر الخبز، والصلوات” (أعمال الرسل 42:2). ولا تنسَ نصيحة الرسول بولس أن “اتْبع البرَّ والإيمان والمحبَّة والسلام، مع جميع الذين يدعون الربَّ من قلبٍ نقيّ” (رسالة تيموثاوس الثانية 22:2 ب).
وليُباركْكَ الربُّ ويستخدمُك لمجده!
[1] الاقتباسات مأخوذة من Sports Spectrum Magazine وبموجب إذن:
Art Stricklim, “The Transformation”, (March 2000): 17,19, Paul Azinger, “Only God Changes Hearts,”, (Mach 2000): 20,21.
[2] لوقا5: 1-11.
[3] إجابةٌ مماثلة تُستخدم فيها الكلمة اليونانية “كيريوس” تصدر عن توما في يوحنّا 28:20.
[4] لوقا 31:5و32.
[5] طلبًا لمعلومات عن خلفيَّة يوحنا المعمدان، راجع مرقس 1: 1-8؛ 14:6 -32؛ لوقا 1:13-17؛ 3: 1-20.
[6] يوحنّا 1: 26-30.
[7] يوحنّا 3: 26-30.
[8] لوقا28:7.
[9] طلبًا لِما ورد في الكتاب المقدَّس عن سيرة حياة موسى، راجع خروج 2 و3؛ أعمال 7: 17-38.
[10] أعمال 25:7.
[11] راجع خروج 3: 10-22 طلبًا لهذه الحادثة التاريخيَّة.
[12] راجع خروج 4: 1-17.
[13] راجع تثنية 3: 10-12 وسفر العدد 3:12 طلبًا لهذا الطِّباق (أي التعارُض أو التناقض).
[14] C.S. Lewis, Mere Christianity, p.111.
[15] راجع أيُّوب 1و2.
[16] أيُّوب 6:19و7.
[17] أيُّوب 13: 15-22.
[18] أيُّوب 2:38و3.
[19] أيُّوب 40: 1-5.
[20] 1 بطرس 18:3.
[21] 1 يوحنّا9:1.
[22] يوحنّا 21:1.
[23] يوحنّا 26:14.
[24] يوحنّا 17:3و18.
[25] رومية 1:8و2.
[26] يوحنّا25:11.
[27] 1 يوحنّا 13:5.
[28] أفسس 8:2و9.
[29] Pinnock, pp. 119, 121-2.
[30] لوقا 10:19.
[31] متّى 11: 28-30.
[32] رومية 9:10.