وأستراح الله في اليوم السابع، هل الله يتعب؟ أ/ أمجد بشارة
وأستراح الله في اليوم السابع، هل الله يتعب؟ أ/ أمجد بشارة
لأَنَّهُ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ اسْتَرَاحَ وَتَنَفَّسَ. (خر 31: 17)، إِلَهُ الدَّهْرِ الرَّبُّ خَالِقُ أَطْرَافِ الأَرْضِ لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَعْيَا. (إش 40: 28).
فكيف يقول الكتاب إن الله يتعب ولا يتعب؟
الله روح، ومن صفات الروح أنه لا يتعب بل هو دائماً في حالة حركة وتأهب ونشاط، بعكس الجسد (مر 14: 38، مت 26: 41) فلا يُمكن أن يُصيبهُ التعب لأنه غير مادي فلا يتأثر بما به الماديون، بل إن الرب ذاته دائماً يعمل ويسمع الصلوات ويستجيب ويتفاعل في التاريخ، لذلك يكتب العلامة اوريجينوس: إننا نرى الرب دائمًا يعمل، لا يوجد سبت يكف فيه عن العمل، منذ ذلك اليوم الذي فيه “يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين” (مز147: 8)، أو “الكاسي السموات سحابًا المهئ للأرض مطرًا المنبت الجبال عشبًا“، “هو يجرح ويعصب يسحق ويداه تشفيان”، ” أنا أميت وأحيي” (أي5: 18)، وأيضًا المسيح الرب في الأناجيل يجيب على اليهود الذين يتهمونه بالعمل والشفاء يوم السبت ” فأجابهم يسوع أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل” (يوحنا5: 17)، مشيرًا بهذا أنه لا يوجد أي وقت يستريح فيه الرب من السهر على أحوال العالم ومصائر الجنس البشري. لأنه منذ البداية، قد خلق المخلوقات وخلق مواد عديدة من حكمته كخالق وعلم أنها تكفي حتى نهاية العالم، بل يقول: “ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر” (مت28: 20)، فالرب لا يكفّ عن عنايته الإلهية وتوفيره لها[1].
ويقول ق. أغسطينوس: إنه لم يتعب ولا احتاج إلي راحة، كما أنه لم يترك عمله حتى الآن، إذ يقول ربنا المسيح بصراحة: “أبي يعمل حتى الآن“ (يو 5: 17)[2].
ويقول القديس إكليمنضس السكندري بأن الله لا يحتاج إلى يوم للراحة كالإنسان فإنه لا يتعب ولا يمسه ألم ولا عوز[3].
فما معني كلمة إستراح الله هُنا؟
اولاً: الكلمة العبرية (שָׁבַת- شاباث) وتعني: توقف، كفَّ، وصل إلي النهاية[4]. وقد تُرجمت بالفعل إلي توقف[5] وأنهيَّ[6] في كثير من النصوص الأُخري. ويعلق العالم د. ديريك كدنر: أستراح تعني حرفياً كفَّ، إنها راحة الإنجاز لا راحة عدم النشاط، فإن الله يعول ما يخلقه[7]. ويؤكد ذلك يوحنا ذهبي الفم: لا يعني (راحة الله) البطالة بل انتهاء التعب، فإن الله لا يزال يعمل حتى الآن كما يقول المسيح (يو 5: 17)[8]. لذلك يقول القديس أغسطينوس: إننا نستريح عندما نصنع أعمالاً صالحة. كمثال لذلك كُتب عن الله أنه “استراح في اليوم السابع”، وذلك عندما صنع كل أعماله وإذا بها حسنة جدًا[9].
وهذا أيضاً ما يُريده النص الكتابي إذ يقول: وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. (تك 2: 2)، ويقول كاتب العبرانيين: لأَنَّ الَّذِي دَخَلَ رَاحَتَهُ اسْتَرَاحَ هُوَ أَيْضاً مِنْ أَعْمَالِهِ، كَمَا اللهُ مِنْ أَعْمَالِهِ. (عب 4: 10)
ثانياً: راحة الله أيضاً تعني راحته في خليقته وراحتنا فيه، فالله يستريح في سكناه في ومع خليقته إّذ يقول: وَلَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمٍَ.(أم 8: 31)، وكما يقول القديس أغسطينوس: راحة الله تعني راحة الذين يستريحون في الله[10]. ويقول ق. غريغوريوس النيزنزي: الله يستريح بين قواته المُقدسة، وهو مُحَّبب إليه أن يسكن بينهم. وهكذا يُقال عن الله إنه جالس أو مُستريح[11].
ثالثاً: أعطت لنا رسالة العبرانيين بعداً جديداً عن مفهوم الراحة هُنا، فتقول: لأَنَّهُ قَالَ فِي مَوْضِعٍ عَنِ السَّابِعِ: «وَاسْتَرَاحَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ جَمِيعِ أَعْمَالِهِ».5وَفِي هَذَا أَيْضاً: «لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتِي».6فَإِذْ بَقِيَ أَنَّ قَوْماً يَدْخُلُونَهَا، وَالَّذِينَ بُشِّرُوا أَوَّلاً لَمْ يَدْخُلُوا لِسَبَبِ الْعِصْيَانِ،7يُعَيِّنُ أَيْضاً يَوْماً قَائِلاً فِي دَاوُدَ: «الْيَوْمَ» بَعْدَ زَمَانٍ هَذَا مِقْدَارُهُ، كَمَا قِيلَ: «الْيَوْمَ إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ»….10لأَنَّ الَّذِي دَخَلَ رَاحَتَهُ اسْتَرَاحَ هُوَ أَيْضاً مِنْ أَعْمَالِهِ، كَمَا اللهُ مِنْ أَعْمَالِهِ. 11فَلْنَجْتَهِدْ أَنْ نَدْخُلَ تِلْكَ الرَّاحَةَ، لِئَلاَّ يَسْقُطَ أَحَدٌ فِي عِبْرَةِ الْعِصْيَانِ هَذِهِ عَيْنِهَا. (عب 4: 4- 11)، فراحة الله وراحتنا فيه هي في الدهر الآتي وليس في هذا العالم لأننا مازلنا نعيش في اليوم السابع أما راحة الله فهي في نهاية اليوم السابع أي في نهاية العالم يوم قيامة الأموات.
ويقول اوريجين: السبت الحقيقي هو الذي فيه “يستريح الرب من جميع أعماله”، سيصبح العهد الآتي متى ” هرب الحزن والتنهد ” (أش35: 10)، وسيصبح الرب ” الكل وفي الكل ” (كو3: 11)[12]. ويقول القديس ميثوديوس الأوليمبي: لأن الجمال المعنوي الغير مادي (الله)، الذي ليس له بداية وغير فاسد، ولا يتغير، ولا تصيبه الشيخوخة، ولا يحتاج إلي شئ، يستريح في نفسه، وفي ذات النور الذي في أماكن لا يُمكن التحدث عنها، أو الإقتراب منها، وتشمل كل الأشياء في مُحيط قوته[13]…
لأنه في ستة أيام عمل الله السماء والأرض، وأنهي خلقة العالم كله، وأستراح في اليوم السابع من كل عمله الذي عمل، وبارك اليوم السابع وقدسهُ.. وذلك يُشير إلي أنه عندما ينتهي العالم في إنتهاء السبعة الف سنة، عندما يتم الله عمل العالم، سوف يفرح فينا (مز 104: 31).. حينئذ عندما تتم الأزمنة سوف يتوقف الله عن الخلق في الشهر السابع، يوم القيامة العظيم[14].
ويكتب الاب تادرس يعقوب: إن كان الله قد استراح في اليوم السابع، فإن الستة أيام تشير إلى الحياة الزمنية حيث يعمل الله على الدوام لحسابنا حتى متى جاء يوم الرب العظيم أي السبت الحقيقي يستريح الله بقيامتنا ولقائنا معه في الأمجاد، حيث يعلن كمال خلاصنا روحيًا وجسديًا، ونوجد هناك معه وفيه إلى الأبد، في “السماء الجديدة والأرض الجديدة” (رؤ ٢١: ١)، في المدينة المقدسة أورشليم الجديدة النازلة من السماء من عند الله مهيأة كعروس مزينة لرجلها، والتي قيل عنها: “هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم، وهم يكونون له شعبًا، والله نفسه يكون معهم إلهًا” (رؤ ٢١: ٣).
هذه هي الراحة الحقة لله والناس، أو هو سبت الرب وسبتنا، وقد سبق لنا إدراك أن السيد المسيح هو “راحتنا الحقيقية” أو “سبتنا الحقيقي”، فيه استراح الآب في البشرية إذ وجدنا أعضاء في الجسد ابنه مقدسين ومتبررين، وفيه استرحنا في الآب إذ نجده أبانا السماوي بتمتعنا بالبنوة لله بثبوتنا في الابن الوحيد. تحققت الراحة بقيامة السيد المسيح من الأموات حيث أقامنا معه معطيًا إيانا سلطانًا على الموت وغلبة على الجحيم وتحطيمًا للخطية. فصار لنا حق الدخول إلى السماويات حتى حضن الآب باتحادنا في القائم من الأموات وللآب أن يقبلنا فيه كأعضاء جسد ابنه المحبوب[15].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
[1] عظات علي سفر العدد، 23: 4
[2] On Ps. 93.
[3] Strom. 6: 16.
[4] Dictionary of Biblical Languages with Semantic Domains : Hebrew (Old Testament) (DBLH 8697, #3).
[5] وقد تُرجمت الكلمة (שָׁבַת- شاباث) إلي توقف في هذه النصوص:
Neh 4:11
them and kill them and stop • the work.
Neh 6:3
come down. Why should the work stop while
Ezek 16:41
• I will make you stop • playing the whore,
Ezek 26:13
And I will stop the music of your songs,
Ezek 34:10
stop to their • feeding the sheep.
[6] تُرجمت نفس الكلمة (שָׁבַת- شاباث) إلي (أنهي، نهاية) في هذه النصوص:
Prov 18:18
The lot puts an end to quarrels and decides†
Isa 13:11
• I will put an end to the pomp of
Isa 16:10
I have put an end to the shouting.
Isa 21:2
sighing she has caused I bring to an end.
Ezek 12:23
I will put an end • to • this • proverb,
Ezek 23:27
Thus I will put an end to your lewdness • and •
Ezek 23:48
end to lewdness in the land, that all •
Ezek 33:28
and her proud might shall come to an end,
Dan 9:27
shall put an end to sacrifice and offering.
Dan 11:18
put an end to his insolence. • • Indeed,
Hos 2:11
end to all her mirth, her feasts, her new
Amos 8:4
bring the poor of the land to an end,
[7] التفسير الحديث ص 56.
[8] In John, hom 36: 2
[9] On Ps. 93.
[10] City of God 11: 8.
[11] On Pentecost, fourth oration, NPNF, 2 ser, vol, VII, p. 325.
[12] عظات علي سفر العدد، 23: 4 [13] وليمة العشر عذاري، 6: 1. [14] وليمة العشر عذاري، 9: 1 [15] تفسير الرسالة الي العبرانيين، ص 46، 47وأستراح الله في اليوم السابع، هل الله يتعب؟ أ/ أمجد بشارة
انجيل توما الأبوكريفي لماذا لا نثق به؟ – ترجمة مريم سليمان
هل أخطأ الكتاب المقدس في ذِكر موت راحيل أم يوسف؟! علماء الإسلام يُجيبون أحمد سبيع ويكشفون جهله!
عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الأول – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث
عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الثاني – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث