Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

أسئلة صعبة عن العلم | ويلم لين كريج

أسئلة صعبة عن العلم | ويلم لين كريج

أسئلة صعبة عن العلم | ويلم لين كريج

بالعودة إلى العام 1896، أقدمرئيس جامعة كورنل Cornell University، أندرو دكسون وايت Andrew Dickson white على نشر كتاب تحت عنوان “تاريخ الحرب الدائرة بين العلم واللاهوت ضمن العالم المسيحي” A History of the warfare of science and theology in Christendom.1 ومنذ ذلك الحين، انتشر على نطاق واسع خلال النصف الأول من القرن العشرين، اعتماد الإستعارة “الحرب” في إطار وصف العلاقة ما بين العلم والإيمان المسيحي. وهكذا بات الرأي المهيمن ضمن مجتمعنا، حتى بين أوساط المسيحيين، أن العلم والمسيحية ليسا بحليفين في معرض البحث عن الحقيقة، بل يشكلان بالحري خصمين. لتوضيح هذا الأمر، كنت قد وافقت لسنوات خلت على المشاركة في حوار مع أحد فلاسفة العلم في جامعة سايمون فرايزر Simon Fraser في فانكوفر Vancouver، حول مسألة: “هل يعتبر كل من العلم والدين أن لا صلة لأحدهما بالآخر؟” لكن، لدى دخولي حرم الجامعة، وجدت كيف أن معشر التلامذة المسيحيين الراعين لهذا الحوار، كانوا قد روجوا له بواسطة أعلام وملصقات ضخمة تحمل العبارة “العلم مقابل المسيحية”. هؤلاء التلامذة المسيحيون، كانوا في الواقع يؤيدون هذا الصنف عينه من ذهنية الحرب التي كان أندرودكسون وايت قد أعلنها قبل قبل مئات السنين.

هل العلم والمسيحية حليفان أم خصمان؟

لكن، ما حصل في الواقع خلال النصف الثاني من القرن العشرين، هو أن مؤرخي وفلاسفة العلم، باتوا يُدركون كيف أن هذا التاريخ المفترض من الحرب، هو مجرد أسطورة. وكما يبين تشارلز ثاكستون Charles Thaxton مع نانسي بيرسي Nancy Pearcey في كتابهما “نفس العلم” The Soul of Science2 فإن العلاقة القائمة بين العلم والدين، أفضل ما يمكن وصفها هو بالتحالف، وذلك على طول الفترة التي زادت عن الثلاث مئة سنة، والممتدة بين نشوء العلم الحديث في القرن السادس عشر وأواخر القرن التاسع عشر. والآن بات يُعتبر كتاب وايت white كدُعابة سيئة، وكدعاية مشوهة منحازة إلى جانب واحد. ولا يُوتى على ذكرها اليوم إلا كمثال عما كيف لا ينبغي تناول تاريخ العلم.

يعترف الآن مؤرخو العلوم بالدور الأساسي الذي لعبه الإيمان المسيحي على صعيد تطور العلوم الحديثة وقدمها. فالعلوم ليست شيئا طبيعيا على الجنس البشري. وكما أكدت الكاتبة العلمية لورين آيزلي Loren Eiseley، بأن العلوم هي “مؤسسة ثقافية مبتكرة” تتطلب “تربة فريدة” حتى تزدهر فيها.3 العلوم الحديثة لم تنشأ في الشرق ولا في أفريقيا، بل في الحضارة الغربية. لماذا؟ هذا يعود إلى المساهمة الفريدة للإيمان المسيحي في تشكيل الثقافة الغربية. وكما تصرح آيزلي: “العالم المسيحي هو المسؤول عن إنشاء المنهج التجريبي للعلوم نفسها The Scientific Method، وعن عرضها بأسلوب واضح ومعبر.”4

المسيحية، وعلى نقيض الديانات الشرقية والأديان الشعبية. لا تنظر الى الكون على أنه إلهي أو مسكون بالأرواح، بل كونه النتاج الطبيعي لخالق متعال قام بتصميمه وإيجاده. وهكذا، فإن العالم هو مكان عقلاني مفتوح أمام محاولات الإستكشاف والإكتشاف. حتى أواخرالقرن التاسع عشر. كان العلماء عادة من المؤمنين المسيحيين الذين لايرون أي تعارض بين علومهم       وإيمانهم – رجال مثال كبلر kepler وبويل Boyle وماكسويل Maxwell وفاراداي Faraday وكلفن Kelvin وغيرهم. أما فكرة وجود حرب بين العلوم والذين، فهي اختراع حديث العهد نسبيا تم في أواخر القرن التاسع عشر، وهي أيضا أسطورة غذاها بحذرالمفكرون العلمانيون الذين كان هدفهم تقويخى هيمنة الثقافة المسيحية والاستعاضة عنها بالمذهب الطبيعي Naturalism، الذي يقول إنه لا يوجد شيء حقيقي خارج الطبيعة، وإن الطريقة الوحيدة لاكتشاف الحقيقة هي من خلال العلوم. لقد نجحوا بشكل ملحوظ في دفع الكثيرين إلى قبول فكرتهم هذه.

ولكن، أدرك فلاسفة العلوم خلال النصف الثاني من القرن العشرين، أن المؤسسة العلمية بأكلمها تستند إلى افتراضات لا يمكن إثباتها علميا، إنما تضمنها النظرة المسيحية إلى العالم. مثلا، قوانين المنطق، والتنظيم الطبيعي للعالم الخارجي، موثوقية قدراتنا المعرفية على إدراك العالم، وصحة الاستدلال الاستقرائي، وموضوعية القيم الأخلاقية المستخدمة في العلوم. وأريد أن أوكد أن العلوم لا يمكن أن توجد بمعزل عن هذه الافتراضات، هذا مع كون هذه الافتراضات لا يمكن إثباتها علمياً. إنها افتراضات فلسفية، وما يثيرالإنتباه كونها تشكل جزءا لا يتجزأ من وجهة النظر المسيحية إلى العالم. وهكذا نجد أن اللاهوت هو حليف للطوم على نحو يقدم إطارا فكريا حيث يمكن للعلوم أن تتواجد. والأكثر من ذلك أن الدين المسيحي هو الذي قدم تاريخيا الإطار الفكري الذي ولدت فيه العلوم الحديثة وترعرعت.

وهكذا، نحن نعيش الآن في عصر من الاهتمام المتجدد في العلاقات بين العلوم واللاهوت المسيحي. في الواقع، قام في أمريكا الشمالية وأوروبا خلال الربع الأخير من القرن العشرين، حوار مزدهر بين العلم واللاهوت. كما ظهر العديد من الجمعيات لتعزيز هذا الحوار: الجمعية الأوربية لدراسة العلوم واللاهوت European Society for the study of Science and Theology، ومنتدى العلوم والدين Science and Religion Forum، ومركز علم اللاهوت والعلوم الطبيعية Center for Theology and Natural Science. وغيرها وغيرها. كذلك تكتسب أهمية خاصة المؤتمرات المنعقدة برعاية مركز اللاهوت والعلوم الطبيعية ومرصد الفاتيكان Vatican Observatory، حيث يتداول بعض العلماء البارزين من أمثال ستيفن هوكينج Stephen Hawking وبول ديفيز Paul Davies حول موضوع تاثير العلوم الطبيعية في علم اللاهوت مع لاهوتيين بارزين هثل جون يولكينفهورن John Polkinghorne وولوفهارت بننبرغ Wolfhart Pannenberg. هناك مجلآت متخصصة في مجال الحوار بين العلوم والدين مثل “زايغون” (Zygon) و”وجهات نظر حول العلوم والإيمان المسيحي” Perspectives on Science and Christian Faith، ولكن الأهم من ذلك هي المجلات العلمانية مثل “الطبيعة” Nature و”المجلة البريطانية لفلسفة العلوم” British Journal for the Philosophy of Science، التي تنشر أيضا مقالات تتعلق بالتأثيرالمتبادل بين العلوم واللاهوت. لقد أصبح الحوار بين العلوم واللاهوت هاماً جداً في أيامنا هذه، حتى إن كلا من جامعة كامبردج Cambridge University وجامعة أكسفورد Oxford University قاما بإنشاء دوائر اختصاص في مجال العلوم واللاهوت. أقول كل هذا ببساطة لمواجهة الأسطورة الثقافية المتأصلة في الجهل، ويقابلها معظم العلماء اليوم بالرفض، والتي مفادها أن كلا من العلم والإيمان المسيحي هما في صلب طبيعتهما متخاصمان، بدلا من كونهما حليفين في السعي في إثرالحقيقة.

كيف ينبغي أن تكون عليه علاقة اللاهوت بالعلوم؟

الإجابات ءن هذا السؤال الذي لطالما دارت حوله نقاشات تقسم الباحثين إلى فئتين: أولئك النين يصرون على عدم وجود أي تعارض بين العلوم واللاهوت، وأولئك الذين يرون أن وجود مثل هذا التعارض معكن. ينبغي أن يحذر المسيحيون من الإسراع إلى قبول الإجابة السهلة للفريق الأول. فإنه لمن المغري جدا للمؤمنين المتدينين أن يحاولوا تجنب المشكلة برمتها من خلال إصرارهم على أن العلوم والدين لا يمكنهما البتة أن يتعارضا، فلماذا القلق بشأن ذلك؟ ولكن هذه الإجابة يعكن أن تكون غير مقبولة حين ندرسها عن قرب. فالذي يختار الإجابة الأولى يجب أن يتبني إما نظرية الحق المزدوج Double-Truth Theory، أي إنه يمكن لأمر ما أن يكون غير صحيح علمياً، ولكنه صحيح لاهوتيا. وإما أن يتبنى نظرية التكامل Complementarianism وهو الإعتقاد أن العلم واللاهوت هما نطاقان غير متداخلين (العلم يقدم لنا الحقائق فيما اللاهوت يعطينا القيمة والمعنى). لكن نظرية الحق المزدوج هي غير متماسكة، لأن هناك حقا موضوعياً يتعلق بالطريقة التي يتكون منها الواقع. (والقول “لا توجد حقيقة موضوعية” يؤكد بحد بذاته وجود حقيقة موضوعية، وهو بذلك يدحض ذاته بذاته!) ولكن إن كانت هناك حقيقة موضوعية تختص بحالة العالم، فإنه لا معنى للإصرار، على سبيل المثال، على ان الكون من الزاوية العلمية هو أبدي وغير مخلوق، وأنه، ومع ذلك، من وجهة نظر لاهوتية، هو أيضا مخلوق وله بداية.

أما بالنسبة لنظرية التكامل، هذا النهج الشائع، فإنه غالبا ما يكون حجابا رقيقا لتجاهل الإدعاءات الدينية عن الحقيقة، كما هو واضح في تصريح فريمان دايسون Freeman Dyson الذي لا يخلو من الوقاحة، “في نهاية المطاف، العلم يختص بالأشياء، واللاهوت يختص بالكلمات.” لكن نظرية التكامل غير مقبولة أيضا لأن الإيمان المسيحي يدلي بتصريحات تاريخية، والتاريخ، على صعيد نظرية المعرفة، هوعلى قدم المساواة مع العلوم، كما هو واضح لا سيما في العلوم التاريخية مثل علم المتحجرات وعلم الكونيات. لذلك لا يمكن للمرء أن يتجنب احتمال وجود الحقانق المتضاربة في العلوم والدين. لا يمكن إنكار أن هذا الأمر يسبب إحراجا للعقيدة المسيحية، لأنه يضع الحق المسيحي على المحن. ولكنه أيضا يجعل المسيحية ديانة رائعة، لأن الكون عينه الذي يجعل الصراع بين العلوم والدين ممكنا، هو أيضا يتيح الإمكانية للتحقق من صحة الحقائق اللاهوتية المسيحية.

كيف تصف العلوم الحديثة الكون؟

سس يي سنو (C. P. Snow) في مقالته الشهيرة “الثفافتان The Two Cultures ” رثى كون معظم الناس. الذين يعيشون في عصر علمي ويتمتعون يوميا بفوائد العلوم الحديثة، لا يزالون يجهلون ما تعلمه العلوم عن الكون.٦ مع أن معظمنا قد درس مادة العلوم خلال كل من المرحلتين الابتدائية والثانوية، فإن قلة منا فقط تستطيع أن تصف، ولو بطريقة بدائية، صورة الكون التي ترسمها العلوم الحديثة. ولكن قبل أن نفهم نظرة العلوم المعاصرة للكون، سيكون من المستحيل علينا الربط بين لاهوتنا وبين العلوم الحديثة، حتى نصل إلى وجهة نظر موحده للكون لذلك، وبالاستعانة بفيكتور ويسكوبف Victor Weisskopf7، اسمحوا لي بأن أبسط ملامح النظرة العلمية الحديثة للعالم كما تطورت تاريخيا:

  1. توحيد علم الميكانيكا الفضائي والأرضي: إن قوانين الطبيعة نفسها تسيطرعلى جميع أنحاء الكون.
  2. وجود الأنواع الذرية: أي إن كل مادة هي نتيجة دمج نحو مئة نوع من الذرات المختلفة.
  3. الحرارة كحركة عشوائية: أي إن الحرارة هي ناتجة من حركة الجسيمات المادية، وليست هي مادة في حذ ذاتها.
  4. توحيد الكهرباء والمغناطيسية والبصريات: أي إن هذه كلها تجليات للحقل الكهرومغناطيسي.
  5. تطور أنواع الكائنات الحية: نشأت الحياة والتعقيد البيولوجي كما وصفتهما التركيبة الداروينية الحديثة.
  6. نظرية النسبية: المكان والزمان موحدان ضمن أربعة أبعاد مكانية وزمنية، يتوافق انحناؤهما مع الحقول الجاذبية.
  7. نظرية الكم: هناك حدود على مستوى ما تحت الذري للمفاهيم الكلاسيكية مثل الموقع وقوة الدفع، وذلك بسبب ظاهرة اللإبهام السببي.
  8. البيولوجيا الجزيئية: إن اكتشاف جزئية الحمض النووي. كشف الشفيرة الوراثية المسؤولة عن تطور الكائنات الحية.
  9. “سلم” الكم: النظم المادية تتبع ترتيباً هرمياً بحيث كلما صغر النظام، ازدادت بذلك الطاقة المعبأة فيه. وبهذا نكشف سر الطاقة النووية
  10. التوسع في الكون: إن للكون تاريخاً تطورياً كان قد بدأ في الإنفجار الكبير.

بعض الأسئلة الهامة من منطلق علم الدفاعيات المسيحية، تنشأ حول الكثير من هذه المجالات. المسيحيون المنتبهون، ولا سيما القادة بينهم، هم في حاجة أن يفهموا بعض الشيء عن هذه القضايا، وأن يكونوا على استعداد لتقديم وجهة نظر عنها، وعلى إرشاد المستفسرين إلى الموارد المناسبة للحصول على المزيد من الإجابات المتعمقة. هناك، للأسف، العديد من القضايا للمناقشة، كما أن المواضيع واسعة جداً، غير أنه ليس بوسعنا تناولها إلا بطريقة سطحية ضمن المساحة المخصصة هنا. ولذلك، اخترت التطرق بأختصار إلى أربعة مجالات فقط للتفاعل الدائر الآن بين اللاهوت المسيحي والعلوم.

من أين أتى الكون؟

النقطة العاشرة من ملامح النظرة العلمية إلى العالم، تثير مسألة أصول الكون. هذا هو السؤال الجوهري المتعلق بالخلق: من أين أتى الكون؟ ولماذا هو موجود؟ الكتاب المقدس يبدأ بعبارة: “في البدء خلق الله السماوات والأرض” وهكذا يعلمنا الكتاب المقدس أن الكون كان له بداية. وهو لا يعلم أن هذه البداية كانت حديثة العهد. هذا استنتاج خاطئ مبني على جمع سني حياة شخصيات متنوعة من العهد القديم. لكن سلاسل النسب في العهد القديم، لا ترمي إلى تسجيل كل جيل. وفي كل الأحوال، فإن مثل هذا الحساب يعيدنا فقط إلى زمن خلق الحياة على الأرض (تكوين ١: ٢) وليس إلى أصل هذا الكون (تكوين ١: ١) منذ العصور القديمة وحتى القرن العشرين، عقيدة الكتاب المقنس بأن الكون كان له بداية، كانت مرفوضة لدى الفلسفة اليونانية والإلحاد الحديث. وعلى الرغم من هذا، لقد صمدت الكنيسة بثبات في تأكيدها على أن خلق الكون حصل في زمان محند ومن العدم.

ثم في عام ١٩٢٩، حدث شيء ينذر بالخطر. اكتشف أحد العلماء ويدعى ادوين هابل Edwin Hubble أن الضوء المنبعث من المجرات البعيدة هو، على ما يبدو، أشد احمرارا مما يجب. الخلاصة المذهلة التي توصل إليها هابل هي أن الضوء هو أشد احمرارا لأن الكون هو في حالة تمدد دائم؛ إنه يتوسع! وبذلك، يتأثر الضوء الصادر عن المجرات، لأنها تتحرك بعيدا عنا.

هذا هو الجزء المثير في هذا الأمر: لم يُظهرهابل فقط أن الكون آخذ في التوسع، لكن هذا التوسع يحصل بالمقدار نفسه في جميع الاتجاهات. لتوضيح هذا الأمر، تخيل بالونا مع أزرار ملصقة عليه. على قدر ما تنفخ البالون، تبتعد الأزرار أكثر فأكثر بعضها عن بعض، على الرغم من كونها مثبتة في مكانها. هذه الأزرار هي أشبه بالمجرات في الفضاء. كلما توسع الفضاء، راحت جميع المجرات فى الكون تزداد بُعدا بعضها عن بعض.

والمعنى الضمني المذهل هو أنه كلما رجعنا إلى الوراء في الزمن، كانت الأشياء كلها أقرب مما هي عليه الآن. في نهاية المطاف، عند نقطة ما في الماضي المحدود، كان الكون المعروف كله مقلص إلى نقطة حسابية، يسميها العلماء “تفرد”، والتي انطلاقا منها تم التوسع منذ ذلك الحين. على قدر ما نرجع أكثر فأكثر إلى الماضي، يصبح الكون بذلك أكثر كثافة، بحيث يبلغ في النهاية نقطة كثافة لامتناهية، منها بدأ الكون في التوسع. هذا الحدث الأولي بات يعرف باسم “الإنفجار الكبير”.

هذا الحدث الذي شهد بداية الكون، يزيدنا ذهولا عندما نتذكر حقيقة أن لا شيء كان موجودا قبل ذلك. لا شيء كان قائما قبل “التفرد”، لأنه يقع على حافة المكان والزمان الماديين. ولذلك فهو يشكل الأصل، ليس لكل أشكال المادة والطاقة فحسب، بل أيضا للمكان والزمان الماديين. لاحظ عالما الفيزياء جون ب اروJohn Barrow وفرانك تييلر Frank Tipler التالي: “انطلاقا من هذا التفرد، المكان والزمان دخلا إلى حيز الوجود إذ حرفيا، لا شيء كان موجودا قبل التفرد. لذلك، إذا كان الكون قد نشأ من التفرد، سيكون لدينا حقا خلق من لا شيء.”8

مثل هذا الاستنتاج يثير القلق العميق عند كل من يفكر فيه. فإنه ثمة سؤال لا يمكن تجاهله: تُرى، لماذا الكون موجود بدلا من اللاشيء؟ لا يمكن وجود أي سبب طبيعي أو مادي لحدث الإنفجار الكبير لأنه، وبحسب تعبير الفيلسوف كوينتن سميث Quentin Smith، “من الزاوية التحليلية. يأتي في صلب مفهوم التفرد الكوني أنه لم يحصل نتيجة أية أحداث مادية سابقة. فتعريف التفرد… يستتبع أنه من المستحيل تمديد الزمن والمكان مرات عدة إلى ما بعد حدود التفرد… وهذا يستبعد فكرة كون التفرد قد حصل تحت تأثير عملية طبيعية سابقة.”9 السير آرثر إدينغتون Arthur Eddington وفي معرض تأمله في بداية الكون، رأى أن توسع الكون حصل بشكل غير معقول ولا يصدق حتى “إني أشعر بالسخط الشديد إن أقدم على تصديقه أحد سواي.”10 وفى النهاية، وجد نفسه مجبرا على استخلاص، “البداية، كما يبدو، لم تخل من صعوبات لا يمكن التغلب عليها ما لم نتفق على اعتبار أنها حصلت بشكل خارق للطبيعة.”11

انزعج بعض الناس من فكرة أن الكون، على ما يبدو، نشأ من لا شيء. لذا، حاولوا إيجاد سبل لتجنب التفرد الحاصل واستعادة أبدية الكون. ولكن من دون جدوى. كان تاريخ علم الكونيات في القرن العشرين، تاريخ التزوير المتكرر لمثل هذه النظريات غير القياسية، مع السعي لتثبيت نظرية الإنفجار الكبير.12 لقد كان هناك إجماع داخل المجتمع العلمي على أن أيا من هذه النظريات البديلة، لم يكن ليسموعلى نظرية الإنفجار الكبير. وقد ثبت مرارا وتكرارا بين النماذج التي تهدف إلى تجنب النموذج القياسي لحصول بداية للكون في المطلق، كما ثبت أن هذه النمانج البديلة إما أنها لم تكن لتصمد أمام الفحص والانتقاد، وإما لا تنفي وجود بداية للكون. على سبيل المثال في بعض هذه النظريات مثل “الكون المتأرجح” (الذي يبقى يتوسع ويتقلص إلى الأبد)، أو “كون التضخم الفوضوي” (الذي يولد باستمرار الأكوان الجديدة)، لئن بدا مستقبلها لامتناهياً، فإن لها ماضياً محددا. هناك أيضا النظريات التي ترتكز على تقلبات فراغ الكون (والتي تفترض وجود فراغ أبدي منه نشأ كوننا)، لا يمكنها أن تفسر لماذا، إذا كان الفراغ أبديا، لسنا نشهد كوناً قديماً بشكل لامتناه. كانت هذه النماذج لا تزال تظهر في الصحافة الشعبية، لكن جرى التخلي عنها من قبل معظم العلماء اليوم.

واحدة من المحاولات الأخيرة الأكثر شهرة لتجنب حصول التفرد في البدء، تاتي من ستيفن هوكينغ Stephen Hawking من خلال نظريته حول جاذبية الكم٠ التي لقيت قدراً كبيراً من الاهتمام في الصحافة الشعبية من خلال كتابه الأكثر مبيعاً تحت عنوان “موجز تاريخ الزمن” A Brief History of Time يلحظ هوكينغ في نظريته. أن الماضي هو محدود لكن ليس لديه أية نقطة بداية أو حافة. هوكينج لا يمانع على الإطلاق في استخراج انعكاسات لاهوتية من نموذجه. يكتب: “الكون لن يكون له بداية أو نهاية، ولن يكون قابلاً للخلق أو للدمار، وفي هذه الحال. أي مكان يبقى بعد لوجود خالق؟”13

بالنسبة إلى النين يحطون من قدر الخلق، وللأسف، لا يمكن لنمونج هوكينج أن يقدم وصفاً واقعياً للكون. يكفي أن نذكر نقطة واحدة فقط: يفترض هوكينج أن الكون موجود في وقت وهمي بدلا من الوقت الحقيقي. وهذا يعني أن هوكينج يستخدم في معادلاته أرقاما خيالية للدلالة على الوقت، أرقام مثل √-١. والمشكلة هي أن أمثال هذه الأرقام هي أدوات حسابية أو حيل، ليس لها معنى مادي. وفي تاريخ قديم. يرجع إلى العام ١٩٢٠ تقصى إدينغتون Eddington ما وصفه “بحيلة” استخدام ارقام خيالية لعامل الوقت، لكنه اعتبر أن “لا فائدة تُرجى” من الإنعكاسات المترتبة على ذلك، لأنه قال: “هذا لا يتعدى كونه مجرد أداة تحليلية.”١٤ لقد رأى أن الوقت الخيالي هو مجرد أداة توضيحية، والتي لا تتوافق بالتأكيد مع أي واقع مادي.”15

واللافت أن هوكينغ في أحدث كتاب له تحت عنوان “طبيعة المكان والزمان” The Nature of Space and Time (1996)، يعترف بهذا الأمر إذ يقول “النظرية العادية هي مجرد نموذج حسابي، ولا معنى للسؤال عما إذا كان هذا النموذج مطابقا للواقع… أما جُل اهتمامي هو أن تُنبئ هذه النظرية بنتائج القياسات.”16 لكن، إن كان هذا كل ما تفعله نظرية هوكينغ. فإنه من الواضح انها لا تُلغي وجود بداية حقيقية للكون أو الحاجة إلى الخالق. إنها وبكل بساطة، وسيلة حسابية لإعادة وصف الكون، الذي كان قد بدأ بموجب عملية تفرد، بشكل يسهو عن الحديث عن أي تفرد. وفي كل الأحوال فإن نظرية هوكينغ، لدى تفسيرها واقعياً لا تزال تدين بفكرة الأصل المطلق للكون، حتى لو لم يبدأ الكون بالتفرد كما هي الحال في النظرية القياسية المتعلقة بالإنفجار الكبير.١٧ نموذجه يفتقر إلى نقطة البداية، لكنه لا يلحظ سوى ماض محدود، وبالتالي أصل مطلق. وهوكينج نفسه يلخص المسألة على الشكل التالي: “الجميع تقريبا يعتقدون الآن أن الكون والزمن نفسه، كانا قد بدأا مع الإنفجار الكبير”18

وذظراً للانعكاسات اللاهوتية الواضحة التي تترتب على نشوء الكون من لا شيء، يُمكننا أن نتوقع ظهور نظريات بديلة لنموذج الإنفجار الكبير، والتي تحاول أن تثبت نظرية الكون الأبدي. بول ستينهاردتPaul Steinhardt من جامعة برينستون Princeton لقي في الآونة الأخيرة قدرا كبيراً من التغطية في الصحافة الشعبية لنموذجه الجديد عن العملية الدورية لخراب العالم، ومن ثم إعادة تكوينه. Cyclical Ekpyrotic Model of the Universe.١٩ هذه البدائل المقترحة يجب أن تكون موضع ترحيب على أن يتم تقييمها في ضوء الأدلة، لأنه إذا استمر نمط إحباط هذه البدائل، فإن هذا من شأنه إعطاء تأييد أوسع لنموذج الإنفجار الكبير مع ما يلحظه من وجود بداية مطلقة للكون، كما أنه سيُكسبه مصداقية أكبر. الأدلة المتراكمة قد دعمت باستمرار فكرة خلق الكون هن لا شيء. وذلك بالرغم من الميل السائد عند الكثيرين إلى رفض ذلك ج. م. ورسينجر M. Wersinger، أستاذ الفيزياء في جامعة أوبورن Auburn يصزح بهذه الملاحظات:

في البداية، كان المجتمع العلمي متردداً جداً في تقيل فكره ولادة الكون.

نمونج الإنفجارالكبيرء على ما يبدو. يُذعن للفكرة اليهودية المسيحية عن بداية العالم، كما يظهر عليه أنه يدعو إلى

حصول فعل خلق خارق…

استغرق الأمر وقنا، ريثما نجحت أدلة الرصد والتحقق بعناية من التوقعات التي أدلى بها نمونج الإنفجار الكبير، لإقناع المجتمع العلمي بقبول فكرة نشأة الكون.

…الإنفجار الكبير هو نموذج ناجح للغاية، استطاع أن يفرض نفسه على جماعة علمية مترددة.20

وهكذا تمكن العلم، وضد كل التوقعات، أن يُثبت ما كان قد صرح به الكتاب المقدس عن الكون.

ماذا نقصد بقولنا إن الكون مظبط بشكل دقيق جداً؟

وجود الكون، لا يضمن بطبيعة الحال أن تكون الحياة فيه ممكنة ظن العلماء في وقت من الأوقات أنه مهما كانت عليه الظروف الأولية للكون، فإنه سيطور في نهاية المطاف مجمل أشكال الحياة المعقدة التي نراها اليوم، كما هو مذكور في النقطة الخامسة من معالم النظرة العلمية الى العالم (راجع صفحة ٦٦). إلا أن واحداً من أحدث الاكتشافات المتعلقة بأصل الحياة وتطورها، أظهرت الضبط الدقيق لكوننا هذا منذ لحظة حصول الإنفجار الكبير بشكل يسمح بنشوء الحياة في اي مكان في العالم. وخلال الثلاثين عاما الماضية أو نحو نلك، ذهل العلماء حيال القدر العظيم من التعقيد والدقة، التي كان يجب أن تتسم بها الظروف الأولية للكون حتى تظهر فيه الحياة. ومن ثم تتطور. في مختلف مجالات الفيزياء، والفيزياء الفلكية وعلم الكونيات الكلاسيكية، وميكانيكا الكم. والكيمياء الحيوية. أعلنت الاكتشافات مرارا، أن وجود حياة يعتمد على توازن دقيق من الثوابت الفيزيائية والكميات. وفي حال تغيرت هذه قليلا. سيسقط التوازن والحياة لن تكون موجودة. حقا، في كثير من الحالات، لن يكون هناك وجود للنجوم والكواكب، ولا حتى للكيمياء، ولا حتى للمادة الذرية نفسها، ناهيك عن الحياة البيولوجية. وفي الواقع يبدو أن الكون قد تم تنظيمه بدقة لا تُستقصى، منذ لحظة إنشائه، ما يسمح بوجود حياة ذكية فيه.

على سبيل المثال، إن أي تغيير في قوة الجاذبية أو القوة الكهرومغناطيسية بنسبة جزء واحد فقط من 10 40، كان سيحول دون وجود نجوم مثل شمسنا. ما يجعل الحياة مستحيلة. كما أن كل نقصان أو زيادة في سرعة التمدد بنسبة جزء واحد فقط من مليون مليون عندما كانت حرارة الكون تبلغ 10 10 درجة، كان من شأنه جعل الكون منذ فترة طويلة يتخذ من جديد شكل كرة نارية ساخنة، أو كان سيمنع المجرات من التكثيف. وفي كلتا الحالتين، يصبح من المستحيل وجود الحياة. إن ما يُعرف بالثابت الكوني، والضروري جدا لتطوير كوننا، يجب أن تبقى دقته فائقة بشكل لا يوصف، إذ نسبتها جزء واحد من 10 53 حتى يكون هناك حياة في الكون. هذا ليس سوى غيض من فيض لجهة الثوابت والكميات التي يجب ضبطها بكل دقة، لكي يتسنى للحياة أن تظهر في الكون.

لايلزم ضبط كل كمية بمفردها وحسب، بل على الكميات المتفرقة أن تتبع نسبا محددة حيال بعضها بعضا. وبالتالي. الحالة هنا ليست أشبه بجميع ألعاب الروليت في مونتي كارلو حيث دوران العجلات يعطي في نهاية المطاف المجموعة المعينة نفسها من الأرقام، بل هي أشبه بجميع ألعاب الروليت في مونتي كارلو حيث دوران العجلات يعطي في نهاية المطاف المجموعة المعينة من الأرقام، على أن تتبع هذه الأرقام أيضا نسبا معينة حيال بعضها بعضا. على سبيل المثال، يجب أن يكون الرقم الظاهرعلى عجلة ما. سبع مرات أكبر من الرقم الظاهر على عجلة أخرى وثلث الرقم على عجلة أخرى. لذا، من غير المحتمل أبداً، بأي شكل من الأشكال، وجود كون قابل للحياة.

كيف ينبغي لنا إدراك مفهوم احتمال وجود كون صالح للحياة؟ جون بارو John Barrow وهو فيزيائي بريطاني، يعطينا فكرة حول هذاالأمر.21 هو يدعونا إلى وضع نقطة حمراء على قطعة من الورق على اعتبار انها تمثل عالمنا. والآن غير بعض الشروط الأولية قيد أنملة، فتحصل بذلك على كون مختلف. إذ كان يصلح للحياة، ضع نقطة حمراء وإن كان لا يسمح بوجود الحياة فيه. ضع نقطة زرقاء. إفعل هذا مرارا وتكرارا. حتى تمتلئ الورقة بالنقاط. هل تعرف ما ستحصل عليه أخيراً؟ أجل، سيرتسم أمامك بحر من النقاط الزرقاء مع قليل فقط من النقاط الحمراء. بهذا المعنى، يمكن القول عن حق إن وجود كون يسمح بالحياة هو أمر غير محتمل حصوله بشكل لا يُصدق.

في بعض الأحيان، سوف يقول الناس: “نعم، كوننا من غير المحتمل وجوده. ولكن أي كون آخر، من غير المحتمل وجوده أيضاً. فالأمر أشبه بالربح في اليانصيب. فإنه من غيرالمحتمل أن يربح شخص محدد، ولكن لابد أن يربح الجائزة شخص ما.” هذا الاعتراض يساعد على إبراز حقيقة أن ليس مجرد الاحتمال هو موضوع البحث، بل بالحري الاحتمال المحدد. الكلام ليس عن مدى احتمال وجود هذا الكون أو ذاك، ولكن الأمر يتعلق بكون يصلح لوجود الحياه عليه. وبالتالي، فإذ التشابه الجزئي الصحيح يفترض حصول يانصيب فيه مليار مليار مليار كرة سوداء جرى خلطها مع كرة واحدة بيضاء. وأنت نجهت إليك الدعوة لكي تتقنم وأنت معصوب العينين وتختار كرة واحدة. وفي حين أن كل كرة تتساوى مع جميع الكرات الأخري في نسبة احتمال انتقائها، لكن الحظوظ كاسحة بأن تأتي الكرة التي تختارها سوداء، لا بيضاء. ولتكميل هذا التشابه الجزئي، تخيل الآن أن حياتك تعتمد على اختيارالكرة البيضاء وإلا تعرضت للقتل! إ إذا مددت يدك، وأنت معصوب العينين، إلى ذلك العدد الهائل من الكرات السوداء، واكتشفت أنك قد سحبت الكرة الوحيدة البيضاء، فلك الحق عندئذ أن تشكك في صحة الأمرعلى اعتبار أنه لا يخلو من الغش والتزوير وإذا كنت لا تزال مرتاباً، تصور أنك تحتاج، لكي تتفادى الموت، أن تنجح في فعل ذلك ثلاث مرات على التوالي. إن الاحتمالات في هذه الحالة لن تكون مختلفة كثيراً، ولكن ستكون مجنوناً إذا اعتقدت أنك قد أنجزت هذا من طريق الصدفة.

ماذا تعني فرضية وجود “عوالم متعددة”؟

المدافعون عن الصدفة كبديل، أصبحوا الآن مرغمين على تبني نظرية غير عادية: فرضية وجود “عوالم متعددة” ووفقا لهذه الفرضية، كوننا هو مجرد جزء واحد من مجموعة أكبر من الأكوان، وكلها أكوان حقيقية، وقائمة فعلاً، لا أكواناً محتملة فقط. ولضمان إمكانية ظهور، في مكان ما من الكون. من طريق الصدفة، عالم منظم بكل دقة حتى يصلح للحياة، فإنه يشترط كذلك أن يكون هناك عدد لا حصر له من العوالم ضمن المجموعة (حتى تتحقق كل إمكانية أواحتمال)، وأن تكون الثوابت الفيزيائية والكميات مرتبة عشوائيا (حتى لا تكون هذه العوالم مماثلة على حد سواء). وهكذا. في مكان ما من مجموعة العوالم هذه. سوف يظهر من طريق الصدفة وحدها، بعض العوالم المنظمة بدقة كعالمنا. وينبغي ألا نتفاجأ لدى مراقبة رؤية أوضاع دقيقة كهذه، ذلك لأن المراقبين مثلنا لا وجود لهم إلأ في تلك الأكوان المضبوطة بدقة.

يأتي شعور بعض العلماء الموقرين بضرورة اللجوء إلى فرضية غير عادية نات طابع ماورائي، ليؤكد أهمية تقديم تفسير لظاهرة وجود نظام دقيق في الكون. في الآونة الأخيرة. أعلن بول ديفيز Paul Davies أن قضية وجود تصميم في الكون، تصمد أو تسقط في ضوء صحة وجود عوالم متعددة.

فماذا يُمكن أن يُقال عن هذه الفرضية؟ أولا، يتعين علينا إدراك كيف أنها ليست علمية أكثر من فرضية “المصمم الكوني”، ولا هي اقل ماوراثية منها. وكما يقول العالم واللاهوتي جون بولكينغهورن John Polkinghorne: “الناس يحاولون تمرير قصة “العوالم المتعددة” باعتمادهم تعابير ومصطلحات علمية زائفة، ولكن هذا هو العلم الملفق. فاحتمال وجود عدة عوالم تحكم فيها قوانين وظروف مختلفة، ليس سوى مجرد تخمين ما ورائي.”23 فرضية العوالم الكثيرة كفرضية الماورائية، بالإمكان برهان كونها أدنى من فرضية التصميم، ذلك لأن فرضية التصميم هي أبسط. ووفقاً للمبدإ المعروف باسم شفرة أكهام Ockham’s Razor، ينبغي عدم مضاعفة الأسباب فوق ما هو ضروري لتفسير النتيجة. فالتسليم بوجود مصمم كوني لتفسير عالمنا، يبقى أبسط من التسليم بوجود مجموعة لا محدودة من العوالم المستنبطة والمصنعة، والتي تتطلب ها فرضية عوالم كثيرة. لذا، يجب تفضيل فرضية التصميم.

ثانيا، لا توجد طريقة معروفة لتوليد مجموعة من العوالم. ولم يتمكن أحد من تفسير كيف أو لماذا وجدت هذه المجموعة المتنوعة من الأكوان. إلى ذلك، فإذ المحاولات التي بُذلت تتطلب هي نفسها ضبطا دقيقاً. على سبيل المثال، مع أن بعض علماء الكون يستندون إلى ما يُسمى نظريات تضخم الكون لإنشاء مجموعة عوالم، يبقى النمونج التضخمي الوحيد المتماسك هو نظرية لينده Linde عن التضخم المرتبط بالفوضى، وهذه أيضاً تتطلب ضبطا دقيقاً لبدء التضخم.

ثالثاً، فرضية العوالم الكثيرة تواجه تحدياً شديدا من نظرية “النشوء والإرتقاء البيولوجي”، التي تشكل أحد معالم النظرة العلمية إلى الأمور. أولا، لنذكر شيئاً عن خلفية الأحداث: اقترح خلال القرن التاسع عشر، الفيزيائي الألماني لودفيغ بولتزمان Ludwig Boltzman  ما هو أشبه بغرضية وجود عوالم عدة، وذلك لتفسير لماذا لا نجد الكون يقبع في حالة من “موت الحرارة” أو توازن الديناميكا الحرارية، حيث تكون الطاقة موزعة بالتساوي في جميع أنحاء الكون25 بولتزمان افترض أن الكون ككل موجود في الواقع، في حالة من التوازن، ولكن مع مرور الوقت، قد تحدث التقلبات في مستوى الطاقة هنا وهناك في كل انحاء الكون، وقد يظهر الخلل في التوازن من قبيل الصدفة فقط في بعض المناطق المعزولة. وأشار بولتزمان إلى هذه المناطق المعزولة بالعبارة “العوالم” وينبغي ألا نتفاجأ من رؤية عالمنا في حالة من عدم التوازن هذه لأن من جملة العوالم، لابد من وجود، من قبيل الصدفة وحدها، بعض العوالم التي تشهد خللاً في توازنها. وقد شاءت الصدف أن يكون عالمنا من هذا الصنف.

المشكلة مع فرضية بولتزمان التي يتجرأ فيها التحدث عن عدة عوالم. هو أنه إذا كان عالمنا هو مجرد تقلب في بحر من الطاقة المنتشرة. فالإحتمالات في هذه الحالة تكون كاسحة برؤية منطقة خلل أصغر بكثير مما نشهده الآن. وحتى يُكتب لنا نحن الوجود. فإذ تقلبا أصغر واحدا، كالذي أنتج عالمنا على الفور بفعل وقوع حادث ضخم، هو أكثر احتمالا بما لا يُقاس، من الإنخفاض التدريجي لعامل الإذتروبيا في إطار تشكيل العالم الذي نراه. وفي الواقع، فإن فرضية بولتزمان، إذا تم اعتمادها، تجبرنا على النظر إلى الماضي. كشيء وهمي لا يملك سوى عمر ظاهري وفيه النجوم والكواكب وهمية. وهذا النوع من العالم، حيث النجوم تبدو مجرد “صور” يبقى احتمال وجوده أكبر بكثير، من عالم شهد في الماضي السحيق أحداثا حقيقية حصلت في الزمان والمكان. وذك نظراً لحالة التوازن العام الذي سادته. لذا، كان هناك إجماع ضمن الجماعة العلمية على رفض فرضية بولتزمان القائلة بوجود عوالم عدة. كما أن ظاهرة اختلال التوازن الراهنة. تُعتبر عادة مجرد نتيجة لوجود النسبة المنخفضة من الإنتروبيا، هذا الواقع الغامض الذي ساد الكون في بدايته.

ثمة مشكلة موازية أخرى تبرز لدى التسليم بفرضية وجود عوالم عدة لتفسير ظاهرة الدقة في التنظيم التي يعرفها عالمنا. فوفقا للنظرية السائدة عن التطور البيولوجي، الحياة الذكية كالتي نتمتع بها نحن البشر، وفي حال تطويرها. كانت لتحصل في أكثر وقت متأخر قدر الإمكان من عمر الشمس. فكلما قلت الفترة الزمنية المُتاحة لحصول عمليات التحول الجيني والانتقاء الطبيعي، انخفضت من جراء ذلك احتمالات خضوع الحياة الذكية لعامل التطور. ونظراً لمدى التعقيد الذي يسود الكيان البشري، فإن احتمالات تطور الكائنات البشرية في وقت متأخر من حياة الشمس، هي أكبر بكثير وبشكل كاسح، من إمكانية حصول ذلك في وقت مبكر. لذا، إن كان عالمنا هو مجرد جزء من مجموعة كونية، فاحتمالات وجود شمس قديمة العهد جدا، تكون أكبر بكثير وعلى نحو ساحق، من شمس فتية نسبيا عمرها بضعة ملايين من السنين. وفي حال جئنا نتيجة عملية تطور بيولوجي. يجب أن نجد أنفسنا داخل عالم حيث تطورنا خلال وقت لاحق من عمر نجمنا. وفي الواقع، إن تبني فرضية وجود عوالم عدة للتوصل إلى تفسير يحاول تجاوز ظاهرة الدقة في النظام، إنما يؤدي بنا إلى صنف غريب من الوهم. الاحتمالات كبيرة جدا بان نكون مخطئين في تقديراتنا الفلكية والجيولوجية والبيولوجية. والتي تشير إلى عمر فتي نسبيا، وبأن وجودنا يرجع حقا إلى زمن لاحق من عمر الشمس، وبأن مظهر الصبا الذي يبدوعلى كل من الشمس والأرض، هو وهم عظيم يعد ضربا من الجنون من الزاوية العلمية. وبالتالي، إما نحن لسنا من نتاج الصدفة التي رافقت عملية التطور البيولوجي (وفي هذه الحال، من الضروري وجود تصميم.)، وإما وجودنا لم يحصل بالصدفة كجزء من مجموعة عالمية (وفي هذه الحال أيضا، من الضروري وجود تصميم). وفي كلتا الحالتين، يقودنا ذلك إلى شخص المصمم.

الفشل الذي مُنيت به فرضية وجود عدة عوالم، أسقط آخر حاجز حيال وجود تصميم وراء النظام الدقيق السائد في العالم. وفي ضوء عدم احتمال أن تكون الظروف الأولية مؤاتية ومناسبة لوجود الحياة. هذا الأمر الذي يبقى قصياً عن الإدراك، إنه لمن المنطق الاعتقاد، كما يصرح الكتاب المقنس، أن العناية الإلهية هي التي رتبت أن يحوي هذا العالم مقومات الحياة.

كيف نفسر ما هو الأصل لفعلي للحياة؟

ما يشهده الكون من نظام دقيق، يؤمن بعض المتطلبات الضرورية لوجود الحياة في أي مكان من الكون لكنه لا يضمن نشوء الحياة فعلاً في الكون. وبكلام آخر، فلئن كانت هذه الظروف المرتبة بشكل دقيق ضرورية للحياة، فإنها تبقى غير كافية. لذا، قد نسأل، إلام تدعوالحاجة بعد؟ وكيف نفسر ما هو الأصل الفعلي للحياة؟

لعلنا في معظمنا كنا قد تعلمنا في المدرسة كيف أن الحياة كانت قد بدأت في الأصل داخل ما نعرف باسم “الحساء الإساسي”، وذلك نتيجة تفاعلات كيمائية حصلت من طريق الصدفة. ففي وقت سابق يعود إلى زمن الخمسينيات من القرن العشرين، تمكن ستانلي ميلر Stanley Miller من الحصول على بعض الأحماض الأمينية بإرساله صدمات كهربائية داخل غاز الميثاين. صحيح أذ الأحماض الأمينية ليست حية، غير أن البروتينات تتكون من أحماض أمينية، مع العلم أذ هذه البروتينات موجودة داخل الكائنات الحية. هذه النتيجة أحيت الآمال بأن يكون بالمستطاع، بشكل من الأشكال، تفسير ما هو أصل الحياة.

بحسب الظاهر، إن هذا السيناريو لأصل الحياة، بدا غير محتمل حصوله في المطلق. وبحسب تقدير الثنائي فرد هويل Fred Hoyle وشاندرا وكراما سينغي Chandra Wickramasinghe، فإن حظوظ حصول معا، من طريق الصدفة، عشرة من أصل العشرين من الأحماض الأمينية (مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه المرحلة لا تعرف أي شكل من أشكال الانتقاء الطبيعي. وبالتالي يغيب عنها أي تطور كيميائي) من أجل تكوين أنزيمة واحدة. هي بنسبة 1 من 10. ونظرا لحجم محيطات الأرض ولتوافر بلايين السنين، ظناً أنه بالإمكان مواجهة أمر كهذا بعيد الاحتمال. لكنهما أشارا إلى وجود ألفي أنزيمة مختلفة مصنوعة من الأحماض الأمينية، على أن تتكون جميعها من طريق الصدفة. أما حظوظ حصول ذلك هو بنسبة نحو واحد من 10 40000 وهي نسبة “صغيرة جدا بشكل خيالي”. ما يحول دون حدوثها، “حتى ولو كان الكون بأسره قوامه الحساء العضوي.” 26 ولا يشكل هذا سوى البداية إذ يبقى أن تنشأ جزيئة “الدي إن أي” DNA من البروتينات إلى جانب الوحدات الوظيفية الأخرى المعقدة داخل الخلية. هذه المسائل، هي على درجة من التعقيد. تحول دون إمكانية تحديدها بأرقام.

إذا، نجد كيف أن سيناريو الحساء الأساسي، لم يحظ منذ البداية بالدعم اللازم. وبالنسبة إلى الشخص العادي، ما يفوته إدراكه أن السيناريوهات القديمة هذه عن “أصل الحياة”، قد تلاشت اليوم وتم التخلي عنها. وهذه النقطة. جرى توثيقها بشكل رائع ضمن الكتاب “لغز أصل الحياة” 27. The Mystery of Life’s Origin يشير مؤلفو الكتاب إلى عدم وجود على الأرجح، أي شيء من صنف الحساء الأساسي. ذلك لأن عمليات التخريب والتخفيف، كان من شأنها الحؤول دون حصول تلك العمليات الكيميائية المفترض فيها أن تكون قد أدت إلى نشوء الحياة. إلى ذلك، كان الظن في البداية أن بلايين السنوات كانت متاحة لكي تبدأ الحياة من طريق الصدفة. لكن عندنا الآن متحجرات لأصناف من الحياة كانت موجودة في زمن باكر جداً يرجع إلى ٣.٨ بليون سنة قبلا هذا يعنى أن “نافذة الفرصة” حيث كان يترقب على الحياة أن تبدأ من قبيل الصدفة، راحت توصد تدريجيا، ولم تعد تتعدى اليوم سوى نحو 25 مليون سنة، مع العلم أن هذه الفترة الزمنية هي أقصر من أن تصلح كمسرح لسناريوهات الصدفة. إلى ذلك، فإذ السيناريوهات الكيميائية المختصة باصل الحياة، تفرض أن يكون الغلاف الجوي للأرض في البداية، خاليا تقرييا من غاز الأكسجين؛ إلا أنه تتوافر أدلة توحي بأن الغلاف الجوي في البدء كان غنياً بالأكسجين. كذلك، لم يكن هناك سبيل للاحتفاظ بأي من نتاج التطور الكيميائي لصالح العملية الثانية المفترضة على صعيد التطور. فالعمليات التي كونتها. تعمل هي نفسها على تخريبها. كما أن الديناميكا الحرارية تعرض مشكلة يستحيل حلها، بالنسبة إلى سيناريوهات كهذه، لأنه ما من سبيل لاستخراج هذه الطاقة الخام من الطبيعة، من البرق مثلا أو من الشمس، لجعلها تدفع عملية التطورالكيميائي قُدما.

لأجل هذه الأسباب وغيرها، كل الدراسات المعنية بأصل الحياة، هي واقعة في مأزق. فكل النظريات القديمة سقطت وتلاشت. وذلك في غياب أية نظرية جديدة تدور في الأفق. يبدو أنه من غير المستطاع تفسير أصل الحياة على الأرض. ففي نظر فرانسس كريك Francis Crick إن أصل الحياة على الأرض، “يوشك أن يكون معجزة”28 هذه المعضلات دفعت بعض العلماء إلى الظن أن الحياة قد لا تكون قد بدأت على الأرض. لكنها نُقلت إليها في الأصل بواسحله نيازك وشهب صادرة عن كوكب آخر. لكن هذا الفكر هو بمثابة قفزه ترتكز على الإيمان البحت. ولا يساهم كثيرا في إيجاد حل للمشكلة، إذ تُرى كيف بدأت الحياة في مكان آخر؟ هذا الذمط من التفكير لا يجيب عن السؤال، بل حتى يجعل من المُحال إمكانية الإجابة عنه.

أحيانا يدعي بعضهم أن الحياة لابد لها أن تبدأ من قبيل الصدفة، في مكان ما من الكون (أو ربما الأكوان) الفسيح الذي لا حدود له، وذلك بمعزل عن طابع عدم الاحتمال الذي يلف ظهور الحياة. وفي الواقع، إن كان الكون غير محدود ولامتناهي، فالحياة في هذه الحال سوف توجد من قبيل الصدفة، في كل أرجاء الكون مرات عدة وبشكل غير محدود. لكن المشكلة التي تبرز هنا مع هذا النمط من التفكير، هو أنه يضاعف موارد الاحتمالات من دون مسوغ لذلك. وإن كان يحق لنا فعل ذلك. فسيكون بوسعنا التقليل من أهمية أي حدث غير محتمل. حتى يغدو التصرف العقلانى شيئا من المحال. ومهما بدا الأمر غير محتمل حدوثه، سيكون بوسعناً الحد من أهميته من خلال الزعم بأن حصوله ممكن في مكان ما من العالم الفسيح والمترامي الأطراف. لكن، هل بوسعك تخيل أن يدور الحوار التالي عند طاولة للعبة الهوكر داخل إحدى قاعات تكساس الغربية؟

“تكس Tex، أنت رجن وغد، مخاتل ومنافق! كل مرة فيها توزع أوراق اللعب، تحصل على أربع أوراق من فئة الآص (واحد)!”

“حسنا يا سليم Slim، أنا أعرف أن الأمر يبدو مريبا جدا، عندما أحصل على أوراق من فئة الآص لدى توزيعي الأوراق لكن عليك أن تفهم أن هنا في هذا الكون اللامتناهي، يوجد عدد لامتناه من ألعاب الهوكر الشبيهة بهذه والحاصلة في مكان ما. فالحظوظ كبيرة أن أتمكن في بعض منها من الحصول على أربع أوراق من فنة الآص، في كل مرة أوزع الورق. لذا، إطرح مسدسك جانبا ولازم الصمت وأكمل اللعب بالورق!”

والآن، إن كنت مكان سليم العجوز، هل ستتصرف بجهل وحماقة إذ تجلس وتواصل لعب اليوكر مع صديقك؟ بناء على هذا النمط من التحليل، ويا للعجب. لم يكن بإمكاننا قط إعطاء أي دليل على لامحدودية الكون ذلك لأن أي دليل على لامحدودية الكون يبقى بالإمكان التقليل من أهميته على اعتبار حصول ذلك من قبيل الصدفة داخل عالم فسيح بما فيه الكفاية (مع أنه لا يزال محدودا)، حتى يظهر الدليل من قبيل الصدفة فقط! إذا، الاعتراض ينقض ذاته بذاته في نهاية المطاف، ولا يمكن تثبيته منطقياً.

والآن، لا يفصح الكتاب المقنس عن الطريقة التي بها وُجدت الحياة. فهو يكتفي بالتصريح: “وقال الله لتنبت الأرض عشبا وبقلا يبزر بزرا وشجرا… لتفض المياه زحافات ذات نفس حية” (تكوين ١: ١١، ٢٠). فالكتاب المقدس ليس بكتاب علوم. وهو لا يخبرنا عن الوسائل، في حال وجودها، التي كان قد اعتمدها الله في معرض خلقه الحياة. إلا أن الدليل العلمي يتلاءم بكل تأكيد مع أصل وجود الحياة، والذي يُعد معجزة بحسب تعبير فرانسس كريك، أي حدثا خارقا للطبيعة، عمله الله. إذا، لا يوجد أي تناقض حول هذه المسألة بين الكتاب المقدس والعلم. بل في الواقع، إن صح التعبير. يبدو الدليل العلمي أوضح من الكتاب المقدس، في تصريحه بأن أصل الحياة، جاء نتيجة عمل معجزي أقدم عليه الله الخالق.

كم استغرقت أيام الخلق بحسب سفر التكوين؟

لنتوقف قليلا قبل استئناف بحثنا. عندنا منذ البداية عدم احتمال أن تكون الظروف الأولية التي سادت الكون مرتبة ومنظمة بشكل يسمح بأي وجود على الإطلاق للحياة في الكون. وفوق هذا. يجب إضافة عدم احتمال أن يكون الأصل الفعلي للحياة قد حصل على الأرض في بادئ عهدها. لكن حتى ولو صحت هاتان الحالتان، لا يوجد ما يضمن تطور الحياة إلى كائنات معقدة. لذا وفوق كل عدم الاحتمالات التي بحثناها قبلاً، علينا الان إضافة عدم احتمال أن يكون التعقيد البيولوجي قد حصل من طريق النشوء والارتقاء.

هذه المسألة، تختلف حولها آراء المسيحيين أنفسهم. فبعض المسيحيين يعتبرون أن سفر التكوين يصف بشكل حرفي، أسبوع خلق يتألف من ستة أيام. لكن يبدو لي أن سفر التكوين نفسه لا يخلو من بعض المؤشرات إلى إن أسبوعا من الخلق ليس ما هومقصود هنا. مثلآ، فاليوم السابع لايشكل بوضوح فترة زمنية قوامها أربع وعشرون ساعة، إنما يشير إلى سبت الراحة الألهية من الخلق، والمستمرة حتى يومنا هذا. نحن نعيش فى اليوم السابع. أما بشأن اليوم الثالث فنقرأ: “لتنبت الأرض عشبا وبقلا يبرز بزراً، وشجراً ذا ثمر يعمل ثمراً كجنسه، بزره فيه على الأرض وكان كذلك. فأخرجت الأرض عشباً وبقلا يبزر بزراً كجنسه، وشجراً يعمل ثمراً بزره فيه كجنسه. ورأى الله ذلك أنه حسن. وكان مساء وكان صباح يوماً ثالثا” (تكوين 1: 11-13). والآن نحن كلنا نعرف كم من الوقت تحتاج إليه أشجار التفاح مثلاً لكي تنمو وتزهر ومن ثم تثمر. وما لم نتخيل حصول هذا في إطار أسلوب التصوير الفوتوغرافي الذي يختصرالفترات بين الحدث والآخر، كما هي الحال في فيلم والت ديزني Walt Disney “الصحراء الحية” The Living Desert حيث المزروعات من الأرض لكي تنضج فوراً وتبدأ تزهر ثم تثمر. ففي هذه الحال. كان حصول ذلك قد استغرق أكثر من أربع وعشرين ساعة. وأنا أجد من الصعب الاعتقاد بأن كاتب التكوين أراد لقرائه تخيل تعاقب نشوء الأمور فجأة وبشكل متسارع كما يحصل لدى الإسراع في تقديم الفيلم إلى الأمام. ولنلاحظ كيف أنى ابني حجتي حول هذا الأمر من النص نفسه، وليس على أساس ما يصرح به العلم.

تاريخياً، لم يُقدم معظم اليهود والمسيحيين على تفسير الفصل الأول من التكوين على اعتبار أنه يشيرإلى فترات زمنية، كل واحدة منها قوامها أربع وعشرون ساعة. هذا ما يشيرأليه البروفسور اليهودي ناثان أفيازرNathan Aviezer ضمن كتابه الحديث العهد تحت عنوان “في البدء” In The Beginning 29 يستعين أفيازر بالعديد من الرابيين القدامى النين كاذوا قد انكبوا على دراسة التوراة والتلمود. وذلك لدعم فكرته. كذلك، باستطاعة أحدنا اقتباس بعض آباء الكنيسة الأولين من أمثال إيرينايوس، وأوريجانوس، وباسيليوس، وأغسطينوس. لبرهان الأمر عينه. أنا لست أنكر شرعية تفسير الفصل الأول من التكوين بشكل حرفي، لكن من غير الممكن الادعاء بأنه يمثل التفسير الأوحد الذي يسمح به النص، كما أنه لا يمثل المفهوم التاريخي له عند معظم اليهود والمسيحيين.

لكن، إن صح ذلك، لا يعود سفر التكوين يخبرنا تقريبا أي شيء عن الطريقة التي بها عمل الله النباتات والحيوانات. تُرى، هل خلقها من العدم؟ أم هل خلقها انطلاقاً من أشكال من الحياة كانت موجودة قبلا؟ وهل اعتمد نظام النشوء والارتقاء لصنعها بشكل تدريجي؟ هذه أسئلة علمية، لا يتناولها الكتاب المقدس. فالفكرة الرئيسة وراء رواية الخلق، هو إعلامنا أن الله هو خالق كل شيء في العالم فالشمس والقمر كما الحيوانات والنباتات ليست بآلهة، لكنها مجرد مخلوقات صنعها الله أما طريقة قيامه بذلك، فيبدو أنها تُركت مفتوحة.

هذا يعني ان المسيحي لديه الحرية للاتباع إلى حيث يقوده البرهان. ومن هذا القبيل فإن حالته بكل تأكيد تبدو أفضل من حالة عالم الطبيعيات. ذلك لأنه إن كان الله غير موجود، فالنشوء والارتقاء، يبقى الاحتمال الوحيد. عندئذ، من الضروري أن يصح النشوء والارتقاء، وذلك بمعزل عن مقدار عدم احتمال حصول هذا الأمر أو ذاك، أو عما تبينه الأدلة، وذلك في غياب أي شيء آخر خارج الطبيعة من شأنه إحداث تعقيد بيولوجي. إذا، ما يخلص إليه عالم الطبيعيات هو مقرر مسبقاً في ضوء فلسفته التي يدين بها، لا على أساس ما تشير إليه البراهين والأدلة.

كتاب فيليب جونسون Phillip Johnson “داروين أمام المحكمة” Darwin On Trial والذي ساعد على إطلاق حركة التصميم الذكي 30 Intelligent Design movement، يُظهر بوضوح الفكرة الرئيسية والتي مفادها أن الداروينية المستحدثة، ليست شيئا بالإمكان استخلاصه من البرهان، لكنها تُبنى وتتأسس على التزام فلسفي بعلم الطبيعيات. جونسون يسره التسليم بأن الداروينية تبقى أفضل نظرية مبنية على التيار الطبيعي لتفسير ظاهرة التعقيد البيولوجي. لكن، وبما أن جونسون ليس بعالم طبيعيات، فإنه يكتفي بالقول: “إذا ماذا؟ ما أبغي معرفته ليس ما هي أفضل نظرية مبنية على التيار الطبيعي، بل بالحري. أية نظرية هي صحيحة.” حجة جونسون هنا، هي أنه ما إن تُسقط من حساباتك فرضية أن كل ما في هذه الحياة مبني على قوانين طبيعية وليست روحية، حتى ينتفي بذلك كل دليل قاطع على كون الداروينية المستحدثة هي صحيحة.

ما يدعمه الدليل هو التطور الخفي Microevolution. أي إحداث التغييرات ضمن حدود. فحتى أكثر المحافظين بين الأصوليين يُجمعون على ذلك، بما أن كل الأعراق البشرية، في اعتقادهم. كانت قد تحدرت من زوجين وحيدين من السلاسة البشرية، هما ادم وحواء. من هنا فإن التغيير الحاصل ضمن أنواع معينة. ليس قط بالأمر المستهجن. نظرية الداروينية المستحدثة. تشغل قفزة عظيمة أو توسعاً من مفهوم التطور الخفي المقبول عند الجميع إلى التطور الكبير Macroevolution. لكن حفل العلوم، يشهد على أمثلة كثيرة حيث أخفق هذا الصنف من التوسع في المفاهيم. مثلأ، حاول اينستاين Einstein الانتقال من مبدئه الناجح الخاص بالنسبية إلى مبدإ عام للنسبية. لكنه بدا عاجزاً عن فعل ذلك. فالنظرية العامة المتعلقة بالنسبية، تعتمد اسما مغلوطاً، بما أنها في الواقع نظرية تتعلق بالجاذبية. ولا تنجح في جعل كل أشكال الحركة نسبية. كما كان يأمل اينشتاين. ومن هذا المنطلق عينه، يجدر بنا أن نسأل لماذا الظن بأن الانتقال من التطور الخفي والتوسع منه إلى التطور الكبير، هو أمر مشروع؟ عندما نُسقط التزامنا المنهجي بكل ما هو طبيعي، لماذا نعود ونفكر في كون الداروينية المستحدثة هي صحيحة؟

هل نظرية الداروينية الحديثة صحيحة؟

التساؤل حول مدى صحة نظرية الداروينية المستحدثة، يطرح مسألة هي أعمق مما يظن معظم الناس. إذ جزءا من المعضلة يكمن في الغموض الذي يكتنف العبارة النشوء والارتقاء إو التطور. والتي يُنظر إليها أحيانا على أنها “تغيير في الوقت”، الأمر الذي لا يختلف عليه أحد. من هنا ضرورة تخطي حدود اللفظة نفسها من أجل النظر إلى ما تنطوي عليه هذه النظرية فعلياً. ثمة معتقدان رثيسان تُبنى عليهما نظرية الداروينية المستحدثة حول التطور البيولوجي: أولآ، ما بوسعنا تسميته عقيدة سلسلة النسب المشتركة، وثانيا، عمليات التحولات الجينية والانتقاء الطبيعي.

بحسب سلسلة النسب المشتركة، فإن الحياة على أشكالها كانت قد تطورت من سلف أساسي واحد. ما يؤيد هذه العقيدة كون الكائنات الحية، في معظمها. تتشارك في الشيفرة الجينية عينها أو”(الدي إن أي)” DNA. وهكذا بإمكان أحدنا القول ببساطة، إن الله كان قد اعتمد خطة التصميم الأساسية عينها في معرض صنعه للأنواع المختلفة من الكائنات المتفرقة. لكن قد يبدو معقولأ أكثر أن هذا التشابه الجيني لكل الكاننات الحية، مرده إلى كونها مرتبحلة بعضها ببعض، حيث تتشارك جميعها واحداً.

بالمقابل، يأتي الدليل المبني على المتحجرات لينقض بوضوح عقيدة السلف المشترك هذه. فعندما اقترح داروين ذظريته، برزت من جملة ثغراتها الرئيسة غياب أية كاننات تقف في الوسط ما بين الكائنات، لكونها أشكالا انتقالية. رد داروين على هذا بالقول إن هذه الحيوانات الإنتقالية كانت موجودة في الماضي، ولابد من اكتشافها في نهاية المطاف. لكن عندما أقدم علماء البليونتولوجيا على التنقيب عما خلفته وراءها الكائنات الحية تحت شكل متحجرات. لم يعثروا على أى من هذه الأشكال الإنتقالية، وكل ما اكتشفوه كان المزيد من الحيوانات والنباتات الميتة والمنفصلة بعضها عن بعض. بكل تأكيد، كان هناك بعض الأشكال الانتقالية. على ما يُظن. من صنف الأركيويتريكس Archaeopteryx. هذا الطائر الحاوي على بعض خصائص الزواحف. لكن، لو صحت نظرية الداروينية المستحدثة، لما وُجد عدد قليل ونادر من الحلقات المفقودة، بل بالحري، كما يؤكد على ذلك مايكل دانتن Michael Denton، لابد في هذه الحال من وجود ملايين الأشكال الانتقالية ضمن سجل المتحجرات.٣١ تفكر مثلا في كل الأشكال الانتقالية التي ينبغي توافرها حتى يتسنى لكل من الوطواط والحوت أن يتطورا من سلف مشترك! وهذه المشكلة لم يعد بالإمكان تجاهلها بالزعم أننا لم نعمق كما يجب في حفرياتنا. إنما هذه الاشكال الانتقالية، لم يتم العثور عليها، لأنها غيرموجودة. إذا الدليل المختص بعقيدة السلف المشترك، يشكل خليطا. فالدليل المبني على “الدي إن أي” DNA يسندها من جهة، إلا آن الدليل المستوحى من المتحجرات، يعمل ضدها.

والآن، ماذا عن آليات التحولات الجينية والانتقاء الطبيعي المفترض فيها. أن تكون هي العامل المحرك لعملية النشوء والارتقاء؟ بحسب النظرية، يحصل التطور لأن التحولات العشوائية تنتج خصائص جديدة داخل الكائنات الحية. وتلك التي تظهر مفيدة للبقاء والاستمرار على قيد الحياة، هي التي يحتفظ بها، كما أنها هي التي تتوالد.

أنا لست على علم على الإطلاق باى دليل على كون هذه الآليات قادرة على إنتاج ذلك الصنف من التعقيد البيولوجي الذي نشهده في العالم اليوم، وذلك انطلاقا من كائن يتألف في الأصل من خلية واحدة. بل في الواقع، تعمل الأدلة ضذ هذا الأمر، ذلك لأن هذه العمليات تجري وتحصل بشكل بطيء أكثر من اللزوم. العالمان باروBarrow وتبلرTipler يلحظان في كتابهما ,”المبدأ الكوني الخاص بالإنسان” The Anthropic Cosmological Principle عشر خطوات يجب حصولها في إطار حصول النشوء والإرتقاء على الصعيد البشري: تطورالتنفس الحيوائي Aerobic (أي حاجة الكانن البشري إلى الأكسجين للحياة)، تطور هيكل عظمي داخلي وتطور العين، على سبيل المثال. الاحتمالات بالنسبة إلى كل واحدة منها ضئيلة جدا لدرجة أنه قبل حصولها ستكون الشمس قد كفت عن أن تكون النجمة الرئيسة المتعاقبة. وقد أحرقت الأرض! 32 ثم خلصا إلى القول: “لقد تولد إجماع عام لدى معشر النشوئيين، ومفاده أن احتمالات حصول الحياة الذكية ضئيلة جدا، ما يجعل من المستبعد حدوث ذلك على متن أي كوكب آخر على صعيد كل الكون المذظور.”٣٣ وان صح ذلك، فلماذا الظن بأن الحياة الذكية كانت قد تطورت، من قبيل الصدفة، على هذا الكوكب؟

ثمة معضلة ثانية ترافق التحول الجيني والانتقاء الطبيعي. وتُختصر في عجزها عن تفسير أصل الأنظمة المعقدة التي لا تقبل أي تبسيط. وهذا يشكل الفكرة الرئيسة لكتاب مايكل بيهي Michael Behe “الصندوق الأسود لداروين”Darwin’s Black Box34 بيهي المتخصص في علم الجراثيم من جامعة لوهاي Lehigh، يشير إلى بعض الأنظمة داخل الخلية، من صنف آليات تخثير الدم أوالأشكال الآشبه بالشعرة والمعروفة بالأهداب، وهي كناية عن آلات مجهرية معقدة فوق كل تصور، ويلزمها لكي تعمل، أن تكون جميع أجزائها حاضرة وجاهزة للعمل. لذا، لا يمكنها أن تتطور جزئيا وتد ريجياً. بيهي، وبعد مراجعته للالاف من المقالات العلمية المتعلقة بهذه الأنظمة. اكتشف كيف أن لا شيء تقرييا كتب عن الطريقة التي بها كان بإمكان هذه الأنظمة المعقدة وغير القابلة للتبسيط، أن تتطور بفعل التحولات العشوائية والانتقاء الطبيعي. 35 لا يوجد عندنا أي إدراك علمي على الإطلاق للطريقة التي بها كانت قد بدأت أنظمة كهذه، بل بالنسبة إليها، لا تملك الداروينية في المطلق أية قدرة على تفسير وجود هذه الظاهرة.

لاختصار ما سبق. وفي غياب أي التزام منهجي بالنزعة إلى تفسير الأمور من زاوية طبيعية بحتة. يبدو أنه لا يوجد أي دليل قاطع على صحة نظرية الداروينية المستحدثة. بل على نقيض ذلك، إذ تتوافر أدلة دامغة ومقنعة على أن رواية الداروينية المستحدثة لا يمكنها أن تختصر القصة بأكملها. ومن جديد، لا يخبرنا الكتاب المقدس عن الطريقة التي بها خلق الله الكائنات المعقدة بيولوجيا، تماماً كسهوه عن ذكر أي شيء يتعلق بطريقة خلقه الحياة، (الرواية الخاصة بخلق الرجل والمرأة في الفصل الثاني من التكوين، يبدو عليها بوضوح أنها تحمل طابعاً رمزياً، ذلك لأن الله الذي يفتقر إلى أي من الرئتين أو الفم، لم ينفخ حرفيا في أنف آدم)- كان بوسعه أن يخلق x نيهيلو (من العدم)، أو كان بإمكانه اعتماد كائنات حية من مراحل أدنى بمثابة المواد الخام لخلق الأشكال الأعلى من طريق إحداث تغيرات نظامية، غير محتمل حدوثها بالكامل على صعيد رواية لا تدين إلا بالتفسير الطبيعي البحت فقط. اما المسيحي فهومنفتح على اتباع الدليل إلى حيثما قاده. لكن، ما يشيرإليه الدليل، على ما يبدو، هوأن ظاهرة التعقيد البيولوجي، إنما تفترض وجود ذكاء مصمم كالذي يصفه الكتاب المقدس.

الخلاصة

 

ما يظهر أعلاه. لا يشغل سوى عينة غير كافية عن العمل المثير والمشوق الجاري اليوم ضمن الحوار الدانر بين العلم والدين. يبقى هناك الشيء الكثير لنقوله حول مسائل من صنف مثلاً نظرية الكم ونظرية النسبية، والانتروبولوجيا (علم الإنسان)، والجهاز العصبي. الأسئلة الصعبة باقية، إلا أذ هذا يجب ألا يحمل المعسيحي المعاصر الذي يؤمن بالإنجيل على التخوف من العلم كعدو للإيمان المسيحي. لكن يجدر به أن يعتنق العلم كحليف له في فهم الحق المختص بالعالم الذي خلقه الله، وكمصدر غني في معرض الدفاع عن الإيمان المسيحي.

أسئلة للتأمل والمناقشة:

  1. كيف ترد على من يدعي عدم إمكانية وجود أي خلاف أو نزاع ما بين الدين والعلم، وذلك لأن العلم يجيب عن الأسئلة المصدرة بكلمة “ماذا؟” فيما يخاطب الدين الأسئلة المصدرة بكلمة “كيف؟”؟
  2. إذا سألك أحدهم: “أي دليل علمي لديك عن الله؟” بماذا تجيبه؟
  3. 3. على إفتراض أن أحد تلامذة المدرسة، ربما إبنتك أو إبنك، جاء ينقل إليك ظنه، بأن الله يدعوه إلى التخصص في أحد مجالات العلم. كيف ستكون عليه ردة فعلك؟ وبماذا ستنصحه؟
  4.  
  1. Andrew Dickson White, A History of the Warfare of Science with Theology in Christendom, 2vols. reprint ed. (New York: Dover, 1960).
  2. Charles B. Thaxton and Nancy R. Pearcey, The Soul of Science (Wheaton, lll.: Crossway, 1994).
  3. Loren Eiseley, “Francis Bacon,” in the Horizon Book of Makers of Modern Thought (New York: American Heritage, 1972), 95-96.
  4. Loren Eiseley, Darwin’s Century (Garden City, N.Y.: Doubleday, 1961), 62.
  5. Freeman J. Dyson, “ls God in the Lab?” The New York Review of Books, 28 May 1998, 8.
  6. C. P. Snow, “The Two Cultures,” in the Two Cultures and a Second Look (Cambridge: Cambridge University Press, 1969).
  7. Victor Weisskopf, “Frontiers and Limits of Science,” Alexander von Humboldt Stiftung: Mitteilungen 43 (March 1984): 1-11; cf. a similar paper by the same author in American Scientist 65 (1977):405.
  8. John Barrow and Frank Tipler, the Anthropic Cosmological Principle (Oxford: Clarendon, 1986), 442.
  9. Quentin Smith, “The Uncaused Beginning of the Universe,” in William Lane Craig and Quentin Smith, Theism, Atheism, and Big Bang Cosmology (Oxford: Clarendon, 1993), 120.
  10. Arthur Eddington, the Expanding Universe (New York: Macmillan, 1933), 124.
  11. Eddington, the Expanding Universe, 178.
  12. For discussion see my “Naturalism and Cosmology,” in Naturalism: A Critical Appraisal, ed. Wm. L. Craig and J,P. Moreland, Routledge Studies in Twentieth-Century Philosophy (London: Routledge, 2000), 215-52.
  13. Stephen Hawking, A Brief History of Time (New York: Bantam, 1988), 140-41.
  14. Arthur Eddington, Space, Time, and Gravitation, reprint. ed. (Cambridge: Cambridge University Press, 1987), 48,
  15. Eddington, Space, Time, and Gravitation, 181.
  16. Stephen Hawking and Roger Penrose, The Nature of Space and Time,The lsaac Newton lnstitute Series of Lectures (Princeton, N.J.: Princeton University Press, 1996), 3-4,121.
  17. See John D. Barrow, Theories of Everything (Oxford: Clarendon, 1991), 67-68.
  18. Hawking and Penrose, The Nature of Space ond Time, 20.
  19. Andrei Linde, who thinks that Steinhardt’s model “is plagued by numerous unsolved problems,” complains that the cyclic/ekpyrotic scenrario is “very popular among journalists” but “rather unpopular among scientists” (“Cyclic Universe Runs into Criticism,” Physics World (June 2002J, 8).
  20. J. M. Wersinger, “Genesis: The Origin of the Universe,” Notional Forum (winter 1996),9,12. Wersinger himself apparently tries to avoid the absolute origin of the universe from nothing by appeal to a vacuum fluctuation, an idea that has been shown untenable, as I explain in the article referred to in note 19.
  21. John Barrow, The World Within the World (Oxford: Clarendon, 1988).
  1. Paul Davies, “God and Time Machines,” Books and Culture (March/ April 2002), 29.
  2. John C. Polkinghorne, Serious Talk: Science and Religion in Dialogue (London: SCM Press, 1996), 6.
  3. I owe this insight to the philosopher of science Robin Collins.
  4. Ludwig Boltzmann Lectures on Gas Theory, Trans, Stephen G. Brush (Berkeley: University of California Press, 1964), and 446-48.
  5. Fred Hoyle and Chandra Wickramasinghe, Evolution from Space (New York: Simon & Schuster, 1981), 24.
  6. Charles B. Thaxton, Walter L. Bradley, and Roger Olsen, the Mystery of Life’s Origin (New York: Philosophical Library, 1984).
  7. Francis Crick, “ln the Beginning…,” Scientific American (February 1991), 125.
  8. Nathan Aviezer ln the Beginning (Hoboken, NJ: KTAV publishing House, 1990).
  9. Phillip E. Johnson, Darwin on Trial (Downer’s Grove, lll.: lnterVarsity Press, 1991). The intelligent Design movement, whose leaders include William Dembski, Stephen Meyer, Paul Nelson, Michael Behe, and Jonathan Wells, emphasizes the need for intelligent agency behind biological complexity, while remaining neutral on issues of interventionism (creationism) and theism (God).
  10. Michael Denton, Evolution: A Theory in Crisis (Bethesda, Md.: Adler & Adler, 1985), chapters 8-9.
  11. Barrow and Tipler, the Anthropic Cosmological Principle, 561-65.
  12. Barrow and Tipler, the Anthropic Cosmological Principle, 133.
  13. Michael Behe, Darwin’s Black Box (New York: Free press, 1996).
  14. For Behe’s response to critics, see Michael Behe, “The Modern lntelligent Design Hypothesis: Breaking Rules,” Philosophia Christi 3, No. 1 (2001), 165-79).

أسئلة صعبة عن العلم | ويلم لين كريج

Exit mobile version