الاعتراضات على ألوهية المسيح والرد عليها
الاعتراضات على ألوهية المسيح والرد عليها
يقدم بعض الناس اليوم عدداً من الاعتراضات الشائعة حول مسألة لاهوت المسيح، او بالأحرى يواجهون صعوبات عقلية في فهمها، لذلك دعونا نناقش باختصار في هذا الفصل بعضا من هذه الاعتراضات أو الصعوبات، خاصة تلك التي تصدر عن أشخاص مطلعين على تصريحات ومصطلحات كتابية.
“أبي أعظم مني”
قال يسوع: ” أبي أعظم مني” (يوحنا 14: 28) قد يقول بعضهم: “لابد أن ذلك يثبت أن مكانة يسوع هي – نوعاً ما – أقل من مكانة الله.” وهذه هي إحدى الصعوبات التي تُثار.
صحيح أن يسوع، في دوره كعبد أثناء وجوده على الأرض، أخذ منزلة أقل من الله، غير أن هذه المنزلة لا تنفي طبيعته الإلهية: ففي ذلك الأصحاح نفسه قال يسوع لفيلبس: “الذي رآني فقد رأى الآب. فكيف تقول أرنا الآب؟” (يوحنا 14: 8، 9).
يوضح هذا التصريح أن يسوع والآب واجد في الطبيعة، وأن رؤيتنا لواحد منهما تعني رؤيتنا للآخر قارن (يوحنا 12: 44، 45). لهذا كان قول يسوع إن الآب أعظم منه يشير إلى مركزه المؤقت لا إلى كينونته ووجوده.
وفيما يلي نستشهد بما قاله “آثر و. بينك” في شرحه لإنجيل يوحنا: ” “أبي أعظم مني”. هذا هو العدد المفضل لدى من يرفضون الإيمان بالثالوث الأقدس، وينكرون لاهوت المسيح المطلق ومساواته الكاملة للآب. عندما قال المخلص ذلك كان قد أخبر التلاميذ لتوه بأنه عليهم أن يفرحوا لأنه ذاهب إلى الآب، ثم شرح سبب قوله مصرحا بقوله “لأن أبي أعظم مني”.
لنضغ هذا الأمر نصب أعيننا بشكل واضح، وستختفي كل صعوبة، فكون الآب أعظم من المسيح هو السبب المحدد الوقتي الذي يوجب على التلاميذ أن يفرحوا لأن سيدهم ذاهب إلى الآب. هذا هو الذي يحدد فورا معنى كلمة “أعظم” المختلف عليها، ويظهر لنا السياق والمعنى الذي استخدمت فيه. لم تكن المقارنة التي أجراها بين الآب وبينه تتعلق بالطبيعة، وإنما بالصفة الرسمية والمركز الرسمي.
لم يتحدث المسيح عن نفسه في كينونته الجوهرية، فالذي لم يتشبث بمساواته لله “لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله” أخذ شكل عبد، وليس هذا فحسب بل صار في شبه الناس. لقد كان المسيح من هاتين الناحيتين، ناحية وضعه الرسمىي كوسيط وناحية اتخاذه للطبيعة البشرية، أقل منزلة من الآب. يقدم لنا الرب يسوع في حديثه هذا وفي الصلاة التي تلته في الأصحاح السابع عشر على انه عبد الآب الذي تلقى منه مأمورية، وعليه أن يُقدم له حساباً عنها، لأنه عمل من أجل مجده وتكلم تحت سلطانه.
لكن هناك ناحية أخرى ذات صلة أكثر بالموضوع. فعندما تجسد الابن وحل بين الناس، وضع نفسه بشكل كبير، وذلك باختياره النزول إلى العار والآلام في أشد أشكالها. لقد أصبح الآن ابن الإنسان الذي ليس له مكان يسند فيه رأسه. فالذي كان غنيا افتقر لأجلنا، صار رجل الأوجاع والأحزان ومختبرا الأسى. على ضوء هذا، أجرى المسيح مقارنة بين وضعه ووضع الآب في السماء.
فقد كان الآب جالسا على عرش الجلالة الفائق السمو، لم يخسف بريق مجده، كان محاطا بالجند المقدسين الذين يقدمون له العبادة والتسبيح باستمرار. اما الأمر بالنسبة للابن المتجسد، فكان الوضع مختلفا جدا – إذ كان محتقرا ومرفوضا من الناس، محاطا بأعداء حقودين قساة القلوب، منتظرا أن يُسمر قريبا على صليب المجرمين. بهذا المعنى أيضا. كان الابن أقل من الآب، وبذهابه إلى الآب سيتحسن وضعه إلى درجة هائلة، ويكون ذلك كسبا او ربحا لا يمكن التعبير عنه.
لقد كانت المقارنة إذا بين وضعه الحالي المتسم بالتواضع وحالته الممجدة القادمة لدى الآب. ولهذا كان يجب على الذين يحبونه أن يتهللوا للخبر السار عن ذهابه إلى الآب، لأن الآب أعظم منه، أعظم من حيث وضعه الرسمي ومن حيث الظروف المحيطة. فقد كان المسيح يتحدث عن وجوده في وضعية العبد مقارنة بالعظمة التي للآب الذي أرسله.”
الله الآب هو “رأس” المسيح
نجد أن نفس علاقة “أعظم وأقل” موضحة في 1كورنثوس 11: 3 “ولكن أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح، واما رأس المرأة فهو الرجل، ورأس المسيح هو الله”. نجد في هذا العدد ثلاث مقارنات: الرجل مع المسيح، والرجل مع المرأة، والمسيح مع الله. والمقارنة الثالثة بين المسيح والله هي موضوع المناقشة هنا.
قد يقول قائل: “رأس المسيح هو الله! ألا يبدو أن ذلك يتحدث عن تفوق؟” علينا أن نلاحظ أن المقارنة تتعلق بأنماط سلطة لا عن نقص أو تفوق؛ بمعنى أن المسيح قد اختار الخضوع لقيادة الآب أثناء وجوده على الأرض حتى يستطيع أن يتوحد مع الجنس البشري.
خضوع يسوع للآب
هناك عدد آخر يظهر علاقة المسيح مع الآب. وهو أيضا يثير اسئلة. “ومتى أخضع له (يسوع) الكل، فحينئذ الابن نفسه أيضا سيخضع للذي أُخضع له الكل، كي يكون الله الكل في الكل” (1كورنثوس 15: 28). فعل “أخضع” هنا لا يعني عدم المساواة بين الأقانيم وإنما فرقاً في الأدوار. فالخضوع لا يشير إلا إلى الوظيفة، ولا تعنى الطاعة مستوى أدنى.
دعونا نفكر في الأمر جيداً. حتى يكفر الله عن خطايا الإنسان، كان لابد لأحد ما أن يُخضع نفسه للموت. لكن لا يمكن أن يقوم بذلك إلا من كانت له قدرة غير محدودة على التكفير عن الخطية، أي شخص كامل. كان لابد أن تتوفر لديه قدرة غير محدودة على التكفير، لأنه سيبذل دمه عن كل البشر. كذلك كان لابد أيضا أن يتصف بالكمال لأن الله لا يقبل إلا الذبائح غير المعيبة. ومن يستطيع أن يقوم بذلك؟ الله وحده. وهكذا فقد سفك الله الابن دمه من أجلنا (أعمال 20: 28). والطاعة هنا هي الكلمة المحورية.
“فإذا كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة، هكذا ببر واحد صارت الهبة إلى جميع الناس، لتبرير الحياة. لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة، هكذا أيضا بإطاعة الواحد سيجعل الكثيرون أبراراً” (رومية 5: 18، 19).
كان لابد للمسيح بوصفه إنساناً كاملاً أن يكون مطيعاً لله ويحقق خطة الله لفداء البشرية. لذلك خضع طوعاً – بمقتضى تلك الخطة – لله الآب حتى ينقذ البشرية من انفصال أبدى عن الله.
يسوع مولود
يقول بعضهم إن تعبير “ابنه الوحيد”، وهو أصلا ابنه المولود الوحيد، الوارد في يوحنا 3: 16 أيضاً (1: 14، 18؛ 3: 18) ينفي لاهوت المسيح، لأنه يوحي بأنه مجرد كائن مخلوق كغيره. غير أن تعبير المولود الوحيد لا يعني “المخلوق”؛ فكلمة مولود، كما هي مستخدمة في إنجيل يوحنا، تعني الفريد أو المبارك بشكل خاص أو المفضل. يوضح “سي. إس. لويس” معنى “مولود” إيضاحاً وافياً فيقول:
تقول إحدى العقائد الإيمانية إن يسوع المسيح هو ابن الله وإنه “مولود غير مخلوق” وتضيف مولود من الآب قبل كل الدهور (لعل يقصد قانون الإيمان). وأرجو منكم أن تفهموا فهماً واضحاً أن هذا الأمر لا علاقة له إطلاقاً بحقيقة ولادة المسيح على الأرض كإنسان وكونه ابنا من عذراء. فنحن لا نتحدث هنا عن الميلاد الذراوي. نحن نتحدث عن شيء حدث قبل أن تُخلق الطبيعة نفسها، وقبل بدء الزمان. فالمسيح مولود، غير مخلوق “قبل كل الدهور” فما الذي يعنيه ذلك؟
كلنا نعرف معنى كلمة “يلد” و “مولود”. فكلمة “يلد” أو “ينجب” تعني أن يصبح الكائن أبا لمن يلده، أما كلمة يخلق فتعني يصنع. والفرق هو ما يلي: فعندما تلد أو تنجب، فإنك تلد شيئاً من نفس نوعك. فالإنسان ينجب اطفالاً بشريين، والأرانب تنجب أرانب صغيرة، والطير يضع بيضا يتحول إلى طيور صغيرة. لكنك حينما تصنع، فإنك تصنع شيئا مختلفا في نوعه عن ذاتك.
فالطير يصنع عشا، والقنغدس سدا، والأنسان جهاز تليفزيون – أو ربما يصنع شيئاً أقرب شبهاً بذاته من التليفزيون، ولنقل إن هذا الشىء هو تمثال. فإذا كان نحاتا بارعا، فإنه قد يستطيع أن يصنع تمثالاً قريبا جدا في شبهه من الإنسان. لكنه بطبيعة الحال لن يكون إنسانا حقيقيا، فهو سيبدو فقط مثل الإنسان ولن يستطيع أن يتنفس أو يفكر ولن تكون فيه حياة.
يجب أن يكون هذا واضحاً تماماً في أذهاننا. فما يلده الله هو الله، تماماً كما أن ما يلده الإنسان هو إنسان. وما يخلقه الله ليس الله، تماماً كما أن ما يصنعه الإنسان ليس الإنسان. ولهذا فإن البشر ليسوا أولاد الله بنفس المعنى الذى به المسيح ابن الله. قد يكونون مثل الله من نواح معينة، لكنهم ليسوا أشياء من نفس النوع فهم أقرب إلى أن يكونوا تماثيل أو صوراً لله.
للتمثال شكل الإنسان، لكنه ليس كائناً حياً. وبنفس الطريقة، للإنسان (بمعنى سأشرحه فيما بعد) شبهاً بالله، لكنه لا يملك نفس الحياة التي يملكها الله. لنأخذ الآن النقطة الأولى (شبه الإنسان بالله). أولاً، لكل شىء خلقه الله شبهاً به. فالفضاء يشبه في ضخامته واتساعه – ولا نقصد بذلك أن عظمة الله هي نفس عظمة الفضاء – ولكنها نوع من الرمز لها أو ترجمة لها بتعايير غير روحية.
والمادة تشبه الله في تمتعها بالطاقة، على الرغم من أن الطاقة المادية تختلف بالتأكيد اختلافاً كاملاً عن قوة الله. والعالم النباتي يشبه الله لأنه حي، والله هو “الإله الحي”، لكن الحياة بهذا المعنى البيولوجي، ليست نفس الحياة الموجودة في الله، بل مجرد رمز أو ظل لها. وعندما نأتي إلى الحيوانات، نجد أنواعاً أخرى من الشبه بالإضافة إلى الحياة البيولوجية كما نجد – على سبيل المثال – في النشاط المكثف والتكاثر في الحشرات شبهاً ضعيفاً جداً بنشاط الله وإبداعه الدائمين، كما نجد في الثدييات العليا بدايات المحبة الغريزية.
وهي ليس نفس المحبة الموجودة في الله، لكنها تشبهها بنفس الطريقة التي يمكن لصورة مرسومة على ورقة مسطحة أن تشبه منظراً طبيعياً. وعندما نأتي إلى أسمى الثديفنسانيات، الإنسان، فإننا نكون أمام أكمل شبه نعرفه بالله. (وقد تكون هناك عوالم أخرى أو كائنات أخرى، أكثر شبهاً بالله من الإنسان لكننا لا نعرف عنها). فالإنسان لا يحب فحسب ولكنه يفكر أيضاً، والحياة البيولوجية تصل فيه إلى أعلى مستوى معروف.”
نقرأ في عبرانيين 11: 17 أن إسحق يدعى وحيد إبراهيم (حرفياً ابنه المولود الوحيد) على الرغم من أنه كان لإبراهيم ابنان إسحق وإسماعيل. وهكذا نجد أن كاتب الرسالة إلى العبرانيين يستخدم تعبير “مولود” ليعبر عن معنى “أنه فريد، ومبارك بشكل خاص أو مفضل”. وينطبق نفس الأمر على يوحنا 3: 16 (والفرق الوحيد هو أن لله ابناً واحدا بينما كان لإبراهيم ابنان).
وتعبير “المولود الوحيد” مترجم عن كلمة “مونوجينيس” المكونة من كلمتين: الكلمة الأولى هي مونو وتعني “ذرية، ابن، نوع، جنس، فصيلة”. إنها كلمة مركبة وتعني أنه “نوع فريد” أو “الابن الوحيد من جنسه”.
يسوع كان انساناً
قد يشكل قول الكتاب المقدس الواضح إن يسوع كان انساناً حجر عثرة يمنع البعض من قبول لاهوته. فنحن نقرأ مثلاً: “لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح” (1تيموثاوس 2: 5). كما تتحدث رومية 5: 12-21 عن الخطية التي كفر عنها الإنسان يسوع المسيح (عدد 15).
على الرغم من أن الكتاب المقدس يُعلم فعلاً أن يسوع كان إنساناً، فإنه يُعلم أيضا أنه الله. كان إنساناً، ولد من العذراء مريم، لكنه كان أيضا الله (يوحنا 1: 1؛ 14: 20-28؛ كولوسي 2: 9؛ تيطس 2: 13؛ 2بطرس 1: 1؛ عبرانيين 1: 8). وقد أكد بولس على لاهوت يسوع عندما قال إنه لم يأخذ رسالته من إنسان، وإنما من يسوع المسيح (غلاطية 1: 1). لقد كان يسوع إنساناً، ولكنه كان أيضا “يهوه” و”ابن الله” و”رب الأرباب” و”ملك الملوك” و”الألف والياء” و”الأول والآخر”.
دُعي يسوع بكر الخليقة
تسبب كلمة “بكر” الارتباك لبعض الناس، إذ يعتقدون أنها لابد أن تعنى “المخلوق الأول”. وهذا يعني لهم أن يسوع لم يكن إلا كائناً مخلوقاً، غير أزلي أو أبدي مثل الله. غير أن كلمة “بكر” لا تعني أول مخلوق. فعندما صرح بولس أن المسيح هو “بكر كل الخليقة” (كولوسي 1: 15)، استخدم الكلمة اليونانية “بروتوتوكوس” التي تعني الوريث الأول رتبة، ولو قصد أن يقول “أول مخلوق” لاستخدم الكلمة اليونانية التي تفيد ذلك المعنى وهي “بروتوكتستوس”. والكتاب المقدس لا يقول في أي موضع منه أن الله “خلق” يسوع.
كتب “لويس سبري شيفر” في كتابه لاهوت شخص المسيح: “يشير هذا اللقب الذي يترجم أحياناً “بكر”إلى أن يسوع هو البكر الرئيس في علاقته مع كل الخليقة، لا أول شىء مخلوق، وإنما السابق والمتقدم لكل الأشياء وسببها أو علتها أيضاً (كولوسي 1: 16). لم يكن ممكناً أن يكون أول كائن مخلوق وفي نفس الوقت العامل الذي ظهرت كل الخليقة به إلى الوجود كما تقول كلمة الله. فإذا كان هو العامل في كل الخليقة، لا يمكن أن يكون هو نفسه مخلوقاً.”
يسوع والله واحد في الاتفاق أو القصد
قال يسوع: “أُعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي. أبي الذي اعطاني إياها هو أعظم من الكل، ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. أنا والآب واحد.” (يوحنا 10: 28-30). هل كان يسوع يقول إنه واحد مع الله أو أنه نفس الله، أي إنه يحمل نفس جوهر الله (كما أن الثلج والماء واحد في الطبيعة)؟ أم كان يقول إن وحدته مع الله هي وحدة اتفاق أو انسجام في القصد أو الهدف؟ لا شك أن النص يشير إلى الفرضية الأولى.
أولاً: لقد فهم اليهود الذين كان يسوع يخاطبهم –والذين كانوا ثقافياً في وضع يسمح لهم بتفسير كلماته أفضل من أي شخص يعيش بعد ألفي سنة – أنه يعني أنه الله. “فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه… لأجل تجديف. فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً (حرفياً الله)” (يوحنا 10: 31، 33)
ثانيا: كلمة “واحد” المستخدمة في قوله: “أنا والآب واحد” هي في اليونانية كلمة “هن” التي تدل على الحيادية من ناحية الجنس، ولا تدل على المذكر كما تدل كلمة “هيس”. هذا يشير إلى أن يسوع والآب واحد من حيث الجوهر، فلو استخدم يسوع صيغة المذكر “هيس” لقصد أنهما شخص (أقنوم) واحد، مما كان ينفي التمييز الشخصي بين الآب والابن.
يعكس لنا ما تبقى من الأصحاح العاشر من أنجيل يوحنا رد فعل يسوع على تهمة التجديف. بالنسبة ليهودي متمرس في الشريعة كانت كلمات يسوع تعني شيئاً، أما بالنسبة لأي شخص غير مطلع على الفهم اليهودي للعهد القديم، فقد تكون الفقرة صعبة عسرة الفهم، خاصة فيما يتعلق بقضية لاهوت المسيح. تقول كلمة الله:
“أجابهم يسوع: أليس مكتوبا في ناموسكم أنا قلت إنكم آلهة؟ إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله، ولا يمكن أن يُقض المكتوب، فالذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له: إنك تُجدف، لأني قلت: إني ابن الله؟ إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي، ولكن إن كنت أعمل، فإن لم تؤمنوا بي فأمنوا بالأعمال، لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب في وأنا فيه. فطلبوا أيضا أن يمسكوه فخرج من أيديهم” (يوحنا 10: 34-39).
يرجع قدر كبير من الارتباك إلى استخدام يسوع كلمة آلهة. فهل كان يقصد، “مادام أن هناك أشخاصاً آخرين قد دُعوا آلهة، فما الذي يمنع أن أدعو نفسي ابن الله؟” (وعندما يؤكد بنفسه بشكل غير مباشر أنه إنسان لا إله؟)
نجد عبارة “أنا قلت إنكم آلهة” في مزمور 82: 6، وكلمة آلهة المستخدمة في المزمور هي الكلمة العبرية “إيلوهيم” في العهد القديم لا تعني أن الكتاب المقدس يُعلم بوجود آلهة متعددة، فالكتاب المقدس يستخدم دائماً الصيغة المفردة من الفعل مع كلمة إيلوهيم عند الإشارة إلى الله. (على سبيل المثال قوله: في البدء خلق (صيغة الفعل مفرد) الله (صيغة الجمع: ألوهيم) السنوات والأرض. تكوين 1: 1).
والكتاب المقدس ثابت ومتوافق مع نفسه في تعليمه عقيدة الثالوث الأقدس، إذ نحن نجد في متى 28: 19 “باسم الآب والابن والروح القدس” أن كلمة اسم (وهي تدل على المفرد في اللغة اليونانية) مستخدمة للتعبير عن الآب والابن والروح القدس، الذين يشكلون اسماً واحداً. وتعبير آلهة (إيلوهيم) المستخدم في مزمور 82: 6 يشير إلى القضاه اليهود الذين يفترض فيهم أن يتصرفوا “كالله” مع الشعب، بمعنى أن يكونوا عادلين ومنصفين وما إلى ذلك.
ومن الواضح أنهم لم يكونوا آلهة بالمعنى الحرفي للكلمة. كذلك نجد نفس التعبير مستخدماً في خروج 21: 6؛ 22: 9، 28، ويُلاحظ أن الكلمة العبرية المستخدمة هنا هي إيلوهيم (المترجمة إلى الله في اللغة العربية) مترجمة إلى قضاهJudges في اللغة الإنجليزية.
هذا هو سياق العهد القديم الذي كان يسوع يشير إليه. لماذا؟ كان يسوع على ما يبدو يسألهم: لماذا غضبوا كثيراً لاستخدامه تعبير ابن الله. فقد عرفوا مثل هذا التعبير في الماضي، (أى إن هناك أشخاصاً سبق أن دعوا آلهة في مزمور 82). فالمسألة المطروحة أمامهم كانت كما يلي: “لا تتوقفوا عند استخدام هذا التعبير. انظروا إلي أنا. انظروا إلى أعمالي؟ هل هي من الله؟ فإذا كانت كذلك، صدقوا ما أقوله بما في ذلك الأسماء التي أُطلقها على نفسي.”
من الواضح أن يسوع لم يكن يُنكر ما سبق أن نسبه لنفسه من ألوهية. لكنه قدم لليهود تصريحاً شجاعاً، وتحداهم أن يفحصوا أعماله ليروا إذا كانت تُعطي مصداقية لقوله: “أنا والآب واحد”.
يتدرج الجدل هنا من الأدنى إلى الأعلى. إذا كان الله قد دعا أشخاصاً آلهة (بصورة رمزية)، فكم بالآحرى يكون مناسباً “للذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم” (وهذا لا ينطبق بالتأكيد على قضاة العهد القديم) أن يدعو نفسه ابن الله، وهو الذي يعمل أعمال الله: فيقيم الموتى، ويمنح الحياة الأبدية، ويحفظ الخليقة ويغيرها (محولاً الماء إلى خمر، ومهدنا العواصف… إلخ).
كانت ليسوع معرفة محدودة
كانت ليسوع كإنسان معرفة محدودة فعندما تحدث عن مجيئه ثانية قال: “وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن، إلا الآب” (مرقس 13: 32) كما ناقشنا سابقاً، اختار يسوع في دوره كعبد أن يعيش الحياة هنا حسب الشروط والمعطيات البشرية على الأرض، واضعاً ثقته في قدرة أبيه، لا قدرته. فقد قال مثلاً: “لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً” (يوحنا 5: 30) و “الآب الحال في هو يعمل الأعمال” (يوحنا 14: 10).
قال يسوع في هيئته كإنسان إنه لا يعرف ساعة عودته، وسبب ذلك أنه حدد نفسه وفرض عليها حدوداً كعبد. ليس أنه لم يكن معادلاً لله، لكن لأنه اختار بمحض إرادته ألا يمارس كل امتيازاته الإلهية.
“ليس أحد صالحاً إلا الله وحده”
اقترب أحدهم من يسوع وقال له: “أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ فقال له يسوع، لماذا تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله” (مرقس 10: 17، 18). قد يبدو للوهلة الأولى أن يسوع بقوله هذا ينفي لاهوته، لكن واقع الأمر مختلف. فقد كان يسوع يؤكد على أن الله وحده صالح. الكتاب المقدس واضح حول صلاح المسيح، إذ يدعوه “القدوس” و”البار” و”البرىء” و”المنفصل عن الخطاة” و”بلا عيب” (أعمال 3: 14؛ 2كورنثوس 5: 21؛ عبرانيين 4: 15؛ 7: 26؛ 1بطرس 2: 22؛ 1يوحنا 3: 5).
إذاً يسوع صالح بكل مقاييس الصلاح الحقيقية، وبهذا يشترك يسوع في إحدى صفات الله – وهي الصلاح. هناك سبب محتمل دعا يسوع لأن يقول ما قاله للرجل، ألا وهو قياس عمق وعي الرجل لهوية المسيح وشخصه، ومدى جديته تفي اتباعه. فبعد أن أعلم يسوع الرجل أنه لا صالح إلا الله وحده، طلب منه أن يبيع كل ممتلكاته ويتبعه كتلميذ. لاحظ أنه لم يقل له: “اتبع الله” وإنما: “اتبعني” وهكذا تنتهي هذه الفقرة بانطباع مخالف للانطباعات الأولى لبدايتها، فهي تدعم لاهوت المسيح دعماً قويا.
وتلخيصاً لما قيل، فإن كل الأسباب تقريباً التي تُقدم لإنكار أن يسوع هو الله، تنبع من سوء فهم لرسالة فيلبي 2: 6-11 التي تعلم أن ليسوع طبيعتين بشرية وإلهية. فقد “وُجد” يسوع في هيئتين: الله (عدد 6) وإنسان عبد (عدد 7). يقول لنص إن حالته الأولي كانت مركزاً من المساواة أو المعادلة لله، أما حالته الثانية فكانت مركزاً من الاتضاع.
فكل الأعداد تقريباً التي تستخدم لمحاولة القول بإن يسوع لم يكن معادلاً لله الآب، وأنه لذلك ليس واحدً مع الله، تقارن يسوع في حالته المتضعة كإنسان بمركز الله الممجد في السماء. لكن الحقيقة التي يحاول القائلون بهذا تجاهلها هي أن يسوع ترك مركزه المجيد من المساواة مع الله الآب لكي يصبح إنساناً، ويموت عن خطايا الناس، ويقوم من بين الأموات، ويُمجد مرة أخرى.