عدل الله والعقوبة والحكم ماذا تعني هذة المُصطلحات في عمل الفداء؟ أ/ أمجد بشارة
عدل الله والعقوبة والحكم ماذا تعني هذة المُصطلحات في عمل الفداء؟ أ/ أمجد بشارة
عدل الله والعقوبة والحكم ماذا تعني هذة المُصطلحات في عمل الفداء؟ أ/ أمجد بشارة
“عدل الله” و”العقوبة” و”الحكم” ماذا تعني هذة المُصطلحات في عمل الفداء؟ أ/ أمجد بشارة
إن العدل في مجال الفداء هو استحقاق البشر للموت بسبب الخطية، ولذلك أصبحنا جميعاً تحت حكم الموت، فلابد أن يتم حكم الموت في البشر، ولكي يُعالج الله مشكلة الإنسان الساقط أرسل ابنه الوحيد يسوع المسيح متجسداً من العذراء لكي يأخذ علي نفسه في الجسد حكم الموت الذي نستحقه جميعاً، وفي نفس الوقت يلاشي بموته علي الصليب قوة الموت الذي تسلط علي طبيعتنا، وبذلك فإنه يخلصنا من خطايانا بقوة بره وطاعته الكاملة للآب ومحبته الكاملة، وفي نفس الوقت يخلقنا خلقه جديده من نفس جسده القاهر للموت، بقوة الحياة لأنه هو القيامة والحياة[1].
ولا يجب ان نفهم كلمة الحكم هذه كمُصطلح قضائي، بل عند الاباء هذه التعبيرات يستخدمونها كمُصطلح علاجي لان البشرية لم يكن محكوماً عليها بل كانت مريضة بسبب نتيجة الخطية التي سقطت فيها وتفشت في جسدها كله، فأصبح الجسد كله مريض.
فلم تكن هُناك مُشكلة عند الله تحتاج إلي حل، أو ان الله قد احتاج ان يوازن بين عدله ورحمته ولزلك تحتم عليه أن يتجسد ويفدي البشرية، أن الفداء هو لحل مشكلة الإنسان، فالإنسان هو المحتاج للخلاص، الإنسان هو المطلوب افتداؤه، مطلوب تحريره من الخطية وسلطان وسيطرة وسيادة الموت والفساد عليه.. فيجب أن نعرف ونعي جيداً أن الإنسان هو المحتاج والمستعطي والله هو المُحب والشفوق المُعطي وليس هو المحتاج لدم المسيح وكأنه إله سادي يحب الدماء أو يُريد استرداد كرامته وعدله الضائع، بل عدل الله هو في تحقيق صلاحه، وصلاح الله ان تتمجد وتعود خليقته التي خلقها إلي نقائها الأول، عدل الله أن يسترد الإنسان من يد إبليس الذي ملك عليه بسلطان الموت وسطوته.
وفي الإيمان المسيحي نحن لا نفصل في عمل الثالوث الواحد، فالآب عادل والابن عادل والروح القدس عادل، والمحبة هي محبة الثالوث كله، والرحمة هي رحمة الثالوث بكامله وكماله، وكما يقول فيلاريت متروبوليت موسكو: فإن الصليب يعبر عن محبة الآب الصالبة ومحبة الابن المصلوبة ومحبة الروح القدس الظافر في قوة الصليب. لأنه هكذاأحب الله العالم[4]
وبالنسبة للآباء، فأن العدالة الإلهية هي القضاء علي الشيطان والموت واستعادة كامل الإنسان جسداً وروحاً إلي عدم الموت وعدم الفساد وإلي معرفة الله في مجده… فالعدالة الإلهية ليست برنامجاً أو مخططاً شرعياً أو قضائياً أو حقوقياً. عدالة الله ومحبة الله هما الأمر الواحد نفسه. إن فكرة التكفير ليست موجوده لدي الآباء لانهم يعرفون بأن عدالة الله هي محبة لا تطلب بالمقابل شيئاً. إن موت خليقة الله وموت البار هو أمر غير عادل، لأن الله لم يخلق الموت ولا يستلذ بموت خليقته. لكن الموت دخل إلي العالم بسبب الشرير بسبب سقوط الإنسان وخطيته. لاهوتيين العصر الوسيط يساوون بين الموت والعدالة الإلهية،أما في التعليم الآبائي فالموت غير عادل. الله جاء في الجسد ليلغي هذا الجور والشرّ وليحافظ علي ابناءه فادياً إياهم من قبضة الشرير والموت. هكذا يعلن القديس بولس (أما الآن فقد ظهر برّ الله... رومية 3: 21 ) وأيضاً: (مبررون مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح … أنظر رومية 3: 24)[5]
عند الآباء عدل الله هو أن يُخلِّص الإنسان من الموت والفساد ويعود إلي أحضان الله في شركة حياة، فالخطية ليست جريمة ضد العدالة الإلهية، لكنها مرض يتلف الإنسان. ولم يأتِ المسيح لكي يشفي كرامة الله المجروحة، بل ليشفي الإنسان من مرضه. فبسبب الخطية صار الإنسان أسير الموت والفساد.
وبحسب عدل الله البار يجب أن يتم الخلاص، لا بحيوان ولا بملاك ولا برئيس ملائكة، بل بإنسان، فيخلص نفس الكائن الذي عصي قديماً وسقط بشخص من نفس جنسه لا بكائن آخر لا ينتمي إليه. وفي ذلك يقول القديس يوحنا الدمشقي: قد ظهر عدل الله بأن الإنسان لما كان مغلوباً لم يترك الله لغيره أن يقهر الطاغي ولا انتشل الإنسان من الموت بالقوة، بل أن الصالح والعادل قد جعل أن ذاك نفسه الذي كان الموت قديماً قد استعبده بالخطايا يعود اليوم من جديد فينتصر، فخلص المثل بمثله[6].
ويقول القديس كيرلس السكندري: لهذا مُسح لكي ما يقضي للأمم. يعني هنا في هذا النص القضاء البار. إذ يبرر الأمم بإدانة الشيطان الذي مارس حُكماً طاغياً عليهم. وقد علَّمنا هذا بنفسه، قائلاً: “الآن دينونة هذا العالم. الآن يُطرح رئيس هذا العالم خارجاً. وأناأن ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع” (يوحنا 12: 31– 32). نطق بالعبارة لهلاك ذاك الذي مارس الحكم الطاغي – كما قلت – على الأرض كلها، وبقضاء مقدَّس خلَّص الذين انخدعوا[7].
أن كان عدل الله أن يقتص من الخطية، كيف يكون ذلك والخطية مهما كان شرها لا تؤثر علي الله. فيقول الباحث الآبائي د/ هاني مينا: الله لا يُمكن التعدي عليه. الإنسان لا يُمكنه أن يصل إلي الله ولا أن يؤثر عليه!! هذا مستحيل، وحديث لا يوافق ما قاله الله لأيوب (35: 6 – 8) ولا ما يعلمه لنا الوحي في يعقوب (1: 13: 17).
فالله لا يهزه الشرّ ولا يجربه، ولا ينقصه شيئاً من مجده أبداً، حتي لو جمعنا شرّ المخلوق كله وزدناه أكواماً طيلة الزمن!! الإنسان – لأنه غير كامل ويخاف الموت – هو فقط الذي يهزه الشرّ… أن كان الخاطئ يموت بحريته، فهل يكون عدل الله وصلاحه أن يُعاقب المائت (مره ثانيه) وأن يطلب منه تسديد (ثمن الخطية) لله مره ثانيةً، حتي وإن تصورنا أن الله يطالب بموت الخاطئ لصالح عدالته ؟! إن كان الخاطئ قد مات فعلاً، فكيف يطال الله بموت مره ثانيه ؟! حتي عدل البشر يرفض هذا!![8]
ما يصفه ويقبله الإنسان في معاملاته الاجتماعية علي انه عدل، لا يجب الخلط بينه وبين عدالة الله. عدالة الله اعلنت بصورة فريده وكامله في المسيح فقط. لا يحق لأي إنسان استبدال عدالة خبرته الشخصية بعدالة الله. عدل الله هو علاقة إيمان وحبه ليس له أي علاقة بقواعد السلوك الإنساني !!
وذلك لأن الحياه (كوجود) لا تنبع من القانون بل من برّ الله وصلاحه، وهي لا تقوم علي أي قواعد أو قوانين وضعيه. ولو كانت الحياه يمكن أن تقوم وتوجد بالقوانين، لما كانت هناك اية حاجة للفداء بالمسيح !!
الله يهب الحياة بحرية، بغير قانون، لأن هذه مشيئته وحريته التي لا يحدها شيء ولاقانون !!
لذلك إنه خطأ جسيم أن ننسب الموت والفساد للعدل الإلهي، ونقول أن الله مسئول عن الموت والفساد (كعقوبة عادلة للشرّ). القديس بولس لم ينسب هذا ابداً لله. بل بالعكس قال بولس أن الشيطان هو صاحب سلطان البُطل والفساد (رومية 8: 20 – 21).[9]
فالإشارات إلي أن حالة الفساد والموت كحكم أو دينونة موجوده في كتابات آباء الكنيسة ولكنها تعبر عن خبرة البشرية التائبة تحت سلطان الموت وليس مشيئة الله أو عمل الله القضائي أو المُعاقب، فيؤكد دائماً الآباء أن الموت لم يكن أمراً من الله، بل كان عدواً قد هُزِمَ في المعركة بالرب المتجسد وليس أداة قد أُلغيت بمجرد أمر الهي,[10]
[2]Commentary on Epistle to the Romans. PG 64, 788f
[3]Commentary on Epistle to the Romans. PG 64, 785f ، الطب النفسي الارثوذكسي .ايروثيئوسفلاخوس . ص 29
[4] من عظه لفيلاريت يوم الجمعة العظيمة. سرّ الفداء للمطران باسيليوس رئيس أساقفة بروكسل. المرجع السابق، ص 21
[5]د/عدنان أديب طرابلسي ومجموعه من العلماء واللاهوتيين الأرثوذكس . سألتني فأجبتك الجزء الأول. ص 286
[6]المئة مقاله في الإيمان الأرثوذكسي. تعريب الأرشمندريت إدريانوس شكور. ترجم عن النص اليوناني migne , pg , t 94 . col . 789 – 1228. إصدار منشورات المكتبة البولسية. فصل 3: 1. ص 151، 152
[7]القديس كيرلس السكندري. In Is. 3: 5 PG 70: 852A. الشيطان ونصرتنا عليه. الأب تادرس يعقوب مالطي. ص 18
[8]د /هاني مينا ميخائيل، العدالة الإلهية حياة لا موت مغفره لا عقوبة، مراجعة وتقديم نيافة الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف ص 112، 113
[9]الأب جون رومانيدس في مقالة الخطية الأصليه في تعليم بولس الرسول، نُشرت في المجلة الربع سنوية لمعهد سانت فلاديمير 1956. د/ هاني مينا ميخائيل، العدالة الإلهية حياه لا موت مغفره لا عقوبة، مراجعة وتقديم نيافة الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف ص 170
[10]د/ عدنان طرابلسي. سألتني فأجبتك ج1 ص 544