ادلةُ النقضِ – هل يسوع التاريخ هو نفس يسوع الإيمان؟ – لي ستروبل
ادلةُ النقضِ – هل يسوع التاريخ هو نفس يسوع الإيمان؟ – لي ستروبل
ادلةُ النقضِ – هل يسوع التاريخ هو نفس يسوع الإيمان؟ – لي ستروبل
هذا ما يحدث طوال الوقت في إعادة ” بيرى ماسون ” وفي الروايات ذات الأغلفة الورقية، لكنه نادر جدا في المسرحيات القانونية الواقعية. لذا عندما يرفض شاهد العيان في محاكمة لجريمة قتل الإشارة إلى المتهم كالقاتل، لكن بدلاً من ذلك يعترف بأنه هو القاتل، فإن كل الموجودين في قاعة المحكمة يُذهلون. لقد كان لديَّ قصة مُدهشة بجريدة شيكاغو تربيون.
إتّهم ريتشارد موس بإطلاق النار على مواطن من شيكاغو عمره تسعة عشر سنة، فأرداه قتيلاً خارج حانة في الشمال الغربي. واستدعى صديق عمر موس، إد باسيري، للشهادة، فوقف ليصف المشاجرة التي أدّت إلى القتل.
وصف باسيري المشهد الذي حدث خارج حانة ” رستى نيل “، ثم سأله محامي الدفاع عما حدث للضحية.
فأجاب باسيري، دون أن تطرف عيناه، أنه بعد أن طعنه الضحية بالمقص ” أطلقت أنا النار عليه “
إنذهل كاتب المحكمة فاتحاً فاه، وسقطت أيدي المدّعون، أما القاضي فقد أوقف إجراءات المُحاكمة في الحال لكي ينصح باسيري بحقه الدستوري ضد تجريم نفسه أو اتهام نفسه بهذه الجريمة، وبعد ذلك تقدّم المتهم إلى المنصة للقول: نعم، ذلك صحيح، فقد كان باسيري من إرتكب الجريمة.
وهنا صاح محامي الدفاع قائلاً: ” إن ما فعله باسيري [باعترافه] لهو عمل شجاعة خالصة “.
لكن المدّعين كانوا غير مقتنعون. فسأل أحدهم ” أية شجاعة؟ إن باسيري يعرف أنه لا يُخاطر بالإدعاء على نفسه، لأن الدليل الوحيد الرسمي يشير إلى ريتشارد موس!”. وحيث كانوا ما زالوا مقتنعين بأن موس هو المذنب، عرف المدّعون بأنه لابد أن يقدموا دليلاً قوياً ليفندوا إدعاء باسيري. في الإصطلاح القانوني، أنهم يحتاجون لـ ” دليل نقض “، ويُعرّف بأنه أي دليل يقدّم ” ليوضح، أو يبطل، أو يُفنّد ” أقوال شاهد [1].
في اليوم التالي، إستجوب المدّعين ثلاثة شهود عيان آخرين الذين قالوا دونما شك بأن موس هو من إرتكب جريمة القتل. فبناء على هذه الشهادة، وشهادات أخرى قرر المحلفون أن موس مذنب [2].
لقد قام المدّعون بالشيء الصائب. فعندما وجدوا أن قوة الشهادة الفائقة أشارت بوضوح إلى أن المدعى عليه مذنب، فقد كانوا من الحكمة أن يشكوا في تأكيد غير مُدعم أساساً من شخص له مصلحة أكيدة في مساعدة صديقه.
هل بالإمكان تفنيد مؤتمر يسوع؟
كيف يمكن لهذا المفهوم القانوني لدليل النقض أن يناسب تحقيقاتي عن يسوع؟
فبما أنى قد سمعت شهادات مقنعة جدا ومقبولة بشكل جيد وبقوة من العلماء حول تشكيكي له في هذا الكتاب، فقد إحتجت لتحويل انتباهي إلى الآراء المضادة بلا تردد من مجموعة صغيرة من الأكاديميين الذين كانوا معارضين لعاصفة من التغطية الإخبارية.
أنا متأكد أنكم رأيتم المقالات. ففي السنوات الأخيرة كانت وسائل الإعلام الإخبارية مشبعة بالتقارير نقد لا تتفق مع قواعد النقد النزيه عن مؤتمر يسوع، وهم مجموعة إختاروا أنفسهم ويمثلون نسبة ضئيلة جداً من علماء العهد الجديد ولكنها ولّدت تغطية واسعة وغير متناسبة مع تأثير هذه المجموعة.
جذب المؤتمر مشاركين أذكياء في الدعاية والإعلان والصحافة بالإدلاء للتصويت باستخدام الخرز الملون عما إذا كانوا يظنون أن يسوع قد قال ما تقوله الأناجيل بأنه قاله. فالخرزة الحمراء معناها أن يسوع هذا ما قاله يسوع بلا شك أو ما يُشابهه؛ والخرزة الوردية معناها أنه ربما يكون قد قال ذلك؛ والخرزة الرمادية معناها أنه لم يقل هذا الكلام ولكن الأفكار تشبه افكاره؛ والخرزة السوداء معناها أنه لم يقل هذه الكلمات إطلاقاً.
إستنتجوا في النهاية أن يسوع لم يقل 82% مما تنسبه إليه الأناجيل. ومعظم الباقين ونسبتهم 18% إعتبروهم مرتابين جداً، مع بقاء 2% فقط من اقوال يسوع تقرر بثقة أنها جديرة بالتصديق. ولرغبتهم الشديدة في الجدال والخلافات مع عدم وجود الخبرة للفحص بدقة التي تمكنهم أن يدققوا في نظام المؤتمر، فقد كرس الصحفيون نفورات من الحبر لهذه القصة.
ثم نشر المؤتمر ” الأناجيل الخمسة “، وهو كتاب يحتوي على الأناجيل الأربعة التقليدية بالإضافة إلى إنجيل توما المشكوك فيه، مع تلوين كلمات يسوع بألوان مشفرة لتتوافق مع مكتشفات المجموعة. فلو تصفحتها فستجد كلمات كثيرة بالحبر الأسود ولكن قليلة جداً بالأحمر. فمثلاً، الكلمات الوحيدة من الصلاة الربانية التي اقتنع المؤتمر بأن يسوع قالها هي “أبانا”.
لكنى أردت تجاوز العناوين الرئيسية وأن أحفر الأرض لأكتشف، كما يحب المعلق بول هارفي القول، لأكتشف ” باقي القصة “. وكنت محتاجا أن أعرف هل هناك أي دليل نقض موثوق به لدحض هذه الآراء المزعجة ذات الدعاية الواسعة. هل كانت مكتشفات مؤتمر يسوع مبنية بشكل صلب على بحث علمي غير متحيز، أم كانت مثل شهادة باسيري سيئة المصير: حسنة النية لكنها في النهاية غير مدعمة؟
وللحصول على أجوبة، قمت برحلة بالسيارة إستغرقت 6 ساعات إلى سانت بول، بولاية مينيسوتا، للتباحث مع الدكتور جريجورى بويد (بالنادي الجامعي)، أستاذ اللاهوت المثقف والذي كتبه ومقالاته قد تحدث مؤتمر يسوع رأساً.
المقابلة الخامسة: جريجورى إي.بويد، دكتوراة فلسفة
تصادم بويد مع مؤتمر يسوع لأول مرة سنة 1996، حين كتب مقالة نقد مدمرة عن الآراء المتحررة عن يسوع بعنوان ” حكيم متهكم أم إبن الله؟ Cynic Sage or Son of God? ” ” إستعادة يسوع الحقيقي في عصر الإجابات التي تنادي بتعديل المذهب Recovering the Real Jesus in an Age of Revisionist Replies ” وهذا المجلد المكون من 416 صفحة والمملوء بملاحظات على الحواشي قوبل باحترام وتقدير من قراء ” المسيحية اليوم Christianity Today “، واعتبروه واحدا من كتبهم المفضلة لهذا العام، وكتابه الشعبي المبسط ” يسوع تحت الحصار Jesus Under Siege “يستكمل نفس المواضيع على مستوى أكثر تمهيدية.
وكتب بويد الاخرى تشمل ” خطابات من متشكك “، الحائز على جوائز، وفيه يتصارع مع والده المتشكك آنذاك في مسائل عويصة تتعلق بالمسيحية (والتي توجت بأن أصبح أبيه مسيحي واعد ملتزم)، وكتاب ” الله في حالة حرب: الإنجيل والصراع الروحي God at War: The Bible and Spiritual Conflict. بالإضافة إلى ذلك، كان عالماً مساهماً في ” دراسة بحث للإنجيل ” التي كانت مخصصة للناس الذين يسألون أسئلة عقلانية عن الايمان المسيحي.
بعد حصوله على درجة البكالريوس في الفلسفة من جامعة مينيسوتا، حصل على درجة الماجستير في علم اللاهوت بامتياز من مدرسة اللاهوت بجامعة يايل والدكتوراه (بامتياز مع مرتبة الشرف)، من معهد برينستون اللاهوتي.
ومع ذلك، فهو ليس بالمفكر العادي ذو البرج العادي. وكان بويد بشعره الاسود المتموج، وجسمه النحيل لكن قوى، وإبتسامته الساخرة، يشبه نظيره الجامعي ذو الروح الفكاهية هاوي مانديل. ومثل ماندل، كان بويد شعلة من النشاط الصافي.
تتدفق الكلمات منه كما تتدفق المياه من انبوب منفجر. وهو يشرح الأفكار المعقدة والمفاهيم اللاهوتية بسرعة فائقة مُسببة للدوار. يتململ ويومئ، يتلوى في كرسيه، وليس لدسه وقت ليشمر قميصه، أو لتنظيم أوراقه المبعثرة في كل انحاء مكتبه، أو لوضعها في ملفات، أو ينظم كتبه المكومة في أكوام مكدسة على الأرض ويرصصها على الأرفف. فهو مشغول جداً، يفكر، ويجادل، ويستجوب، ويتساءل، ويحلم، ويتأمل، ويخترع ويناقش مشروعاً بعد آخر.
في الواقع، لا يمكن لمهنة واحدة أن تحتويه. فبالإضافة إلى مكانته كأستاذ على اللاهوت في كلية بيثيل، هو ايضا قس في كنيسة وودلاند هيلز، حيث ساعد وعظه الحماسي على زيادة حضور الشعب من إثنان واربعون سنة 1992 إلى خمسة وعشرون ألف اليوم. هذا الجو، جو العالم الواقعي يساعد على تثبيته في الحقائق الواقعية للحياة اليومية.
وبطريقة مرحة، يجري مناظرات مع الملحدين. وقد سبق له أن جادل مع الراحل جوردون شتاين حول موضوع ” هل الله موجود؟ “وتجادل مع القس الذي تحول إلى متشكك دان باركر حول موضوع ” هل قام يسوع من الموت؟”. وفي برنامج تحن رعاية المركز الإسلامي في مينيسوتا، تناظر مع رجل مسلم حول مسألة ” هل الله ثالوث؟”. وبويد بذكائه العقلي، وسرعة بديهته، وتعاطفه مع الناس، وذخيرته العميقة من المعلومات حول الكتاب المقدس والفلسفة تجعله خصماً مُرعباً.
وزيادة على ذلك، فهو يمزج الثقافة الشعبية والثقافة العلمية الجادة كأي رجل أعرفه. فهو يعرف كرة القدم مثلما يعرف الملاحظات على هوامش الكتب. ويمكنه أن يبدأ جملة بملاحظة على إرتجالية عن فيلم جديد وينهيها بإشارة مصدرية عالية المستوى إلى لغز من الألغاز الفلسفية العميقة. ويستريح لثرائه “ دلبيرت ” أو مشاهدة ” سينفيلد ” مثلما يستمتع بكتابة كتابه المؤثر ” الثالوث والتقدم ” وهو تقييم نقدي وإعادة تنظيم لفكرة هارتشورن عن التوحيد ثنائي القطب نحو ميتافيزيقيا الثالوث.
وأسلوبه العادي والعامي (الذي يعتبره علماء الإنجيل الآخرين ” غريب” و” لا عقلاني “) جعلني بسرعة اشعر بالألفة عندما إنحشرنا في مكتبه بالطابق الثاني. وسرعان ما إتضح أن بويد قد إنتهى من عمله وأستعد للذهاب.
كتابات من جماعة متطرفة
قررت البدء من منظور القارئ العادي للأخبار. فقلت ” يلتقط الناس مجلة أو صحيفة، ويقرأون إستنتاجات مؤتمر يسوع، ويفترضون، أن هذا يمثل الإتجاه العام في علم العهد الجديد. لكن هل هذه هي حقيقة الحالة؟
فأجاب قائلاً “كلا “، وكان يبدو كمن ذاق شيئاً مراً.” كلا، ليست هذه الحالة. لكنك على صواب، فلدى الناس هذا الإنطباع”.
ثم تحرك متململاً في كرسيه حتى أصبح في وضع مريح يمكنه من حكاية قصة ” عندما صدرت جريدة “تايم” ومقالتها الرئيسية عن “مؤتمر يسوع”، تصادف أن كنت مستمراً في حديث عن المسيحية مع شخص كنت مستمراً في بناء علاقة معه. وكان متشكك جدا بطبعه، ومشبع بأفكار العهد الجديد New Age “.
وكان لدينا صديق مشترك أدخل إلى المستشفى، وعندما ذهبت لزيارته، وجدت هذا الشخص هناك قبلي، وكان يقرأ جريدة الـ “تايم”. فلما دخلت الحجرة قال لي ” حسناً يا جريج، يبدو أن العلماء يخالفونك الرأي ” ثم ألقى بالجريدة إلي”.
هز بويد رأسه من الحزن وعدم التصديق.” وكما ترى، أن هذه المقالة أعطته المبرر للتوقف عن الحديث معي بجدية. بالرغم من أنه يعرف أنني عالم، إلا أنه فهم هذه المقالة كأنها تقول: أن معظم العلماء، على الأقل الذين ليسوا حمقى ولا مخبولين، يحملون وجهات النظر هذه”.
بإمكاني التعاطف مع قصة بويد، بعد أن سمعت الكثير جداً من الناس يساوون بين مؤتمر يسوع وجميع العلماء. فسألته ” هل تعتقد بأن هذا إنطباع عرضي؟ “.
فأجاب بويد ” حسناً، إن مؤتمر يسوع يصور نفسه بهذه الطريقة. وفي الواقع، إن هذا أحد أكثر المظاهر ازعاجاً، ليس فقط بالنسبة للإنجيليين بل للعلماء الآخرين أيضاً”.
“فلو نظرت إلى كتابهم ” الأناجيل الخمسة” تجدهم يحددون سبعة اعمدة للحكمة العلمية، كأنك يجب أن تتبع منهجهم لو كنت ستصبح عالماً حقيقياً. لكن الكثير من العلماء، من طيف عريض من الخلفيات، سيكون لديهم تحفظات جاده بخصوص واحد أ حتى معظم هذه الأعمدة. ومؤتمر يسوع يسمون ترجمتهم للكتاب المقدس “نسخة العلماء”. حسناً، ما الذي يدل عليه هذا؟، أن الترجمات الأخرى ليست جديرة بالعلماء؟”.
توقف للحظة، ثم دخل إلى صميم القضية وقال” هذه هي الحقيقة، إن مؤتمر يسوع يمثل فئة قليلة جداً من العلماء المتطرفين الهامشيين الذين يعتبرون جناح أقصى اليسار لفكر العهد الجديد. فهم لا يمثلون الثقافة السائدة.
” ومما يدعو للسخرية، أن لهم سمة أو علامة خاصة بمذهبهم المتشدد. فهم يقولون إن لديهم الطريقة الصحيحة لمل الاشياء ” ثم ابتسم وأضاف بضحكة مكتومة. “من ناحية التنويع، يمكنهم فعلاً أن يكونوا ضيقي الأفق”.
إكتشاف يسوع الحقيقي
قلت” على الأقل أعتقد أن المشاركين في مؤتمر يسوع قد ظلوا متمسكين جداً بأهدافهم. أليس كذلك؟”.
فأجابني قائلاً “نعم، هذا صحيح. فهم صريحين وواضحين في قولهم إنهم يريدون إنقاذ الكتاب المقدس من الأصولية وتحرير الأمريكان من ” الإعتقاد الساذج بأن يسوع الذي في الإنجيل” هو يسوع “الحقيقي” فهم يقولون أنهم يريدون يسوع المناسب للحاضر. وقد قال أحدهم أن يسوع التقليدي لم يهتم باحتياجات الأزمة البيئة، والأزمة النووية، وأزمة المساواة بين الجنسين، لذا فإننا نحتاج إلى صورة جديدة ليسوع. كما قال آخر “نريد خيالا جديدا”
” أحد مظاهر الإنحراف أنهم يتجهون مباشرة إلى الجماهير بدلاً من الاتجاه إلى العلماء الآخرين. فهم يريدون إخراج مكتشفاتهم من الربح العادي وينقلوها إلى الأسواق لكي يؤثروا على الرأي العام الشعبي. وما يدور في عقلهم هو شكل جديد تماماً للمسيحية”.
فكرة يسوع جديد، وإيمان جديد، ومسيحية جديدة، إنها افكار مخادعة. فقلت له ” أخبرني عن يسوع هذا الذي اكتشفه المشاركون في مؤتمر يسوع. وكيف يكون شكله؟”.
فقال ” الأمر الأساسي، أنهم اكتشفوا ما كانوا يبحثون عنه. فالبعض يعتقد أنه كان ثوري سياسي، والبعض أنه متعصب ديني، والبعض صانع عجائب، والبعض أنه مؤمن بالمساوة بين الجنسين، والبعض بأنه مؤمن بالمساوة بين البشر، والبعض بأنه مؤمن بالتدمير. هناك تنوع كبير”. وبعد ذلك ركز على المسألة الرئيسية” لكن هناك صورة واحدة كلهم متفقون عليها. يسوع جب أن يكون يسوع منادياً ومناصراً للمذهب الطبيعي.
وبعبارة أخرى ـ فمهمها قيل عنه ـ فإن يسوع كان إنساناً مثلي ومثلك. لربما كان رجلاً غير عادي، وربما أنه حرك فينا طاقتنا الكامنة كما لم يستطع أحد أن يحركها، لكنه لم يكن خارقا للطبيعة.
” وهكذا يقولون إن يسوع واتباعه الأوائل لم يعتبرونه إلها أو مسياً، ولم يروا في موته أي اهمية خاصة. وكان صلبه مؤسفاً ومبكراً قبل أوانه، أما الروايات عن قيامته فقد جاءت فيما بعد كمحاولة للتعامل مع هذه الحقيقة المحزنة”.
إدلاء بشهادة محاكمة عادلة
وقفت وتمشيت إلى رف كتبه فيما كنت أصيغ سؤالي التالي “حسناً، ولكن لديك إيمانك الشخصي بأن يسوع قد قام، ولربما كان إيمانك قد صبغ وجهة نظرك على حد بعيد. فإن مؤتمر يسوع صبغ نفسه كمسعى غير متحيز للحقيقة، وهو ما يمكن مقارنته بالناس الملتزمين دينيا مثلك، والذين لديهم برنامج لاهوتي”
أعاد بويد مقعده لمواجهتي، ثم قال: ” آه، لكن ذلك ليس هو الذي يحدث في الحقيقة، فالمشاركين في مؤتمر يسوع على الأقل هم متحيزين كالإنجيليين، وأقول ربما كانوا أكثر تحيزا ويفترضون مجموعة كاملة من الفرضيات لثقافتهم، وهو كالذي نفعله كلنا إلى حد ما.
” فرضيتهم الرئيسي التي، على سبيل المصادفة، ليست نتاج بحث علمي غير متحيز، بأن الأناجيل لا يوثق بها العامة. وهم يستنتجون هذا منذ البداية، لأن الأناجيل تتضمن بعض الأشياء التي تبدو من الناحية التاريخية غير محتملة، مثل المعجزات، والمشي على الماء، وإقامة الموتى. ويقولوا أن هذه الأشياء لا تحدث وهذا هو المذهب الطبيعي، الذي يقول بأن كل نتيجة في العالم الطبيعي أو المادي لها سبب طبيعي”.
فسألته ” نعم، ولكن أليست هذه هي الطريقة التي يعيش بها الناس حياتهم عادة؟ هل ترى أننا يجب أن نبحث عن التفسيرات الخارقة للطبيعة ووراء كل ما يحدث من أحداث؟”.
فقال بويد:” إن كل أنسان سيوافق على أنك يجب الا تنشد أسباب خارقة للطبيعة إذا لم تكن مضطراً لذلك. ولكن هؤلاء العلماء يتجاوزون ذلك ويقولون بأنه ليس هناك ضرورة لذلك مطلقاً. فهم يتصرفون وفق فرضية أن كل شيء في التاريخ قد حدث طبقاً لخبراتهم وتجاربهم، وبما انهم لا يرون بأن هناك شيء في عالم ما وراء الطبيعة، فهم يفترضون بأن المعجزات لم تحدث أبداً في التاريخ.
” وهذا هو ما يفعلونه: يستبعدون إمكانية وجود عالم ما وراء الطبيعة من البداية، وبعد ذلك يقولون: ” اعطونا دليل الآن عن يسوع”. ولا عجب أن يحصلوا على النتائج التي يريدونها”.
أردت إدارة دفة الحديث قليلاً ” حسناً، أذن كيف ستتصرف؟”.
فقال ” سأسلم بأنك يجب ألا تُنشد الأشياء الخارقة للطبيعة إلى أن تُضطر لفعل ذلك. نعم، ويجب البحث أولاً عن تفسير طبيعي. وأنا أفعل ذلك في حياتي الشخصية. فعندما أري سقوط شجرة، فربما يرجع سبب ذلك لوجود نمل أبيض. هل من الممكن أن ملاكاً قد دفعها؟ حسناً / لن أذهب إلى هذا الإستنتاج طالما أنه هناك دليل مؤكد لذلك.
” وأنا أيضاً أُسلّم بذلك، لكن الذي لا أستطيع أن أُسلّم به هو الافتراض المروع بأننا نعرف عن الكون بما يكفي لن ذلك يجعلنا نقول إن الله ـ لو كان هناك إله ـ لا يستطيع أبداً أن يقتحم عالمنا بطريقة خارقة للطبيعة. فإن هذا إفتراض صلفة جداً، وهي ليست فرضية مستندة على التاريخ؛ إنك تفعل أشياء خارقة للطبيعة.
” أظن أنه يجب أن يكون هناك قدر معين من التواضع في التحقيق التاريخي للقول ” أتعرف؟ من الممكن أن يسوع المسيح قام فعلاً من الموت. ومن الممكن أن يكون تلاميذه قد شاهدوا فعلاً كما تقول الأناجيل بأنهم رأوه “. وإذا لم تكن هناك طريقة أخري لتفسير هذا الدليل بطريقة كافية ومناسبة، فدعنا نبحث في تلك الإمكانية”.
” هذا ما أعتقد، بأنه الطريقة الوحيدة لإعطاء الدليل محاكمة عادلة.
نقد المعايير
لكي يتوصلوا إلى إستنتاجهم بأن يسوع لم يقل معظم ما أتت على ذكره الأناجيل، فأن أعضاء مؤتمر يسوع إستخدموا المجموعة الخاصة بهم من الإفتراضات والمقاييس أو المعايير. ولكن هل هذه المعايير معقولة ومناسبة؟ أم أنها تجهز من البداية بطريقة يمكن التحكم فيها، مثل زهر النرد في الطاولة عندما يمسك بطريقة معينة بحيث يمكن التحكم فيها، وبهذا تحقق النتيجة المطلوبة من البداية؟
وهنا بدأ بويد بتحليل الطريقة التي تتبعها المجموعة ” هناك عدة مشاكل في افتراضاتهم ومعاييرهم. فمثلاً، يفترضون أن الكنيسة التي قامت فيما بعد، هي التي وضعت هذه الاقوال على فم يسوع، مالم يكن لديهم دليل كافي للإعتقاد بغير ذلك. وهذا الإفتراض مبني على شكهم في الأناجيل، وهذا الشك يأتي من إفتراضهم أن الأشياء الخارقة للطبيعة لا يمكن أن تحدث.
“إن المؤرخين يضعون عادة عبء الإثبات على المؤرخ لإثبات الزيف أو اللاموثوقية، لأن الناس في العموم ليسوا بملزمين أن يكونوا كاذبين. وبدون هذا الإفتراض لن يصبح بإمكاننا أن نعرف إلا القليل جداً عن التاريخ القديم.
وإن مؤتمر يسوع يقلب هذا الوضع رأس على عقب فيقول: يجب عليك أن تثبت بطريقة إيجابية أن القول جاء من فم يسوع. ثم يجيئون بالمعايير المشكوك فيها لإثبات ذلك. فلآن من الصواب للعلماء أن يستخدموا المعايير الملائمة للبحث عما إذا كان يسوع قد قال شيئا معيناً، ولكني ضد فكرة أنه إذا مالم تتوافق هذه المعايير مع يسوع، فلابد أنه لم يقل هذه الكلمات. فهذا النوع من الإستنتاج السلبي يمكن أن يكون مشكلة”.
إن التعامل مع هذا العالم النظري بدأ يسبب لي من الغموض أكثر من الوضوح. فقد كنت محتاجاً لبعض الأمثلة المؤكدة حتى يمكنني تتبع النقطة التي شرحها بويد، فقلت له حدثني عن بعض المعايير المحددة التي استخدموها “.
فأجاب ” أحد هذه المعايير هو التباين المزدوج، بمعني أنه بإمكانهم تصديق أن يسوع قال شيئاً إذا لم يكن مشابهاً لما قاله مُعلّم يهودي أو الكنيسة التي جاءت فيما بعد. وإلا فإنهم يفترضوا أن هذا الكلام أدخل في الأناجيل من مصدر يهودي أو مسيحي.
” والمشكلة الواضحة هنا هي أن يسوع كان يهودياً وهو من أسس الكنيسة المسيحية، لذا يجب ألا يُدهشنا بأن ما قاله له نفس النغمة اليهودية أو المسيحية! إلا أنهم برغم ذلك فقد طبقوا هذا المقياس للتوصل إلى النتيجة السلبية التي مؤدّها أن يسوع لم يقل الكثير من الأقوال.
” ثم هناك أيضا معيار ” الدليل المتعدد ” الذي يعني أننا من الممكن فقط أن نتأكد أن يسوع قال شيئاً إذا وجد في أكثر من مصدر واحد. فالآن، يمكن أن يكون هذا إختبار مساعد في تأكيد مقولة. ومع ذلك، لماذا نجادل في الإتجاه الآخر إذا كان موجوداً فقط في مصدر واحد، ألا يكون صحيحاً؟ في الحقيقة، إن أغلب التاريخ القديم مبني على مصادر واحدة فقط. وعلى العموم، فإذا اعتبر المصدر موثوق، وأجادل بأن هناك الكثير من الأسباب تجعلني أعتقد بأن الأناجيل موثوق بها فلابد الأخذ بالإعتبار بموثوقيتها، حتى لو لم يكن تأكيده بمصادر أخرى.
” حتى لو كانت أقوال يسوع موجودة في إنجيلين أو ثلاثة، فإنهم لا يعتبرون أنها مرت سليمة بمعيار ” الدليل المتعدد “. فإذا وجدت مقولة في أناجيل متى، ومرقس، ولوقا، فإنهم يعتبرون ذلك مصدر واحد لأنهم يفترضون أن متى ولوقا نقلا عن مرقس في كتابة أناجيليهما. فقد يفشلون أن إدراك أن عدداً متزايدا من العلماء لديهم تحفظات خطيرة على نظرية أن متى ولوقا قد نقلا عن مرقس. وبهذا الاتجاه في التفكير، تستطيع رؤية لماذا من الصعب جداً إثبات الدليل المتعدد “.
وهنا بدأ بويد يستمر في الشرح، لكني قلت له قد شرح رأيه في أن المعايير الجاهزة، مثل النرد الذي يمسك بطريقة معينة، فإنها بشكل محتم تحقق النتائج التي كانت مطلوبة من البداية.
يسوع صانع العجائب
أحد المناهج التي يستخدمها العلماء المؤمنين بالمذهب الطبيعي كان البحث عن متوازيات بين يسوع والآخرين من التاريخ القديم كطريقة لإثبات أن إدعاءاته وأعماله لم تكن فريدة تماماً. وكان هدفهم أن يفسدوا الرأي القائل بأن يسوع كان فريدا من نوعه.
فسألت بويد ” كيف ترد على هذا الرأي؟ فمثلا، كان هناك معلمون يهود قدماء يصنعون تعاويذ أو يصلون من أجل المطر فكان المطر يهطل، ولذلك فقد قال بعض العلماء أن يسوع كان مجرد مثال أخر من صانعي العجائب اليهود. فهل هذه الفكرة عن المتوازيات مستمرة ومدعمة؟”.
كنت على وشك أن أرى بويد المجادل يجادلني بنشاط لأنه كان يجيب على مسألة معقدة نقطة بنقطة بدون الاستعانة بالمذكرات. وقد أسعدني كثيراً أني كنت أسجل محادثاتنا؛ فلو كنت أدون ملاحظاتي لما أمكنني مُجاراة سرعته النارية في الرد.
“عملياً نجد أن فكرة التناظر والتماثل تتفكك بسرعة عندما تنظر إلى المسألة بمزيد من الدقة ” ثم بدأت تزداد سرعة الحوار ” أولاً، المركزية المطلقة للأعمال الخارقة للطبيعة في حياة يسوع ليس لها نظير على الإطلاق في التاريخ اليهودي.
” ثانيا، الطبيعة الأساسية لمعجزاته تميزه. فهي ليست هطول أمطار متى صلى من أجله؛ فنحن نتحدث عن العمي، والصم، والبرص، وإعوجاج العمود الفقري، كلها شفيت، وأوقف العواصف، وتضاعف الخبز والسمك، وابناء وبنات أقيموا من الموت. إن هذا يفوق أي تناظر أو تماثل.
” ثالثا، أهم شيء يميز يسوع هو كيف كان يصنع المعجزات بسلطته الخاصة. فهو الذي يقول ” لو أني بأصبع الله أخرج الشياطين، فإن ملكوت الله موجود بينكم” وهو هنا يشير إلى نفسه. ويقول ” إنني قد مُسحت لأطلق سراح الأسري”، كما أنه يرجع الفصل للآب في كل ما يفعله، ولكنك لا تجده أبداً يطلب من الله أن يفعله ـ بل يفعله بقوة الله الآب ـ وفي هذا ليس له نظير أطلاقاً.
” وهذا يتفق تماما مع الطريقة المختلفة التي يتحدث بها عن نفسه ” إن كل السلطة قد منحت لي “، ” إحترمونى بإجلال كما تحترموا الآب”،” السماء والارض تزولان لكن كلامي لا يزول “. فإنك لن تجد المعلمين اليهود يتكلمون بهذه الطريقة في أي مكان “.
فلما وصلنا إلى نهاية هذا الجدال السريع والعنيف، قلت له بضحكة مكتومة ” إذن ما هو رأيك؟”.
فضحك بويد ثم قال: ” أي مقابلات مع معلمين يهود يصنعون العجائب، سترتاح إلى المط والتوسيع”.
يسوع وأبولونيوس المدهش
لم أكن أريد أن أسمح لمهارات بويد في المجادلة تخيفيني أو ترعبني. فقررت أن اثير مسألة أصعب فقلت له: يبدو أن التناظر الأقوى كان بين يسوع والشخصية التاريخية الذي يدعى أبولونيوس من تيانا.
فقلت لبويد ” أنك تعرف هذا الدليل مثلما أعرفه تماماً. فهنا نجد شخصاً من القرن الأول قيل إنه كان يشفي الناس، ويطرد الشياطين، وربما أنه أقام فتاة شابة من الموت؛ كما أنه ظهر لبعض أتباعه بعد موته. فإن الناس يشيرون إلى هذه المسألة ويقولون ” آه، لو كنت ستعترف وتسلم بأن حكاية أبولونيوس أسطورة فلماذا لا تقول نفس الشيء عن حكاية يسوع؟”.
فأومأ بويد برأسه ليبين أنه يتابعني ثم قال ” سأعترف مبدئياً أن هذه المسالة مثيرة. عندما سمعت عن أبولونيوس لأول مرة كطالب في الكلية، ذهلت فعلاً. لكنك لو درست التاريخ بهدوء وبطريقة موضوعية، فستجد أن النظراء المزعمين لن يصمدوا.
وحيث أنني أحتاج للتفصيلات، وليس للعموميات، قلت له “إستمر، إعمل ما في وسعك لإثبات هذه النقطة “. فقال لي ” حسناً، أولاً إن فيلوستراتوس، كاتب سيرة حياة أبولونيوس، كان يكتب عنه بعد قرن ونصف من ايام كان أبولونيوس على قيد الحياة، بينما الأناجيل كتبت في خلال جيل واحد من حياة يسوع. فكلما كان الزمان أقرب من الحدث، كلما قلت فرصة لننمو الأساطير أو للخطأ أو تشويش الذكريات.
” وهناك نقطة أخرى وهي أن لدينا أربعة أناجيل، مؤيدة من بولس، من الممكن إعادة مراجعتها إلى درجة معينة بواسطة مؤلفين غير إنجيليين، مثل يوسيفوس وآخرين. لكن في حالة أبولونيوس نتعامل مع مصدر واحد. وبالإضافة إلى أن الأناجيل نجحت في إختيارات قياسية إستخدمت لتقييم مصداقيتها التاريخية، ولكننا لا نستطيع قول ذلك عن قصص أبولونيوس.
” وفوق كل هذا، فإن فيلوستراتوس كان مكلفاً من إمبراطورة بكتابة سيرة الحياة لكي تكرس معبد أبولونيوس. فقد كانت من أتباع أبولونيوس، لذلك فإن فيلوستراتوس من المفترض بأنه كان لديه حافز مالي لتزيين القصة وإعطاء الإمبراطورة ما تريد. من ناحية أخرى، فإن كُتّاب الأناجيل لم يكن لديهم شيء ليكسبوه أو كثير ليفدوه من كتابة حياة يسوع، وما كان عندهم دوافع خفية مثل الكسب المالي.
” أيضا، طريقة كتابة فيلوستراتوس مختلفة تماماً عن طريقة كتابة الأناجيل. فالأناجيل لها رؤية واثقة جداً لشاهد عيان، وكأن لديهم كاميرا. أما كتابات فيلوستراتوس فتتضمن كثيرا من العبارات المترددة مثل ” لقد بلغنا أن …” أو ” بعض الناس يقولون إن هذه البنت الصغيرة قد ماتت؛ وآخرون يقولون إنها كانت مريضة فقط”. ثم أنه لمصلحته يتراجع ويعامل القصص على أنها قصص.
ثم أن هناك نقطة هامة: أن فليوستراتوس كان يكتب في اوائل القرن الثالث في كبودوكية، حيث كانت المسيحية موجودة بها منذ فترة طويلة. لذا فأي استعارة يكون هو الذي إستعارها، وليس المسيحيين. ويمكنك أن تتخيل أتباع أبولونيوس يرون المسيحية كمنافس فيقولون ” أه، حسناً؟ إن أبولونيوس فعل نفس الأشياء التي فعلها يسوع!” وتلك من نفس نوع القول ” إن أبي يستطيع أن يغلب أبوك!”.
” وهناك نقطة أخيرة، هي أنني مستعد أن أعترف بأن أبولونيوس ربما قد صنع بعض الأشياء المذهلة أو على الأقل خدع الناس فجعلهم يظنون أنه فعلها. ولكن هذا لن يشوه الأدلة المؤيدة ليسوع بأية حال من الأحوال. وحتى لو سلمت بأدلة أبولونيوس فما زال واجبا عليك أن تدرس الأدلة المؤيدة ليسوع “.
يسوع و” الديانات السرية “
حسناً، فكرت في نفسي، أن نعطي لهذه المسألة محاولة واحدة أخرى. الكثير من طلبة الكليات يتعلمون مما يُدرس لهم أن العديدُ من الموضوعات التي شوهدت في حياة يسوع ما هي إلا مجرد أصداء ” الديانات السرية ” القديمة، التي فيها حكايات عن ألهة تموت ثم تقوم من الموت، وطقوس العماد والتناول. فسألته:” ما رأيك في هذه التناظرات؟”.
فأجاب كانت هذه النقطة موضوع جدال شائع جداً في بداية القرن، ولكنها إضمحلت عموماً لأنها كذبت ولم يصدقها أحد. أولا لأن التوقيت التي تضمنته، لو كنت ستجادل لموضوع الإستعارة، فلابد أن تكون في إتجاه من المسيحية إلى الديانات السرية، وليس العكس.
“كما أن الديانات السرية كانت ديانات مبدأها إعمل ـ كل شيء ـ يخصك بنفسك وكانت تستعير الأفكار بحرية من أماكن مختلفة. ومع ذلك، فإن اليهود كانوا يصونون معتقداتهم بعناية من المؤثرات الخارجية. إذا كانوا يعنبرون أنفسهم كشعب مميز ومختلف، وكانوا يقاومون الأفكار والشعائر أو الطقوس الوثنية بشدة “.
ومن ناحيتي كانت أهم التناظرات المحتملة هي تلك الحكايات الأسطورية عن ألهة يموتون ثم يقومون من الموت، سألت ” أليست هذه القصص مُشابهة للمعتقدات المسيحية؟”.
فقال بويد ” بينما من الصواب أن نقول إن بعض الديانات السرية كانت بها قصص عن آلهة تموت ثم تقوم من الموت، فإن هذه القصص كانت دائماً تدور حول دورة الحياة الطبيعية للموت ثم الولادة الثانية فالمحاصيل تموت عند سقوطها ثم تعود إلى الحياة في الربيع. فالناس يعبرون عن أعجوبة هذه الظاهرة المتكررة من خلال الحكايات الأسطورية عن آلهة تموت ثم تقوم من الموت. وكانت هذه الحكايات تُقدم دائماً في شكل أسطوري. وكانت تصور الأحداث التي حدثت “في قديم الزمان وسالف العصر والأوان”.
” لاحظ التناقض بين هذه وصورة يسوع في الأناجيل. فالأناجيل تتحدث عن شخص عاش فعلاً قبل ذلك بعشرينات عديدة من السنين ـ وتذكر أسماء فتقول، أنه صلب تحت حكم بيلاطس البنطي، عندما كان قيافا هو رئيس الكهنة، وأبو الإسكندر ورفوس حمل صليبه، مثلاً. فهذه أشياء تاريخية واقعية ملموسة. وليس لها علاقة مشتركة مع قصص عن أحداث مفروض أنها حدثت “في قديم الزمان وسالف العصر ولأوان”.
والمسيحية ليس لها علاقة بدورات الحياة أو المحاصيل. لكن لها علاقة بعقيدة يهودية جداً، التي ليست موجودة في الديانات السرية، عن قيامة الأموات، وعن الحياة الأبدية، والتصالح مع الله.
” أما فيما يتعلق بالإيحاء بأن معتقدات العهد الجديد عن العماد والتناول جاءت من أديان سرية، فهذا مجرد هراء وكلام فارغ. أولاً، لأن دليل هذه التناظرات المزعومة يأتي بعد القرن الثاني، وبذا فأي إستعارة لابد أنها جاءت من المسيحية، وليس العكس.
” وعندما تتمعن بعناية، تجد أن هذه التشابهات تختفي. فمثلاً، للوصول إلى مستوى أعلى في طائفة الميثرا (الفارسية)، كان على أتباعها الوقوف تحت ثور اثناء ذبحه، وبذا يمكنهم الإغتسال بدمه وأحشائه. وبعد ذلك ينضمون مع الآخرين في تناول الثور.
” والآن، لإقتراح أن اليهود كانوا سيجدون أي شيء جذاب في هذه العملية ويريدون أن يشكلوا العماد والتناول على نمط هذه العملية البربرية فهذا شيء غير قابل للتصديق أبداً، لهذا السبب فإن معظم العلماء لا يؤيدوه”.
الأناجيل السرية والصلبان الناطقة
بالرغم من أن مكتب بويد كان مضطرباً وغير منظم، إلا أن عقله كان حاد الذكاء ومنظم جداً. فتحليله لهذه التناظرات والتشابهات المليئة بالأسرار لم يترك إلا مجال آخر قليل للشك. لذا قررت الإنتقال إلى مجال آخر حيث كثيراً ما تكتب عنه وسائل الإعلام وهو: ” الإكتشافات الجديدة” التي كثيراً ما تكون موضوع كتب المشاركين في مؤتمر يسوع.
فقالت له ” هناك الكثير من الكتابات في الصحف الشعبية عن إنجيل توما، وإنجيل مرقس السري، وإنجيل الصليب، وإنجيل الصليب، والـ Q، فهل هناك فعلاً أي اكتشافات جديدة تغير طريقة تفكيرنا عن يسوع؟”.
فتنهد بويد بغضب ” كلا، ليس هناك إكتشافات جديدة تخبرنا بأي شيء جديد عن يسوع. أما إنجيل توما فقد اكتشف منذ فترة طويلة، لكنه يستعمل الآن فقط لخلق وإيجاد يسوع آخر بديل. وبعض النظريات عن إنجيل توما قد تكون جديدة، ولكن الإنجيل نفسه ليس بجديد.
” أما بالنسبة لـ Q، فهو ليس إكتشاف بل نظرية كانت وظلت منتشرة لمدة قرن ونصف، وهذه النظرية تحاول أن تعلل المواد أو المعلومات المشتركة بين لوقا ومتى. والجديد فيها هو الطريقة المشكوك فيها للغاية التي يستخدمها العلماء اليساريين لإفتراضاتهم السابقة لكي يقسموا هذه الـ Q، الافتراضي إلى مراحل مختلفة من التطور الأسطوري لدعم نظرياتهم التي سبق وضعها”.
عرفت أن جون دومنيك كروزسان، ربما العالم الأكثر تأثيراً في مؤتمر يسوع، كان له إدعاءات قوية حول إنجيل يدعى مرقس السري. وفي الواقع إنه يؤكد أن إنجيل مرقس السري ربما يكون فعلاً ترجمة لم تخضع للرقابة ـ لإنجيل مرقس ـ تحتوى على مسائل سرية للعارفين ببواطن الأمور الروحية4. وقد استخدم البعض هذا الإنجيل ليزعموا أو ليدعوا أن يسوع كان في الواقع ساحر أو أن عددا من المسيحيين الأوائل كانوا يمارسون الشذوذ الجنسي. وهذا السيناريو التأمري إستحوذ على إنتباه وسائل الإعلام.
فسألت بويد: ” ما الدليل على هذا؟”. فأجاب بسرعة ” لا شيء “.
ومع أنه على ما يبدو لم يجد ضرورة للتوسع، إل أنني طلبت منه توضيح ما يقصده. فقال ” كما ترى، ليس لدينا إنجيل مرقس سري، والذي عندنا هو عالم وجد معلومة مقتبسة من كليمنت الأسكندري، من أواخر القرن الثاني، والتي من المفروض أنها من هذا الإنجيل. والآن حتى هذه المعلومة إختفت، بطريقة غامضة”.
” فنحن لا نملكها، وليس لدينا جزء مقتبس منها، وحتى لو كان لدينا إقتباس منها، فليس لدينا أي مبرر يجعلنا نظن أنها أعطتنا أي معلومات صالحة عن يسوع التاريخي أو ماذا كانت فكرة المسيحيين الأوائل عنه. وفوق كل هذا أننا نعرف من قبل أن كان له سجل سابق يدل على كونه ساذج في قبول الكتابات المزيفة.
” إذن مرقس السري، هو عمل غير موجود، ذكر في كتاب غير موجود الآن من قبل كاتب ميت من القرن الثاني، معروف عنه أنه ساذج فيما يتعلق بهذه الأمور. والغالبية العظمى من العلماء لا يعطون لهذا أي مصداقية. ولسوء الحظ فالذين يعطوه المصداقية لديهم صحف كثيرة، لأن وسائل الإعلام تحب الموضوعات الأكثر إثارة”.
إن كروزسان يعطي مصداقية أيضاً لما يسمى ” إنجيل الصليب ” فسألت بويد ” هل هذا الإنجيل أكثر نجاحاً؟”.
فأجاب بويد ” كلا، معظم العلماء لا يعطونه مصداقية، لأنه يحتوي على أساطير أجنبية. فمثلاً، يخرج يسوع من القبر ومنظره ضخم، ثم يصعد إلى ما وراء السماء، ثم يخرج صليب من القبر ويتكلم فعلاً! ومن الواضح أن الاناجيل الاكثر اعتدالاً يمكن الإعتماد عليها أكثر من أي شيء موجود في هذه الحكاية. فهو يتوافق مع الكتابات المشكوك في صحتها والتي ظهرت فيما بعد. وفي الواقع أنه يعتمد على معلومات من الإنجيل، لذلك كان يجب أن يكون تاريخه متأخراً عن تاريخ الأناجيل”.
على خلاف الأغلبية الساحقة من الخبراء الكتابيين، قبل مؤتمر يسوع إنجيل توما ومنحه منزلة رفيعة جداً، ويرفعونه إلى مكان مساو للأناجيل الأربعة التقليدية. وفي الفص الثالث من هذا الكتاب إنتقد دكتور بروس متزجير هذا الوضع بشدة لكونه غير مرخص وغير مسموح به.
فسالت بويد عن رأيه” لماذا لا يُعطى لإنجيل توما هذا النوع من الشرف؟”.
فقال ” كل واحد يعرف أن هذا الإنجيل متأثراً جدا بمذهب العرفان (الغنوسية)، التي كانت حركة دينية في القرن الثاني، والثالث، والرابع التي كان من المفترض أن لها بصيرة سرية، أو معرفة، أو رؤى أو إلهام، يمكن أن يسمح للناس أن يعرفوا مفتاح الكون. فالخلاص هو بما كنت تعرفه فكلمة ” غنوس ” في الكلمة اليونانية معناها ” يعرف “.
” لذا، فمعظم العلماء يرجعون تاريخ توما إلى منتصف القرن الثاني، حيث يتوافق مع البيئة الثقافية. دعني أعطيك مثال: فهو ينسب إلى يسوع أنه قال” كل إمرأة تحول نفسها إلى رجل ستدخل ملكوت السموات”، وهذا ينافض موقف يسوع نحو المرأة كما تعرفه لكنه يتوافق جيداً مع عقلية وطريقة التفكير الغنوسي، الذين يؤمنون أن الخلاص يأتي عن طريق المعرفة الروحية.
” ومع ذلك، فإن مؤتمر يسوع تعلقوا بطريقة إعتباطية بفقرات معينة من إنجيل توما، وجادلوا أن هذه الفقرات تمثل مجموعة من التقاليد عن يسوع أقدم حتى من الأناجيل التي تعترف بها الكنيسة، في الأناجيل القانونية.
” ولأن ولا واحد من هذه الفقرات تتضمن أي إدعاءات سامية ليسوع على نفسه، أو أنه بأعمال خارقة للطبيعة، فأنهم يجادلون بأن المشهد الأقرب ليسوع أنه كام مجرد معلم عظيم. ولكن الجدال كله غير مباشر. فالمبرر الوحيد لإعتقادهم أن هذه الفقرات في إنجيل توما قديمة أولاً لأنها تحتوي على صورة ليسوع يعتقد هؤلاء العلماء أنه يسوع الأصلي. وفي الواقع ليس هناك سبب وجيه لتفضيل إنجيل توما الذي يرجع إلى القرن الثاني على أناجيل القرن الأول التي في العهد الجديد.
التاريخ مقابل الإيمان
يسوع التاريخ ويسوع الإيمان: يعتقد أعضاء مؤتمر يسوع بوجود فجوة كبيرة بين الإثنان. ففي رأيهم أن يسوع التاريخ كان رجلاً ذكياً سريع الخاطر مثقف ولم يدعي أبداً أنه إبن الله، بينما يسوع الإيمان هو عبارة عن مجموعة من المشاعر والأفكار الباعثة على الإرتياح التي تساعد الناس أن يعيشوا حياة مستقيمة ولكنها في النهاية مبنية على التفكير في أن يفعلوا ما يتمنون فعله.
فعندما أثرت هذا الموضوع قال بويد ” ليس هناك فجوة بين يسوع التاريخ ويسوع الإيمان. فإنك إذا لم تصدق كل شيء يقول إن يسوع إله وأنه عمل علي مصالحة الناس مع الله، فستجد بأن هناك تناقض واضح بين الأثنان.
” وهم على العموم، يُعرّفون يسوع الإيمان بهذه الطريقة: هناك رموز دينية لها مغزى واضح عند الناس، رمز كون يسوع إله، والصليب، والمحبة الفادية، والقيامة. ومع أن الناس لا يؤمنون فعلاً بأن هذه الأشياء حدثت فعلاً. فبالرغم من ذلك تُلهم الناس أن يعيشوا حياة صالحة، ويتغلبوا على الرعب الوجودي، وإدراك القوى الكامنة الجديدة، لبعث الأمل في وسط اليأس هراء، هراء، هراء “. ثم هز كتفيه مستهجناً، وقال ” أسف، لقد سمعت هذه العبارة كثيراً، حتى أنها مازالت تحتل أذني!
” لذا يقول هؤلاء التحرريين أن الأبحاث التاريخية لا يمكنها أن تكتشف يسوع الإيمان، لأن يسوع الإيمان لي له جذور تاريخية. فهو مجرد رمز. لكن أسمع: يسوع ليس رمزاً لأي شيء ما لم يكن له جذر في التاريخ. وإن قانون الإيمان طبقاً للمجمع المسكوني لا يقول ” نتمنى أن تكون هذه الأشياء صحيحة” بل يقول “يسوع المسيح صلب تحت حكم بيلاطس البنطي، وفي اليوم الثالث قام من الموت” ثم يستمر من هذه النقطة.
“فالحقيقة اللاهوتية مستندة على الحقيقة التاريخية. وتلك هي الطريقة التي يتحدث بها العهد الجديد. أنظر إلى عظة بطرس في الأصحاح الثاني من أعمال الرسل. فهو يقف ويقول: ” أيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ يَسُوغُ أنْ يُقَالَ لَكُمْ جَهَاراً عَنْ رَئِيسَ الآبَاءَ دَاوُدَ إِنَّهُ مَاتَ وَدُفَنَ وَقَبْرُهُ عَنْدَنَا حَتَّى هَذَا الْيَوْمَ. فَإِذْ كَانَ نَبِيّاً وَعَلَمَ أَنَّ الله حَلَفَ لَهُ بَقَسَم أنَّهُ مَنْ ثَمَرَةَ صُلْبَهَ يُقِيمُ الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدَ لِيَجْلَسَ عَلَى كُرْسِّيِّهِ سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةَ الْمَسِيحَ أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ في الْهَاوَيَةَ وَلاَ رَأى جَسَدُهُ فَسَادَاً. فَيَسُوعُ هَذَا أَقَامَهُ الله وَنَحْنُ جَمِيعاً شُهُودٌ لَذَلَكَ. وَإِذِ ارْتَفَعَ بِيَمِينَ الله وَاَخَذَ مَوْعَدَ الرّوحَ الْقُدُسَ مِنَ الآبَ سَكَبَ هَذَا الَّذِي أنْتُمُ الآنَ تُبْصَرُونَهُ وَتْسمَعُونَهُ. لأَنَّ دَاوُدَ لَمْ يَصْعَدْ إِلَى السَّمَاوَاتَ. وَهُوَ نَفْسُهُ يَقُولُ: قَالَ الرَّبُّ لرَبِّي اجْلَسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أعْدَاءَكَ مَوْطَئاً لِقَدَمَيْكَ. فَلْيَعْلَمْ يَقِيناً جَمِيعُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ أَنَّ الله جَعَلَ يَسُوعَ هَذَا الذي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ رَبَّاً وَمَسِيحَاً”.
“خُذ المعجزات وأنت تأخذ القيامة، وبعد ذلك لن يبقى لديك شيء للإعلان. قال بولس إن لم يقم يسوع من بين الأموات، فإيماننا باطل، وعديم الفائدة، وفارغ “.
ثم توقف بويد لحظة. وانخفض صوته درجة من طريقة الوعظ إلى تعبير قوي عن الإقتناع الشخصي، ثم قال بعزم وتصميم: ” إني لا أريد أن أبني حياتي على رمز، أريد الحقيقة، والإيمان المسيحي مُتجذّر دائماً في الواقع. أما الذي ليس له جذور في الحقيقة فهو إيمان العلماء التحرريين. أولئك الذين يتتبعون أملاً كاذبا أو وهماً، لكن المسيحية ليست أملاً كاذباً أو وهماً”.
الجمع بين التاريخ والإيمان
لقد قضينا الكثير من الوقت في الحديث عن يسوع الذي يؤمن به أعضاء مؤتمر يسوع، يسوع رمزي، ولكنه لا يقدر أن يقدم للعالم أي شيء سوى وهم الأمل. ولكن قبل أن نفترق، أردت أن أسمع عن يسوع الذي يؤمن به جريجوري بويد إنني محتاج أن أعرف إذا كان يسوع الذي يبحث أبحاث، ويكتب كتب علمية عنه كأستاذ علم اللاهوت، هو نفس يسوع الذي يلقي يعظ عنه في كنيسته صباح أيام الأحد.
فقلت له” دعني افهم هذه النقطة بوضوح، يسوعك الذي تنتمي إليه، أهو كل من يسوع التاريخ ويسوع الإيمان؟”.
وهنا أطبق بشدة على قبضة يده ليؤكد كلامه كأني قد قرأت أفكاره ” نعم، إنه هو بالضبط ما أومن به!”.
وبعد أن قال هذه الكلمات متعجبا، تحرك حتى أصبح على حافة الكرسي وقد أحس أنه قد عبّر تماماً عما جعلته ثقافته وقلبه يؤمن به.
ثم قال ” إن هذه تشبه ما يأتي: لو أحببت شخصاً فأن حبك يتجاوز حقائق هذا الشخص. ولكن جذوره راسخة في حقائق هذا الشخص. فمثلا، أنت تحب زوجتك لأنها رائعة الجمال، ولطيفة، وحلوة، وحنونة. فكل هذه الأشياء حقائق عن زوجتك، لذلك فأنت تحبها.
“ولكن حبك يتجاوز هذا الأمر. فقد تعرف كل هذه الأشياء عن زوجتك ولكنك لا تعشقها ولا تثق فيها، لكنك فعلا تحبها. وهكذا فالقرار يتجاوز حدود الدليل، ومع ذلك فالحب موجود على أساس الدليل. “وهذا هو نفس الوضع في حالة الوقوع في حب يسوع. فلكي تكون لك علاقة مع يسوع المسيح فهذه العلاقة تتجاوز مجرد معرفة الحقائق التاريخية عنه، رغم أنه مُتجذُّر في الحقائق التاريخية عنه. فإني أؤمن بيسوع على أساس الأدلة التاريخية، ولكن علاقتي بيسوع تتجاوز حدود هذه الأدلة. يجب أن أضع ثقتي فيه وأمشي معه على أساس علاقة يومية”.
فقاطعته لأقول ” نعم، ولكن هل تُسلّم بأن المسيحية تدعي بعض الإدعاءات عن يسوع من الصعب تصديقها”.
فأجاب قائلاً” نعم، بالطبع أسلّم بهذا. ولهذا السبب أشعر بسعادة لأن لدينا أدلة قوية لدرجة لا يمكن تصديقها، تبين لنا أن هذه الإدعاءات صادقة”.
ثم أضاف ” بالنسبة لي، أعتقد أنه ليس هناك منافسة فالدليل الذي يثبت أن يسوع كان كما قال عنه تلاميذه، وأنه صنع المعجزات التي قالوا إنه صنعها، وأنه قام من الأموات وأنه إدعى هذه الإدعاءات عن نفسه، كل هذه تبتعد مسافة تبلغ سنين ضوئية عن مبرراتي لمجرد التفكير في العلماء اليساريين ينفي نادي مؤتمر يسوع علي أنهم على صواب.
ما الذي لدى هؤلاء العلماء؟ حسنا، هناك تلميح قصير عن إنجيل “سري مفقود”، في رسالة يرجع تاريخها إلى أواخر القرن الثاني، ولسوء الحظ أن هذه الرسالة شوهدت من قبل شخص واحد وأن الآن قد فقد. وهناك قصة يرجع تاريخها إلى القرن الثالث تحكي عن الصلب والقيامة وتحكي عن صليباً ناطقاً وأن أقل من حفنة من العلماء يعتقدون أن تاريخها يرجع إلى ما قبل الأناجيل. ثم هناك مستند غنوسي، يحاول بعض العلماء أن يرجعوا بعض أجزائه إلى تاريخ مبكر لكي يدعموا تصوراتهم سلفا. وهناك وثيقة إفتراضية بنيت على فرضيات مهزوزة تقطع إلى إجزاء أصغر وأصغر بإستخدام الجدال المتكرر”.
وهنا تراجع بويد إلى الوراء على كرسيه، ثم قال وهو يهز رأسه “لا، أنا أسف، أنا لن أشتريه. أن الشيء الأكثر معقولية هو أن أضع ثقتي في الأناجيل التي نجحت في إختبارات الفحص التاريخي نجاحاً باهراً أفضل من أن أعلق آمالي على ما يقوله أعضاء مؤتمر يسوع”.
عاصفة من النقد
عدت إلى فندقي، وأعدت في ذهني مقابلتي مع بويد. فشعرت بنفس ما كان يشعر به: إذا لم يكن يسوع الإيمان هو أيضاً يسوع التاريخ، لأصبح ضعيفاً عاجزاً وبلا معنى. وإذا لم يكن له جذور في الواقع، وإذا لم يكن قد برهن على ألوهيته بقيامته من الموت حياً، لأصبح مجرد رمز باعث على الإرتياح لكنه عديم الأهمية مثل سانتا كلوز (بابا نويل).
ولكن هناك دليل قوي بأنه أكثر من ذلك. لقد سمعت حتى الآن شهود عيان مدعمين بشكل جيد، وأدلة مستندية، ومدعمة وعملية تؤيد إدعاء العهد الجديد أنه الله المتجسد، وكن مستعداً لأن أقطع الطريق مرة أخرى لكي أحفر مستخرجاً أدلة تاريخية أخرى حول شخصيته وقيامته.
في نفس الوقت ليس جريج بويد هو الصوت الوحيد الذي يصرخ محتجاً ومعترضاً علي نادي مؤتمر يسوع، فهو جزء من عالية متزايدة من النقد، ليس فقط من الإنجيليين المتحفظين المشهورين، بل أيضاً من علماء أخرين محترمين يمثلون تشكيلة واسعة من الخلفيات اللاهوتية.
وهناك مثال قريب مثل المكان الذي أقضي فيه ليلتي في الفندق حيث إلتقت كتابا بعنوان ” يسوع الحقيقي”، الذي إشتريته مؤخراً. مؤلفه هو الدكتور لوك تيموثي جونسون، الأستاذ المُعتبر جداً للعهد الجديد والأصول المسيحية في مدرسة كاندلر للاهوت، بجامعة إموري. وجونسون كاثوليكي روماني، كان راهبا بنديكتي قبل أن يصبح عالماً متخصصاً في دراسة الكتاب المقدس، ومؤلفاً عدداً من الكتب المؤثرة.
وأن جونسون يشوه نادي مؤتمر يسوع بطريقة منظمة، فيقول: ” إنه لا يمثل مطلقاً جوهر ثقافة العهد الجديد، بأي حال من الأحوال. إنه يتبع عملية متحيزة ضد أصالة تعاليم الإنجيلية، ونتائجه قد تقررت فعلاً قبل موعدها”. ويستنتج أن ” هذه ليست دراسة مسئولة، أو حتى ناقدة، إنها تمثيلية تطلق العنان للرغبات المنغمسة في الشهوات”.
ثم يستمر في نقده ليقتبس ما قاله علماء آخرون مشهورون لهم آراء مشابهة، ومن بينهم الدكتور هوارد كلارك كي، الذي دعي نادي مؤتمر يسوع ” عار أكاديمي”، وريتشارد هايز من جامعة ديوك، الذي كتب مراجعة لكتاب ” الأناجيل الخمسة” وفيها يؤكد ” أن القضية التي يجادلها الكتاب، لن تستطيع الدفاع عن نفسها في أي محكمة”.
وهنا أغلقت الكتاب وأطفأت النور. وغداً سأستأنف البحث عن أدلة تستطيع أن تواجه أي هجوم.
مشاورات – أسئلة للتأمل ومجموعات الدراسة
- هل قرأت قصص إجبارية عن آراء مؤتمر يسوع؟ ماذا كان ردك على ما جاء فيها؟ هل أعطتك هذه المقالات الإنطباع أن مكتشفات نادي مؤتمر يسوع تمثل رأي معظم العلماء؟ ما الأخطار التي تراها في الإعتماد على وسائل الإعلام في تقرير عن مسائل من هذا النوع؟
- عندما تجري بحثك الخاص عن يسوع، يجب أن تستبعد أي إمكانية للأشياء الخارقة للطبيعة منذ البداية، أم تسمح لنفسك بدراسة جميع الأدلة التاريخية حتى لو كانت تشير إلى المعجزات بأنها قد حدثت؟ ولماذا؟
- قال بويد” لا أريد أن ابني حياتي على رمز، بل أريد الحقيقة الواقعة …” لماذا توافق أو تختلف؟ هل يكفي أن يكون يسوع رمز للأمل أم أنه يهمك أن تثق بأن حياته، وتعاليمه، وقيامته لها جذور في التاريخ؟ ولماذا؟
لمزيد من الأدلة – مصادر أخرى حول هذا الموضوع
Boyd, Gregory A. Cynic Sage Or Son Of God? Recovering The Real Jesus in an Age Of Revisionist Replies. Wheaton, III.: Bridgepoint,1995.
–. Jesus Under Siege. Wheaton, III.: Victor, 1995.
Johnson, Luke Timothy. The Real Jesus. San Francisco, 1996.
Wilkins, Michael J., And J.P Moreland, Eds. Jesus Under Fire. Grand Rapids: Zondervan,1995.
- Henry Campbell Black, Black’s Law Dictionary 5th ed. (St. Paul, Minn.: West 1979), 1139.
- Lee Strobel, «His <I Shot Him> Stuns Courtroom, » Chicago Tribune (June 20, 1975) and «Pal’s Confession Fails; Defendant Ruled Guilty, » Chicago Tribune (June 21, 1975).
- Gregory A. Boyd Jesus under Siege (Wheaton, 111.: Victor, 1995), 88.
- John Dominic Crossan, The Historical Jesus (San Francisco: Harper-SanFrancisco, 1991), 329.
- Johnson, The Real Jesus, 3, 5, 8.
- Ibid, 26.
- Ibid.