الخلقة الثانية الروحية والبحث عن دور المرأة فيها
القمص متى المسكين
الخلقة الثانية الروحية والبحث عن دور المرأة فيها – القمص متى المسكين
“المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح ” (يو 3 :6).
نشاط الإنسان بدون الله:
إن أعظم صورة تعبر عن المصير المحتوم للمسيرة الجسدية للإنسان على الأرض، في سعيه النشيط نحو تحقيق الذات وبلوغ منتهى طموح العقل، بالعمل اليدوي والجهد والتعاون المشترك القائم على ما هو بشري فقط دون تدخل عنصر الروح أو الله؛ هي قصة برج بابل !!
ــ “…. وقال بعضهم لبعض هلم نصنع لبنا ً ونشويه شياً؛ فكان لهم اللبن مكان الحجر وكان لهم الحُمر مكان الطين. وقالوا هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجا ً رأسه بالسماء، ونصنع لأنفسنا اسماً لئلا تتبدد على وجه كل الأرض. فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما. وقال الرب: هو ذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم وهذا ابتداؤهم بالعمل؛ والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه.
هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض. فبددهم الرب من هناك على وجه كل الأرض، فكفوا عن بنيان المدينة؛ لذلك ُدعي اسمها بابل، لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض، ومن هناك بدّدهم على وجه كل الأرض” (تك 11:1-9).
إنها قصة مخيفة حقا ً، لأنها تعبر عن أعظم محاولة فاشلة للتعاون البشري، تمت على الأرض؛ وقد كانت على أعلى مستوى من التخطيط والتنفيذ بين الجماعة، إذ اتجه الفكر الواحد والرأي الواحد والمشيئة الواحدة ضد الله مباشرة، لتخليد الإنسان وارتفاعه نحو السماء بمبنى شاهق. هذا الجنوح نحو التأله، كان بسبب غياب الهدف الروحي أو الاتجاه القلبي نحو حب الله والقريب، ليس لبناء البرج بل النفس حتى تبلغ السماء.
إن ناطحات السحاب في المدن الحديثة، والأبراج المقامة في كل المدن العظمى، والصواريخ المتجهة نحو القمر والكواكب، وبقاء الإنسان معلقاً في الهواء فوق الأرض شهوراً طويلة، إنما تعبر عن استمرار عقدة برج بابل في قلب الإنسان القديم لتخليد نفسه؛ وهو مستمر في تنفيذ خطته بالتعاون المشترك وتبادل المعلومات في علوم الفضاء والتكنولوجيا الحديثة بين أقصى اليسار وأقصى اليمين، في الوقت الذي فشل فيه التعاون على المستوى الروحي والإنساني بين هذه الدول لصالح فقراء العالم وأمن البشرية.
وهذه المحاولات كلها تنتهي عند حقيقة واحدة هي أن الإنسان يحاول الهروب من واقعه الداخلي، لذلك يصمم على الانطلاق بعيداً عن ذاته وعن واقعه، وعن الأرض برمتها؛ فهو لا يريد أن ” يأتي ملكوت الله ” إليه، بل ينطلق هو إلى الفراغ ليحقق ملكوته هو في اللاوزن.
الخلقة الجديدة وميلاد الإنسان ثانية من فوق من الماء والروح:
إن الوجه المقابل لحادثة برج بابل ــ سواء التاريخية المسجلة في التوراة أو تلك النزعة الطبيعية الذاتية التي لا تزال تحرك عقل الإنسان وتوجه نشاطاته وتعاونياته؛ هو حادثة يوم الخمسين وحلول الروح القدس على الكنيسة المجتمعة، وبدء عمل الله في قلب الإنسان لبناء المدينة الروحية ليست ذات الأبراج الشاهقة على الأرض، بل ذات الأساسات السماوية غير المصنوعة بيد، تلك التي لها كل الصلاحيات للعمل على الأرض مدينة الإنسان ومدنيته للتصالح مع الله.
لقد قصد الله في يوم الخمسين ــ بحلوله في الإنسان بواسطة الروح القدس ــ أن يغير عنصرين أساسين في طبيعة الإنسان وحياته؛ الأول: عنصر القوة الذاتية، والثاني: عنصر الهدف الذي يعيش له الإنسان.
أما عن العنصر الأول فقد صار “الله (نفسه) هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا ” ( في 2: 13 )،
وذلك بحلول الروح القدس وسكناه داخل القلب لقيادة الإنسان وإرشاده وتعليمه.
وأما عن العنصر الثاني ــ هو الهدف الذي كان ينحصر في تحقيق سلطان الإنسان وطموحاته (الرجل بنوع خاص)، فبنوال الإنسان روح القيامة وقوتها صار “لا يعيش فيما بعد لذاته، بل للذي مات من أجله وقام” (2كو 5 :15) وصار هم الإنسان الأول لا أن يكتب سيرة عظمته على الأرض بالقوة والمجد الباطل ــ ليخلد نفسه وذريته وذكراه على مستوى برج بابل ــ بل ليكتب سيرته في السماويات التي منها ينتظر المخلص (في 3: 20).
وهكذا جاء المسيح ليصير المصدر الوحيد للقوة، والهدف الأخير للإنسان؛ وهكذا انتفت كل الأسباب التي فرقت بين الرجل والمرأة.
الرجل والمرأة هما في المسيح إنسان واحد كامل:
إن كان الله قد صار مصدر القوة الحقيقية للإنسان عموما ً( راجع أف 1: 19، أف 3: 7و 16 و20، أع 1: 8)، فقد بطلت حجة الرجل الأولى في اكتساب حقوق فائقة على المرأة بسبب قوته، وأصبحت المرأة بالروح القدس في وضعها المسيحي الجديد ــ أي بقوة المسيح واتحادها بالرجل ــ مساوية تماما ً للرجل في كل ما يخص بناء الإنسان الكامل الجديد وتكميل العمل لاستعلان ملكوت الله : ” لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح؛ إلى أن ننتهي جميعنا إلى وحدانية الإيمان ومعرفة ابن الله، إلى إنسان كامل، إلى قياس قامة ملء المسيح” (أف 4: 12 )، حيث قامة ملء المسيح ليس فيها “ذكر
وأنثى ” بل إنسان (واحد) كامل “وهي هي الكنيسة وهي ” جسد المسيح”.
هكذا يشدد بولس الرسول ” …ليس ذكر وأنثى، لأنكم جميعا ً واحد في المسيح يسوع” (غل3: 28)، وهو لا يقول: ” رجل وامرأة” بل “ذكر وأنثى” قاصدا ً إلغاء مفهوم كل من التمايز والتعالي الجنسي من كافة الوجوه.
وهو بذلك يتغلغل إلى أعماق كل الأسباب التي فرقت بين الرجل والمرأة بسبب الجنس. ويعود بولس الرسول في موضع آخر ليؤكد التساوي المطلق والمتبادل في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة في الحياة المسيحية، بقوله: ” غير أن الرجل ليس من دون المرأة، ولا المرأة من دون الرجل في الرب” (1كو 11: 11)، ثم يعطي هذا التساوي بين الجنسين مفهوما ً آخر غير الذي يقال، على أساس أن حواء هي من آدم: ” فقال آدم هذه الآن عظم من عظمي، ولحم من لحمي …ويكونان جسداً واحدا ً ” (تك 2: 23 و24 ) إذ يقول بولس الرسول كما أن المرأة هي من الرجل وهكذا الرجل أيضاً هو بالمرأة ولكن جميع الأشياء هي من الله” (1كو 11: 12 ).
وهكذا إذ يعيد بولس الرسول كل شيء إلى الله، كمصدر للحياة برمتها، يقرر أنه يمتنع التقديم والتأخير بين الرجل والمرأة في كل شيء، خاصة وان المسيح جعل الاثنين واحد كغاية ونهاية للحياة الحقيقية؛ فالمرأة حين تتحد بالمسيح تساوي الرجل تماما ً حينما يتحد بالمسيح وإذا اتحد الرجل بالمرأة في المسيح صارا في المسيح إنسانا واحدا كاملاً. وهكذا ترتفع مشكلة الجنس إلى المستوى السرائري لتصل إلى الوحدانية في طهارة الرؤية والتفكير وهنا لا يلغي الروح القدس جمال الخلقة الأولى بل يرفع منها العثرة، ويعيدها إلى كمالها.
لذلك يتحتم ألا يغيب عن البال قط، أنه بمجرد ذكر الإنسان الجديد المولود ثانية من فوق من الماء والروح، ينتفي التفريق بين الرجل والمرأة أمام الله في كل حقوق الأخذ الروحي من الله، وكل العطاء الروحي بالله، لأنها من الله وبالله.
كذلك بمجرد أن يخلع الرجل والمرأة من جهة التصرف السابق للإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور، ويتجددا بروح ذهنهما، فإنهما يلبسان الإنسان الجديد، ذا الشكل الواحد ـــ أمام الله وليس أمام الناس ــ حيث ليس ذكراً وأنثى، لأنه يكون “مخلوقا بحسب الله في البر وقداسة الحق” (أف 4: 22)؛ لأن الإنسان الجديد يعود ويأخذ صورة خالقه، حيث يصير المسيح فيه “الكل في الكل ” (كو3: 10 و11)، وهكذا نرى بصورة عملية كيف يصبغ الروح القدس الجنس ــ في المعمودية ــ بصبغة القداسة السرية جدا ً.
ولكن هذا التساوي الكامل والمطلق بين الرجل والمرأة في روحيات الإنسان الجديد ومواهبه الروحية وحقوقه في المسيح، لا يلغي التمايز الخلقي للجسد والفارق التكويني في وظائف الأعضاء والصفات والمميزات الخاصة بكل من الرجل والمرأة إلى الدرجة التي تبيح للمرأة مزاولة كل حقوق الرجل، في ممارسة الحياة الروحية ــ لاسيما داخل الكنيسة أو في وسط الجماعة. فأنوثة المرأة مهما انصبغت بالروح إلا أن بقاءها في الجسد يحدها في السلوك والحرية. وبالرغم من أننا نجد أنه أينما حل الروح
القدس فإنه يجمع بين الجنسين في حالة من القداسة نعتبر أنها هي القداسة الجنسية التي كان يعيشها آدم
وحواء قبل السقوط، إلا أن الرجل يبقى دائما ً رجلا ًوالمرأة مرآة، بكل مميزاتهما و فوارقهما الطبيعية.
حقوق وواجبات المرأة داخل الكنيسة وفي وسط الجماعة:
مع الرسل:
الملاحظ أن الرب لم يعين مع الاثني عشر أحداً من النساء، ولا حتى ضمن السبعين رسولاً، كما أننا لا نجد في إرسالية الرب للتلاميذ بعد القيامة آية إشارة بشأن إرسالية النساء، مع أن بشارة العهد الجديد تقوم أساساً على قيامة المسيح من بين الأموات، والنسوة كن أول من شاهدها وشهد لها وأبلغها !!
وكنا نظن أنه من المفيد والهام لنا جداً، أن نجد شهادة شخصية للعذراء مريم في الأمور الخاصة بيسوع المسيح فيما بعد ميلاده، تلك التي لا يعرفها أحد قط سواها، ولكن على الرغم من ذلك امتنع الإنجيل من تسجيل مثل هذه الشهادة المباشرة، ذاكرا ً لنا شهادة غير مباشرة من بشارة الملاك بالحبل البتولي المقدس وزيارة العذراء لأليصابات، وذلك عن فم آخر، أي كل من القديسين متى ولوقا.
لكن بالرغم من عدم تسجيل الشهادات المباشرة للنسوة المختارات، إلا أن دورهن في الإنجيل بارز وهام ــ وإن كان مستتراً ــ سواء في بيت لحم أو قانا الجليل، أو عند بئر يعقوب، أو في بيت عنيا أو في منزل يوحنا مرقس بأورشليم، أو عند القبر، أو في العلية يوم الخمسين؛ هذا بالإضافة إلى أنهن على مدى خدمة المسيح كلها، كن يتبعنه أينما سار و يعددن له كل ما كان يسمح لهن به من خدمة : “….ونسوة كثيرات كن يخدمنه من أموالهن” (لو 8: 1-3) .
وهنا يلزم الفكر المسيحي جداً، أن يكون له ولو مجرد دراية بوضع المرأة في العهد القديم، وبخاصة أيام المسيح وفي وسط المتدينين والفريسين:
- الفريسي المتعبد التقي، كان يصلي كل يوم في فاتحة النهار شاكراً الله لأنه لم يولد “امرأة أو أبرص أو أممياً نجساً”. ويلاحظ هنا كيف توضع المرأة في مستوى الأبرص والأممي الكلب النجس الذي مجرد مصافحته تنجس!
- والمتقدم في العبادة بين الفريسيين، كان ُيدعى “الفريسي ذا الجروح الدامية، ” لأن مثل هذا التقي كان يلتزم بالسير مطاطىء الرأس وعينه إلى الأرض لئلا تلمح امرأة، من أجل هذا كان معرضاً دائماً أن يصطدم بحائط أو شجرة أو عمود، فتنبطح رأسه أو جبهته فتدمى ــ لذلك كان ُيدعى “بالفريسي الدامي”
- وقصة تعجب التلاميذ عند عودتهم ورؤيتهم معلمهم ــ الرب يسوع ــ جالساً يتحدث مع امرأة يوضح شيوع هذا الاعتبار من جهة انحطاط مستوى المرأة وعزلها عن المجتمع، حتى في نظر التلاميذ.
- كذلك فإن المرأة لم تكن تحسب في عداد الشعب حسب التقليد اليهودي: ” وكان عددهم نحو خمسة آلاف رجل، عدا النساء والأولاد! حيث توضع المرأة في الاعتبار على مستوى الأطفال.
- كذلك نجد بولس الرسول يحن إلى تقليده الفريسي، في ذكر حوادث ظهور الرب المختارين عقب قيامته، فهو يذكر أنه ظهر أولاً لبطرس، وهنا يسقط عمداً اسم مريم المجدلية، ثم يأتي بذكر كل من ظهر لهم المسيح دون أن يذكر امرأة واحدة.
- لكن يأتي هيبوليتس المدعو بالروماني (وهو اسكندري الجنس بكل تأكيد) ويصحح هذا الاعتبار، فيدعو مريم المجدلية بلقب عجيب: “رسولة الرسل “، وذلك في شرحه لسفر نشيد الأناشيد.
لكن النساء بدأن دوراً هاماً في البشارة بالإنجيل، دورا مكملا ً لرسالة الرسل، لأن زوجات الرسل كن يجلن معهم كأخوات وليسوا كزوجات: “أ لعلنا ليس لنا سلطان أن نجول بأخت زوجة، كباقي الرسل وإخوة الرب، وصفا (بطرس) ” (1كو 9: 5)؛ذلك لأنهن كن حاضرات يوم الخمسين وامتلأن من الروح القدس: ” هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم وأم يسوع وإخوته …وكان عدة أسماء معاً نحو مئة وعشرين …..ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معاً بنفس واحدة …وامتلأ الجميع من الروح القدس” (أع1: 2،14 :1 ) .
ويلاحظ هنا بوضوح، اشتراك المرأة في الصلاة والطلبة بمواظبة مع جماعة الرسل، الأمر الذي ظل لاحقاً لها بعد ذلك داخل الكنيسة على مدى العصور. كذلك يلاحظ أن حلول الروح القدس ــ وهو أعلى هبة ــ لم يستثن المرأة، وكذلك الملء من الروح الذي كانت تتبعه المواهب. لذلك يلزمنا أن ننتبه إلى أن الروح القدس بحلوله على المرأة كحلوله على الرجل، وامتلاء المرأة منه كامتلاء الرجل؛ كان أول إشارة ذات فعالية استمرارية لدخول المرأة في مجال النعمة لنيل كل الحقوق المساوية لحقوق الرجل في ملكوت الله.
ويلاحظ أن حلول الروح القدس بنفس السرعة على النسوة، وامتلاءهن منه بنفس القوة، وحصولهن على مواهب الروح، لم يثر أية دهشة أو تساؤل بين التلاميذ أو الكنيسة عامة؛ وذلك بسبب المبادئ والأسس التي سبق أن أظهرها الرب في حياته كنموذج لهذا السلوك الأخلاقي الروحي المتسامي.
لقد وعى التلاميذ درس معلمهم اليومي، كيف كانت النسوة عذارى ومتزوجات يتبعن المسيح ويعددن له حاجاته؛ وكيف كان يخاطب الأجنبية الخاطئة تلك السامرية المنبوذة من بني جنسها، وتلك الخاطئة التي أمسكها الفريسيون في ذات الفعل مطالبين برجمها؛ كيف كان يبدي الحنان والعطف عليهن، ذلك العطف الإلهي الذي يستطيع أن يفدي والذي ليس هو على مستوى الجسد الذي تحركه الغرائز. بل كيف أعلن محبته الفائقة السمو رسمياً نحو مريم ومرثا أختي لعازر: ” وكان يسوع يحب مرثا وأختها ولعازر” (يو 11: 5).
وإن هذا السلوك الذي يسنده الفداء، لهو إلهي بالدرجة الأولى، إذ يخلو من أية عثرة لأي إنسان؛ ولو حاول أي رائد او قائد في الكنيسة أن يحذو حذوه لوقع تحت الدينونة والفضيحة، في الوقت الذي يظهر به المسيح أكثر تفوقاً في الطهارة المضيئة المشعة على أساس الفداء الذي أكمله بموته عن الخطأة والخاطئات.
لذلك تقبلت النسوة حلول الروح القدس وعمله، كامتداد لعمل المسيح وفدائه للمرأة.
وهكذا اقتبلت المرأة حقها لأول مرة في الوجود، وبدون مطالبة أو دفاع أو نزاع؛ ومن الله مباشرة، لتكون مساوية للرجل في كل ما هو لله !!
< p style=”text-align: justify;”>لقد كان الله يدرك ما آلت إليه حال المرأة من انحطاط وعزلة وامتهان على مدى عصور الناموس والحرف والضيق العقلي، فبادر بنفسه إلى أن يحل هذه القيود الحديدية التي وضعها المجتمع البشري حوله يدي المرأة كما حول يدي “عبد”. هكذا رأى بولس الرسول بعيني الروح كيف وهب الروح القدس للمرأة ــ كما للعبيد ــ هذه الحقوق الجديدة في الرب: “ليس عبد ولا حر، ليس ذكر وأنثى؛ لأنكم جميعاً واحد في المسيح” (غل3: 28).
وبصورة مجملة يضع بولس الرسول حرية المرأة في دائرة الروح القدس، وفي دائرة الروح القدس
فقط حيث روح الرب: “حيث روح الرب هناك حرية” (2كو 3: 17) حتى ينتفي التزييف البشري، لأن في غياب ملء الروح القدس، لا يمكن أن تبقى الحرية بدون خطيئة ودينونة.
لهذا، ولشدة الأسف، نجد أنه حينما تفتقد الكنيسة رجالاً ونساء ممتلئين وممتلئات من الروح، أي من فعالية الروح القدس العامل لتحرير الفكر والإرادة والسلوك والجنوح نحو الخطيئة، والداعي إلى وحدة العمل والهدف؛ تبدأ المرأة بالمطالبة بحقوقها، كأنما دخلت في قيودها من جديد؛ حتى أصبحت المطالبة بحرية المرأة هي المرادف الحساس للفراغ من فعالية الروح القدس وملئه، ولدى المرأة والمجتمع الجاحد لحقوقها.
ولا يمكن الآن أن نجد حلاً كلامياً، أو تخطيطا ً أو دراسة أو دورات مسكونية، أو حتى دفاعاً قضائياً، لإعطاء المرأة حقوقها الكاملة إلا بالعودة إلى الروح القدس وإدراك ما عمله المسيح فينا؛ فهو وحده الذي يفك القيود أولاً،ثم يطلق المرأة و الإنسان عموماً إلى الحرية الفائقة السمو و الإدراك، على مستوى المعدلات الخالية من أية تفرقة أو تمايز بشري، بقوة وفاعلية تكون هذه القوة بحد ذاتها البرهان المقنع لصدق الحصول على الحقوق الموهوبة من الله رأساً .
ويلزمنا هنا أن نؤكد أنه مهما بلغت المرأة من مكانة أو صيت عن حق؛ فهي تظل في حاجة إلى الروح القدس لتدرك سمو حقوقها في الله، ويكفينا أن نشير إلى العذراء القديسة مريم ــ أم
واهب الروح القدس ــ وهي تقف وتصلي في العلية مع النساء لتقتبل حلول وملء الروح القدس، لتكميل مسيرة الحياة مع الله.
نعم لكي تتساوى المرأة مع الرجل في الحقوق، يتحتم أن تدرك هي أولاً سمو ميلادها الآخر الذي رفع عنها تدنيها بسبب أنوثتها: ” الذين ولدوا ليس من دم، ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل، بل من الله” (يو1: 13).
لذلك فطالما يعتمد منهج المرأة في الحصول على حقوقها، على فكرة اغتصابها مرة أخرى من الرجل الذي اغتصبها، فلن تبلغ حدود حريتها الحقيقية وحقوقها الأصيلة، الموهوبة لها من الله؛ إذ يلزم ألا يقوم المنهج على المطالبة، بل على إثبات الكفاءة القائمة على الحق شعوراً وعملاً.
المرأة في خدمة الكرازة:
ونحن إذا فحصنا الإنجيل نجد فيه دوراً هاماً وجليلاً للمرأة جاء مؤيداً بمواهب الروح القدس باعتباره صادراً من الله.