من هو الله؟ إنه غير مدرك! يوحنا الدمشقي
من هو الله؟ إنه غير مدرك! يوحنا الدمشقي
ست صفات في الله تدلّ على أن لا جسم له:
إذا إنه لواضح ان الله موجود – ولكن ما هو الله في جوهره وطبيعته؟ إن هذا لا يمكن إدراكه ولا معرفته البتة، وإنه لواضح أيضا أن لا جسم له فكيف من لا يُختبر يكونُ جسماً؟ وهو لا يُحد ولا يصوّرُ ولا يُلمس ولا يُري وبسيط وغير مرُكب؟ وكيف يكون غير متحوّل، إذا كان محصوراً ومنفعلاً؟ وكيف يكون منزّهاً عن الانفعال من هو مركب من عناصر، وسينحل يوماً إليها؟ فالتركيب بدء النفور، والنفور بدء التفكك، والتفكك بدء الانحلال، والانحلال غريب تماما عن الله.
وكيف يصحّ هذا أيضاً أن الله ينفذ الكل ويملأ الكل؟ وعلى حسب ما قال الكتاب: “ألست[1] مالئ السماوات والارض؟ يقول الرب” فالجسم لا يستطيع النفوذ عبر الأجسام دون أن يقطعها وتقطعه، او يشتبك بها وتعارضه، مثلُها مثل جميع الرطوبات التي تختلط وتمتزج بالأشياء.
ويزعم الرواقيون أن الله جسم غير ماديّ وهو الجوهر الخامس:
وإذا قال بعضُهم أيضاً إن الله جسم غير ماديّ اسمه العنصر الخامس، كما يزعم بعض حماء اليونان، نقول: إن هذا لا يمكن وجوده، لأنه يكون حتماً متحركاً، شأنه شأن السماء، وإذا قالوا إنّ هذا جسم خامس، فالذي يحرّكه من يكون؟ – لان كل متحرّك يحرّكه أخر – وذاك من هو؟ ذلك إلي أقصي حدود التصوّر، إلى أن ننتهي إلى من هو لا يتحرّك. فإن الأول الذي يحرّك ولا يتحرّك هو الإله، وكيف المتحرّك لا يكون في مكان محدود؟ إن الإله إذاً وحده لا يتحرّك، ويحرّك الكلّ بعدم تحرّكه، ومن ثم ينبغي أن نُدرك بأن الإله لا جسم له.
إن الصفة ” لا جسمي ” لا تفُيد شيئاً عن الله:
ولكن هذا ” إن الإله لا جسم له ” لا يدلّ علي جوهر الله، كماهي الحالة في كونه غير مولود ولا بدء له ولا يتغيّر ولا يفسُد، وفي كل ما يُقال عن الله وعن وجوده، لأن هذه الصفات تدلّ على ما هو الله، بل على ما ليس هو، وينبغي على من يشاء التكلّم عن جوهر الشئ وما أن يقول ماهو هذا الشيء، لا ما ليس هو. ومن ثمّ اجيب على السؤال، ما هو الله؟
باستحالة الكلام عن جوهره، وهذا المنطق أقرب إلينا جداً من تخيُل جميع الصفات. ذلك لأن الله ليس واحداً من الكائنات، لا لأنه ليس كائناً، بل لأنه فوق جميع الكائنات، وهو فوق الوجود نفسه. ولما كانت معارفنا على مستوى الكائنات، فما هو فوق المعرفة هو حتما فوق الجوهر أيضاً وبالعكس ما هو فوق الجوهر يكون أيضاً فوق المعرفة.
في التكلّم عن الله، والإقرار بعدم المعرفة هو الأفضل:
الإله إذاً لا يُحدّ ولا يُدرك، والشيء الوحيد الذي نُدركه أنه لا يُحد ولا يُدرك. وكل ما نقوله في الله للتوضيح يدلّ لا على طبيعته، بل على ما هو حول طبيعته. فإذا قلت بأنه صالح وعادل وحكيم ومهما قلت، فلستّ تقول شيئاً عن طبيعته، بل عما هو حول طبيعته. وهناك أيضا بعض المقولات التوضيحية عن الله، لها قوة توضيحي تدريجي. فمثلا إذا نسبنا الظلام الي الله، فلسنا نفكر ّبالظلام بل بأنه ليس نوراً، بل بأنه فوق النور.
[1] ارميا 24: 24