البرهان على ان الله واحد لا كثرة، يوحنا الدمشقي
لقد اتضح إتضاحاً وافياً أن الله موجود وأن جوهره لا يدرك. أما أنه واحد لا كثرة، فليس هذا موضوع شك لدى الذين يؤمنون بالكتاب الإلهي. فقد قال الرب في بدء تشريعه: «انا الرب إلهك الذي أخرجك من ارض مصر. لا يكن لك إلهة آخري سواي» (خروج 2:20). وايضاً: «اسمع يا اسرائيل، ان الرب إلهنا رب واحد» (تثنية 4:6).
وجاء في اشعياء النبي: «أنا الاول وانا الآخر. ولا إله غيري» (اشعياء 6:44) «واني انا هو، لم يكن إله قبلي ولا يكون إله بعدي» (اشعياء 10:43). ويقول الرب في اناجيله المقدسة مخاطياً الآب هكذا: «وهذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الإله الحقيقي وحدك» (يوحنا 3:17). اما الذين لا يؤمنون بالكتاب الإلهي فنُجادلهم هكذا:
ايضاح منطقي بأن الله واحد: – إن الإله كاملٌ وهو ليس ناقصاً البتة في صلاحه وفي حكمته وفي قوته. وهو لا بدء له ولا نهاية، أزلي، غير محدود. وبالاختصار، هو كامل في كل صفاته. وعليه إذا قلنا بإلهة كثيرين، فوجب ان نري تبايناً في كثرتهم. لأننا إذا لم نرَ تبايناً فيهم، فهم بالأحرى واحد لا كثرة. فمن كان ناقص الكمال في صلاحه او في قوته او في حكمته او في الزمان او في المكان، فلا يكون إلهاً.
ووحدة الهوية في كل الصفات إنما تشير بالأحرى إلى واحد، لا إلى كثرة.
وكيف لعمري تسلم اللامحدودية في من هم كثرة؟ لأنه حيثما يكون الواحد لا يمكن ان يكون الآخر.
وكيف يسوس كثيرون العالم ولا ينحلُّ ويفسدُ، في حال قيام حرب بين السّاسة؟ لأن التباين يؤدي إلى الخلاف. وإذا قيل بأن كل واحد يرأس قطاعه، فمن هو المنظم الذي يقوم بتوزيع الحصص بينهم؟ لان ذاك بالأحرى يكون الله. ومن ثم ان الله واحد وكامل ولا يحصر وصانع الكل وسائسه. وهو فوق الكمال وقبل الكمال، لأن الطبيعة تقضي بأن تكون الوحدة بدء الازدواجية.