إله العهد القديم، هل هو إله شَرِهْ؟
“وَبَنَى نُوحٌ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ. وَأَخَذَ مِنْ كُلِّ الْبَهَائِمِ الطَّاهِرَةِ وَمِنْ كُلِّ الطُّيُورِ الطَّاهِرَةِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى الْمَذْبَحِ، فَتَنَسَّمَ الرَّبُّ رَائِحَةَ الرِّضَا. وَقَالَ الرَّبُّ فِي قَلْبِهِ: «لاَ أَعُودُ أَلْعَنُ الأَرْضَ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الإِنْسَانِ، لأَنَّ تَصَوُّرَ قَلْبِ الإِنْسَانِ شِرِّيرٌ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ. وَلاَ أَعُودُ أَيْضًا أُمِيتُ كُلَّ حَيٍّ كَمَا فَعَلْتُ.” (تك 8: 20ـ 22)
يسأل النُقَّاد: ما الذى يُرضى الله فى قتل حيوان وحرقِه بالنار؟ ما علاقة قتل حيوان بغُفران ذنوب الإنسان؟ وهل لون الدم هو الذى يُسكِّن غضب الله؟ أم أن إله العهد القديم كان مُتعطشاً للدماء، ومُحباً للموت، ويُريد أن تُقدَّم له الذبائح وتجرى دِماؤها أنهاراً فى كل مكان؟
يقول د. منقذ بن محمود السقار: “ويذكر سفر التكوين أن الله رضى عن نوح وقومه بعد أن شم رائحة شواء المحرقات التى قدمها نوح على المذبح (تك 8: 20ـ 22) (1).
وللإجابة على هذه الأسئلة أقول:
إنَّ من يدرس الكتاب المُقدَّس بعمق يجد أن الله لا يُحب ولا يريد تقديم الذبائح الدموية. وأرجو أن تقرأ بتأنٍ هذه الآيات:
(1صم 15: 22) “فَقَالَ صَمُوئِيلُ: «هَلْ مَسَرَّةُ الرَّبِّ بِالْمُحْرَقَاتِ وَالذَّبَائِحِ كَمَا بِاسْتِمَاعِ صَوْتِ الرَّبِّ؟ هُوَذَا الاسْتِمَاعُ أَفْضَلُ مِنَ الذَّبِيحَةِ، وَالإِصْغَاءُ أَفْضَلُ مِنْ شَحْمِ الْكِبَاشِ».”
(مز 50: 13ـ 15) “هَلْ آكُلُ لَحْمَ الثِّيرَانِ، أَوْ أَشْرَبُ دَمَ التُّيُوسِ؟ اِذْبَحْ للهِ حَمْدًا، وَأَوْفِ الْعَلِيَّ نُذُورَكَ”.
(مز 51: 16ـ 19) “لأَنَّكَ لاَ تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلاَّ فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لاَ تَرْضَى. ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اَللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ.”
(ميخا 6: 6ـ 8) “بِمَ أَتَقَدَّمُ إِلَى الرَّبِّ وَأَنْحَنِي لِلإِلهِ الْعَلِيِّ؟ هَلْ أَتَقَدَّمُ بِمُحْرَقَاتٍ، بِعُجُول أَبْنَاءِ سَنَةٍ؟ هَلْ يُسَرُّ الرَّبُّ بِأُلُوفِ الْكِبَاشِ، بِرِبَوَاتِ أَنْهَارِ زَيْتٍ؟ هَلْ أُعْطِي بِكْرِي عَنْ مَعْصِيَتِي، ثَمَرَةَ جَسَدِي عَنْ خَطِيَّةِ نَفْسِي؟ قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ، إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ الْحَقَّ وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ، وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعًا مَعَ إِلهِكَ.”
لقد كان الله يريد ما هو أهم وأعمق من تقديم الذبائح، كان يريد التوبة الصادقة، والإيمان الحقيقى، وتقديم الطاعة لله، وصناعة الحق والرحمة.
فقد كان المقصود من تقديم الذبيحة لله أن يُدرك الإنسان فكرة البدلية، أى أن الذبيحة تموت عوضاً عن الإنسان الخاطئ الأثيم. فالإنسان الذى يُخطئ يستحق الموت فيُقدم حياة ذبيحة بدلاً من حياته هو. ويبنى العُلماء عقيدتهم هذه على ما جاء فى سفر اللاويين “لأَنَّ نَفْسَ الْجَسَدِ هِيَ فِي الدَّمِ، فَأَنَا أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى الْمَذْبَحِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُمْ، لأَنَّ الدَّمَ يُكَفِّرُ عَنِ النَّفْسِ.” (لا 17: 11). قارن (لا 3: 17، 7: 27، 17: 10ـ 14، تث 12: 23).
فالله لا ولم يطلب دم حيوان ليروى عطشه، ولا يُسَرْ بشم رائحة شواء اللحم، بل كان يريد ويطلب العدالة، فأجرة الخطية هى موت، والإنسان الذى أخطأ يستحق الموت، والله فى محبته ونعمته اِرتضى أن تقوم الذبائح الحيوانية بالبدلية إلى أن يأتى (الذبيح الأعظم) المسيح فى ملء الزمان ويقدم حياته بدلاً عنا جميعاً. وقد كان الله يريد من الإنسان قديماً عندما يُخطئ أن يُدرك أنه يستحق الموت. ولذلك يقدم الذبيحة الحيوانية لتموت بدلاً منه، ويعترف بخطاياه، ويتوب توبة صادقة عنها، ويعيش الحياة المقدسة للرب. لذلك قال الشهيد يوستينوس عن الله أنه: “لا يقبل منكم ذبائح، ولا أمركم أولاً بتقديمها عن احتياج إليها، إنما بسبب خطاياكم”(2).
ويقول الأب تادرس يعقوب ملطى: “لقد قدَّموا ذبائح كثيرة ومحرقات فى هيكل الرب، واختاروا المسمَّنات، لكن الله لا يُسرُّ بها، فإنه لم يطلب الذبائح فى ذاتها لأنه غير محتاج إليها، إنما يطلبها كرمز لذبيحة السيد المسيح الفريدة، من أجل مصالحة الإنسان مع الله وتمتعه بالشركة معه. لكن الهدف ضاع منهم فإنه لما جاء المسيح الذبيح رفضوه، وقدموا الذبائح الحيوانية وإحتفلوا بعيد الفصح وجحدوا الفصح الحقيقى، حمل الله الذى يحمل خطية العالم”(3).
المراجع
- د. منقذ بن محمود السقار. هل العهد القديم كلمة الله؟ ص69.
- الأب تادرس يعقوب ملطى. تفسير سفر إشعياء. ص49.
- المرجع السابق، ص48.