الدفاع عن قانون إيمان نيقية للقديس أثناسيوس الرسولى – د. نصحي عبد الشهيد
رسالة كتبها القديس أثناسيوس إلى أحد الأصدقاء ردًا على اعتراضات الآريوسيين على قانون إيمان نيقيا. وتاريخ كتابتها مابين 351 ـ 355 م (المرجع N,P.N.F. Vol.4 2nd series.).
1 ـ يعترض الآريوسيون على آباء مجمع نيقية لاستعمالهم عبارات ليست من الكتاب المقدس مثل ” من جوهر“، ” واحد فى الجوهر ” (أوموأوسيوس) [فقرة 1 ص 150].
ويرد القديس أثناسيوس بسرد ما حدث فى مجمع نيقيا من موافقة جميع آباء المجمع على هذه العبارات ” من جوهر “، ” واحد فى الجوهر ” حتى الأساقفة الذين كانوا فى البداية رافضين لها مثل أوسابيوس أسقف نيقوميديا، وأوسابيوس أسقف قيصرية فلسطين (المؤرخ) ووّقعوا جميعًا على هذه العبارات التى يشكو منها الآريوسيون الآن وهى: ” من جوهر الآب “، “واحد فى الجوهر “. وأن ” ابن الله ليس مخلوقًا…. بل أن الكلمة هو مولود من جوهر الآب “. وذكر أثناسيوس أيضًا أن أوسابيوس القيصرى الذى كان ينكر هذه العبارات فى اليوم السابق عاد فاقتنع بها ووّقع عليها وأرسل رسالة بذلك إلى كنيسته يقول فيها أن هذا هو إيمان الكنيسة وتقليد الآباء واعترف جهرًا أنهم كانوا سابقًا على خطأ. (فقرة 3:ص152).
2 ـ معانى كلمة ” ابن ” ـ معنيان فى الكتاب المقدس:
أ ـ المعنى الأول “ ابن بالتبنى ” مثل قول الله فى التثنية ” إن حفظت وصايا إلهك.. أنتم أولاد للرب إلهكم ” (تث 1:14)، وفى يوحنا ” الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله ” (يو12:1).
ب ـ “ ابن بالطبيعة أو بالجوهر “: كما يقول مثلاً أن اسحق ابن ابراهيم، ويعقوب ابن اسحق وهكذا. (فقرة 6 ص 154).
فإن كانوا يفهمون معنى ابن الله بالمعنى الأول المختص بالذين ينالون اسم ابن بالنعمة وينالون سلطانًا لكى يصيروا أولاد الله فلا يكون ابن الله مختلفًا عنا فى أى شئ ولايكون هو الابن الوحيد الجنس حسب اعلان الإنجيل (فقرة 154:6). وهذا المعنى لايتفق مع التقوى. ولذلك فلايبقى إلا أن نقول ان ابن الله يسمى ابنًا بحسب المعنى الثانى أى مثلما يقال عن اسحق إنه ابن ابراهيم، لأن المولود بالطبيعة من آخر لا تضاف إليه هذه البنوة من الخارج بل هو بالطبيعة ابن. وهذا هو ما يعنيه الاسم (أى اسم ابن). ولكن ولادة الابن تختلف عن الولادة البشرية لأن الله ليس كالإنسان ولا الإنسان مثل الله.
فالبشر خُلقوا من المادة القابلة للتغير، أما الله فهو غير مادى ولاجسد له (بطبيعته قبل التجسد) وحتى إن كان الكتاب الإلهى يستعمل نفس التعبيرات عن الله والإنسان ولكن ذوى النظر الواضح يميزون ما كُتب بحسب طبيعة كل موضوع ويتحاشون أى اختلاط فى المعنى. وهكذا فإنهم لايفهمون أمور الله بطريقة بشرية ولاينسبون أمور الإنسان إلى الله (فقرة 10: ص156).
+ فولادة البشر هى بطريقة معينة أما ولادة الابن فهى من الآب وبطريقة أخرى لأن الناس هم أجزاء من آبائهم. إذ أن طبيعة الأجساد نفسها هى مركبة ومكونة من أجزاء، والناس يفقدون جزءًا من تكوينهم فى الولادة وأيضًا يكتسبون مادة لأجسادهم من تناول الطعام (فقرة 11: ص 157).
وهكذا فإن البشر فى عمر معين يصيرون آباء لأولاد كثيرين أما الله إذ لاأجزاء له ـ فهو أب الابن بدون انفصال أو شهوة وإذ هو غير مركب فى طبيعته فهو أب لابن وحيد. لهذا السبب فهو الابن الوحيد الجنس وهو وحده فى حضن الآب، وهو وحده الذى اعلن الآب أنه منه قائلاً: ” هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت ” (مت 17:3). وهو أيضًا كلمة الآب والذى يُفهم منه أن طبيعة الآب غير متغيرة وغير متجزئة. ولذلك فهو أيضًا ككلمة يجلس عن يمين الآب لأنه حيث يكون الآب فهناك أيضًا كلمته، أما نحن كمصنوعاته فإننا نقف أمامه للمجاوبة، وبينما هو يُعبد لأنه ابن الآب المعبود ونحن نعبده معترفين به ربًا وإلهًا لأننا مخلوقات ونختلف عنه. (فقرة 11 نهايتها ص 157).
+ بسبب أن ” ليس أحد يعرف الابن إلا الآب ولاأحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له ” (مت 27:11) لذلك فالكُتّاب الملهمون الذين أعطاهم الابن الاعلان قد اعطونا صورة معينة من الأمور المنظورة قائلين: ” الذى هو شعاع مجده ورسم أقنومه (جوهره) “
(عب3:1) وأيضًا ” لأن عندك ينبوع الحياة وبنورك سنعاين النور ” (مز9:36)، وأيضًا ” تركت ينبوع الحكمة ” (باروخ 12:3)، ” وتركونى أنا ينبوع المياه الحية ” (إر13:2). رغم أن هذه الأمثلة معتمة جدًا بالمقارنة بما نتطلع إليه، إى أنه من الممكن أن نفهم منها شيئًا يفوق طبيعة الإنسان بدلاً من التفكير بأن ولادة الابن على مستوى ولادتنا البشرية. لأنه من يستطيع أن يتخيل أن شعاع النورلم يكن موجودًا فى النور حتى يتجاسر أن يقول أن الابن لم يكن دائمًا موجودًا أو أنه لم يكن قبل أن يولد ؟ أو من يستطيع أن يفصل الشعاع من الشمس، أو أن يدرك الينبوع كأنه عديم الحياة منذ الأزل حتى يقول بجنون أن الابن مخلوق من العدم. وهو الذى (أى الابن) يقول ” أنا هو الحياة ” (يو6:14) أو أن يقول بجنون إنه غريب عن جوهر الآب وهو الذى يقول ” من رآنى فقد رأى الآب ” (يو 9:14).
وهنا ينتقد القديس أثناسيوس الذين يتركون إعلانات الوحى وتوضيحاته لكى يكوّنوا أفكارًا عن رب المجد من مصادر أخرى غير الكتاب وليس لها معنى دينى تقوى. (فقرة 12 ص 158).
+ بعد ذلك يرد القديس أثناسيوس على فهم الآريوسيين لآية سفر الأمثال ” الرب قنانى أول طرقه لأجل أعماله ” (أم 22:8). [يعالج القديس أثناسيوس هذه الآية ومثيلاتها فى سفر الأمثال فى المقالة الثانية ضد الآريوسيين كلها]. أما هنا فى هذه الرسالة فينتهى إلى القول باختصار أن كلمة سفر الأمثال ” خلقنى ” ليست عن لاهوته بل عن خلقة جسده عندما تجسد من العذراء لأجل أن يتمم أعمال الله للخلاص، ويختم قائلاً: ” الكلمة صار جسدًا لكى يقدم هذا الجسد لأجل الجميع ولكى بنوالنا شركة روحه فإننا نتأله، وهى هبة لم نكن نستطيع أن ننالها بأى طريقة سوى بلبسه هو نفسه لجسدنا المخلوق.
ومن هنا نكتسب اسمنا ” أناس الله “، “وأناس فى المسيح ” ولكن كما أننا نحن بنوالنا الروح لانفقد طبيعتنا الخاصة (المخلوقة)، هكذا فإن الرب حينما صار إنسانًا لأجلنا ولبس جسدًا لم يفقد كونه إلهًا، لأنه لم ينقص باكتسائه بالجسد بل بالحرى ألهَّه وجعله غير مائت. (فقرة 14 ص 158، 159).
3 ـ الدفاع عن استعمال مجمع نيقيا لتعبير ” واحد فى الجوهر “:
يشرح القديس أثناسيوس سبب اضطرار مجمع نيقية لاستخدام تعبير ” أوموأوسيوس ” أى ” الواحد فى الجوهر ” بسبب تلاعب الآريوسيين بالكلمات ومحاولتهم اعتبار ابن الله مع المخلوقات لأن المخلوقات بحسب رأيهم هى من الله وبنفس المعنى يكون الابن من الله، ولذلك فقد جمع الآباء معنى ابن الله من الكتب المقدسة وأعادوا كتابة ماسبق أن قالوه بدقة أكثر مستعملين عبارة واحد مع الآب فى الجوهر التى لايمكن أن تنطبق على المخلوقات المختلفة عن الله فى الجوهر لأنها مخلوقة. أما الابن فهو وحده من جوهر الآب وواحد معه فى الجوهر. ولذلك فبعد نهاية نص القانون أضاف الآباء مباشرة ” أما الذين يقولون إن ابن الله هو من العدم، أو مخلوق، أو متغير أو من جوهر آخر فهؤلاء تحرمهم الكنيسة المقدسة الجامعة “. (فقرة 20 ص 164).
4 ـ استشهاد بآباء ومعلمين قبل المجمع:
فى الفقرة 25 من الرسالة يقول القديس أثناسيوس أن آباء مجمع نيقيا لم يخترعوا هذه التعبيرات التى عبروا بها عن ألوهية الابن، بل تكلموا بما استلموه من سابقيهم. ويذكر أربعة من هؤلاء السابقين ويورد أجزاء من كتاباتهم وهم:
(1) ثيئوغنسطس (كان مديرًا لمدرسة الاسكندرية فى نهاية القرن الثالث) ويستشهد بهذه العبارات من كتاباته.
” جوهر الابن لم يحصل عليه من الخارج وليس هو من العدم، بل هو نابع من جوهر الآب، مثل الشعاع من النور… “
(2) ديونسيوس أسقف الاسكندرية: فى القرن الثالث.
الذى يعترف بأن المسيح واحد فى الجوهر مع الله الآب، وأنه رغم أنه قال ” إن هذه العبارة ليست موجودة فى الكتاب المقدس إلا أن ملاحظاتى التى تلت ذلك تتفق مع هذا الإيمان “. فضرب مثلاً بمقارنة نمو النبات من البذرة أو من الجذر، ولكن النبات والجذر رغم أنهما ليس نفس الشئ إلا أنهما واحد فى الطبيعة. وهكذا الابن مع الآب. كما ضرب مثلاً ” بالنهر النابع من الينبوع “.
(3) ديونسيوس أسقف روما: فى القرن الثالث وهو معاصر لديونسيوس الأسكندرى. وكتب ضد سابيليوس واتباعه. ويقول ” كثير من فقرات الأقوال الإلهية تقول إن الابن مولود من الآب، ولم يرد فيها أبدًا أنه أتى إلى الوجود (أى خُلق).. وينبغى أن نؤمن بالله الآب ضابط الكل وبالمسيح يسوع ابنه وبالروح القدس. ونعتقد أن الكلمة متحد بإله الكون. لأنه يقول (أى الابن) ” أنا والآب واحد “، ” وأنا فى الآب والآب فىَّ “.
(4) أوريجينوس: ويصفه أثناسيوس أنه ” محب التعب “.
” صورة الإله غير المنظور هى غير منظورة. وإذ هو مثل الآب فإنه لم يكن أبدًا فى أى وقت غير موجود. لأنه متى كان ذلك الإله الذى حسب يوحنا يدعى النور بدون شعاع مجده الذاتى، موجودًا فيه ومعه ؟ ومتى كان صورة الآب الذى لايعبر عنه والأقنوم الذى لاينطق به وهو الرسم والكلمة وهو الذى يعرف الآب، متى لم يكن موجودًا ؟ فمن يتجاسر على القول أن الابن كان فى وقت غير موجود فدعه يفهم أنه بهذا يقول إن الحكمة لم تكن موجودة والكلمة لم يكن موجودًا والحياة لم تكن موجودة. (أنظر فقرة 25،26 ص 166ـ167 ـ168)
+ وبعد استشهاده بالآباء والكُتّاب السابقين على مجمع نيقيا يقول أثناسيوس ” أنظر ها نحن نبرهن أن هذا التعليم عن ألوهية الابن قد سلّم من أب إلى أب. أما انتم أيها اليهود الجدد وتلاميذ قيافا فكم أب وكم معلم تنسبون له آراءكم “.
وبهذا يؤكد القديس أثناسيوس أن تعليم مجمع نيقية عن ألوهية الابن هو التعليم القديم المُسلّم طوال العصور السابقة على المجمع منذ الرسل وأن تعليم آريوس هو المستجد والذى ليس له أصل قديم بل هو ابتداع حديث مضاد للإيمان المُسلّم.
هل أخطأ الكتاب المقدس في ذِكر موت راحيل