الأمهات العواقر والأباء العميان
صفحة : المسيح في التراث اليهودي
العُقر المصحوب بولادة معجزية، العمى المصحوب بإبصار متأخر ، هكذا امتازت اسرائيل عن باقي الشعوب، منذ البداية وحتى الان. فسليمان الحكيم الذي هو احكم البشر قال أن التاريخ يعيد نفسه ، وما فعله الاباء يفعله الابناء.
جامعة 1: 9 “مَا كَانَ فَهُوَ مَا يَكُونُ، وَالَّذِي صُنِعَ فَهُوَ الَّذِي يُصْنَعُ، فَلَيْسَ تَحْتَ الشَّمْسِ جَدِيدٌ.”.
بحسب الوحي، فان امهات اسرائيل كانوا عواقر واباء اسرائيل الثلاث عميان، ولكن كيف؟ وما علاقة هذا بالمسيح؟
اولا: العُقر المصحوب بولادة معجزية.
سارة والتي هي زوجة ابراهيم (ام اسرائيل) . كانت عاقرا وبمعجزة الهية انجبت ابنها اسحاق -ابن الموعد- ، والذي تزوج هو الاخر من عاقر –رفقة- وبمعجزة الهية انجبت يعقوب –ابن الموعد- والذي هو الاخر تزوج من عاقر وقد انجبت.
من هذا نستنتج ان امة اسرائيل قد جاءت للعالم بمعجزة الهية واي اسرائيلي يحيا اليوم فهو من اثر تلك المعجزة . ولو تتبعت تاريخ اسرائيل القديم ستجد هذا الامر متكررا ، في زمن الاسباط كانت راحيل عاقرا وبمعجزة الهية انجبت يوسف -المخلص في زمنه- (تك 30: 22-24).
وفي زمن اسرائيل الاول كانت ام موسى كعاقر لان بحسب قرار فرعون فان المولود الذكر يموت (خر 1: 22). فولادة موسى -المخلص في زمنه- هي ايضا معجزة الهية -لانه نجا الموت المُحقق عند ولادته-. وفي زمن القضاة كانت ام شمشون عاقرا (قض 13: 2) وبمعجزة الهية انجبت شمشون -المخلص في زمنه- (قض 13: 24).
وفي زمن المسيح الذي هو الابن الموعود به (اش 9: 6) وهو مخلص العالم كله (اش 49: 6) والزمان كله، فان امه مريم كانت كعاقر –اذ انها لم تعرف رجلا- (مت 1: 18) وجاء المسيح منها مولودا بمعجزة الهية (مت 1: 20) ، والمعجزة كانت مزدوجة ، ففي جيل المسيح حُكِم على الذكور الاطفال بالموت ولكنه نجا ايضا (مت 2: 16- 18) ، فولادة المسيح هي ايضا معجزة –لانه نجا من الموت المُحقق عند ولادته- .
ثانيا: العمى المصحوب بإبصار متأخر.
اباء اسرائيل الثلاث اُصيبوا بالعمى الروحي وابصروا متأخرين.
ابراهيم اصيب بالعمى ، فبينما وعده الله ان من نسله سيجئ الابن -ابن الموعد- الذي يرث الارض الموعود بها (تك 15: 3-4). لم يبصر هذا وظن في لحظة ان اسماعيل هو ابن الموعد (تك 17: 18) ، وبالاعلان الالهي ادرك ابراهيم خطأه وعرف ان اسحاق هو ابن الموعد (تك 17: 19).
اسحاق اصيب بالعمى ، فبينما الله قد اعلن له منذ البداية ان يعقوب هو من سيرتقي ويسمو وهو ابن الموعد (تك 25: 23) ، لم يبصر هذا وظن ايضا ان عيسو هو ابن الموعد (تك 27: 2-4)، وبسبب قصور نظره الجسدي بارك الابن غير المقصود الذي هو يعقوب (تك 27)، وبهذا قد بارك ابن الموعد وهو لم يعرف. فبحيلة رفقة ادرك اسحاق خطأه وعرف ان يعقوب هو ابن الموعد (تك 27: 34-35).
يعقوب اصيب بالعمى ، اراد يعقوب ان يتزوج من راحيل -الجميلة- بينما من راحيل لم يكن سيأتي ابن الموعد (تك 29: 17-18). فهو قد تعامى عن حقيقة ان اختها ليئة هي من سيأتي منها ابن الموعد. والليل قد اعمى يعقوب ففي الصباح وعند ظهور النور ادرك انه لم يتزوج من اراد (راحيل) وقد تزوج ممن لم يريد –ليئة- التي اتى منها ابن الموعد (تك 29: 25). بالرؤية الالهية ادرك يعقوب خطأه وان من نسل ليئه سيأتي ابن الموعد (تك 49: 10).
الثلات اباء لم يتعرفوا على ابناء الموعد الا متأخرين ، وكما فعل الاباء فعل الابناء ، فتاريخ اسرائيل ملئ بالتعامي عن المخلصين ، ففي زمن الاسباط تعامى اسرائيل عن يوسف ورفضوه (تك 37: 4) وباعوه للاسماعيلين (تك 37: 28) وفقط بعد زمن عندما اتى وقت المجاعة تعرفوا عليه واكرموه (تك 45: 14-15) . وفي زمن اسرائيل الاول تعامى اسرائيل عن موسى ورفضوه (خر 2:14) وباعوه للمصريين (خر 2: 14-15) وفقط بعد زمن عندما اتى اليهم مرة اخرى تعرفوا عليه واكرموه. وفي زمن القضاة تعامى اسرائيل عن شمشون ورفضوه (قض 15: 11) وباعوه للفلسطينيين (قض 15: 12) وفقط بعد زمن تعرفوا عليه واكرموه (قض 15: 20).
هكذا فان المسيح الذي هو الابن الموعود به منذ القديم ، تعامى اسرائيل عنه ورفضوه (يو 1: 11) وباعوه للرومان (يو 19: 15) وبعد زمن سيأتي المسيح ويظهر لهم مرة اخرى وحينئذ سيتعرفوا عليه وسيكرموه (زك 12: 10).
ما حدث سيحدث وما كان سيكون ، فالتاريخ يعيد نفسه ولا جديد تحت الشمس.