روحيات
خطوات طريق الحياة الروحية السليمة – الجزء الثالث – أيمن فايق
+ تابع خطوات طريق الحياة الروحية السليمة – الجزء الثالث +
لقراءة > الجزء الأول
لقراءة > الجزء الثاني
رابعاً – الخطوة الرابعة (غضب الله وغضب النفس المقدس)
+ فحمي غضب الرب على إسرائيل فدفعهم بأيدي ناهبين نهبوهم، باعهم بيد أعدائهم، حولهم ولم يقدروا بعد على الوقوف أمام أعدائهم (قضاة 2: 14)
لننتبه جداً يا إخوتي لأني لا أكتب لكم كلمة ولا مجرد عظة أو أُقيم حوار أو أدخل في جدل ونقاش وفلسفة ورد على تساؤل وأدافع عن موضوع وجود الغضب الإلهي من عدمه، بل أُسلِّم إليكم خبرة، وهي خبرتي التي تذوقتها والتي أعيش بها كما عاشها الآباء أيضاً، فانتبوها لما أكتب بتدقيق، وتعلموا وانظروا ما أروع الرب وما هو غنى حنانه الفائق كأب قريب منا جداً
* لأن السؤال الصحيح الذي ينبغي أن يُطرح أولاً هو ليس هل الله يغضب أم لا يغضب، بل لماذا الغضب كإعلان ظاهر في الكتاب المقدس، وكيف نتصالح مع الله !!!!
في الواقع الروحي الاختباري، أنه حينما نقترب من الله بتوبة صادقة وإيمان حي طالبين غفرانه وقوته، فأنه يتراءى لنا سراً في قلوبنا، نشعر به قريب منا جداً ويتعامل معنا ويُصالحنا معه بسرّ تقديس القلب بدمه، وذلك لأننا أتينا إليه بإيمان معترفين بخطايانا ونحن عالمين ميل قلبنا الفاسد نحو الخير الغير موجود، وقد التزمنا زمان طويل بما اخترعناه لأنفسنا من لذات نُسرّ بها سروراً حتى صارت لنا فرح حياتنا المنحصرين فيه كأننا في دائرة لا نقدر أن نفلت منها قط.
فنحن أولاً نشعر بحنين داخلي يجذبنا نحو الله يقودنا للتوبة والإيمان فنبدأ اعترافنا لله حينما نقرُّب إليه مُقرين بصراحة تامة بدون أي هروب من مسئوليتنا، أننا كنا نعبده بالشفتين وقلبنا مبتعداً بعيداً عنه، فيبدأ بالتعامل معنا ويعمل فينا سراً بنعمته ودمه يطهرنا من كل إثم، ثم يدخل الفرح لقلبنا سراً كما هو مكتوب: “طوبى للذي غُفر إثمه وسُترت خطيته” (مزمور 32: 1)؛ وهذه هي – باختصار – خبرة كل خاطي يلتقي بالمسيح الرب طبيب النفس ومداويها، لأنه يخرج من محضره فرحاً ولسانه يمتلأ تهليلاً، لأنه تذوق خبرة محبة الله وذاق قوة غفرانه وهو عالم أنه غير مستحق لهذه النعمة التي سترت خطيته والكساء النقي الذي كسى عورته.
ولكن كثيراً بعد هذه الخبرة الرائعة التي فيها حلاوة لقاء الرب وغسل القلب وتطهيره، لا نحترز لأنفسنا حينما تختفي في داخلنا حلاوة الفرح والمسرة بغفران الله الحلو، لأن أحياناً النعمة تختفي وتتوارى قليلاً لتدخل الإنسان في خبرة جديدة، لذلك تُمتحن إرادة الإنسان لتظهر رغباته الخفية أمام عينيه، بغرض أن يعرف عوره قلبه وانه لا زال ناقصاً فيُقدم عنها توبة ويمسك في رئيس الحياة وملك الدهور فيتنقى قلبه ويستمر في التغيير، لأن كثيرين في بداية الطريق يفرحون ويظنوا أنهم وصلوا لنهايته وصاروا في حالة من الكمال ومن هنا يبدأ أعظم سقوط للإنسان في مرض الاكتفاء أو ربما الكبرياء، ولكن الكثيرين يخفقون في هذه الخطوة فيبدئون في إهمال حياتهم ويظنوا أن النعمة تخلت عنهم والله حجب وجهه، فيهتز إيمانهم ويستسلمون لخطياهم السابقة، أحياناً يستيقظوا منها فيتوبوا فوراً ويعودوا لله الحي، وأحياناً يستسلمون لها حتى تُثقل آذانهم عن سماع صوت الروح القدس المبكت على الخطية ويفقدوا إيمانهم، ويبدئون في خلق الأعذار، قائلين: ربنا عارف ضعفي، أو أن العالم شرير والشر حولي انتشر، فماذا أفعل !!! أو الله تخلى عني ورفضني ولا يُريد أن يعطني رؤية ولا فرح ولا مسرة.. الخ.
وأحياناً يتكل الإنسان على فكر أن الله يعلم كل شيء وهو محبة يغفر الخطية ويصفح عن الذنب (وهذه حقيقية فعلاً ومؤكده بقوة في الإنجيل)، ولكنه يهمل نفسه ويخسر حركة قلبه نحو الله ويتمادى في الشرّ إلى أن يعتاد عليه، ويستهين بلطف الله وحنانه الذي مس قلبه ويتكل على أن الله كثير الرحمة والغفران:
+ أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة (رومية 2: 4)
+ فهوذا لطف الله وصرامته، أما الصرامة فعلى الذين سقطوا وأما اللطف فلك، (وذلك) أن ثبت في اللطف وإلا فأنت أيضاً ستُقطع ] (رومية 11: 22)
ولكن شكراً لله المُحب لأنه لا يترك الإنسان مهما ما كان وصل لأعلى درجات الشرّ وظهر فيه الفساد بطياشة، فيُظهر غضبه الأبوي في قلب الإنسان وفكره ويبدأ في تأديبه، ويشعر الإنسان بلسعة ضربات الله القوية، ويتساءل مثل الولد الذي يتعجب من صرامة أبويه:
*** ألم يكن الله لنا مسامحاً وغافراً لنا في المسيح الذي رفع الغضب عنا وأعطانا المصالحة، فكيف أشعر اليوم بغضب الله المعلن على جميع فجور الناس وإثمهم الذين يحجزون الحق بالإثم، ولماذا أنا بعد ما أصبحت ابناً لله دخلت في دائرة غضب الله الذي يُحاصرني بقوة !!!
هذا سؤال المسيحي الذي تذوق خبرة غفران الله وقربه منه، وسقط فترة طويلة مبتعداً عن الله فوجد غضب الله وشعر به ثقيلاً في قلبه، وتم فيه المكتوب:
+ فغضب الرب على سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل الذي تراءى له مرتين. (1ملوك 11: 9)