مجمع نيقية 325 الأول – الجلسات والقرارات والقانونية ولاهوت المسيح
مجمع نيقية 325 الأول – الجلسات والقرارات والقانونية ولاهوت المسيح
الايمان بلاهوت المسيح قبل مجمع نيقية – الجزء الاول
الايمان بلاهوت المسيح قبل مجمع نيقية – الجزء الثاني
الايمان بلاهوت المسيح قبل مجمع نيقية – الجزء الثالث
مجمع نيقية – هو المجمع المسكونى الأول وكان بسبب بدعة آريوس الهرطوقى وذلك بأن كتب البابا الكسندروس إلى الملك قطسنطنين الكبير يطلب منه عقد مجمع مسكونى للبت فى هذه البدعة. وطلب ذلك أيضاً من الملك أوسيوس أسقف قرطيه.
فوافق قسطنطين على عقد مجمع مسكونى وأرسل منشوراً لجميع الأساقفة فى المملكة ليستدعهيم فى مدينة نيقيه التى تقع فى ولاية بيثينيه ، فذهب 318 أسقفاً من كل العالم المسيحى وكان حاضر معهم البابا الكسندروس وكان البابا الوحيد فى ذلك الوقت وكان هو المدعى ضد آريوس.
وكان مع البابا شماساً أسمه اثناسيوس رئيس شمامسة وكان سكرتير البابا الخاص ولم يتجاوز من العمر 25 سنة وكان وجهه كالملائكة كقول القديس غريغوريوس النزينزى وكان من الحاضرين الأنبا بوتامون أسقف هرقليه بأعلى النيل والقديس بفنوتيوس أسقف طيبه وكان عن ممثلى الشرق 210 أسقفا وممثلى الغرب 8 أسقفاً.
وحضر آريوس وأتباعه وهم أوسابيوس أسقف وميديا ، وثاؤغنس مطران نيقيه ، ومارس أسقف خلقدونية ومعهم عشرة فلاسفة وأجتمع مجمع نيقية سنة 325 م والقى الملك خطابه باللاتينيه ثم بعد ذلك دارت المناقشات من 20 مايو حتى 14 يونيه عندما حضر الملك ووضع قانون الإيمان فى 19 يونيه ، وختم مجمع نيقية أعماله فى 25 أغسطس.
وكان من أهم البارزين فى مجمع نيقية أثناسيوس شماس البابا الكسندروس الذى تولى الدفاع عن لاهوت السيد المسيح حجج آريوس الهرطوقى وقد أظهر براعته فى إفحام الآريوسين وعندما لم يجد الآريوسين حجه فى اثناسيوس اعترضوا على وجودهه كشماس فى وسطهم إلا أن الملك لم يسمع لهم وأمر على وجوده لعلمه وقوة حكمته فى الرد على آريوس.
الجلسة الأولى
عقدت هذه الجلسة وكثر فيها الجدال والغضب لأن الملك قد أعطى الحرية لكل من يتكلم فانقضت الجلسة الأولى وانقضت بدون جدوه. وفى اليوم التالى تقدموا للمناقشة فوقف آريوس وشرح بدعته وقال :
” أن الابن ليس مساويا للآب فى الأزلية وليس من جوهره وأن الآب كان فى الأصل وحيدا فأخرج الأبن من العادم بإرادته وأن الآب لا يرى ولا يكيف حتى للابن لأن الذى له بداية لا يعرف الأزلى وأن الأبن إله لحصوله على لاهوت مكتسب “
فحدث ضجيجا عاليا وسدوا أذنهم لكى لا يسمعوا هذا التجديف ، وقال بعض الأناشيد والأغانى التى تتكلم على هذه البدعة وعندما حاول آريوس الدفع عن هذه البدعة ببعض آيات من الكتاب المقدس ليؤيد بها بدعته وقف أمامه اثناسيوس وأفحمه بردود قويه جعلت الكل فرحين بهذا الشماس العملاق فى ردوده والآيات القوية التى أستند عليها وتوجد صورة هذه الردود بمكتبة البطريركية القبطية واقترح اثناسيوس أن تضاف كلمة ( homoousion ) ” ذو جوهر واحد “
والفرق بين الاثنين حلرف واحد هو ( i ) اليوتا فى اليونانية والقبطية ، ولكن الحرف الواحد يعنى هرطقة واضحة وهى مشابه له بدلا من مساوله أو واحد معه ” ذو جوهر واجد “
فصادق الأغلبية على اقتراح اثناسيوس واعتراض حوالى سبعة عشر صوتا ووضع مجمع نيقية قانون اللإيمان من أول ” بالحقيقة نؤمن بالله واحد…. حتى قوله ” ليس لملكه انقضاء ” ووقع مجمع نيقية قرار حرم آريوس وأتباعه وبعد هذا القرار بالحرم ، أمر الملك بنفيه وحرق كتبه وإعدام من يتستر عليها.
بدعة سابليوس
وقد قرر مجمع نيقية حرم سابليوس وبدعته الذى قال بأن ” اللآب والأبن والروح القدس اقنوما واحدا ” وليس ثلاثة أقانيم.
وقد نظر مجمع نيقية فى بعض أمور أخرى خاصة بالكنيسة وهى :
1- مسالة تحديد يوم عيد القيامة وهو الأحد الذى يلى البدر الذى فيه عيد اليهود حتى لا يعيدوا قبل اليهود أو معهم.
2- النظر فى أمر الشقاق الذى أحدثه ميلتس الأسقف لأنه رسم أساقفة وقسوس بلا رأى رئيسه فحكم مجمع نيقية بإقامته فى بلدته مسقط رأسه ولا يمارس أى وظيفة كهنوتية.
3- النظر فى معمودية الهراطقة ، وقرر مجمع نيقية بأن لا تعاد معمودية من هرطق ورجع إلى الإيمان مرة أخرى.
4- أن يكون ذوى الكهنوت من أصحاب الزوجات والذى دافع عن هذا الأمر بشدة وعضدته هو القديس بفنوتيوس أسقف طيبة ، وأكتفى مجمع نيقية بالحكم على الكهنة المترملين بعدم إعادة الزيجة.
وسنّ مجمع نيقية بعد ذلك عشرون قانونا مازالوا موجودين إلى هذا العصر.
هل أسس مجمع نيقية قانونية أسفار الكتاب المقدس؟
كل الأفكار لها عواقب. إحدى تلك الأفكار التي لها عواقب وخيمة، هي اعتقاد أن مجمع نيقية (325 م)، تحت سلطة الإمبراطور الروماني قسطنطين، قد أعتمد هو قانونية الكتاب.
هل اِبتُدع الكتاب المقدس من قِبل نخبة من الأساقفة الذين اختاروا الكُتب التي يتم إدراجها؟ هل يعود الفضل لإمبراطور روماني لقانونية الكتاب المقدس؟ لا، لقد أُستخدم هذا الافتراء لإلقاء الشكوك حول مصداقية قانونية الكتاب المقدس، لمحاولة إضعاف سلطان الكتاب المقدس.
في كتابه الأكثر مبيعاً لعام 2003 “شيفرة دافينشي – The Da Vinci Code “، دان براون زرع هذه الفكرة في ثقافتنا، فيظن الكثيرون الآن أن قسطنطين أو نيقية اعتمدا قانونية الكتاب المقدس. لكن براون لم يخترع هذه القصة بل هو فقط كررها في روايته. (كذلك أيضاً الروائي دانيال سيلفا في كتابه الأخير، “الترتيب – The Order“. يعترف بنفسه في الحاشية: “لا شك أن المسيحيين الذين يؤمنون بعصمة الكتاب المقدس سجدوا إشكالية في وصفي لمن هم كتبة الأناجيل، وكيف تم كتابة أناجيلهم.”)
نيقية وقانونية الكتاب المقدس تاريخياً.
لا يوجد أساس تاريخي لفكرة أن نيقية اعتمدت قانونية الكتاب واخترعت الكتاب المقدس. كتاب The Biblical Canon Lists from Early Christianity: Texts and“ Analysis” وغيرها من الأدلة المُبكرة تظهر أن المسيحيين اختلفوا فيما بينهم على حدود قانونية الكتاب المقدس قبل وبعد نيقية. على سبيل المثال، حتى أباء نيقية مثل كيرلس الأورشليمي (حوالي 350 م) وأثناسيوس الإسكندري (حوالي 367 م) لا يتفقون على إدراج سفر الرؤيا. لا وثيقة مُبكرة من المجمع، ولا شهود عيان (يوسابيوس أو أثناسيوس، مثلاً)، يذكر أنه حدث قرار إجماعي لاعتماد قانونية الكتاب المقدس.
يكتب جيروم، في مقدمة ترجمته اللاتينية لرسالة يهوذا، “ولكن بما أن مجمع نيقية أعتبر هذا السفر ضمن النصوص المقدسة، فقد وافقت على طلبتك.”
هل رُبما يشير جيروم إلى إقرار رسمي بإدراج رسالة يهوذا في قانونية الكتاب المقدس؟ هذا غير مُرجح.
إن المتبنين الأولين لأرثوذكسية نيقية-من أثناسيوس إلى غريغوريوس النزينزي إلى هيلاري أسقف بوتييه إلى جيروم نفسه- لا يدرجون رسالة يهوذا في قانونيتهم. إذا تم بإقرار ما في نيقية على قانونية رسالة يهوذا، فإن هؤلاء الأولين كان سيدرجونها ضمن قانونية الكتب. لكنهم لم يفعلوا ذلك. وإنما، جيروم غالباً يصف مناقشات رُبما قد أشار فيها بعض الآباء لرسالة يهوذا وكأنها نص مقدس. على كل حال، لم تنتهي هذه المناقشات بقرار مُجمع رسمي على حدود قانونية الكتاب المقدس. يبدوا أن قول جيروم، أُسيء فهمه لاحقاً، على أن نيقية أقرت بقانونية الكتاب المقدس، مما أدى بنا لبقية هذه القصة.
نيقية وقانونية الكتاب المقدس أسطورياً
أصل هذه الفكرة تظهر في مخطوطة يونانية من أواخر القرن التاسع تٌسمى ” سينوديكون فيتوس – Synodicon Vetus“، حيث تدعي أنها تلخِّص قرارات المجامع اليونانية حتى ذلك الوقت. جاء أندرياس دارماسيوي – Andreas Darmasius بهذه المخطوطة من المورة في القرن السادس عشر، وقام جون بابوس – John Pappus بتحريرها ونشرها عام 1601 في ستراسبورغ. هذا هو الجزء المعني:
” أعلنت المجمع عن الكُتب القانونية والأبوكريفية بالطريقة التالية: ضعتهم بجانب المائدة الإلهية في بيت الله، وصلوا، مُتوسلين من الرب بأن الكتب الموحى بها الهياً توضع على المائدة والباطلة منها تحت المائدة، فقد حدث كذلك.”
وفقاً لهذا المصدر، جاءت الكنيسة بقانونية الكتاب المقدس بمعجزة حدثت في نيقية حيث أن الرب تسَّبب في إبقاء الكتب القانونية على الطاولة والأبوكريفية أو الباطلة منها وُجدت تحتها.
من طبعة بابوس “لسينوديكون فيتوس” تم تداول هذا الاقتباس واُستشهد به (أحيانا على أنه قاله بابوس نفسه مباشرةً، وليس المخطوطة اليونانية التي حررها) إلى أن وجدت طريقها في أعمال مفكرين بارزين مثل فولتير (1694 – 1778). في المجلد الثالث من قاموس فولتير الفلسفي تحت عنوان “المجالس – Counsils” (القسم الأول). يكتب:
إنه كانت بوسيلة مثل هذه، حيث أن الآباء الذين من نفس المجمع ميَّزوا بين الكتب المقدسة الحقيقة من الأبوكريفية. بعد أن وضعوها كلها على المذبح، الكُتب الأبوكريفية سقطت للأرض بنفسها.
في القسم III، يضيف فولتير:
لقد قلنا سابقاً، أنه في مجمع نيقية حيث كان الآباء، حائرين ليعرفوا أي من كُتب العهد الجديد والعهد القديم موحى بها وأي منها أبوكريفية، أنهم وضعوها جميعاً على المذبح، والكُتب التي كانوا عليهم رفضها هي التي سقطت للأرض.
يذكُر فولتير قبل ذلك، أن قسطنطين عقد مجمع. في نيقية، فالآباء ميَّزوا بين الكُتب القانونية من الأبوكريفية بصلاة ومعجزة. إن نشر طبعة 1601 لبابوس من سينوديكون فيتوس – والاقتباسات اللاحقة للمعجزة في نيقية، لا سيما مِن قِبل فولتير في قاموسه- هو السبب الذي جعل دان براون يحكي الأحداث بأسلوب مُفصِل ولماذا يستمر العديد في إعادة هذه الأسطورة.
ختاماً
مع زيادة العلمانية في ثقافتنا، سيستمر الكثيرون في التشكيك على مصداقية الكتاب المقدس وخاصةً على دور المسيحية في تكوين القانونية. على الرغم أن تاريخ قانونية الكتاب المقدس ملخبط بعض الشيء، إلا أنه لا وجود لأدلة أنه تم اعتماده ببعض من الأساقفة المسيحيين والكنائس الذين اجتمعوا في نيقية عام 325.
على المسيحيين أن يستعدوا فكريًا للصمود في هذا العصر، وأن يُصرِّحوا بثقة بأن قانونية الكتاب المقدس هي عمل الله، فالكنيسة ما إلا إنها أدركت ذلك على مر الزمن. توضح كلمات جيمس إينل باكر هذا بقوله، “الكنيسة لم تعطينا قانونية الكتاب كما لم يعطينا السير إسحاق نيوتين قوة الجاذبية.”
مهما كان الاضطراب الذي يصيب الفكر الحديث نتيجة لفكرة تجسد الله وأنه أصبح إنساناً.
إلإ أن الأمر الأكيد هو أن أتباع يسوع الأوائل كانوا يرونه إلهاً وحتى العلماء الذين لا يؤمنون هم أنفسهم بألوهية يسوع نجدهم مستعدين لإدراك أن من كتبوا العهد الجديد كانوا يعتنقون هذا الأمر إلى أن هذه الحقيقة يبدو أنها قد تاهت بصورة ما عن “لي تيبنج”، وهو أحد العلماء (المزعجين) في كتاب دان براون “شفرة دافنشي” إذ يتحدث تيبنج عن مجمع نيقية، وهو اجتماع مسكوني للأساقفة تم عقده بعد حوالي ثلاثمائة عام من زمن يسوع، فيعلن تيبنج أنه حتى تلك اللحظة من التاريخ، كان يسوع يُرى بواسطة أتباعه على أنه نبي بشري.. رجل عظيم وقوي، ولكنه مجرد إنسان.
ليس لدينا أي جدل بشأن حقيقة أن يسوع كان إنساناً. ولكن فكرة أن ألوهية يسوع قد تم اختراعها في مجمع نيقية، بحسب ما ننوي أن نوضّح في الفصول القليلة التالية، لا تحسب أكثر من مجرد تكهّن غريب وغير مألوف.
فمن خلال هذا الجزء، سوف نرى أن الأساقفة في مجمع نيقية لم يكشفوا عن عقيدة جديدة عندما أكّدوا أن يسوع هو ابن الله، بل أن المجمع بالأحرى، قام بالكشف عن أهمية عقيدة كانت متأصلة في نصوص قديمة منذ قرون. وسوف نقوم بتتبع هذه النصوص في الفصول التالية، بدءاً من الأناجيل القانونية.
الخلفية التاريخية
لكي ما نستطيع أن نُقدِّر قيمة الشهادة المسيحية الأولى عن يسوع، لابد أن نفهم البيئة اليهودية التي نشأت فيها هذه الشهادة. كان يهود القرن الأول الميلادي يؤمنون بالتوحيد بصرامة، وأن يكون للمرء إيماناً توحيدياً في وسط الثقافة اليونانية – الرومانية القاسية التي تؤمن بتعدد الاًلهة – كان معناه أن يكون له إيمان يسيطر على حياته وغالباً ما يهددها بالخطر. فعلى الأقل مرتين يومياً، كان كل يهودي مخلص يتلو “الشمع”، وهو نص يبدأ بالقول “اسمع يا اسرائيل: الرب إلهنا رب واحد” (تث 6: 4). هذا المقطع لا يؤكد فقط على تفرّد الله؛ ولكنه يتضمن أيضاً أنه هو الوحيد المستحق للعبادة.
يدخل ريتشارد بوكام في صميم هذا الاعتقاد عندما يسأل: “ما الذي كان يميّز الله على أنه حقيقة متفردة عن كل الحقائق الأخرى، بما فيها الكائنات التي كان الأمم يعبدونها كآلهة؟” نجد الإجابة مرات ومرات، في وسط التنوع الكبير للأدب اليهودي في حقبة الهيكل الثاني، وهي أن الإله الحقيقي وحده يهوه، إله إسرائيل، هو وحده الخالق لكل الأشياء والحاكم والأوحد لجميع الأشياء”. بمعنى آخر، كانت العبادة ليهوه وحده هو السمة المميّزة ليهودية القرن الميلادي الأول.
لكن المسيحية لم تنشأ فقط في بيئة من التوحيد اليهودي، ولكنها أيضاً اعتنقت المعتقدات التوحيدية لليهودية. فالحقيقة أن المسيحية شاركت اليهودية في عدم تحملها لأي مزاعم أو تلميحات تنسب الألوهية لشخص أو لشيء آخر سوى لله المتسامي وحده. وفي ضوء هذه الحقيقة، كان أمراً استثنائياً أن نجد أية تلميحات في الكتابات المسيحية القديمة إلى أن يسوع كان يتم التعامل معه على أنه إله. لكن الأناجيل ومعظم كتابات العهد الجديد تقدم مثل هذه التلميحات – بل وأكثر منها.
في هذا الفصل سوف ينصب تركيزنا على الأناجيل، فهناك الكثير مما يمكن أن يقال عن هذه الوثائق وعن الصور المتنوعة، مع كونها متفقة، التي أظهرتها عن يسوع. فهناك عشرات من التعليقات والكتب التي تحوي مناقشات لأجزاء محددة من الأناجيل التي إما أشارت ضمنياً إلى ألوهية المسيح أو عادلته بوضوح بالله. وبدلاً من البحث عن تلك النصوص التي تتخلل أناجيل متى ومرقس ولوقا ويوحنا، فإننا سنقدم مقتطفات من الموضوعات البارزة في إنجيل كل بشير ونلقي نظرة فاحصة على مشهدين قويين في أقدم الأناجيل.
كيف حددت الأناجيل صورها عن يسوع؟
إن من كتبوا الكتاب المقدس كثيراً ما كانوا يستخدمون أسلوباً أدبياً يعرف باسم “inclusio“ (إنكلوجيو) للتركيز على الموضوعات المهمة في كتاباتهم. وهذا الأسلوب يقوم “بتحديد إطارين” للمقطع أو الأصحاح أو السفر بواسطة بدئه وختامه بنفس الكلمة أو العبارة أو الفكرة. وكان هذا أسلوب الكاتب في تعريف الموضوع وإخبار قرّائه أن كل ما هو موجود بين “إطاري” البداية والنهاية يجب أن تتم قراءته في ضوء ذلك الموضوع. وما يدعو للاهتمام هو أن الأناجيل الأربعة جميعها تستخدم نفس أسلوب “inclusio“.
لننظر مثلاً إلى إنجيل مرقس، الذي يعتقد معظم العلماء أنه أقدم الأناجيل الأربعة، والذي يُعتَقَد أنه زمن كتابته لا يتجاوز ستينات القرن الأول. (انظر الفصل الأول: “الإنجيل الذي وراء الأناجيل” في مناقشة تواريخ كتابة أناجيل متى ومرقس ولوقا.) يفتتح مرقس إنجيله بالكلمات، “بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللهِ” (مر 1: 1). ثم يصل إلى الذروة باعتراف قائد المئة الروماني الذي كان حاضراً صلب يسوع: “حَقًّا كَانَ هذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللهِ!” (مر 15: 39).
وهكذا فإن أسلوب (إنكلوجيو) الذي تمت صياغته بالإشارتين إلى يسوع على أنه ابن الله يفترض أن كل شيء بين هاتين الإشارتين يجب قراءته في ضوء الاعتقاد بأن يسوع لم يكن مجرد إنسان. فمنذ البداية حتى النهاية، يقدم مرقس يسوع على أنه ابن الله الوحيد المتفرد. على أنه من المهم أن نشير إلى أنه بالرغم من تركيز مرقس على ألوهية يسوع، إلا أن إنجيله يكشف أن تلاميذ يسوع كانوا بطيئين قليلاً في إدراك هويته الحقيقية. وهذا على الأقل يوضّح أن مرقس لم يكن يحاول أن يجمّل إنجيله لاهوتياً، بل على العكس، يبدو أنه كان مقيداً حقيقة بالتاريخ الفعلي.
وتأتي اللحظة المؤثرة في الإنجيل عندما كان يسوع وأتباعه في قارب في بحر الجليل. فهبت الرياح وعلت الأمواج فجأة، مما أصاب التلاميذ بالذعر. ثم قام يسوع من نومه وأمر الطبيعة أن تهدأ وتبكم وعندها حصلت غمغمة بين التلاميذ: “مَنْ هُوَ هذَا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضًا وَالْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!” (مر 4: 41).
إن هذا السؤال يكشف عن ارتباك التلاميذ بشأن هوية يسوع، كما يشير أيضاً إلى أنه أكثر من مجرد إنسان. وفي نفس الوقت، يعكس السؤال حقيقة أن التلاميذ لم يعتنقوا في الحقيقة بسهولة أو كأمر مسلم به أمر ألوهية يسوع. والسبب في ذلك واضح، فقد كانوا يهوداً يؤمنون بالتوحيد ومكرسين لعبادة الإله الواحد الحقيقي فكانت رؤيتهم كانسان مساوى لله، بل في الحقيقة، هو الله نفسه، بمثابة تحول جذري في التفكير احتاج إلى بعض الوقت لكي يستقر فيهم ولكن مرقس قدم مفاتيحاً مهمة لطبيعة يسوع الحقيقية، حتى في زمن مبكر، وهو يدعو القارئ لكي يسير في نفس رحلة الاستكشاف التي اجتازها التلاميذ الأوائل.
ومثل مرقس، ربما لم يكتب لوقا إنجيله بعد الستينات، ومثله مثل مرقس أيضاً، يركز لوقا على هوية يسوع على أنه ابن الله الوحيد. لكن رغم أن دور يسوع كالمسيا كان غالباً علي فكر لوقا عندما أشار إلى يسوع على أنه ابن الله، يستخدم لوقا أسلوب “ابن الله” (إنكلوجيو) لكي يوضّح أنه يرى بنوة يسوع أنها وحيدة ومتفردة من نوعها. ففي لوقا 1: 35، يعلن الملاك للعذراء مريم: “اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ.” بغض النظر عما يمكن أن يقال عن المفاهيم اللاهوتية للميلاد العذراوي، يجب على الأقل الاعتراف بالاًتي: أن لوقا يقدم يسوع على أنه إنسان ذو أصل فوق طبيعي.
كما يقدّم لوقا يسوع أيضاً على أنه إنسان نهايته فوق طبيعية. فينهي أسلوب (الإنكلوجيو) باستخدام تعبير “ابن الله” إنجيل لوقا بكلمات متهمي يسوع أثناء محاكمته: “فَقَالَ الْجَمِيعُ:«أَفَأَنْتَ ابْنُ اللهِ؟» فَقَالَ لَهُمْ(يسوع): «أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا هُوَ».” كلمة “فقالوا” بعد ذلك، تعود على عبارة يسوع في العدد السابق: “مُنْذُ الآنَ يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ قُوَّةِ اللهِ” (لوقا 22: 69).
فعندما سأله متهموه عما إذا كان ابن الله، كانت بداية ادعاء يسوع المذهل هو أنه سوف يرتفع ويسمو بصورة فريدة إلى يمين الله كما لو كان هو الله الذي يمارس حكمه العالمي الشامل. (انظر المناقشة الخاصة بتعبير “يمين الله” فيما بعد في هذا الفصل.) بكلمات أخرى، مرة ثانية يشار إلى يسوع على أنه ابن الله بطريقة تشدد على دوره الفريد كمشارك لله. هذا التشبيه لا يلائم على الإطلاق وصف دان براون ليسوع بأنه “نبي بشري”! تمت كتابة كل من إنجيلي مرقس ولوقا قبل عام 70 م وهما يعلنان أن يسوع هو الممثل المتفرد لله، وهو ابن الله.
هذا بالتأكيد يكفي لكي يقوّض زعم دان براون بأن يسوع كان يُرى بواسطة أتباعه الأولين على أنه ليس أكثر – رغم أنه ليس أقل – من مجرد رجل عظيم. لكن هناك ما هو أكثر من ذلك، فكما يوضح إنجيلا متى ويوحنا، تذهب هوية يسوع إلى ما هو أبعد من مركزه الإلهي كابن لله، إذ أنه كان يرى أيضاً على أنه أقنوم إلهي مساوي لله.
لم يدعوا من كتبوا الأناجيل يسوع “الله” صراحة إلا نادراً، إن لم يكن مطلقاً؟ الحقيقة أن إنجيل يوحنا فقط هو الذي يدعو يسوع صراحة “الله”، وقد فعل ذلك مرات قليلة فقط (يو 1: 1، 18؛ 20: 28). فيسوع يطلق عليه “الله” صراحة مرات قليلة في العهد الجديد كله، ولكن هذا لا يقلل من قوة هذه التأكيدات بتاتاً. وكما يشير أر. تي. فرانس، الرئيس السابق لويكليف هول، بجامعة أكسفورد، أننا يجب ألا ندهش لهذا الأمر:
إن الاستخدام الصريح لتعبير “الله” للإشارة ليسوع هو قليل في العهد الجديد، وهو يتركز في الكتابات المتأخرة… فقد كان تعبيراً يثير الصدمة، إذ رغم أن المعتقدات التي تؤكده كانت مؤسسة بقوة، فقد كان من الأسهل، وربما أكثر حكمة أن يتم التعبير عن هذه المعتقدات بمصطلحات غير مباشرة. لكن ما يثير العجب ليس أن العهد الجديد نادراً ما يصف يسوع بأنه الله، ولكن أن يحدث ذلك من الأساس في بيئة (تؤمن بالتوحيد بطريقة متطرفة).
بالحق، كما يشير دبليو. إل. شوتر:
لقد كان التجسّد في البداية يصدم اليهود ويروّعهم، لأنه كان يهدد التزامهم بالتوحيد بصورة جوهرية. فالمسيحيون من خلفية يهودية مثل بولس أو يوحنا، كان عليهم أن يصارعوا مع إمكانية التوفيق بين هاتين العقيدتين. بل الأكثر من ذلك، كان هذا الاعتقاد يمثّل بالتأكيد حجر عثرة في إرسالية الكنيسة لليهود. ولذلك فقد كان لابد للقيادة اليهودية للكنيسة الناشئة أن يكون لديها قناعات عميقة بشأن التجسّد وإلا لكانت قد تخلت عنه.
في ضوء هذه الملاحظات التي قالها كل من فرانس وشوتر، كان يجب أن نتوقع أن نرى صوراً غير مباشرة ليسوع كإله تزيد عدداً عن العبارات المباشرة التي تخدم نفس المعنى. فالمنهج غير المباشر كان أمراً استراتيجياً، وكما سيتضح أيضاً فقد كان بمثابة الطريق الوحيد كذلك.
الصور الأساسية: مشهدان قويان من الإنجيل “الثاني”
لم تكن معجزات يسوع غاية في حد ذاتها، فقد كانت تشير إلى ما هو أبعد من القوة أو السلطة، كانت تشير إلى الشخص، إذ تكشف الهوية فوق الطبيعية للشخص الذي يمارس سلطة الله. ولذلك فإننا يمكن أن نعتبر هذه المعجزات “وسائل سمعية – بصرية لاهوتية”، توضح الحقائق الروحية عن الشخص الذي يصنعها. في بعض الأحيان كان شهود العيان لهذه المعجزات لا يستطيعون تمييز هذه الحقائق؛ وفي أحيان أخرى كان باستطاعتهم تمييزها. وقد كانت هذه الوسائل السمعية – البصرية عالية وواضحة في (مرقس 2: 1-12). حيث كان المشهد في كفرناحوم، على الشاطئ الشمالي لبحر الجليل. وكان يسوع داخل أحد البيوت يعلّم الجموع الموجودة هناك.
وتروي القصة أن رجلاً مفلوجاً تمت تدليته من سقف البيت بواسطة أصدقائه لأن الجمع كان متزاحماً بشدة وكان يسد مدخل الباب. كان أصدقاء هذا المفلوج متشوقين لأن يشفى صديقهم، لذلك قاموا بشق طريقهم للوصول إلى يسوع بطريقتهم الخاصة. وإذ تأثر يسوع بإظهار إيمانهم، قال يسوع وفعل أمراً مذهلاّ. فلدهشة الجموع، شفى الرجل المفلوج، ولكن ما يثير العجب أكثر، هو أنه قال للرجل “َيا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ”(عدد 5). وقد أدرك بعض القادة الدينيين في وسط الجمع في الحال أن هناك مشكلة لاهوتية في عبارة يسوع، وفكروا في أنفسهم قائلين: “لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هذَا هكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ؟»(مر 2: 7).
لقد كانوا محقين في نصف الموضوع، فالله وحده هو الذي يستطيع أن يغفر الخطايا، ولكن يسوع لم يكن يجدّف، بل كان ينسب لنفسه ضمنياً وبسلطان معادلته لله. بل أن يسوع نفسه أوضح أن شفاء المفلوج كان يشير إلى حقيقة أعظم عندما سأل مقاوميه: “أَيُّمَا أَيْسَرُ، أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ: مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ؟ وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا…” (مر 2: 9- 10). لقد جعل يسوع أعماله تتحدث بينما كانت كلماته تنتشر بلطف وببطء. ففي الحقيقة أن كل إنسان كان موجوداً على مقربة من الرجل الذي شفي رأى أن ما أعلنه يسوع قد حدث، وأن خطايا المفلوج قد غفرت.
والجدير بالذكر أن هذا الإدعاء هو الذي جعل أعداء يسوع يهزأون منه، فلم يحاولوا أن يفسروا المعجزة نفسها. وهكذا فإن لدينا شهادة تاريخية قوية لمعجزة، تقدم بدورها شهادة لاهوتية قوية لهوية يسوع الإلهية. كما أن هناك تأكيداً قوياً آخر لاعتقاد يسوع الشخصي بألوهيته تم إظهاره أثناء محاكمته أمام المجمع اليهودي في مساء اليوم السابق لصلبه (مر 14: 53- 64). ففي بحثهم لتلفيق تهمة ليسوع لكي تلصق به إلى أن يحضر يسوع أمام بيلاطس، سأله قيافا رئيس الكهنة قائلاً: “أَأَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ الْمُبَارَكِ؟” (مر 14: 61).
ولكن إجابة يسوع صدمت رئيس الكهنة ومن معه: فقال يسوع: “أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا فِي سَحَابِ السَّمَاءِ». 63فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ ثِيَابَهُ وَقَالَ:«مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ 64قَدْ سَمِعْتُمُ التَّجَادِيفَ! مَا رَأْيُكُمْ؟» فَالْجَمِيعُ حَكَمُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ.” (مر 14: 62- 64). للوهلة الأولى كان رد فعل قيافا والمجمع يبدو متطرفاً، فلم يكن هناك أصلاً أي تجديف في الادعاء بأن يسوع هو المسيا. ولكننا كما سنرى، فقد ادعى يسوع ما أكثر من ذلك بكثير. لقد ادعى يسوع أنه أكثر من مجرد ملك اليهود عندما عرف نفسه بأنه “ابْنَ الإِنْسَانِ” (مرقس 14: 62).
كثيراً ما يخطئ البعض بافتراض أن لقب “ابْنَ الإِنْسَانِ” يشير ببساطة إلى بشرية يسوع. لكن مستجوبي يسوع الذين كانوا على دراية عميقة بالكتب المقدسة العبرية، لم يكن في أذهانهم أن هذا اللقب يشير إلى سمات يسوع الأرضية، بل كانوا يفكرون في الرؤيا السماوية في سفر دانيال 7: 13- 14: “كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ.”
من الواضح أن الضعف البشري كان أبعد ما يكون عن فكر دانيال، الذي صوّر ابن الإنسان على أنه مرتفع ومتسامي، وأنه في هيئته الإنسانية لديه كل السلطان والقوة في ملكوت أبدي. كما كشفت رؤيا دانيال أيضاً أن ابن الإنسان أكثر من مجرد بشر. ففي كتابات العهد القديم الأخرى، كانت صورة ركوب السحاب تستخدم بالكامل للكائنات الإلهية (خر 14: 20؛ 34: 5؛ عد 10: 34؛ مز 104: 3؛ إش 19: 1). وقد استخدم دانيال هذا التصوير، وتبناه يسوع على أنه يخصه هو.
كما إدعى يسوع أيضاً أمراً أكثر إذهالاً عندما قال إنه هو – الشخصية البشرية الإلهية بكل حكمها وسلطانها – سوف يُرى “جالساً عن يمين قوة الله” (مر 14: 62). لم يكن هذا التصوير غريباً على المجمع اليهودي الذي كان على معرفة وثيقة بالمزامير: “قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: «اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ».” (مز 110: 1)
كان تطبيق يسوع لهذا النص على نفسه هو أمر يثير الدهشة، فعدد قليل فقط من الشخصيات المهمة في اليهودية هي التي دخلت إلى محضر الله، وأقل منها من جلسوا فيه. لكن حتى هذه النقطة، لم يُعرَض على أحد في الكتابات اليهودية أبدأ امتياز الجلوس عن يمين الله، ولكن يسوع أصّر شخصياً على حقه في القيام بذلك.
إن الكهنة في المجمع اليهودي الذين كان يسوع يدلي أمامهم بهذا الادّعاء الراديكالي، لم يكن يمكنهم، بحسب الناموس، حتى الدخول إلى القدس في الهيكل. أما قدس الأقداس – مكان حضور الله على الأرض – فلم يكن من الممكن دخوله إلى في يوم محدد وبطريقة خاصة وبواسطة شخص معين.
ففي عيد الكفّارة، كان يُسمَح لرئيس الكهنة فقط بالدخول إلى قدس الأقداس لكي يقدم دم ثور لأجل تطهيره هو الشخصي ودم تيس تكفيراً عن خطايا الشعب. وكان هذا يسبقه تغييراً لثيابه وترحيض جسده بالماء (لا 16).بمعنى آخر، كان حضور الله في الهيكل يتم الدخول إليه بحذر، وأي إخفاق أو تساهل في الالتزام بهذا الحذر نتيجته الموت.
بمثل هذه الحدود والموانع للدخول إلى قدس الأقداس الأرضي، يمكننا أن نتخيل ما جال بخاطر الكهنة عندما ادعى يسوع حقه في الدخول إلى محضر الله السماوي. ويمكننا أن نشرع في تخيل ما كانوا يفكرون فيه عندما قال يسوع إنه سيدخل إلى قدس الأقداس السماوي ويجلس هناك، وربما كان يعزو لنفسه امتلاك ذلك المكان أيضاً!
كانت إجابة يسوع فوق احتمال القادة الدينيين بحيث لم يتمكنوا من قبولها. فقد ادّعى أنه يمارس سلطة الله. متضمناً معنى أنه هو الذي يجلس ليحكم على المجمع اليهودي – وليس العكس. كما أنه ارتكب التجديف أيضاً بتهديده لتفرّد وجود الله. فقد كان يسوع يتحدث بجرأة عن الدخول مباشرة إلى قدس الأقداس السماوي والجلوس هناك، وهكذا يشغل مكانة أعلى وأسمى حتى من الملائكة، لأن “مكان عرش الله عن يمين الآب هو أعلى مكان في السماوات”.
لقد أذهلت كلمات يسوع المجمع اليهودي وكان رد فعلهم يفترض بقوة أنهم فهموا أن يسوع يدّعي الألوهية. وبلا شك، كانت هذه هو الطريقة التي فهم بها مرقس يسوع، وهي نفس الطريقة التي فهم بها يسوع نفسه. وهكذا فإننا نكون في مأمن عندما نخلص مع ريتشارد بوكام إلى أن “أقدم تعليل لاهوتي لشخص المسيح كان بالفعل هو أسمى تعليل”.
الايمان بلاهوت المسيح قبل مجمع نيقية – الجزء الاول
تمهيد
زعم الكثيرين ان الاعتقاد بلاهوت الرب يسوع المسيح نشأ في مجمع نيقية المنعقد سنة 325 م، وقد ادعت رواية شفرة دافنشي هذا الامر وبحسب جريده نيويورك تايمز قد كانت هذه الرواية الاكثر مبيعاً واكثر شعبية في الآونة الاخيره. متغافلين عن ايات العهد الجديد الاكثر وضوحاً وفهم المسيحين الاوائل لحقيقة لاهوت المسيح طوال القرن الثاني. مثل كتابات القديس اعناطيوس وكتابات يوستينوس الشهيد وميليتو واثيناغوراس وايرناؤس. جميع هذه الكتابات تحدثت عن المسيح كونه الله. وكانت تحتوي علي ثقافة من اليهودية وعن الوهية الرب يسوع المسيح.
فالمسيح هو الله المتجسد القائم من الموت. وعلي الرغم انهم لم يشرحوا طبيعة المسيح بشكل دقيق كما شرحها اللاهوتيين في وقت لاحق. لكن جميع اعمالهم تدل أن الايمان بلاهوت المسيح ليس هو وليد مجمع نيقية. ثم جاءت الكنيسة في وقت لاحق وضعت الفروق الدقيقة للتفسير والمصطلحات بشأن لاهوت المسيح. لكن كان الايمان بلاهوت المسيح وعبادة المسيح كونه الله يتدفق جيل ورا جيل خلال القرون الاربعة الأولى.
وعن غير قصد نتيجة لانتشار شفرة دافنشي صدق القراء عن غير قصد ما قالته الرواية بشأن ولاده لاهوت المسيح في مجمع نيقية واصبحت هذه المعلومة حقيقة تاريخية بالنسبة لهم. فوضعت الرواية حديث بين السير لي تيبينج وهويعتبر مؤرخ داخل الرواية يناقش ما دارس في مجمع نيقية.
“حتى تلك اللحظة، كان أتباع يسوع يتعتبرونه نبياً فانياً مثل كل البشر… رجل عظيم مؤثر، ولكنه إنسان، فانٍ”.
قالت “صوفي”: “ليس ابن الله؟”
أجاب “تيبينج”: “بلى. فكرة أن يسوع “ابن الله” طُرحَت رسمياً للتصويت في مجمع نيقية.”
“مهلاً. تقول إن لاهوت يسوع جاء نتيجة تصويت؟”
أضاف “تيبينج”: “بقارق ضئيل بين الطرفين.”
ويشرح “تيبينج” كيف حظر قسطنطين الأناجيل التي تحدثت عن يسوع بلغة إنسانية بحتة، ولم يسمح إلا بالأناجيل التي تشير إلى ألوهيته. (1)
وايضاً يزعم هذا الزعم العديد من الطوائف الغير المسيحية والاديان. فهؤلاء يريدون نفي لاهوت المسيح بادعاء ان الكتاب المقدس لم يذكر لاهوت المسيح وان مجمع نيقية هو من زعم هذا الادعاء. (2) ويدعي البعض انه في مجمع نيقية دخلت الوثنية في المسيحية. (3) ويوجد كتب صدرت عن ذلك (4).
فعلي الرغم من رواج هذا الادعاء لكن كتابات العهد الجديد اشارة للاهوت المسيح وقد كتب MurrayJ.Harris مقدمة عن هذا الموضوع الهام وعن استخدام لفظ الله عن يسوع في ايات متعدده مثل ما جاء في يوحنا 1 : 1 ويوحنا 1 : 18 ويوحنا 20 : 28 ورومية 9 : 5 وتيطس 2 : 13 وعبرانين 1 : 8 وبطرس الثانية 1 : 1 , (5)
فهذه الكتابات اكدت لاهوت المسيح وتواصلت حتي القرن الثاني بلا انقطاع من خلال كتابات اغناطيوس ويوستينوس الشهيد وميلتو واثيناغورس وكثيراً ما اشاروا للاهوت الرب يسوع وكما فعل ايرناؤس اسقف ليون في وقت مبكر.
اولاً شهاده القديس اغناطيوس الانطاكي :-
كتب اغناطيوس سبع رسائل. واستشهد في روما ما بين سنة 110 وسنة 117 م، وقد هاجم اغناطيوس الدوستية التي زعمت ان جسد يسوع هو لم يكن جسداً حقيقياً. (6)كما اكد علي حقيقة لاهوت الابن. واشار للاهوت المسيح اكثر في اثني عشر موضعاً. (7)
وقد شملت رسائل القديس بولس الرسول علي اكبر عدد من الاشارات. فيقول اغناطيوس ان معاناة كنيسة افسس قد جاءة من خلال ارادة الآب ويسوع المسيح ألهنا. (8) وفي الفصل السابع يوضح اغناطيوس بوضوح أن يسوع المسيح ربنا هو الله الظاهر في الجسد بحسب ما جاء في رسالته Ephesians7.2 ويشير اغناطيوس بكلمات مثل ربنا والهنا يسوع المسيح. ابن الله الحي. ويشير اغناطيوس الي جمل اخري مثل لنا الله يسوع المسيح وفقاً لموعد الرب حبل به في بطن العذراء من نسل داود في Ephesians18.2 والله نفسه جاء في شكل انسان للتجديد للحياة الابدية Ephesians19.3 ومواضع اخري مثل ما جاء في Ephesians15.3 عن لاهوت الرب يسوع.
وقد تكلم اغناطيوس ايضاً عن رسالة بولس الرسول الي رومية. وذكر ايضاً عن الرب يسوع انه هو الهنا. ويقول اغناطيوس عن وفرة السعادة بلا لوم في يسوع المسيح الهنا. (9) واكد ان المسيح الهنا وهو الان مع الآب. مما يزيد من اظهار مجده. Romans3.3; 6.3
وايضاً تحدث اغناطيوس عن كنيسة سيمرنا واشار الي المسيح الهنا Smyrnaeans1.1; 10.1. وقال انه يحض ترتليان علي الحميم مع المسيح الهنا Trallians7 وايضا كان اغناطيوس علي اتصال ببوليكاربوس. اصلي لاجل سعادتك الي الابد في الهنا يسوع المسيح Polycarp8.
المراجع
Dan Brown, The Da Vinci Code (New York: Doubleday, 2003), 233–34. See also Richard E. Rubenstein’s misleadingly titled When Jesus Became God: The Epic Fight over Christ’s Divinity in the Last Days of Rome (New York: Harcourt Brace, 1999).
Anthony Buzzard, “Who Is Jesus? Do the Creeds Tell Us the Truth about Him?” Restoration Fellowship, http://www.mindspring.com/~anthonybuzzard/jesus.htm.
Victor Paul Wierwille, Jesus Christ Is Not God (New Knoxville, OH: American Christian Press, 1975),1–20.
The Christadelphian Magazine and Publishing Association Ltd., “Jesus: God the Son or Son of God?” Christadelphia World Wide, http://www.christadelphia.org/pamphlet/ jesus.htm.
MurrayJ.Harris, Jesus As God: The New Testament Use of Theos in Reference to Jesus (Grand Rapids: Baker Books, 1993),271–73. See also RobertL.Reymond’s Jesus, Divine Messiah: The New Testament Witness (Phillipsburg, NJ: Presbyterian and Reformed, 1990).
These were early sects who denied the true humanity of Christ and taught that His corporeal (physical) body was only an “appearance” or disguise.
See Edmund J. Fortman, The Triune God: A Historical Study of the Doctrine of the Trinity (Philadelphia: Westminster, 1972),39.
Ephesians inscription; see also Ephesians1. Except where otherwise noted, all quotations of Greek works in this article are from Alexander Roberts and James Donaldson, eds.,The Ante-Nicene Fathers,vol.1, The Apostolic Fathers with Justin Martyr and Irenaeus, rev. ed. (1867; repr., Grand Rapids:Eerdmans,2001).
Romans inscription
Jesus as God in the Second Century Paul Hartog