ونحن نحتفل بميلاد السيد المسيح من العذراء، لعلنا نتساءل فيما بيننا: ما هي الأسباب التي دعت رب المجد أن يتخذ جسدًا ويحل بيننا، ويصير في الهيئة كإنسان، ويولد من امرأة كبني البشر؟
لا شك أن الفداء هو السبب الأساسي للتجسد. جاء الرب إلى العالم ليخلص الخطاة، جاء ليفديهم، جاء ليموت وليبذل نفسه عن كثيرين. هذا هو السبب الرئيسي الذي لو اكتفى السيد المسيح به ولم يعمل غيره، لكان كافيًا لتبرير تجسده. جاء السيد المسيح ليوفي العدل الإلهي، وليصالح السماء والأرض.
ويمكننا أن نقول أيضًا إلى جوار عمل الفداء والمصالحة إن السيد المسيح قد جاء لينوب عن البشرية. وكما ناب عنها في الموت، ينوب عنها أيضًا في كل ما هو مطلوب منها أن تعمله. إن الإنسان قد قصر في كل علاقاته مع الله، فجاء “إبن الإنسان” لينوب عن الإنسان كله في إرضاء الله.
وفي فترة تجسده أمكن للرب أن يقدم للبشرية الصورة المثالية لما ينبغي أن يكون عليه الإنسان كصورة الله ومثاله. قدم القدوة، والمثال العملي. حتى أن القديس أثناسيوس الرسولي قال إنه لما فسدت هذه الصورة التي خلق الله بها الإنسان، نزل الله ليقدم لهم الصورة الإلهية الأصلية…
وأيضًا لما أخطأ الناس في تفسير الشريعة الإلهية وقدموها للناس حسب مفهومهم الخاطئ، ومزجوا بها تعاليمهم الخاصة وتقاليدهم، جاء الرب ليقدم للبشرية الشريعة الإلهية كما أرادها الرب، نقية من الأخطاء البشرية في الفهم والتفسير…
وسنحاول الآن أن نتناول هذه الأسباب جميعها، نتحدث عنها بمزيد من التفصيل، ونري ما يمكن أن نستفيده من دروس روحية لحياتنا خلال هذا الشرح.
البابا شنودة الثالث