المشكلة العالمية لبارت إيرمان – الرد علي بارت إيرمان (الجزء الأول)
المشكلة العالمية لبارت إيرمان – الرد علي بارت إيرمان (الجزء الأول)
مايكل كروجر | ترجمة: نرمين سليم
لقد أنتهيت تواً من المعالجة الرسمية لاخر كتاب لبارت إيرمان، كيف أصبح يسوع رباً- تبجيل واعظ يهودي من الجليل (هاربر وان، 2014)، وسوف تُتاح للإطلاع في موقع Reformation الأسبوع المقبل أو في غضون ذلك (سوف أقوم بالاخطار بذلك عند التثبيت).
في هذه الاثناء، سوف أبدا بسلسة من المراسلات المدونة للإجابة علي الكتاب الجديد لإيرمان. بعض من تلك المراسلات تُستوحي من المعالجة القادمة والبعض منها يمثل ملاحظات جديدة علي كتابه. يتم تصنيف المراسلة الأولي علي إنها أحدث تصنيف وتختص بالمتناقضات الداخلية المتواجدة في الأراء الخاصة بإيرمان.
بالرغم من أن إيرمان لم يعرض تقييم شامل لرأيه الخاص، إلا أنه من الضروري ملاحظة إنه قدم نفسه ببساطة من خلال الكتاب علي إنه مؤرخ. أدعي إيرمان علي مدي 300 صفحة- الصفحات الزائدة إنه يقوم فقط، إلي حد بعيد، بما يقوم به المؤرخ. لقد أوضح جلياً أن “الإيمان الديني والمعرفة التاريخية هما طريقان مختلفان للـ” المعرفة”” (132) ولقد وضع نفسه بالمُخيم الأخير. لقد وجه إهتمامه فقط بدراسة تلك الأحداث التي “لا تتطلب إيماناً من أجل معرفتها” (132).
هكذا ألتزم إيرمان بدوره كـ”مؤرخ” بتوبيخ أي شخص يريد إدخال أحكام قيمية في المناقشات التاريخية. علي سبيل المثال، صمم إيرمان علي عدم أستخدام بعض المصطلحات مثل “هرطقة” أو “الأرثوذوكسية” حيث أن ذلك يتضمن وجود فئه علي صواب يقيني وأخري مخطئة بيقين، ولا يستطيع المؤرخون إقامة مثل تلك المحاكمات. يحب تجنب تلك المصطلحات كافة حيث أنها “محملة بالقيمية” (319). بالفعل، حسب قوله، “ليس للمورخون مدخل… لما هو صحيح في عيني اللة” (288).
وهكذا، إيرمان واضح في أرائه. يتوجب علي المؤرخون أن يكونوا لا تقويميين في تصريحاتهم. عليهم أن لا يصرحوا ما هو الصواب وما هو الخطأ. لماذا؟ لإن المؤرخون، بكونهم مؤرخون، ليس لديهم مدخل إلي تلك التقويمات.
لكن، تلك هي النهاية. لقد بدأ إنكشاف الرأي المزعزم لإيرمان. بمجرد أن بدأ في تدوين كتابه حيث وبخ الاخرين من إقحام تقيماتهم الخاصة في المناقشات التاريخية، بدأ هو في إقحام تقيماته. هنا قام بعرض طلبة مفادها شكوي عن اللاخلاقية التي أتصف بها المسحيون الأوائل المدانون بمعاداة السامية – معاداة السامية التي نتجت، وفقاً لمجادلة إيرمان، عن أعتقاد المسيحيون في لاهوت يسوع. الاعتقاد، حسبما يدعي، الذي به تضمينات “مرهبة” (277).
في تلك النقطة، مع ذلك، القارئ مُتحير. ألم يكن إيرمان هو ذاك الذي أصر علي أنه ليس من المفترض علي المؤرخين الاهتمام بصحة الأراء التاريخية أو خطئها (مثل أراء المسيحيون حول لاهوت يسوع!)؟ ألم يكن إيرمان هو ذاك الذي أصر علي مهمة المؤرخ في تجنب التصريحات “اللاتقويمية؟ لكن، لم يتردد في عرض تأويله الأخلاقي في نهاية كتابه.
لكن، المشاكل لإيرمان تبدو أعمق. القضية هي ليست فقط أنه فرض قانونه الخاص المعلن للطريقة اللازم التعامل بها من قبل المؤرخون، القضية الكبري هي التساؤل بالأولي عن الموضع الذي استقي منه المعايير الأخلاقية التي تمثل قناعته. كيف توصل إيرمان إلي أن معادة السامية هي خطئاً؟ وعلي أي أساس دعاها “مرهبة”؟ من أين استقي تلك المعايير الأخلاقية التي أستخدمها؟
في مكان أخر، أكد إيرمان علي القارئ أنه يؤمن بالمعايير الأخلاقية. حيث قال “أنا أؤمن بوجود الخير والشر، وأؤمن بأنه علينا أن نظل في جانب الخير، وأؤمن بأننا لابد وأن نصارع بقوة ضد الشر”(354). بعيدا عن حقيقة أن تلك الأقوال في غير محلها بكتاب يلتزم بشكل مزعوم بمناقشة قضايا تاريخية فقط، من الواضح أن إيرمان لم يشعر بالحاجة إلي التوضيح للقارئ المصادر التي استقي منها تلك المعايير الأخلاقية. ومن الذي قرر ما هو “الخير” و”الشر”؟ بارت إيرمان؟
يبدو أن إيرمان ليس علي دراية بأن مثل تلك الأقوال الأخلاقية بأكملها قد تتطلب فقط بعض أنواع الأسس الفلسفية، وبعض أنواع الأراء التي يمكن أن توفر حساب مقنع للمعايير الأخلاقية، وبعض أنواع الأسس الخاصة بسبب تحديد شئ “صواب” والأخر “خطأ”. ولكن لم يقم إيرمان بذلك التوضيح. في الواقع، أقرب ما توصل إليه هو إخبار القارئ بما هو ليس أساساً للأخلاق: “أنا لا أؤمن بوجود اللة بالسماء ذاك الذي سوف يرسل للكون عن قريب ديان الأرض ليحطم كل قوي الشر” (355).
وهنا لا يبدو أن إيرمان يدرك التباين العميق في أرائه الخاصة. علي أي أساس قام اللاأدري المزعوم بمثل تلك الإدعاءات الاخلاقية الشاملة عن الخير والشر، عن الصواب والخطأ، عن ما يحبه اللة أو ما لا يحبه؟ كيف عرف إيرمان أن اللة لم يأتي ليدين الأرض؟ حينما يأتي الوقت للقيام بتلك الإعلانات الأخلاقية والدينية، يبدو أن إيرمان علي قناعة تامة للاسترسال في موقفة اللاإدري.
لم ينوه إيرمان عن بعض الأسباب سوي التي أقروها أقرنائه عن الأخلاق (ولو إنه لم يذكر أن تلك هي أراؤه)، مثل “نستطيع أن نجد أعظم إنجاز ذاتي في الحياة ولذلك نستطيع ان ننموا معاً كمجتمع علي المدي البعيد” (355). لكن، تلك ليست أساسيات للحقائق الأخلاقية المطلقة- قد توضح السلوك ولكنها لا تظهر صواب السلوك أو خطأه. هناك شيئاً ليس بالصواب ولا بالخطأ بسبب إنه يقود إلي الإنجاز الشخصي. قد يتصور البعض أنه إنجاز شخصي في تعذيب الأطفال الصغار، ولكن هذا التصورلا يجعل هذا الفعل “صواباً”.
من سخرية القدر، إنه من الأراء السائدة المقررة بأن إيرمان يسخر من وينتقد- المسيحية الإنجيلية- التي تقم بتزويد أساسيات للأخلاق. يؤمن المسيحيون بأن أساس المعايير الأخلاقية يكمن في شخصية اللة ذاته، خالق الكون، ويدعي المسيحيون إنهم يعرفون اللة من خلال كلمته المدونة بالإنجيل. وبالطبع، رفض إيرمان ذلك الإدعاء، ولكن ذلك يخطئ الهدف بالتمام. في حال أن هناك شخص ينوي إقامة إدعاءات أخلاقية، يبدو ذلك مقبولاً للعقل بالأكثر إذا ما أتيت من شخص يؤمن بأن تلك الإدعاءات تدخل إلي أفكار اللة ذاته فيما يتعلق بالأمر، بدلاً إنها تأتي من شخص يعرض فقط اللاأدرية.
الأن من المفترض أن إيرمان كان من الممكن أن يتجنب تلك الورطة بأكملها بقوله إنه لا يؤمن تماماً بالفعل في الحقائق الأخلاقية المطلقة، دون عرضه فقط بما يخص مفاضلاته الاخلاقية الشخصية. نعم، بالضبط. لكن، لم يكن لدي إيرمان أساساً لقوله الأولي”إني أؤمن بوجود الخير والشر”. بدلاً من ذلك، كان يتوجب عليه قول “لا وجود للخير والشر، فقط رأي شخصي”. وفي حال أن يقوم إيرمان بعرض رأيه الشخصي فقط، لم يعد له أساس ذو معني للأعتراض علي معادة السامية. ليس من الممكن أن يصرح بأن ذلك صواب بالفعل- ولكن كل ما يستطيع قوله أنه لا يقبل ذلك بصفة شخصية.
ختاماً، يُعد الرأي السائد لإيرمان بلبلة فلسفية. لقد وبخ إيرمان الأخرين لإهتمامهم بالأقوال الخالية من القيمية، ثم يقم بعرض أقواله الخاصة. لقد أدعي الإيمان بوجود الخير والشر، ولكنه لم يوضح أبداً من أين أستقي تلك المعايير الأخلاقية. لقد أقام إدعاءات ساحقة عن كيفية عدم وجود اللة الذي سيدين العالم بينما الإدعاء طوال الوقت يقود إلي كونه لاأدري. لقد أدان المسيحين لكونهم معاديين للسامية، ولكنه لم يوضح بالأولي سبب كون معادة السامية خطئاً.
يعترف اللاأدري الحقيقي بإنه ليس لديه أي شئ يختص بمناقشة وجود اللة والأخلاق، والخير والشر. بالفعل، يعترف اللاأدري الحقيقي بأحتمال كون العقيدة المسيحية صائبة. بعد كل هذا، وفقاً للأدري، من يعلم؟