الراهب بنيامين المحرقى
فى مجمع نيقيه عام 325 م تم تحديد موعد عيد الميلاد يوم 29 كيهك حسب التقويم القبطى. وكان هذا اليوم يوافق 25 ديسمبر من كل عام حسب التقويم الرومانى (الذى يرجع نسبه إلى تأسيس مدينة روما والذى تسمى بعد ذلك بالتقويم الميلادى) , وكان وقتها 29 كيهك يوافق .25 ديسمبر ، هذا التحديد يجعل عيد ميلاد المسيح فى أطول ليلة وأقصر نهار (فلكياً) والتى يبدأ بعده الليل فى القصر و النهار فى الزيادة , حيث أن ميلاد المسيح (نور العالم) بدد الظلام ، يبدأ الليل فى النقصان والنهار (النور) فى الزيادة.
كذلك اختار المسيحيين تأريخ 25 ديسمبر منذ قديم الايام حيث تشكل تسعة أشهر من ذكرى البشارة – بشارة الملاك لمريم- التي تٌصادف في 25 من مارس . في القدم و في العصور الوسطى كان الاحتفال بعيد الميلاد يٌعد احتفالاً ثانوي أو لا يتم الاحتفال به ابداً. حوالي سنة 220 ، أعلن اللاهوتي تيرتلين ” Tertullian ” بأن المسيح قد مات في 25 مارس من سنة 29 بعد الميلاد وقام من بين الاموات بعد 3 أيام. يفضل الدارسين الحديثين وضع تأريخ الصلب في 3 ابريل من سنة 33 بعد الميلاد.
واستمرت الكنيسة فى العالم كله تعيد لميلاد المسيح فى 29كيهك الموافق 25ديسمبر إلى عام 1582م ، حيث لاحظ العلماء أن السبب الذى تحدد عليه ميعاد عيد الميلاد غير متحقق ، فلم يعد يوم 25 ديسمبر (عيد الميلاد) يوافق أطول ليلة وأقصر نهار ، بل وجدوا الفرق عشرة أيام. أى يجب تقديم 25 ديسمبر بمقدار عشرة أيام حتى يقع فى أطول ليل وأقصر نهار ، وعرف العلماء أن سبب ذلك هو الخطأ فى حسابات فلكية ،فكانت السنة (1) فى التقويم اليوليانى تُحسب على أنها 365 يومًا و 6 ساعات.
ولكن العلماء لاحظوا أن الأرض تكمل دورتها حول الشمس مرة كل 365 يومًا و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية أى أقل من طول السنة السابق حسابها (حسب التقويم اليوليانى) بفارق 11 دقيقة و14 ثانية ومجموع هذا الفرق منذ مجمع نيقية عام 325م حتى عام 1582 كان حوالى عشرة أيام ، فأمر البابا جريجورى بحذف عشرة أيام من التقويم الميلادى (اليوليانى) حتى يقع 25 ديسمبر فى موقعه كما كان أيام مجمع نيقية ، وسمى هذا التعديل بالتقويم الغريغورى, لان هذا الحدث كان فى عهد رئاسة البابا جريجورى بابا روما عيد الميلاد إذ أصبح يوم 5 أكتوبر 1582 هو يوم 15 أكتوبر فى جميع أنحاء إيطاليا. ووضع البابا غريغوريوس قاعدة تضمن وقوع عيد الميلاد (25 ديسمبر) فى موقعه الفلكى الذى يناسب أطول ليلة و أقصر نهار وذلك بحذف ثلاثة أيام كل 400 سنة (لأن تجميع فرق ال11 دقيقة و 14 ثانية يساوى ثلاثة أيام كل حوالى 400 سنة), ثم بدأت بعد ذلك بقية دول أوروبا تعمل بهذا التعديل الذى وصل إلى حوالى 13 يومًا.
ولكن لم يعمل بهذا التعديل فى مصر إلا بعد الاحتلال الأنجليزى (فاضافوا 13 يوما من التقويم الميلادى) فأصبح 11 أغسطس هو 24 أغسطس. وفى تلك السنة أصبح 29 كيهك (عيد الميلاد) يوافق يوم 7 يناير (بدلا من 25 ديسمبر كما كان قبل دخول الإنجليز إلى مصر أى قبل طرح هذا الفرق) لأن هذا الفرق 13 يوما لم يطرح من التقويم القبطى .
قدماء المصريين هم أول وادق من قسَّم الزمن ، فقال هيرودت المؤرخ الإغريقى (قبل الميلاد بحوالى ثلاثة قرون) عن التقويم القبطى :”وقد كان قدماء المصريين هم أول من أبتدع حساب السنة وقد قسموها إلى 12 قسماً (شهراً) بحسب ما كان لهم من المعلومات عن النجوم ، ويتضح لى أنهم أحذق من الأغارقة (اليونانيين) ، فقد كان المصريون يحسبون الشهر ثلاثين يوماً ويضيفون خمسة أيام إلى السنة لكى يدور الفصل ويرجع إلى نقطة البداية” (2)
قسموا السنة إلى 12 برجاً (3) فى ثلاثة فصول (الفيضان-الزراعة-الحصاد ، طول كل فصل أربعة شهور )،ثم أضافوا إليها خمسة أيام سموها الشهر الصغير والتى تسمى أيام النسى ، وقسموا السنة إلى أسابيع وأيام ، اليوم : وكان يبدأ من منصف الليل ويستمر إلى منتصف الليل الذى يليه ، ثم عرفوا الشهر الهلالى ثم نظموا الاسبوع ليربط بين اليوم والشهر ، وسموا الأيام باسماء الكواكب السياره وهى زحل – المشترى – المريخ – الشمس – الزهرة – عطارد – القمر . (منذ أربعة آلف ومائتى سنة قبل الميلاد)
وقسموا اليوم إلى 24 ساعة والساعة إلى 60 دقيقة والدقيقة إلى 60 ثانية وقسموا الثانية أيضا إلى 60 قسماً. والسنة فى التقويم القبطى هى سنة نجمية شعرية أى مرتبطة بدورة نجم الشعرى اليمانية (Sirius) ويسمى فى اللغة المصرية القديمة “سبدت” وهو ألمع نجم فى مجموعة نجوم كلب الجبار The Dog Star، الذى كانوا يراقبون ظهوره الإحتراقى قبل شروق الشمس قبالة أنف أبو الهول التى كانت تحدد موقع ظهور هذا النجم فى يوم عيد الإله العظيم عندهم ، وهو يوم وصول ماء الفيضان إلى منف (ممفيس) قرب الجيزة. وحسبوا طول السنة (حسب دورة هذا النجم) 365 يوماً
لكنهم لاحظوا أن الأعياد الثابتة الهامة عندهم لا تأت فى موقعها الفلكى إلا مرة كل 1460 سنة ، فقسموا طول السنة 365 على 1460 فوجدوا أن الحاصل هو 4/1 يوم فأضافوا 4/1 يوم إلى طول السنة ليصبح 365 يوماً وربع. أى أضافوا يوماً كاملا لكل رابع سنة (كبيسة). وهكذا بدأت الاعياد تقع فى موقعها الفلكى من حيث طول النهار والليل. وحدث هذا التعديل عندما أجتمع علماء الفلك من الكهنة المصريين فى كانوبس Canopus أبو قير حالياً بجوار الأسكندرية (قبل الميلاد بحوالى ثلاثة قرون) وأكتشفوا هذا الفرق وقرروا إجراء هذا التعديل فى المرسوم الشهير الذى أصدره بطليموس الثالث وسمى مرسوم كانوبس Canopus .
وشهور السنة القبطية هى بالترتيب: توت, بابه، هاتور, كيهك, طوبة, أمشير, برمهات, برمودة, بشنس, بؤونة, أبيب, مسرى ثم الشهر الصغير (النسئ) وهو خمسة أيام فقط (أو ستة أيام فى السنة الكبيسة). ومازالت هذه الشهور مستخدمة فى مصر ليس فقط على المستوى الكنسى بل على المستوى الشعبى أيضاً وخاصة فى الزراعة. ولقد حذف الأقباط كل السنوات التى قبل الأستشهاد وجعلوا هذا التقويم (المصرى) يبدأ بالسنة التى صار فيها دقلديانوس امبراطوراً (عام 284 ميلادية) لأنه عذب وقتل مئات الآلاف من الأقباط , وسمى هذا التقويم بعد ذلك بتقويم الشهداء وهو الأن سنة 1715 للشهداء الأطهار
كان يسمى بالتقويم الروماني إذ بدأ بالسنة التى تأسست فيها مدينة روما (حوالى 750 سنة قبل ميلاد السيد المسيح). وكانت السنة الرومانية 304 يوماً مقسمة إلى عشرة شهور، تبدأ بشهر مارس (على اسم أحد الآلهه الإغريقية) ثم أبريل (أى انفتاح الأرض Aperire بنمو المزروعات والفواكه) ثم مايو على اسم الآلهه ( Maia ) ثم يونيو (أى عائلة أو اتحاد) ثم كوينتليوس (أى الخامس) ثم سكستس (السادس) ثم سبتمبر أي (السابع) ثم أكتوبر (الثامن) ثم نوفمبر (التاسع) ثم ديسمبر (العاشر) ثم أضاف الملك نوما بومبليوس (ثاني ملك بعد روماس الذى أسس روما) شهري يناير على اسم الإله Janus ) ) وفبراير ( Februa ) أي احتفال لوقوع احتفال عيد التطهير فى منتصفه وبذلك أصبح طول السنة الرومانية 12 شهراً (365 يوماً).
في القرن الأول قبل الميلاد لوحظ أن الأعياد لا تقع فى موقها الفلكي، فكلف الإمبراطور يوليوس أحد أشهر علماء الفلك المصريين وهو سوسيجينيس Sosigene لتعديل التقويم ليصبح مثل التقويم المصري فى وقته، حتى تعود الأعياد الإغريقية الثابتة فى مواقعها الفلكية وذلك بإضافة ربع يوم إلى طول السنة الرومانية 365 يوماً وربع (مثل التقويم المصري) وسمى هذا التقويم بالتقويم اليوليانى وذلك بإضافة يوم كل رابع سنة (السنة الكبيسة) لتصبح 366 يوماً. وهذا التقويم عدل بعد ذلك فى أيام البابا غريغوريوس الروماني بطرح 3 أيام كل 400 سنة وسمى بالتقويم الجريجوري. وفى القرن السادس الميلادي نادى الراهب الإيطالي ديونيسيوس أكسيجونوس بوجوب أن تكون السنة (وليس اليوم) التى ولد فيها السيد المسيح هي سنة واحد وكذلك بتغير اسم التقويم الروماني ليسمى التقويم الميلادي باعتبار أن السيد المسيح ولد عام 754 لتأسيس مدينة روما بحسب نظرية هذا الراهب. وهكذا ففى عام 352ميلادية (أي 1286 لتأسيس روما) بدأ العالم المسيحي باستخدام التقويم الميلادي بجعل عام 1286 لتأسيس مدينة روما هى سنة 532 ميلادية (وإن كان العلماء قد اكتشفوا أن المسيح ولد حوالى عام 750 لتأسيس مدينة روما وليس عام 754 ولكنهم لم يغيروا التقويم حفاظاً على استقراره إذ كان قد انتشر فى العالم كله حينذاك).
وهكذا أصبح التقويم الميلادي هو السائد فى العالم وسميت السنة التى ولد فيها السيد المسيح بسنة الرب، وهذه السنة هى التى تنبأ عنها أشعياء النبي (أش 1:61 ،2) وسماها سنة الرب المقبولة (سنة اليوبيل فى العهد القديم) إشارة إلى سنوات العهد الجديد المملوءة خلاصاً وفرحاً بمجيئ الرب متجسداً ليجدد طبيعتنا ويفرح قلوبنا ويشفي المنكسري القلوب، وينادى للمأسوريين (روحياً) بالإطلاق وللعمي (روحياً) بالبصر ، يرسل المنسحقين فى الحرية. وهذه هى سنة الرب التى تكلم عنها السيد المسيح نفسه قائلاً لليهود:”إنه اليوم قد تم (بميلاده) هذا المكتوب” (لو 16:4).
——————————————————————————–
(1) (السنة= دورة كاملة للأرض حول الشمس)
(2) التقويم وحساب الأبقطى للدكتور رشدى واصف بهمان.
(3) البروج منطقة فلكية فى السماء تدخل ضمن فلك البروج تدور فيها الكواكب السيارة . راجع التقويم والحساب الابقطى – د رشدى واصف ص20