قراءة في كتاب “القضية الخالق”
الجزء الأول ” صور التطور “
لفترة طويلة تمنيت أن اقرأ كتاب “القضية الخالق” للمحقق الصحفي وأيضا الملحد السابق لي ستروبل, فانا قرأت أجزاء واقتباسات في النسخة الانجليزية وأعجبت بطريقته الحوارية وأسائلته التي يود الكثير منا الاستفسار والبحث عنها , وأيضا تكلم شخصيا عن الأسباب العلمية التي عززت إلحاده والتي وضعها تحت الاستجواب في كتابه “القضية الخالق”.
يتكلم في بداية كتابه عن تغطيته لأحداث في غرب فيرجينيا بسبب استياء وتذمر من أولياء أمور الطلاب هناك بسبب بعض الكتب التي قالوا عنها أنها جعلوا الله نظرية تحتمل الصواب والخطأ وأنها تعلم أطفالهم عدم محبة الله . ويذكر في النهاية أنه عرف بالبديهة ما صرح به عالم الأحياء التطوري والمؤرخ الشهير ويليام بروفاين من جامعة كورنيل في إحدى المناظرات .قال ” إن كانت الداروينية حقيقة ,فهناك خمسة نتائج لا يمكن الهروب منها : 1- لا يوجد دليل على وجود الله . 2- لا توجد حياة بعد الموت . 3- لا يوجد معيار مطلق للصواب والخطأ . 4-لا يوجد معنى نهائي للحياة . 5- ليس للناس إرادة حرة حقا .
بعد ذلك يتذكر فترة المدرسة الثانوية والموضوعات العلمية المتعلقة بفصول الأحياء والتي كانت له دور في التفكير في أن كل ماهو علمي هو جيد وعقلاني وماهو غير علمي هو شئ عتيق ولا يستحق إيمان من يفكرون.وفي مدارس الأحد كانت أسئلته الكثيرة “لماذا؟” لاتلقى قبول وترحيب بينما باقي التلاميذ الآخرين يقبلون الحقائق الكتابية بشكل أوتوماتيكي . وكانت أسئلته تقاوم بالصد وبدلا من الإجابة على أسئلته كانوا يطالبونه بقراءة وحفظ الآيات وأقوال اللاهوتيين . وأصبح اهتمامه بعيد عن الإيمان والروحيات واعتبرها أمور ساذجة ولكن أصبح اهتمامه منصب في العلم وحقائقه الأكيدة . ويتذكر مقولة ليوجين سكوت “لايمكنك أن تضع إله كلي القدرة في أنبوبة اختبار , فإن لم يكن هناك دليل علمي أو عقلي للإيمان بمثل هذا الوجود . فلايهمني الأمر ” .
ويلخص الصور “العلمية” التي انطبعت في ذاكرته والتي عززت فيه فكرة “عدم وجود الله أو عدم الحاجة لوجود الله” وهي كالتالي :
- تجربة ستانلي ميلر : يتذكر شكل القوارير والأنابيب والأقطاب الكهربائية التي شكلت جهاز ستانلي ليقوم بتجربة غير عادية وهي إنتاج القوالب البانية للحياة بطريقة صناعية وتمكن من إنتاج مادة لزجة حمراء تحتوي على أحماض امينية . وبهذا لاحاجة لنا إله إذ كانت الكائنات الحية بإمكانها أن تخرج من تلقاء نفسها من حساء بدائي .
- شجرة داروين : في قرأتنا لكتاب أصل الأنواع لتشارلز داروين سوف نجد تفسيره لوجود الكائنات وعبر عنها من خلال شجرة أصلها نموذج أصلي مجهول عاش في الماضي البعيد “الشربة العضوية”. وكان صديقنا ستروبل مفتونا بتأكيد التطور الكبير وهو أن الاختيار الطبيعي الذي يعمل في تنوع عشوائي يمكنه أن يوضح كيف أن الخلايا البدائية قد تحولت خلال فترات زمنية كبيرة جدا إلى كل أنواع الكائنات , بما فيها البشر وبمعنى آخر , تحولت الأسماك إلى البرمائيات ,ثم تحولت البرمائيات إلى زواحف , والزواحف إلى طيور وثديات , والبشر لهم نفس السلف المشترك للقرود . وبينما أن ميلر نادى بأن الحياة ربما تكونت تلقائيا في المحيطات الكيميائية للأرض القديمة ,ونظرية داروين تفسر كيف أن ملايين الكائنات تطورت ببطء والتدريج على مدى ملايين السنين .
- رسومات الأجنة لارنست هايكل : قدم عالم الأحياء الألماني أرنست هايكل _ الذي يمكن أن تجد رسوماته للأجنة في كل الكتب التي تتكلم عن التطور تقريبا _ دليلا قويا على أن كل أنواع الحياة لها نفس السلف , حيث وضع صور لأجنة لسمكة وسلمندر وسلحفاة وكتكوت وخنزير وعجل وأرنب وإنسان بجانب بعضها البعض وكان من الواضح أن جميع الأجنة في مرحلتها الأولية متشابهة بصورة كبيرة وحتى لايمكنك تمييز الأجنة عن بعضها . وقد عبر عن اندهاشه عن ذلك حيث أنها سوف تتمايز بشكل مختلف جدا في نموها ويقول بان الجنين الإنساني من الممكن أن يكون أي من هذه المخلوقات الأخرى . وداروين كان على صواب عندما قال “علينا أن نعترف بصراحة بالسلف الكوني المشترك .
- الحلقة المفقودة “تطور الزواحف إلى طيور” : أنها أشهر حفرية في العالم وتسمى الطائر الأول “أركيوبتركس” وهو مخلوق يرجع تاريخه إلى 150 مليون سنة . هذا المخلوق له أجنحة وريش وعظم الترقوة التي للطيور ,ولكن لديه ذيل كذيل السحلية ومخالب في أجنحته واعتبروه الحلقة المفقودة بين الزواحف والطيور . وبهذه الحفرية تتأكد صورة داروين للتطور فها نحن نرى نصف طائر ونصف زاحف , وبهذا يكون علم الباليونتولوجي “علم الأحياء القديمة أو علم المتحجرات” قد دعم نظرية داروين .
من خلال الصور السابقة أصبح ستروبل مقتنعا تماما بأن داروين قد أستبعد أية حاجة لله ويقول أنه لم يعد يذكر عدد المتشككين الروحيين الذين قالوا له أن شكوكهم قد زرعت في المرحلة الثانوية أو الجامعية عندما درسوا الداروينية ويذكر قول ريتشارد دوكنز “كلما أزداد فهمك لأهمية التطور , كلما ابتعدت عن اللاأدرية واتجهت نحو الإلحاد ” .
ومع ذلك فانه يذكر بعض الأمثلة لعلماء مؤمنين ومقتنعين جدا بنظرية التطور الداروينية ” macroevolution” ,ولكنه يقول أنه لم يستطع أن يفهم كيف أن الداروينية التي تعلمتها تركت أي دور ذو معنى لله .حيث أن عملية التطور غير موجهة وكان هذا يستبعد أوتوماتيكيا أي إله فوق الطبيعة يشد الخيوط خلف الستار .
بعد ذلك يعرض لي ستروبل آراء العلماء والمفكرين عن التطور فمنهم من يوضح أن لا حاجة لوجود الله حيث أن التطور فسر وجود الكائنات والبعض قال انه من الممكن أن الله استخدم التطور في عملية الخلق ومنهم من قال أن الله عمل من خلال قوانين الطبيعة لدرجة جعل عملها لايمكن اكتشافه ولكن المسيحيون يقولون أن الله ليس إله محتجبا وانه تدخل بقوة في العالم “لان منذ خلق العالم ترى أموره غير المنظورة وقدرته السرمدية ولاهوته مدركة بالمصنوعات حتى أنهم بلا عزر” ويذكر أراء ناقدي الداروينية ومنهم أستاذ القانون فيليب جونسون ,مؤلف الكتاب ذائع الصيت لنقد الداروينية “محاكمة داروين” فهو يقول ” الهدف كله من الداروينية هو إظهار أنه لاحاجة إلى خالق يسمو فوق الطبيعة لان الطبيعة يمكنها أن تقوم بعملية الخلق من تلقاء نفسها ” ويتفق معه العالم البيولوجي التطوري أرنست مير فيقول “الجوهر الحقيقي للداروينية هي الاختيار الطبيعي الذي يسمح بتفسير التكيف بالوسائل الطبيعية بدلا من التدخل الإلهي” وأيضا تطوري بارز آخر وهو فرانسيس آيالا ,رسم قسا دومينيكيا قبل عمله بالعلوم ومع ذلك رفض في لقاء أخير له ما إذا كان لايزال يؤمن بالله وقال “كان أعظم انجاز لداروين وانه أوضح بان الكائنات الحية يمكن تفسيرها بصفتها نتيجة عملية طبيعية واختيار طبيعي ,دون أدنى حاجة للجوء إلى الخالق أو عامل خارجي آخر .
عندما سأل أحد المحامين بروفاين ما إذا كان هناك “وضع تطوري مسيحي أمين من الناحية المعرفية أم علينا ببساطة أن نترك عقولنا على أبواب الكنائس ” فكانت الإجابة بصراحة “عليك حقا أن تترك عقلك” .
وكان في رأي لي ستروبل بان داروين قضى على الله وبهذا كان اتجاهه للإلحاد على الرغم من انه يقول “لم أكن على أاستعداد لفحص بعض التضمينات المحبطة لفلسفتي الجديدة . تجاهلت بارتياح الصورة المؤلمة التي رسمها الفيلسوف الملحد برتراند راسل ,الذي كتب أن العلم قدم لنا عالما “بلا هدف” و “خالي من المعنى” .
يقول لي ستروبل انه بسبب خلفيته القانونية والصحفية لم يتوقف على توجيه الأسئلة ,وأيضا بسبب إيمان زوجته وقرارها انها سوف تتبع يسوع المسيح فجعله يستمر في طرح الأسئلة فيقول هل من المقدر أن يظلا العلم و الإيمان في حرب دائمة هل كنت على صواب في تفكيري بان الإنسان ذي تفكير العلمي يجب أن يتجنب المعتقدات الدينية أم أن هناك أساس طريقة مختلفة لرؤية العلاقة بين ماهو روحي وماهو علمي؟ , هل الأدلة العلمية الجديدة تؤيد أم تعارض وجود الله؟,هل مازالت صور التطور التي دفعتني للإلحاد صالحة في ضوء الاكتشافات العلمية الحديثة؟ ,إلى أين يشير سهم العلم “إلى الله أو إلى داروين” ؟
في الجزء الثاني من القراءة في الكتاب سوف نجد أن ستروبل اهتم بتوجيه أهم الأسئلة العلمية الخاصة بالصور السابقة لعلماء متخصصين وسوف نكتشف حقائق كانت غائبة أو مغطاة كشف عنها ستروبل النقاب .