الثالوث عند القديس أثناسيوس | دكتور/ وهيب قزمان
الثالوث عند القديس أثناسيوس | دكتور/ وهيب قزمان
الثالوث عند القديس أثناسيوس | دكتور/ وهيب قزمان
الثالوث عند القديس أثناسيوس إعداد دكتور/ وهيب قزمان
الثالوث القدوس – دراسة دائرة المعارف الكتابية
أولاً : لاهوت الثالوث
مقدمة :
لقد كانت عبارة ” الثالوث ” هى الكلمة الأولى عند القديس أثناسيوس ، بل نقطة البدء التى عرفها بأنها [ قاعدة وأساس إيمان الكنيسة] SERI, P.G. 26,59C . ولهذا دافع عن تعليم الثالوث كأساس وركيزة للاهوت وعمقه، كثيرًا .
كما كانت المقولة الحاسمة فى تعليم القديس أثناسيوس اللاهوتى أن : [اللاهوت يكمل فى الثالوث ، وهذه هى فقط ” التقوى الحقيقية ” ، بل هذا هو ” الصلاح والحق ” ] CARI, P.G. 26,49A . وكان تعريفه للتقوى من خلال اليهودية ، أما إشارته إلى الصلاح والحق فتضمن موقف الفلسفة الهللينية .
ويؤكد قديسنا أن هذا التعليم هو : [ الإيمان الذى أعطاه الرب نفسه والذى كرز به الرسل ، وحفظه الآباء ] وذلك الإيمان الذى عليه قد بُنيت الكنيسة .
وفى رسالته إلى الأسقف سرابيون يعلن القديس أثناسيوس أن : [ الرب يسوع المسيح نفسه علّم تلاميذه كمال الثالوث القدوس القائم بلا انقسام فى اللاهوت الواحد ] SERI, P.G. 26,60CD .
1 ـ ثالوث قدوس وكامل وعمله واحد :
[ إذن يوجد ثالوث قدوس وكامل نعترف بلاهوته فى الآب والابن والروح القدس ، وليس فيه شئ غريب أو خارج عن طبيعته ، ولا يتكون من خالق ومخلوق ، ولكن الكل يبنى ويخلق ، جوهره بسيط وغير منقسم وعمله واحد …
فالآب يصنع كل شئ بالكلمة فى الروح القدس وهكذا تحفظ وحدة الثالوث القدوس سالمة..وليس بأقل من هؤلاء الثلاثة تعتقد الكنيسة الجامعة..
ودعهم يفهمون كيف أن الرب حينما أرسل الرسل أوصاهم أن يضعوا هذا الأساس للكنيسة قائلاً: “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (مت19:28)] (الرسالة الأولى إلى سرابيون 28) .
2 ـ الإيمان المستقيم (بالثالوث) شرط تمام سر المعمودية:
[ كما أن الإيمان بالثالوث المُسلم إلينا يجعلنا متحدين بالله ، وكما أن من يستبعد أى واحد من الثالوث ، ويعتمد باسم الآب وحده أو باسم الابن وحده ، أو باسم الآب والابن بدون الروح القدس لا ينال شيئًا ، بل يظل طقس المعمودية الذى به يتم الانضمام إلى الكنيسة غير فعال وغير مكتمل، سواء كان بالنسبة إلى الشخص المُعمّد أو الذى يدعى أنه يضمه، (لأن طقس الاكتمال هو بالثالوث) ، هكذا كل من يفصل الابن عن الآب أو من ينزل الروح إلى مستوى المخلوقات ، فليس له الآب ولا الابن بل هو بدون إله ، وهو أشر من غير المؤمن ، ويمكن أن يكون أى شئ ، إلاّ أن يكون مسيحيًا ] (الرسالة الأولى إلى سرابيون 30).
3 ـ الكلمة المتجسد يأخذ لأجلنا ويعطينا لنشترك فى الثالوث:
[ “يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد” (عب8:13)، باق بلا تغيير، وهو نفسه المعطى والآخذ، المعطى باعتباره كلمة الله، والآخذ باعتباره الإنسان حينما يُقال الآن، بشريًا، أنه مُسح، فنكون نحن الممسوحين فيه. ولما تعمد فنحن الذين اعتمدنا فيه] (ضد الآريوسيين48:1) .
4 ـ الروح القدس فينا روح ، البنوة لله والشركة :
[ هو الروح الذى فى الله ، وليس نحن من أنفسنا . وكما نحن أبناء وآلهة بسبب الكلمة الذى فينا ، هكذا فى الابن وفى الآب سنكون ، وسنُحسب فى الابن وفى الآب لنصير واحدًا بسبب أن الذى فينا هو الروح، الذى هو فى الكلمة الكائن فى الآب ] (ضد الآريوسيين 25:3) .
[ لأنهم لا يستطيعون أن يصيروا أبناء بسبب كونهم بالطبيعة مخلوقات، ما لم ينالوا روح الابن الحقيقى الكائن بالطبيعة . لذلك ولكى يصير هذا فإن ” الكلمة صار جسدًا ” ، لكى يجعل الإنسان قادرًا على تقبل الألوهية … نحن لسنا أبناء بالطبيعة، بل الابن الذى فينا ، والله ليس أبانا بالطبيعة ، بل هو أب الكلمة الذى فينا ، هذا الذى فيه وبسببه نصرخ يا أبا الآب . وبنفس الطريقة أيضًا بالنسبة للآب ، فالذين يرى هو فيهم ابنه فهؤلاء يدعوهم أبناء ] (ضد الآريوسيين 59:2) .
5 ـ فى سر المعمودية، نتقبل الروح القدس فننال التقديس والتبنى:
[ حيث يكون الاب فهناك يكون الابن ، وحيث النور فهناك بهاؤه . وما يعمله الآب فهو بواسطة الابن يعمله . والرب نفسه يقول ” كل ما أرى الآب يعمل، فهذا أنا أعمله أيضًا ” فحينما تمنح المعمودية ، فالذى يعمده الآب ، فهذا يعمده الابن أيضًا ، والذى يعمده الابن فهو يتكمل (يتقدس) فى الروح القدس ] (ضد الآريوسيين 41:2).
[ وهو (أى المسيح) إذ أراد أن يكون أبوه أبانا ، فلا يصح أن نضع أنفسنا موضع الابن بالطبيعة ، لأن ما نقوله (أننا أبناء) فهذا بسببه . لأنه لما حمل الكلمة جسدنا وصار فينا ، فبسبب الكلمة الذى فينا يُقال بالتبعية أن الله أبونا . لأن روح الكلمة الذى فينا يسمى أباه (أى أبا الكلمة) ، من خلاله ، أبانا ، وهذا هو فكر الرسول حينما يقول : ” أرسل الله روح ابنه إلى قلوبنا صارخًا يا أبا الآب ” (غلا6:4) ] (رسالته عن مجمع نيقية31) .
6 ـ بالروح القدس نتحد بالله ونتأله :
[من ذا يتحدكم بالله، إن لم يكن لكم روح الله نفسه، بل لكم روح ينتمى للخليقة (كما يدعى الهراطقة على الروح القدس)؟] (إلى سرابيون29:1) .
[ فلو كان الروح القدس مخلوقًا ، لما صارت لنا شركة الله فيه . ولو كنا حقًا متصلين بمخلوق، لأصبحنا غرباء عن الطبيعة الإلهية لأننا لم نشترك فيه .
ولكن بالنظر إلى هذه الحقيقة ـ وهى أننا دعينا شركاء المسيح وشركاء الله ـ يتبين أن المسحة والختم الذى فينا لا ينتمى إلى طبيعة الأشياء ذات البداية ، بل إلى طبيعة الابن الذى يتحدنا بالآب بالروح القدس الذى فيه …
وإن كنا بالاشتراك فى الروح القدس نصبح ” شركاء الطبيعة الإلهية ” ، فمن الجنون أن الروح القدس ذو طبيعة مخلوقة لا طبيعة الله . لهذا فالذين فيهم الروح القدس هؤلاء يؤلّهون . وإن كان الروح القدس يؤلّهنا فلا شك فى أن طبيعته هى طبيعة الله ] (الرسالة الأولى إلى سرابيون 24:1) .
7 ـ الحياة والتقديس والاستنارة من الآب بالابن فى الروح القدس:
[هناك تقديس واحد يصير من الآب بالابن فى الروح القدس] (الرسالة الأولى إلى سرابيون 20:1).
[ كما أن الابن الكلمة الحي واحد ، هكذا فإن القوة الحية والهبة التى بها يُقدس وينير ، ينبغى أن تكون واحدة كاملة تامة ، وهى نفسها التى قيل أنها منبثقة من الآب لأنها تشرق بواسطة الكلمة المعترف بأنه من الآب . وهى المرسلة والمعطاة منه . ] (الرسالة الأولى إلى سرابيون 20) .
8 ـ الكرازة والتلمذة شرط اتحادنا بالثالوث فى المعمودية:
[ فلكى يتمم (الروح) فيه (أى فى الابن) كل ” ثيؤلوجيا ” (أى كل التعليم عن الله) ، وكل تكميلنا (أى تكميل انضمامنا للكنيسة) الذى فيه يتحدنا بنفسه ، وبواسطته يتحدنا بالآب ، أوصى تلاميذه : ” اذهبوا وتلمذوا كل الأمم (التعليم للموعوظين = الثيؤلوجيا) وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس ” (مت19:28)] (إلى سرابيون6:1).
9 ـ حضور الأقانيم الثلاثة وعدم افتراقهم ونعمتهم الواحدة :
[ الإيمان الرسولى ليس كذلك (أى ليس كما يدعى محاربو الروح القدس) . لأن الثالوث القدوس المبارك لا يفترق ، وهو واحد فى ذاته ، وحيثما ذُكر الآب فإن كلمته يكون حاضرًا والروح الذى فى الابن . وإذا دُعى الابن فيكون الآب فى الابن والروح ليس خارج الكلمة لأن واحدة هى النعمة التى من الآب بالابن فى الروح القدس ] (سرابيون14:1) .
10 ـ شركة النفس هى مع الثالوث :
[ + عمل الثالوث واحد ، وما يُوهب فهو يُوهب فى الثالوث لأن الكل هو من الله الواحد .
+ لا يوجد شئ لم يُخلق ولم يُصنع بالابن فى الروح القدس .
+ التبرير هو ” باسم ربنا يسوع المسيح وروح إلهنا ” (1كو11:6) لأن الروح غير مفترق عن الكلمة .
+ عندما يقول ” سنأتى أنا والآب ” (يو23:14) ، فإن الروح يحل معهما ، ليس بكيفية مختلفة عن الابن الساكن فينا. ] (إلى سرابيون31:1) .
11 ـ كل ما للآب هو للابن هو لنا فى الروح القدس :
[ كما قال الابن: ” كل ما للآب هو لىّ ” (يو15:16) ، هكذا سنجد أن كل هذه الأشياء (المُعبّر عنها بكلمة “ما للآب”) هى بالابن فى الروح القدس. وكما أوضح الآب عن الابن قائلاً ” هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت ” (مت17:3) ، هكذا الروح أيضًا هو روح الابن . يقول الرسول : ” أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا أبا الآب ” (غل6:4)] (إلى سرابيون1:3).
12 ـ شركة الثالوث ومواهب الروح :
[ الروح القدس ليس خارجًا عن الكلمة ، بل لأنه فى الكلمة فإنه فى الله بالكلمة ، وهكذا تمنح المواهب الروحية فى الثالوث ] (إلى سرابيون5:3) .
[ + المغبوط بولس إذ عرف وحدة الثالوث علّم بان كل: (المواهب الروحية) يصير صنعها فى الآب الواحد قائلاً : ” أنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد، وأنواع خدم موجودة ولكن الرب (يسوع المسيح) واحد، وأنواع أعمال موجودة ولكن الله (الآب) واحد الذى يعمل الكل فى الكل ” (1كو4:12ـ6) .
+ فالمواهب التى يقسمها الروح القدس لكل واحد تمنح من الآب بالكلمة ، لأن كل ما للآب هو للابن أيضًا ] (إلى سرابيون30:1) .
ثانيًا : رد القديس أثناسيوس على ” الثالوث ” الآريوسى
1 ـ لاهوت واحد أزلى ، ومجد واحد للثالوث :
يؤكد القديس أثناسيوس على الثالوث الأزلى موضحًا أن لاهوتنا الذى نؤمن به لاهوت ثالوثى ، يقرر أن كل أقنوم من أقانيم الثالوث إله كامل ، والأقانيم الثلاثة إله واحد وليسوا ثلاثة آلهة : [ بل لاهوت واحد أزلى فى الثالوث ومجد واحد للثالوث ] (ضد الآريوسيين 18:1) وذلك فى مواجهة ذلك الفكر الآريوسى الذى يخضع لمقاييس وأبعاد الزمن فيصير ثالوثًا ناقصًا يخضع لمعاير التدنى والتبعية .
2 ـ الدفاع عن أزلية الابن :
وقد كانت أكثر المنازعات بين القديس أثناسيوس الرسولى وآريوس حول التعليم الخاص بأزلية الابن ، فكان آريوس منحصرًا فى البنوة بمعنى الصيرورة والمخلوقية ، بينما القديس أثناسيوس كان يحاجج بأن الكتاب المقدس يميز تمامًا بين الميلاد generation والخلق creation فالمولود ميلادًا إلهيًا مولود بالطبيعة ، بينما المخلوق قد خُلق من العدم .
لما كانت الطبيعة الإلهية أزلية فإن الميلاد الإلهى وجب أن يكون إلهيًا، أما الميلاد البشرى فلا يمكن أن يحدث إلاّ فى الزمن ، حيث إن الطبيعة البشرية قد خًلقت وتوجد ، والطبيعة البشرية يحكمها المكان أيضًا لأنها توجد فى مكان ولها مظهر جسمانى محدود ، لكن الكيان الإلهى غير جسدانى وبسيط لا يحده زمان ولا مكان ، وهو غير مدرك ومن ثم فكيفية الميلاد الأزلى هى غير مدركة أيضًا، ودفاع الكنيسة عن الميلاد الأزلى للابن دفاع قد تسلمته من الرب نفسه من خلال رسله القديسين.
ففى الرسالة الثانية ضد الآريوسيين 58 يقول القديس أثناسيوس [ هكذا فإن الكتاب الإلهى يفرق بين ميلاد الابن وبين خلق الأشياء ويوضح أن المولود هو ابن ليس مبتدئًا من أية بداية ، بل هو أزلى . أما الشئ المخلوق فلأنه من عمل الذى خلقه من الخارج ، فهذا يشير إلى أن له بداية خلق. ويوحنا عندما سلمنا التعليم الإلهى عن ألوهية الابن ، ويعرف الفرق بين اللفظين ، فلم يقل ” فى البدء قد صار ” أو ” فى البدء قد خلق ” بل قال ” فى البدء كان الكلمة ” ، فكلمة ” كان ” تتضمن “المولود” لكى لا يظن أحد أن هناك فرقًا زمنيًا (يفصله عن الآب)، وحتى نؤمن أن الابن أزلى وموجود دائمًا …]
وقد كان إنكار آريوس للاهوت الابن يتضمن أيضًا وبالتبعية إنكار الثالوث ، الذى لا يقل أبدًا عن الإلحاد ونكران الله ، لأن لاهوت الثالوث هو الحق (The Theology of the Trinity is the Truth ) (إلى سرابيون5:2) .
3 ـ التجديف على الثالوث القدوس :
وفى الفقرة الأولى من رسالته الأولى إلى القديس سرابيون يقول :
[ كما أن الآريوسيين بإنكارهم الابن ينكرون الآب أيضًا ، هكذا هؤلاء (المبتدعون مقاوموا الروح القدس) ، فإنهم إذ يجدفون على الروح القدس فإنهم يجدفون على الابن أيضًا .
وهكذا فإن الفريقين قد اقتسما فيما بينهما مقاومة الحق ، فإذا كان فريق منهما يقاوم الكلمة والفريق الآخر يقاوم الروح القدس ، فإن كلاهما يجدف نفس التجديف على الثالوث القدوس ]
الثالوث عند القديس أثناسيوس | دكتور/ وهيب قزمان
المذيع محمود داود يُعلن إيمانه بالمسيح