الأناجيل الأبوكريفية – أدب العهد الجديد الأبوكريفي 2
أدب العهد الجديد الأبوكريفي – 2- الأناجيل الأبوكريفية
1 – الإنجيل بحسب العبرانيين
تكلم القديس جيروم في الفصل الثاني من كتابه “مشاهير الرجال” عن يعقوب أخي الرب قائلاً:” أما الإنجيل المعروف باسم “إنجيل العبرانيين”، والذي قمت بترجمته مؤخراً إلى اللسانين اليوناني واللاتيني، والذي كثيراً ما استخدمه أوريجانوس، فيروي أنه بعد قيامة المخلص “أعطى الرب اللفائف الكتابية لخادم الكاهن، ثم ذهب إلى يعقوب وظهر له – لأن يعقوب كان قد أقسم أنه لن يأكل خبزاً منذ أن شرب كأس الرب حتى يراه قائماً من بين الراقدين”. وبعد ذلك بقليل يقول: “قال الرب: أحضر لي مائدة وخبزاً، ثم أخذ الخبز”، ويضيف الإنجيل بعد ذلك مباشرة: “وبارك وكسر وأعطى يعقوب البار وقال له: يا أخي كل خبزك لأن ابن الإنسان قد قام من بين الراقدين”.
وإنجيل العبرانيين، الذي نقل عنه جيروم هذه الفقرة المثيرة للاهتمام، كان قد كُتب أصلاً باللغة الآرامية ولكن بحروف عبرية. وفي زمن جيروم، كان النص الأصلي الخاص بهذا الإنجيل محفوظاً في مكتبة بمدينة قيصرية في فلسطين. وقد استخدمه كل من “الأبيونيين”[1] والناصريين”[2]، ومنهم حصل جيروم على نسخة منه ليترجمها إلى اليونانية واللاتينية. أما حقيقة كونه مستخدماً من قِبل المسيحيين الفلسطينيين، الذين كانوا يتحدثون العبرانية الآرامية، فتُفسر سبب تسميته بـ “إنجيل العبرانيين”، كما أنها تُفسر أيضاً سبب ظهور يعقوب أخي الرب – الذي كان يُمثل المسيحية اليهودية الصارمة – في قلب رواية القيامة على عكس ما ورته الكتابات القانونية. وقد كان معظم الناس، في أيام جيروم، يعتبرون هذا الإنجيل الأبوكريفي بمثابة الأصل العبري لإنجيل متى القانوني، وهو الأمر الذي ذكره بابياس[3]. وفي الحقيقة، تُظهر الشذارات القليلة التي بقيت لدينا منه شبهاً قريباً من إنجيل متى، وهكذا يمكننا أن نستنتج بثقة أن هذا الإنجيل كان في الغالب عبارة عن إعادة صياغة للأصل العبري لإنجيل متى القانوني بتصرف.
وتُظهر الفقرة المقتبسة أعلاه أنه كان يحتوي على أقوال ليسوع لم يوردها أي من الأناجيل القانونية. وقد برهن أناس آخرون غير القديس جيروم على هذه الصفة المميزة لإنجيل العبرانيي، نذكر منهم، على سبيل المثال، يوسابيوس الذي يقول في (Theophany 22): “إن هذا الإنجيل الذي قد وصل إلينا في حروف عبرية يعطي الويل كما لو لم يكن موجهاً لذاك الذي يخفي وزنته، بل لذاك الذي يحيا حياة مستهترة. لأن – المثل الذي ورد فيه يحكي – عن ثلاثة عبيد؛ واحد منهم أنفق فضة سيده على الزواني والمغنيات، وآخر ربح بها أضعافاً مضاعفة، والأخير أخفى وزنته، وكيف أن أحدهم قد قبله سيده، وآخر لم ينله سوى اللوم، وثالثهم أغلق عليه في السجن.”
ولا بد من أن يكون هذا الإنجيل الأبوكريفي قد كُتب في القرن الثاني الميلادي، لأن كليمندس السكندري قد استخدمه في عمله المعروف باسم “المتفرقات” (Stromata 2: 9: 45)، وقد كان ذلك في الربع الأخير من ذلك القرن.
2 – إنجيل المصريين
كان كليمندس السكندري هو أيضاً المصدر الرئيس لمعلوماتنا عما يسمى بـ “إنجيل المصريين”، ويدل هذا الاسم على أن هذا الإنجيل كان متداولاً بين مسيحيي مصر؛ وهذا يُفسر سبب اطلاع كل من كليمندس السكندري وأوريجانوس عليه. وينتمي “إنجيل المصريين” إلى هذا النوع من الأبوكريفا التي كُتبت لتدعم هرطقات معينة، ومن المرجح جداً أن يكون ذا أصل غنوسي، أما عناصره العقائدية المميزة فتُظهر بوضوح نزعة طائفية هرطوقية. ولقد احتفظ كليمندس السكندري بعدد ضئيل من كلمات يسوع التي وردت في حديث الرب مع سالومي – الوارد في هذا الإنجيل – تلك التي تعد أفضل دليل على ما يظهره “إنجيل المصريين” من نزعات عقائدية هرطوقية: “وعندما سألت سالومي: إلى متى سيكون للموت سلطان؟ أجابها الرب – وهو لا يعني أن الحياة شر أو أن الخليقة شريرة – قائلاً: طالما كنتن تحبلن أيتها النساء”. (Stromata 3: 6: 45) “أما هؤلاء الذين يناصبون خليقة الله العداء من خلال التقشف المخزي فيتذرعون بهذه الكلمات التي وجهها الرب لسالومي والتي ذكرناها أعلاه، وهي مذكورة أيضاً – كما أعتقد – في إنجيل المصريين، ذلك لأنهم يقولون إن المخلص نفسه قد قال: “لقد أتيت لأدمر أعمال الأنثى”… إن الأنثى هي الشهوة وأعمالها هي الولادة والفساد”. (Stromata 3: 9: 63) “ولكن لماذا لا يتكلم – هؤلاء الذين يسيرون تائهين بدلاً من أن يتبعوا إنجيل قاعدة الحق – ببقية الكلمات التي تكلم بها الرب لسالومي؟ لأنها لما قالت: “إذاً، لقد فعلت حسناً لأني لم أنجب”، كما لو كانت الأمومة أمراً غير لائق، أجابها الرب قائلاً: “كلي كل عشب، ولكن تلك الأعشاب التي بها مرارة لا تأكلينها”. (Stromata 3: 9: 66) “لهذا يقول كاسيان: عندما سألت سالومي عن الوقت الذي ستكون فيه هذه الأمور فيما يتعلق بسؤالها، قال الرب: “عندما تدوسين ثوب الخزي، وعندما يصبح الاثنان واحداً، والذكر مع الأنثى؛ فلا يكون هناك لا ذكر ولا أنثى”. (Stromata 3: 13: 92).
3 – إنجيل الإبيونيين
من المرجح أن يكون “إنجيل الإبيونيين” هو نفسه “إنجيل الرسل الاثني عشر” الذي يذكره أوريجانوس في (Hom. In Lux. 1). فإذا صح هذا الأمر، فإن زمن كتابته سيعود على الأرجح إلى بدايات القرن الثالث الميلادي. غير أنه من الواضح أن جيروم قد أخطأ في قوله بأن هذا الإنجيل هو نفسه “إنجيل العبرانيين”، وبالرغم من ذلك، يدعم (A. Schmidtke) هذا الرأي.
وقد حصلنا على كل ما نعرفه عن “إنجيل الإبيونيين” من إبيفانيوس (Adv. Haer. 30: 13 -16) الذي استشهد بشذرات منه. ويمكننا أن نحكم من خلال هذه الشذرات أنه قد كُتب لصالح فرقة من فرق المسيحيين كانت تُقاوم تقديم الذبائح، وهكذا يظهر يسوع – في هذا الإنجيل – وهو يقول: “لقد أتيت لأضع حداً للذبائح، وأنه لن يمتنع الغضب عنكم، إلا بأن تتوقفوا عن تقديم الذبائح”. (30: 16).
4 – الإنجيل بحسب بطرس
اكتشف “بوريانت” (Bouriant) شذرة كبيرة من هذا الإنجيل عام (1886-1887) في قبر لراهب بأخميم في صعيد مصر، ونشرها مع ترجمة في 1892م. ويروي هذا الإنجيل قصة آلام يسوع وموته ودفنه، ويزين قصة قيامته بتفاصيل مشوقة تتعلق بما تلاها من معجزات. كما أنه توجد فيه بعض الآثار البسيطة للهرطقة الدوستية (الخيالية)[4]، وربما لهذا السبب غير كاتب الإنجيل كلمات يسوع على الصليب القائلة “إلهي إلهي لما تركتني” لتصبح “قوتي قوتي لقد تركتني”. ومن الملفت للنظر أيضاً أن هيرودس في هذا الإنجيل هو من أصدر الحكم بالإعدام على المسيح وليس بيلاطس؛ وبهذا تقع مسؤولية صلب المسيح على اليهود حصرياً. لكن، هناك شك فيما إذا كان هذا الإنجيل يعود حقاً إلى أصل هرطوقي، لأن الإشارات المبعثرة التي تدل على كونه ينتمي إلى مذهب هرطوقي أقل من أن تكون مقنعة، فالكاتب يبدو كما لو كان قد أعاد صياغة روايات الأناجيل القانونية متصرفاً فيها بحرية.
وهناك كذلك إشارات لـ “الإنجيل بحسب بطرس” في كتابات الكُتاب الكنيسيين. وقد كان أوريجانوس هو أول من ذكره، وذلك في تفسيره لإنجيل متى (10: 17)، فهو يقول إن البعض يظنون – معتمدين على تقليد ذكره إنجيل تحت اسم بطرس – أن هؤلاء المدعوين “إخوة يسوع” هم أبناء ليوسف النجار من زوجة سابقة كانت تعيش معه قبل مريم. وقد ذكر يوسابيوس القيصري أن الأسقف سيرابيون الأنطاكي قد رفض هذا الإنجيل حوالي عام 190م باعتباره ذا سمة دوستية. ومن ثم، ينبغي أن يكون هذا الإنجيل قد كُتب في النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي على أقصى تقدير.
5 – إنجيل نيقوديموس
لقد كانت النزعة إلى التهوين من شأن الذنب الذي ارتكبه بيلاطس – والتي نجدها في “الإنجيل بحسب بطرس” – تُظهر مدى الاهتمام البالغ الذي كانت تنظر به المسيحية الأولى لهذا الشخص. ولكن المكانة المرموقة التي كان يشغلها بيلاطس البنطي في الفكر المسيحي المبكر تظهر بشكل أوضح في “إنجيل نيقوديموس”، فلقد اشتمل هذا العمل القصص على الوثيقة المعروفة باسم “أعمال بيلاطس”، وهي عبارة عن تقرير رسمي يفترض أن الوالي الروماني قد كتبه عن يسوع. ويبدو أن بعض أجزاء “أعمال بيلاطس” كانت معروفة في زمن مبكر كالقرن الثاني الميلادي، فبعد أن ذكر يوستينوس الشهيد – في دفاعه الأول (فصل 35) – كلآ من آلام المسيح وصلبه، قال: “يمكنكم أن تتحققوا من صحة هذه الأمور التي حدثت مما قد كتب في أعمال بيلاطس البنطي”، وتوجد أيضاً عبارة مشابهة في الفصل 48 من نفس العمل. كذلك يشير ترتيليانوس مرتين إلى التقرير الذي قدمه بيلاطس إلى – الإمبراطور – طيباريوس؛ فوفقاً لما يقول، أخبر بيلاطس البنطي الإمبراطوري عن حكم الإعدام الظالم الذي صدر ضد شخص بريء وإلهي؛ ولقد تأثر الإمبراطور جداً بهذا التقدير الذي يحكي عن معجزات المسيح وقيامته، حتى إنه عرض أن يقبل المسيح ضمن آلهة روما، لكن مجلس الشيوخ الروماني رفض (Apologeticum 5). كذلك يذكر ترتليانوس في موضع آخر أن “بيلاطس قد أخبر الإمبراطور – الذي كان في ذلك الوقت هو طيباريوس – بقصة المسيح كاملة، لأنه في ذلك الحين كان هو نفسه مسيحياً في قلبه سراً” (Apol. 21. 24) ويمكننا في هذا العمل أن نرى الرغبة في استخدام الوالي الروماني كشاهد على تاريخ موت المسيح وقيامته والحق المسيحي.
ولا بد من أن تلك النزعة عينها هي السبب في ظهور تلك الوثيقة المعروفة باسم “أعمال بيلاطس” التي تشكل قوام “إنجيل نيقوديموس”؛ فالجزء الأول منه (الفصول من 1 إلى 11) يقدم إلينا رواية تفصيلية لمحاكمة يسوع وصلبه ودفنه، ولهذا الجزء عنوان خاص به وهو (Acta Pilate) – أعمال بيلاطس – أما الجزء الثاني من العمل (الفصول من 12 إلى 16) فيحكي عن المناظرات التي حدثت في مجمع السنهدرين بشأن قيامة المسيح، وهو بمثابة إضافة إلى “أعمال بيلاطس”. أما الجزء الثالث من العمل (الفصول من 17 إلى 27) فعنوانه هو: “نزول المسيح إلى الجحيم”، وهو يزعم أنه يحكي قصة نزول المسيح إلى الجحيم على لسان شاهدين هما “ابنا شمعون” اللذان قاما من الموت بعد أن شاهدا المسيح في الجحيم.
ولا بد أن “إنجيل نيقوديموس” هذا والوارد في مخطوطة لاتينية متأخرة تحت عنوان (Evagelium Nicodemi) قد كُتب بالكامل في بداية القرن الخامس الميلادي، لكن يبدو أنه لم يكن أكثر أو أقل من مجرد تجميع لمادة تعود إلى عصر أقدم. ويخبرنا يوسابيوس القيصري أنه في أثناء الاضطهاد الذي شنه الإمبراطور “مكسيمينوس دايا” عامي 311 و312م، نشرت الحكومة الرومانية نسخاً وثنية مزيفة من “أعمال بيلاطس” حتى تثير مشاعر الكراهية تجاه المسيحيين: “لقد زيفوا تقرير بيلاطس ومخلصنا، وجعلوه مليئاً بكل أنواع التجديف ضد المسيح، ثم أرسلوه بموافقة من رئيسهم إلى كل أرجاء الإمبراطورية مع فرمان يفرض بأنه يجب تعليقه علناً ليراه الجميع في كل مكان، في الريف والمدن، وأنه يجب أن يعلمه المدرسون الابتدائيون لتلاميذهم بدلاً من الدروس، ليدرسوه ويحفظوه عن ظهر قلب.” (Hist. eccl. 9: 5; cf. 1: 9: 1; 1: 11: 9; 9: 1).
ومن الممكن أن تكون “أعمال بيلاطس” التي شكلت قوام “إنجيل نيقوديموس” قد كتبت في الأصل لتضاد التأثير السيئ الذي تركته تلك التصرفات الوثنية.
ويبدو أن أقدم قطعة أدبية مسيحية تتكلم عن بيلاطس هي “تقرير بيلاطس إلى الإمبراطور كلوديوس”، والتي أدخلت في نصها اليوناني إلى الكتاب المتأخر “أعمال بطرس وبولس” وألحقت في ترجمة لاتينية بـ “إنجيل نيقوديموس”، ومن المحتمل أن يكون هذا التقرير متطابقاً مع ذاك الذي ذكره ترتليانوس، فإذا كان هذا صحيحاً، لوجب أن يكون تاريخ تأليفه قبل عام 197م، وهو التاريخ الذي ألف فيه ترتليانوس كتابه “Apologeticum”. واعتماداً على النص اليوناني، جاءت الترجمة الإنجليزية التي أنجرها (M. R. James) كالتالي: “من بيلاطس البنطي إلى كلوديوس قيصر، تحية وسلام. لقد جرت مؤخراً أحداث كنت أنا نفسي شاهداً عليها لأن اليهود بسبب الحسد قد عاقبوا أنفسهم وذريتهم بأحكام مخيفة بسبب خطئهم؛ لأنه لما كان آباؤهم قد وعدوهم – أو بشروهم – أن إلههم سوف يرسل لهم من السماء قدوسه الذي يستحق أن يدعى ملكاً عليهم، ووعدهم أن يرسله إليهم على الأرض من عذراء؛ أتى – أو أتى إله العبرانيين هذا – في الوقت الذي كنت فيه أنا حاكماً لليهودية، ورأوه يفتح عيون العميان، ويطهر البرص، ويشفي المفلوجين، ويطرد الشياطين من الرجال، ويقيم الموتى، وينتهر الرياح، ويمشي فوق أمواج البحر دون أن تبتل قدماه، ويفعل عجائب أخرى كثيرة، وكان كل شعب اليهود يدعونه ابن الله، إلا أن رؤساء الكهنة قد ثاروا ضده في حسد، وأمسكوا به وأرسلوه إليّ واتهموه بتهم ملفقة، واحدة بعد الأخرى، قائلين إنه ساحر وإنه فعل أموراً تخالف ناموسهم لكني – بينما كنت أعتقد ان الأمور هي هكذا – جلدته وسلمته إليهم بحسب إرادتهم فصلبوه، وبعد أن دُفن وضعوا حراساً عليه، لكن بينما كان جنودي يحرسونه، قام في اليوم الثالث. إلا أن خبث اليهود قد اضطرم كثيراً حتى أنهم أعطوا الجنود مالاً قائلين لهم: قولوا إن تلاميذه قد سرقوا جسده، لكن الجنود، بالرغم من أنهم قد أخذوا منهم المال، لم يستطيعوا أن يصمتوا بخصوص هذه الأمور التي قد حدثت، لأنهم أيضاً قد شهدوا أنهم رأوه قائماً وأنهم قد أخذوا مالاً من اليهود. ولقد قمت بإخبار عظمتكم بهذه الأمور، مخافة من أن يكذب عليك شخص ما – في اللاتينية: مخافة من أن يكذب عليك شخص ويخبرك بأمور مختلفة – فتحسب أنك تُحسن صنعاً بتصديق أكاذيب اليهود”.
ونذكر من وثائق بيلاطس الأبوكريفية الأخرى كلا من الأعمال التالية على سبيل المثال لا الحصر: “أنافورا بيلاطس”، “ورسالة بيلاطس إلى الإمبراطور طيباريوس”، و”محاكمة الإمبراطور لبيلاطس”، و”المراسلات المتبادلة بين بيلاطس وهيرودس” والتي يعود زمن كتابتها إلى القرون الوسطى.
ولقد كان لـ “أعمال بيلاطس” الموجودة في “إنجيل نيقوديموس” والمحفوظة في نص يوناني، وترجمات سريانية، وأرمينة، وقبطية، وعربية، ولاتينية – نتائج ملفتة للنظر، فقد كرم المسيحيون في مصر وسوريا بيلاطس باعتباره قديساً، بل إنه حتى اليوم لا يزال مدرجاً في التقويم الليتورجي للكنيسة القبطية[5]. ولقد كان لأعمال بيلاطس في العصور الوسطى تأثير هائل في مجالي الأدب والفن.
6 – إنجيل يعقوب التمهيدي
ينتمي إنجيل يعقوب التمهيدي إلى مجموعة أناجيل الطفولة التي تحكي بشيء من الإسهاب عن فترة شباب مريم العذراء وميلاد يسوع وطفولته. أما تسمية الإنجيل بـ “التمهيدي” (Protoevangelium) فحديثة؛ فقط أطلقت على إنجيل يعقوب لأول مرة عام 1552م في ترجمة لاتينية قام بها جويلاوم بوستيل (Guillaume Postel)، وقد كان أوريحانوس هو أول من أشار إلى “كتاب يعقوب” مشيراً إلى أن هذا الكتاب يذكر أن “إخوة الرب” كانوا أبناء ليوسف – النجار – من زوجة سابقة. لكن حتى أوريجينوس، ذكر معلمه كليمندس السكندري، وكذلك يوستينوس الشهيد، أحداثاُ تتعلق بميلاد يسوع جاء ذكرها في إنجيل يعقوب التمهيدي.
كان هذا الكتاب على الأرجح نتاج منتصف القرن الثاني الميلادي، فمن المؤكد أنه كان موجوداً في نهاية ذلك القرن، كما أنه يحتوي على أقدم رواية لدينا عن ميلاد العذراء المعجزي وطفولتها، ونجد فيه لأول مرة أسماء أبوي العذراء مريم: يواقيم وحنة. أما الأكثر تشويقاً فهي رواية تكريس الطفلة وتقديمها للهيكل حيت أتى بها أبواها وهي في عمر ثلاث سنوات (فصل 6-8): “واشتد عود الطفلة يوماً بعد يوم، وعندما أصبحت في عمر ستة الأشهر، أقفتها أمها على الأرض ليك ترى إذا كانت ستستطيع الوقوف؛ فسارت سبع خطوات ثم عادت إلى حضنها مرة أخرى، فأمسكت بها قائلة: “حي هو الرب، لن تسيري على هذه الأرض مرة أخرى حتى أتي بك إلى هيكل الرب”، ثم صنعت محراباً في غرفة نومها، ولم تدع أي شيء رديء أو غير طاهر يمر به. ثم أحضرت فتيات عبرانيات غير دنسات، فحملنها من ذراعيها. وعندما أتمت الطفلة سنتها الأولى، صنع يواقيم وليمة عظيمة ودعى الكهنة والكتبة ومجمع الشيوخ وكل شعب إسرائيل. ثم أحضر يواقيم الطفلة للكهنة، فباركوها قائلين: “يا إله آبائنا بارك هذه الطفلة واعطها اسماً مشهوراً للأبد في كل الأجيال”، فرد كل الشعب قائلاً: “ليكن هذا، ليكن هذا، آمين”، ثم أحضرها لرؤساء الكهنة، فباركوها قائلين: “يا إله الأعالي، انظر لهذا الطفلة، وباركها بالبركة الأخيرة التي ليس بعدها بركة”. ثم أمسكتها أمها ووضعتها في غرفة نومها وأرضعتها. ورنمت حنة للرب قائلة: “سوف أرنم تسبحة للرب إلهي، لأنه افتقدني ورفع عني تعييرات أعدائي، لقد منحني الرب ثمرة بره أمامه مرة ومرات، ومن ذا الذي سيُخبر بني رأوبين أن حنة تُرضع؟ اسمعوا اسمعوا يا أسباط إسرائيل الاثني عشر، أن حنة تُرضع”. ثم وضعت الطفلة لتستريح في غرفة النوم التي بها محرابها، ثم ذهبت لتخدمهم. وعندما انتهت الوليمة، ذهبوا مبتهجين وممجدين إله إسرائيل. وازدادت شهور عمر الطفلة حتى بلغت السنتين، فقال يواقيم: “لنذهب بها إلى هيكل الرب حتى نوفي النذر الذي نذرناه حتى لا يطالبنا الله به وتصبح تقدمتنا غير مقبولة”. فقالت حنة: “لننتظر حتى السنة الثالثة حتى لا تشتاق الطفلة إلى أبيها وأمها”، فقال يواقيم: “لننتظر”. وعندما بلغت الطفلة ثلاث سنوات، قال يواقيم: “ادع الفتيات العبرانيات غير الدنسات، ولتأخذ كل واحدة مصباحاً وتشعله، حتى لا تلتفت الطفلة إلى الوراء ولكي يأسر هيكل الرب قلبها”. وفعلوا هكذا حتى صعدوا إلى هيكل الرب. فاستقبلها الكاهن وقبلها وباركها قائلاً: “الرب عظّم اسمه في كل الأجيال وفي آخر الأيام سيظهر الرب فيكي خلاصه لكل بني إسرائيل”. ثم أجلسها على الدرجة الثالثة للمذبح، ووضع الرب نعمته عليها وكانت فرحة وأحبها كل بيت إسرائيل. ثم رجع أبواها متعجبين وممجدين الرب الإله لأن الطفلة لم تلتفت للوراء، وكانت مريم في الهيكل مثل حمامة، تتغذى وتتلقى طعاماً من يد ملاك. وعندما بلغت مريم اثني عشر عاماً، اجتمع مجمع من الكهنة قائلين: انظروا، قد بلغت مريم الثانية عشرة من العمر وهي في هيكل الرب، ماذا نفعل بها لئلا تدنس قدس الرب؟ فقالوا لرئيس الكهنة: قف أنت على مذبح الرب وادخل وصلِ من أجلها، ومهما يكن الأمر الذي سيعلنه لك الرب دعنا نفعله”.
ثم يستمر الإنجيل (الأبوكريفي) ليروي قصة خطبة مريم ليوسف الذي كان حينئذ رجلاً عجوزاً وله أولاد، ثم يذكر بالتفصيل ميلاد يسوع في كهف والمعجزات المصاحبة له؛ وهي من النوع الأكثر إفراطاً في الخيال.
أما الهدف الرئيس من الكتاب كله فهو اثبات بتولية العذراء الدائمة التي لم تمس قبلاً، وأثناء، وبعد ميلاد المسيح. وهكذا، شربت العذراء “ماء الإيمان الراسخ الذي للرب” حتى تزيل من نفسها أي شك (فصل 16). كما شهدت لدوام بتوليتها القابلة التي حضرت حادثة الميلاد (فصل 20). وهذا الخصوص، يبدو أن كلميندس السكندري كان يعرف هذا الإنجيل أو مصادره الأسطورية، فهي يقول في كتابه “المتفرقات” (Strom 7: 93: 7): “يقول البعض أنها بعد أ، ولدت، اعتنت بها قابلة فوجدت أنها لا تزال عذراء”.
ويختتم الإنجيل بحادثة استشهاد زكريا أبي يوحنا المعمدان وموت هيرودس، ثم تأتي في نهايته فقرة بخصوص المؤلف هي: “والآن أنا يعقوب الذي كتبت هذا التاريخ في أورشليم عندما اندلع شغب هناك بسبب موت هيرودس، فانسحبت إلى البرية حتى ينتهي الشغب في أورشليم، ممجداً للرب الإله الذي منحني الموهبة والحكمة لأكتب هذا التاريخ”.
ولا شكل أن الكاتب يريد أن يعطي هنا انطباعاً بأنه هو يعقوب الصغير أسقف أورشليم؛ وهو أمر يتعذر اثباته، فالكاتب يُظهر جهلاً شديداً بجغرافية فلسطين. وعلى الجانب الآخر؛ تظهر الحكايات التي أوردها الكاتب في هذا الإنجيل أنه متأثر بشدة بالعهد القديم، وهذا يشير إلى أنه مسيحي من أصل يهودي يسكن في مكان ما خارج فلسطين، ربما مصر. ولا يمكننا أن نعتبر أن الإنجيل في شكله الحالي من قلم مؤلف واحد، فروايتا موت زكريا وهروب يوحنا المعمدان تبدوان كأنهما إضافتان لاحقتان على هذا الكتاب، كما أن تسلسل الأحداث ينقطع عدة مرات فجأة، وهكذا نرى في الفصل الثامن عشر أن يوسف النجار يقتحم الأحداث بغتة ويبدأ في التكلم بدون أي مقدمات.
ويرجع شكل النص اليوناني الموجود بين أيدينا اليوم إلى القرن الرابع الميلادي؛ حيث كان أبيفانيوس قد استخدمه في الجزء الأخير من ذلك القرن. أما الانتشار الواسع الذي كان يحظى به “إنجيل يعقوب التمهيدي” فيمكننا أن نراه في حقيقة كون النص اليوناني قد حُفظ فيما لا يقل عن ثلاثين مخطوطة. علاوة على ذلك، لدينا ترجمات قديمة له في السريانية، والأرمنية، والقبطية، والسلافية، لكننا لم نعثر له على أي مخطوطة لاتينية.
وبالرغم من أن “المرسوم الجلاسياني”[6] – الذي يعود إلى القرن السادس الميلادي – قد أدان هذا الكتاب باعتباره من الكتب المنحولة، إلا أننا لسنا نبالغ في تقدير مدى التأثير الذي تركه إنجيل الميلاد (انجيل يعقوب التمهيدي) على الليتورجية، والأدب، والفن؛ فكلها قد تأثرت به على نحو مماثل. ولقد استمد كل من تكريم “القديسة حنة” والعيد الكنسي الخاص بـ “دخول العذراء إلى الهيكل” مصدره من التقاليد المسجلة في هذا الكتاب، كما أن كثيراً من الأساطير الجميلة التي تدور حول سيدتنا العذراء تعتمد على القصص التي وردت في إنجيل يعقوب التمهيدي، بالإضافة إلى أنه قد ألهم الفنانين مراراً وتكراراً.
7 – إنجيل توما
يقول أوريجينوس في عظته الأولى على إنجيل لوقا: “هناك أيضاً إنجيل متداول بحسب توما”. ولقد نشأ هذا الإنجيل الأبوكريفي في دوائر هرطوقية كانت على الأرجح غنوسية. وبينما ينسبه هيبوليتوس الروماني[7] إلى فرقة “الناسيين”[8] (The Naassenes)، يتكلم كيرلس الأورشليمي عنه باعتباره عملاً مانوياً[9]؛ فهو يقول في عظاته للموعوظين (4: 36): “ومن العهد الجديد اقرأوا أربعة أناجيل فقط، فالباقي أبوكريفي ومُضر. ولقد كتب المانويون أيضاً انجيلاً منسوباً إلى توما، وبالرغم من أنه يحمل اسماً جميلاً هو اسم الإنجيل، إلا أنه يفسد نفوس البسطاء”، وكذلك في عبارة مشابهة يقول في (6: 31): “لا تدعوا أحد يقرأ إنجيل توما، فهو لم يُكتب بواسطة أحد الاثني عشر رسولاً، لكن كتبه أحد تلاميذ ماني الثلاثة الأشرار”. ويبدو أن هيبوليتوس كان يقصد أيضاً هذا الإنجيل نفسه؛ لكن بينما يتكلم هيبوليتوس عن مؤلف هذا الكتاب باعتباره أحد أعضاء فرقة “الناسيين” الغنوسية؛ ينسب كيرلس كتابته إلى المانويين، وربما يمكننا أن نتخطى هذه المعضلة إذا افترضنا أن إنجيل توما المانوي كان مجرد اختصار وإعادة صياغة لإنجيل توما الغنوسي. على أي حال، لقد ضاع كل من إنجيل توما المانوي وإنجيل توما الغنوسي، أما “إنجيل توما الطفولي”، الموجود لدينا في نسخ يونانية وسريانية وأرمينة وسلافية ولاتينية، فهو في الغالب عبارة عن نسخة منقحة ومختصرة للأصل. وهو يورد رواية عن طفولة يسوع، كما أن القصص التي فيه وتحكي عن معرفة وقوة يسوع المعجزية قد نُسخت معاً لتبين أن القوة الإلهية كانت تسكن يسوع قبل معموديته. وتشكل الحياة القروية اليومية خلفية هذه القصص، وذلك كما يظهر مثلاً في القصة التالية: “عندما كان الطفل يسوع في الخامسة من عمره كان يلعب عند النهر، وكان يجمع الماء الذي كان يجري فيه في برك، ثم يجعلها نقية فوراً، ويأمرها بكلمته فقط. وبعد أن صمع طيناً ليناً، شكله على شكل اثني عشر عصفوراً، وكان هذا يوم سبت حينما عمل يسوع هذه الأشياء، وكان هناك أطفال آخرون كثيرون يلعبون معه. وحينما رأى أحد اليهود يسوع وهو يفعل هذا، أي وهو يلعب في السبت، ذهب من فوره وأخبر أباه يوسف قائلاً: “يا للعجبن إن ابنك عند النهر، وقد أخذ طيناً وصنع منه اثني عشر طائراً صغيراً ونجس السبت”. فجاء يوسف إلى المكان ورآه، فصاح به قائلاً: “لماذا تصنع هذه الأشياء في السبت وهو أمر ضد الناموس؟” ولكن يسوع صفق بيديه معاً وصاح في العصافير – الطينية – قائلاً: “طيري!” فطارت العصافير وهي تغرد، وعندما رأي اليهود هذا ذهلوا وذهبوا إلى رؤسائهم وأخبروهم بما فعل يسوع”. (فصل 2).
كما أن بعض المعجزات – التي وردت في هذا الإنجيل – ليست مستساغة، فيبدو أن الكاتب لديه مفهوم شاذ عن الألوهة لأنه يصور الصبي يسوع وهو يستخدم قوته في الانتقام: “بعد هذا، ذهب يسوع ليتمشى في أرجاء القرية، فأتى أحد الأطفال جرياً وصدم كتفه، فاستفز هذا يسوع، فقال له: “إنك لن تُكمل طريقك”، فسقط الطفل ميتاً لوقته، لكن عندما رأى البعض ما حدث، قالوا: “من أين أتى هذا الصبي، حتى إن كل كلمة منه بمثابة عمل قد اكتمل؟”. ثم جاء أهل الصبي الميت إلى يوسف، ولاموه قائلين: “بما إنك تربي مثل هذا الصبي لا يمكنك إذن أن تعيش معنا في القرية، إلا بأن تعلمه أن يبارك ولا يلعن، لأنه يميت أولادنا”. فدعا يوسف الصبي الصغير على انفراد ولامه قائلاً: “لماذا تفعل هذه الأشياء التي تجعلهم يكرهوننا ويضطهدوننا؟” ولكن يسوع قال: أنا أعرف أن هذه الكلمات ليست لك، ورغم ذلك من أجلك سوف أؤثر السلامة، ولكنهم سينالون عقابهم”، وللحال أًصيب الذين اتهموه بالعمى”. (فصل 4، 5).
ومن المرجح أن تعود تلك النسخة الحالية المنقحة من إنجيل الطفولة هذا إلى ما بعد القرن السادس الميلادي.
8 – الإنجيل العربي لطفولة يسوع
أدى كل من إنجيل يعقوب التمهيدي وإنجيل توما إلى ظهور الكثير من أناجيل الطفولة الأخرى التي وسّعت من أحداث القصص التي وردت في هذين المصدرين وأضافت إليها قصصاً أخرى، والكتاب المعروف بـ “الإنجيل العربي لطفولة يسوع” هو مثال قوي على هذا. استمد هذا الكتاب المتأخر محتوى جزئه الأول من إنجيل يعقوب التمهدي، ومحتوى جزئه الثاني من إنجيل توما، لكنه أضاف إليهما الكثير من الأحداث الجديدة والغربية. وهكذا يذكر هذا الإنجيل الأبوكريفي أن يسوع قال لأمه وهو نائم في مهده: “أنا يسوع ابن الله، اللوغوس الذي ولدتيه أنتِ”.
9 – التاريخ العربي ليوسف النجار
هناك عمل مشابه يدعى “التاريخ العربي ليوسف النجار”، وهو يحكي قصة حياة يوسف النجار وموته وتأبين يسوع له. ولقد ضمن الكاتب في هذا العمل بعضاً من مادة إنجيل يعقوب التمهيدي وإنجيل توما، تلك التي أضاف إليها عدة تفاصيل مختلفة. أما هدف هذا الإنجيل فهو الإعلاء من شأن يوسف النجار والتشجيع على تكريمه الذي كان معتاداً في مصر. ولدينا نص هذا الإنجيل كاملاً في العربية واللهجة القبطية البحيرية، وشذارت منه في اللهجة القبطية الصعيدية؛ ولقد ترجم في القرن الرابع عشر إلى اللاتينية. أما بالنسبة لزمن كتابته، فلا بد أن هذا الإنجيل لم يكتب قبل القرن الرابع، كما أن زمن كتابته لا يتعدى القرن الخامس.
10 – إنجيل فيلبس
لم تُنسب الأناجيل الأبوكريفية إلى بطرس ويعقوب وتوما فقط بل إلى باقي الرسل أيضاً. وقد تكلم إبيفانيوس (Haer. 26: 13) عن الغنوسين المصريين قائلاً: “لقد زيفوا إنجيلاً باسم فيلبس، التلميذ القديس، وهو يقول فيه: “لقد كشف لي الرب عن الذي يجب أن تقوله النفس بينما تصعد إلى السماء، والكيفية التي يجب بها أن تجيب على كل قوة من القوات العليا – يجب على النفس أن تقول: “لقد عرفت نفسي، وجمعت شتات نفسي من كل مكان، ولم ألد أولاداً للحاكم، ولكني قضيت عليه، وجمعت الأعضاء المشتتين في جميع الاتجاهات. وأنا أعرف من أنت، لأني أحد الذين هم فوق”. وتكشف هذه الشذرة التي اقتبسها إبيفانيوس من إنجيل فيلبس عن ميل قوي للاتجاه النسكي الغنوسي الذي يزعم أنه يجب على الشرارات الإلهية المبعثرة في العالم أن تتحد وأن تتخلص من تأثير المادة. ويبدو أن الكتاب القبطي المعروف باسم “بيستيس صوفيا” (Pistis Sophia)[10]، كان يشير إلى إنجيل فيلبس عندما ذكر أن فيلبس الرسول قد دون تعاليم سرية علمها الرب لتلاميذه بعد قيامته، ومن هذا يمكننا أن نستنتج أن هذا الإنجيل كان موجوداً في القرن الثالث الميلادي.
11. إنجيل متياس
يذكر أوريجينوس – في عظته الأولى على إنجيل لوقا – أن “إنجيل متياس” كان معروفاً في زمانه. ويظن كل من (M. R. James) و(O. Bardenhewer) أن العمل الذي ذكره كليمندس السكندري باسم “تقاليد متياس” ربما يكون هو هذا الإنجيل نفسه، لكن هناك آخرين، مثل (O. Stahlin) و(J. Tixeront)، يشكون في صحة هذا الأمر. أما الفقرات التي كتبها كليمندس – ذاكراً فيها “تقاليد متياس” – فهي التالية:
“إن بداية معرفة الحق هي أن يشك المرء في الأشياء، وذلك كما يقول أفلاطون في محاورة ثياتيتوس (Theaetetus). وها هو متياس ينصحنا قائلاً: “شك في الأشياء التي أمامك، جاعلاً من هذا الأمر الخطوة الأولى نحو معرفة أعمق” (strom 2: 9: 45).
“إن هؤلاء الغنوسيين الملفين حول باسيليدس يقولون إن متياس قد علمهم قائلاً: “يجب علينا أن نحارب ضد الجسد ونقمعه، لا نسلمه أبداً للمتع الفاحشة، لكن يجب علينا أن نجعل الروح ينمو من خلال الإيمان والمعرفة”. (strom 3: 4: 26).
“يقولون إن متياس الرسول قال في “التقاليد”: “إنه في كل مرة يخطئ جار الإنسان المسيحي، فإن المسيحي أيضاً يكون قد أخطأ، لأنه لو كان المسيحي قد سلك بحسب ما توصي به الكلمة، لكان الجار أيضاً قد شعر بالخجل من أسلوب حياته، وما كان قد أخطأ”. (strom 7: 13: 82).
وسواء كانت هذه الفقرات من “تقاليد متياس” تمثل جزءً من إنجيل متياس أو لم تكن، فلا بد من أن هذا الأخير قد كُتب قبل زمن أوريجينوس.
12 – الإنجيل بحسب برنابا
لم يبق لدينا أي شيء من هذا الكتاب، لكننا قد عرفناه عن طريق “المرسوم الجلاسياني”، الذي يعود إلى القرن السادس الميلادي والذي يذكره من ضمن كتب الأبوكريفا؛ كما أنه مذكور أيضاً في “قائمة الستين كتاباً” اليونانية التي تعود إلى القرن السابع أو الثامن. غير أن هناك عملاً مختلفاً تماماً معروف باسم “إنجيل برنابا الإيطالي” نشره كل من (Lonsdale) و(Laura Ragg) عام 1907م، وقد كتب هذا الأخير مسيحي ارتد إلى الإسلام في القرن الرابع عشر الميلادي، وهو يهدف في الأساس إلى اثبات أن محمداً هو المسيا، وأن الإسلام هو الدين الوحيد الصحيح.
13 – إنجيل برثلماوس
ذكر جيروم هذا الإنجيل في مقدمة تفسيره لإنجيل متى، وقد جاء ذكره أيضاً في “المرسوم الجلاسياني”. وهو نفسه، على الأرجح، العمل المعروف باسم “أسئلة برثلماوس” والذي نعرف أنه قد كُتب أصلاً باللغة اليونانية، وإلى جانب مخطوطتين يونانيتن، الأولى في فيينا والأخرى في أورشليم، لدينا أيضاً شذرات من “أسئلة برثولماوس” في ترجمات سلافية وقبطية ولاتينية. وهو يحتوي – في شكل أجوبة على أسئلة برثلماوس – على إعلانات أعطاها الرب بعد قيامته، وكذلك على إعلانات أعطيت بواسطة مريم العذراء، بل إنه حتى الشيطان نفسه يظهر ويجيب على أسئلة برثلماوس بخصوص الخطية وسقوط الملائكة. كما أن “نزول المسيح إلى الجحيم” موصوف في هذا العمل بالتفصيل.
14 – أناجيل أبوكريفية أخرى
كان من عادة الهراطقة، وخاصة الغنوسيين، أن يكتبوا أناجيل بهدف تدعيم تعاليمهم الخاصة، لذا كان هناك عدد كبير من هذه الأناجيل الأبوكريفية، معظمها معروف لدينا بالاسم فقط، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- إنجيل أندراوس: من المرجح أن كاتبه كان ذا أصل غنوسي ويبدو أن القديس أغسطينوس يشير إليه في: (Contra Adversarios Legis et Prophetarum. 1: 20).
- إنجيل يهوذا الأسخريوطي: ذلك الذي كان أعضاء طائفة القايينيين[11] (Cainites) الغنوسية يستعملونه.
- إنجيل تداوس: وهو مذكور في المرسوم الجلاسياني.
- إنجيل حواء: يذكر إبيفانيوس أنه كان متداولاً بين أعضاء طائفة البوربوريين[12] (Borborites)، وهي طائفة أوفيتية[13] غنوسية.
وبعض هذه الأناجيل يحمل أسماء هراطقة مشهورين مثل:
- الإنجيل بحسب باسيليدس: يقول أوريجانوس إن هذا الهرطوقي قد “بلغ من الوقاحة” حتى إنه كتب إنجيلاً. وقد ذكر هذا العمل كل من أمبروسيوس وجيروم، ومن الممكن أن يكون باسيليدس قد قام بإعادة صياغة للأناجيل القانونية حتى يجعلها مؤيدة للتعاليم الغنوسية.
- إنجيل كيرنثوس: ذلك الذي ذكره إبيفانيوس.
- إنجيل فالنتينوس: وترتليانوس هو مصدر معلوماتنا عن هذا العمل.
- إنجيل أبيلس (Apelles)، الذي أشار إليه كل من جيروم وإبيفانيوس.
والسمة المشتركة بين هذه الأناجيل جميعاً هي أنها تتعامل مع محتوى الأسفار القانونية بأسلوب قاس وملتو؛ فالروايات الإنجيلية القانونية تُستعمل فيها كإطار للاستعلانات الغنوسية؛ تلك التي يعلنها الرب أو مريم في حوارات مع تلاميذ يسوع بعد قيامته. أما فيما يتعلق بالتأملات الكونية التي تحتوي عليها فهذه الأناجيل ذات طابع رؤيوي، ولهذا السبب سُميت بـ “الأناجيل الرؤيوية” (Gospel – Apocalpses).
[1] هو اسم معناه الفقراء أو المساكين، وهم جماعة مسيحية ذات نزعة تهودية. وكانوا يستخدمون إنجيل العبرانيين (من كتب الأبوكريفا)، واعتقدوا أن الحفاظ على الختان والناموس أمر ضروري للخلاص. وكانت لهم تعاليم خاطئة عن الرب يسوع. (المراجع).
[2] كانوا متشددين ناموسياً لدرجة شديدة ورفضوا الاعتراف بألوهية الابن قبل تجسده، إلا أنهم آمنوا بولادته من العذراء وبصلبه وقيامته، ورفضوا كل رسائل بولس لأنها لا تعطي أهمية للناموس، ولم يبالوا بكل الأسفار الأخرى واستعملوا فقط ما يسمى بإنجيل العبرانيين والذي يطلق عليه إنجيل الناصريين نظراً لاستخدامهم له. وكانوا يحافظون على السبت وسائر نظم اليهود، وقد تحدث عنهم يوسابيوس في كتابه تاريخ الكنيسة (3: 27). (المراجع).
[3] انظر يوسابيوس القيصري؛ تاريخ الكنيسة 3: 39: 16؛ 6: 25: 4. والقديس إيريناوس (ضد الهرطقات 1: 1).
[4] هي بدعة تعود إلى القرن الأول الميلادي وانتشرت بين الغنوسيين، ينادي أصحابها أن جسد المسيح هو خيال، وأن آلامه وموته كانت مجرد آلام ظاهرية، وتكلم عنهم القديس يوحنا الرسول في (1يو 4: 2، 2يو 7)، وحاربهم القديس إغناطيوس الأنطاكي في رسائله كما يتضح في المتن. (المراجع).
[5] لا نعرف من أين استقى المؤلف هذه المعلومة: فبيلاطس ليس أحد قديسي السنكسار القبطي (المترجم).
[6] كان البابا جلاسيوس الذي تولى باباوية الكنيسة الكاثوليكية من سنة 492-496م قد أصدر قراراً في نهاية القرن الخامس يحتوي على أسماء الكتب المقدسة القانونية والكتب المنحولة. في الجزء الثاني منه نجد أسماء الأسفار القانونية (27 سفراً للعهد الجديد) وفي الجزء الخامس من القائمة نجد أسماء كتب مرفوضة وممنوع قراءتها. وقد ورد فيها كتاب باسم إنجيل برنابا وبقية أسماء الكتب المذكورة هي كتب غنوسية. منها أعمال اندراوس، أعمال بطرس، أعمال توما، أعمال فيلبس، انجيل يعقوب الصغير، انجيل برثلماوس، إنجيل بطرس، انجيل اندراوس، كتاب طفولة المخلص، رؤيا توما، رؤيا بطرس، رؤيا استفانوس…. وغيرها. ويقول البابا جلاسيوس: “إن هذه الكتب (المنحولة) وما شابهها قد علمها ودونها الهراطقة والمنشقون وأتباعهم. فنحن نرفض هذه الكتب ونستبعدها في كل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية الرسولية ونحرمها مع كاتبيها”. (المراجع)
[7] Philos 5: 7.
[8]الناسيين” هي جماعة ربما يكون اسمها مشتق من الكلمة العبرية (nahash)، والتي معناها (ثعبان). وهي جماعة ظهرت حوالي عام 100م تقريباً، ولم تعرف إلا من خلال كتابات هيبوليتوس الروماني، وقد زعموا أنهم تلقوا تعاليمهم من مارياميني تلميذة يعقوب البار، ويمكن اعتبار أن تعليمهم ينتمي إلى المراحل الأولى من البدعة الغنوسية. (المراجع).
[9] البدعة المانوية نسبة إلى ماني (215 – 276م) وهو فارسي الأصل، كان تعليمه مزيجاً من الديانات (المسيحية والبوذية وازرادشتية)، علم بوجود مبدأين للخلق (إله النور/ الخير)، (إله الظلمة/ الشر) فكل ما هو خير هو روحي، وكل ما هو مادي فهو شر. لذلك رفض التجسد، وعلم بأن الشر له كيان مادي وأنه كائن في الطبيعة البشرية. ونادى بعدم الزواج لأنه الوسيلة التي ينتقل بها الشر في الكيان الإنساني. والخلاص في المانوية هو تحرر الروح من سجن الجسد حتى تتحد بمبدأ الخير وذلك لن يتم إلى عن طريق تعذيب الجسد، بالزهد والتنسك والتصوف وإيقاف الغرائز الجسدية. (المراجع)
[10] هو مخطوط غنوسي آخر وجد خارج مجموعة نجع حمادي يرجع تاريخه للقرن الرابع الميلادي، وهو يتضمن مجموعة من الحوارات بين السيد المسيح وتلاميذه من الرجال والنساء. (المراجع).
[11] هم طائفة غنوسية كانت مزدهرة في القرن الثاني الميلادي وخصوصاً في المنطقة الشرقية من الإمبراطورية الرومانية، كانت رؤيتهم ليهوه أنه شرير لأنه صمم العالم على نحو معاذ للخير، حتى يمنع العنصر الإلهي في الإنسان من الاتحاد بالإله الكامل غير المعروف، وكانوا يمجدون الشخصيات الكتابية التي رُفضت في العهد القديم مثل قايين وعيسو وغيرهم من الذين اعتقدوا بأنهم كانوا يحملون معرفة باطنية مختلفة، ويقولون إن هذه الشخصيات عوقبت بواسطة إله غيور وشرير، ويطلق على القايينيين أحياناً لقب “الغنوسيين المستبيحين”، وذلك لإيمانهم بأن الخلاص والكمال الحقيقي، يأتي فقط عن طريق كسر كل الوصايا الكتابية في فترة حياة واحدة فقط، أي يجب على الغنوسي الذي يريد الخلاص أن يكسر كل الوصايا أثناء حياته. (المراجع).
[12] كان البوبربوريون طائفة غنوسية موغلة في القذارة والشر بشكل غير طبيعي، وكلمة “بوربوري” مأخوذة من الكلمة اليونانية “بوربوروس” والتي تعني “وحل”؛ لذا يمكن أن تترجم كلمة “البوربوريين” إلى “القذرين”. وكانت عقائدهم تتضمن ممارسة الشذوذ الجنسي بالإضافة إلى أمور أخرى غاية في القذارة. وبما أن كل ما نعرفه عن هؤلاء البوربوريين قد أتى من أعدائهم، لذلك لا يمكننا أن نكون متأكدين ما إذا كانت هذه الاتهامات صحيحة أم مبالغاً فيها. (المراجع)
[13] الأوفيتي هو عضو طائفة من ضمن عدة طوائف غنوسية ازدهرت في الإمبراطورية الرومانية في القرن الثاني الميلادي ولعدة قرون لاحقة. اندرج تحت اسم “الأوفيتيين” عدة طوائف غنوسية مثل الناسيين والقايينيين، وقد اختلفت عقائد هذه الطوائف عن بعضها البعض من أوجه كثيرة لكنها جميعاً تمحورت حول نظرية لاهوتية ثنائية وضعت كائناً أعلى ذا طبيعة روحية محضة – وهو مصدر العملية الكونية والخير الأسمى – على طرف النقيض مع عالم مادي فوضوي وشرير. بالنسبة إلى الأوفيتيين، كانت معضلة الإنسان نتيجة كونه خليطاً من هذه العناصر الروحية والمادية فقط المعرفة – المعرفة الباطنية الخير والشر – هي التي تستطيع ان تخلص الإنسان من قيود المادة وتجعله على دراية بهذا الإله غير المعروف المصدر الحقيقي لكل وجود. (المراجع)
إقرأ أيضًا:
- أدب العهد الجديد الأبوكريفي – 1- أبوكريفا العهد القديم
- أدب العهد الجديد الأبوكريفي – 3- أسفار أعمال الرسل الأبوكريفية
- أدب العهد الجديد الأبوكريفي – 4- أسفار الرؤيا الأبوكريفية
- أدب العهد الجديد الأبوكريفي – 5- رسائل الرسل الأبوكريفية