مراحل الرهبنة وأهم شخصياتها – أ/ أمجد بشارة
مراحل الرهبنة وأهم شخصياتها – أ/ أمجد بشارة
مرت الرهبانية بأربع مراحل:
- مرحلة النسك.
- مرحلة التوحد ومثالها الأنبا بولا.
- مرحلة التجمعات الرهبانية وبدأها الأنبا أنطونيوس، وبعده أمونيوس ومقاريوس.
- مرحلة الشركة الباخومية.
1. مرحلة النسك:
عرفت الكنيسة منذ بدايتها أشخاص أطلق عليهم لقب نُسّاك، وهؤلاء هم من تركوا شهوات ومتطلبات العالم وتمسكوا بالبتولية، بيكتب هنري شادويك:
خلال القرن الثاني كان هناك بعض المسيحيين في مناطق متفرقة رفضوا الزواج وتخلوا عن كل ممتلكاتهم إلا القليل، التزموا أمام أنفسهم وأمام مجتمعهم بالانعزال وتكريس كل الوقت في الصلاة وعمل الرحمة. هؤلاء النساك لم يجمعهم حياة شركة لها قوانين أو زي خاص أو صندوق مالي موحد –بالرغم من وجود نماذج سابقة للمعيشة المشتركة في الجماعات التي كانت تسكن على حدود اليهودية مثل جماعة الأسينيين أو جماعة وادي قمران التي حفظت لنا مخطوطات البحر الأحمر، أو جماعة الثيرابيوتا في الإسكندرية التي ذكرها فيلو السكندري.
نذكر من هذه المجموعات:
البنات الأربع العذارى الذين لفيلبس الذين ذكرهم سفر أعمال الرسل (21: 8، انظر أيضًا: تاريخ الكنيسة، يوسابيوس القيصري، 3: 31).
- كليمندس السكندري بيذكر شخص اسمه نيقولاوس، اسمه ارتبط بهرطقة النيقولاويين، ويقول أنه كان له أربع بنات بقين عذارى حتى يوم انتقالهن ( 2: 118).
- يوحنا الرسول ظل متبتل حتى انتقاله.
- يعقوب الرسول أسقف أورشليم، كان يعيش عيشة هي أقرب لما نعرفه عن حياة الرهبان فيما يخص التقشف والفقر الاختياري. يتكلم عنه مؤرخ اسمه هيجسيوس فيقول: “لم يكن يشرب الخمر أو أي شراب مُسكر، ولا يأكل أي لحوم، ولا يقص شعره، ولم يدهن نفسه اطلاقًا بالدهن، وامتنع عن الاستحمام، وكان يذهب إلى الهيكل وحده، ودائمًا يجدونه يصلي عن الشعب” (تاريخ الكنيسة، يوسابيوس القيصري، 2: 23).
كما نرى فإن النسك والبتولية كانت غير مغلقة على جنس بعينه، بل كانت للجنسين على السواء. كما أن هذا المذهب أو أسلوب الحياة التقوية المسيحية أزدهر بشكل كبير خلال القرن الثاني، وهذا يتجلى على الخصوص في كتابات كلٍ من:
- إغناطيوس الأنطاكي اللي اتكلم عنهم في رسالته لكنيسة سميرنا (13: 1)
- بوليكاربوس الذي كتب بعده ببضع سنوات إلى كنيسة فيلبي فلم ينس البتوليين الذين يجب أن يكون ضميرهم بلا لوم وتكون حياتهم طاهرة (في 5: 3)
- كذلك اشار إليهم كتاب الراعي لهرماس ذاكرًا البتوليين الذين في كنيسة روما.
- يوستينوس من أوائل القرن الثاني كتب في دفاعه عن المسيحية، يقول: “كثيرون هم الرجال والنساء الذي تبعوا المسيح من طفولتهم، من حافظوا على العفة حتى سن الستين والسبعين، وأني لأفخر أن أعطيكم أمثلة عنهم” (الدفاع الأول15: 48)
- ترتليان– كبريانوس– رسالتا اكليمندس للبتوليين- مائدة العشر عذارى لميثوديوس الأوليمبي
- عظات أوريجانوس، وتحديدًا في عمله ضد كلسوس تحدث عن هؤلاء البتوليين الذين يعيشون حية البتولية الكاملة من أجل الصلاة (ضد كلسوس7: 48).
وبيكتب المؤرخ هنري شادويك عن أنواع النساك في هذا الوقت، ويقول:
أغلب النساك كانوا بسطاء إلى حد ما، ولكن لم يدم هذا طويلاً بعد أن صارت للحركة النسكية أساسها اللاهوتي المتين. في كتابات كليمندس السكندري وأوريجانوس على الأخص نجد أن كل العناصر الأساسية للتعليم النسكي موجودة بالفعل.
التعليم الذي سيطر عليه نموذج الشهيد الذي لا يرجو شيئاً من هذا العالم بل يبحث عن الاشتراك مع الرب في آلامه. بالضبط مثلما كان الصليب هو نصرة الرب على قوات الشر، كذلك الشهيد يشترك في هذا النصر باستشهاده. واستمر النساك بهذه الروح بعد انتهاء عصور الاضطهاد. وسعوا لتحقيق بذل الذات نفسه من خلال الانفصال عن العالم. بذل الذات كما جاء في الإنجيل، يمتزج مع البساطة والتقشف الموروثة من الآداب الكلاسيكية السابقة.
الحركة النسكية ضمت إليها ليس البسطاء فقط بل أيضاً من المتعلمين فلسفة أفلاطون ومثله الأعلى في الاستشهاد سقراط، ومبادئ سينيكا الفيلسوف الرواقي عن ضبط النفس، وتعاليم الرواقية عن السعادة الحقيقية التي تكمن في قمع الرغبة فيما لا يمكن للمرء أن يحصل عليه ويحتفظ به، فمن ثم إخماد الشهوات مطلوب من أجل حياة صحيحة.
إقرأ أيضاً:
- الإنحرافات النسكية في المسيحية المبكرة – أمجد بشارة
- الدعوة الرهبانية في العهد الجديد – أ/ أمجد بشارة
- نظرة على تاريخ الرهبنة في القرون الخمسة الأولى – أ/ أمجد بشارة
- نظام الشركة الباخومية وسبب انتشار الرهبنة في مصر – أمجد بشارة