برهان علم الفلك : الكوكب المتميز – لي ستروبل
برهان علم الفلك : الكوكب المتميز لي ستروبل
برهان علم الفلك : الكوكب المتميز – لي ستروبل
بينما نتفحص كل الأدلة، تثار بقوة فكرة أن هناك قوة فائقة للطبيعة لا بد وأن تكون قد تدخلت. هل من الممكن أننا فجأة وبدون قصد، عثرنا بالصدفة على دليل علمي على وجود كائن فائق؟ هل الله هو الذي بدأ وصمم بعناية إلهية هذا الكون لفائدتنا؟
الفلكي جورج جرينشتاين[1]
إن الفلك يقودنا إلى حدث فريد من نوعه؛ إلى كون خُلق من العدم، كون يتمتع بأقصى توازن دقيق مطلوب لتوفير الشروط التي تسمح بوجود حياة، وكون له خطة كامنة (أو كما يقول واحد) “فائقة للطبيعة”.
أرنو بنزيا – حاصل على جائزة نوبل[2]
لا يوجد شيء غير عادي عن الأرض. أنها صخرة متوسطة بسيطة تدور بتلقائية حول نجم غير مميز في مجرة غير مميزة – “بقعة منعزلة في هذا الظلام الكوني الرهيب” كما قال الرحل كارل ساجان[3].
إن حقيقة أن الحياة تزدهر على كوكبنا ليست استثنائية. يقال لنا إن المخلوقات على أنواعها تتكاثر بلا شك في مواقع لا حصر لها بنا العشرة تريليون بليون نجماً في الكون. وقد قدر بعض العلماء أن هناك ما يصل إلى 10 تريليون حضارة متقدمة[4]. ووصل ساجان لرقم مليون بالنسبة لمجرتنا الطريق اللبني لوحدها.
وبالإجمال، فإن قوى الطبيعة أوتوماتيكية جداً حتى أنه من المؤكد أن الحياة قد ظهرت حيثما وُجد الماء. ولهذا عندما يثير العلماء فكراً جديداً عن الماء السائل كونه موجوداً على جسم سماوي آخر، فإن العوالم السرية لقمري كوكب المشتري المتجمدان يوروبا Europa، وجانيميد Ganymede هما حالياً الأمثلة الحية – ثم إن الادعاء الأوتوماتيكي هو أن الكائنات الحية لا بد بالضرورة أن تتبع ذلك.
إن كان بإمكان الحياة أن تظهر من اللا حياة بسرعة وبكفاءة كبيرة على كوكب عادي ككوكبنا كما يعتقدون، فلماذا لا يحدث هذا إذاً عبر مئات بلايين المجرات؟ بالنسبة لهم، تشبه الحياة مزيجاً من الحساء: أضف الماء فحسب![5]
إن عنوان كتاب الفلكي البيولوجي ديفيد دارلنج الذي صدر حديثاً يلخص بأناقة هذه الفلسفة المتفائلة؛ وهو “الحياة في كل مكان Life Everywhere”[6] إنه متحمس بخصوص التأكيدات القائلة بأن “الحياة قد تظهر بطريقة محتومة حيثما يتلاقى معاً مصدر طاقة مناسب، ومخزون مركز من المادة العضوية (المعتمدة على الكربون) والماء”. وقال إن هذه المكونات “تبدأ في أن تبدون موجودة في كل مكان في الفضاء”[7]. ونتيجة هذا، يعتقد ان الحياة الميكروبية على الأقل “منتشرة”[8].
باختصار، فإن الأرض ليس لها حالة مميزة. فالعالم البولندي نيكولاس كوبرنيكوس قلل من ذاتنا المبالغ فيها بوضعنا في مكاننا منذ زمن بعيد – فالكون لا يدور حولنا؛ ولكن بدلاً من ذلك، نحن اللذين نعيش في قرية رتيبة بعيداً جداً في ضاحية يصعب وصفها من مجرد الطريق اللبني الواسعة. ليس لدينا دوراً عظيماً، ولا معنى، ولا أهمية، ولا سبب لنكون أكثر من مجرد …. كائنات.
قال ريتشارد داوكنز من أكسفورد: “إن الكون الذي نلاحظه يتمتع بدقة بالخواص التي يجب أن نتوقعها إن كان هناك لا تصميم، ولا هدف، ولا شر أو خير، ولا شيء سوى اللامبالاة القاتلة والرهيبة”.
وهذا هو جوهر ما تعلمته عندما درست العلوم. فبالطبع دعمت هذه الاستنتاجات قيمي الإلحادية. وتمكنت بشكل ما أن أتجنب الاكتئاب الشديد بالتضمينات الشخصية لكل هذا، ومن الغريب أنني وجدت الرجاء والإلهام في الاعتقاد بأننا لسنا وحدنا في الكون. فحتى إن كان الله غير موجود، فعلى الأقل كانت هناك ملايين من الحضارات المتقدمة الأخرى[9].
رسائل لاسلكية إلى هرقل
منذ أن شاهدت للمرة الأولى الفيلم الكلاسيكي The Day the Earth Stood Still، وأنا طفل، أسرت بالصور الخيالية عن الحياة المتكاثرة داخل المجرات المصورة بالخيال العلمي. وبالطبع كان فيلمي Star Trek، وStar Wars سخيفان، لكن فكرة المخلوقات الغريبة الأخرى التي تعيش في زوايا وأركان الكون كانت ملفتة وحتى مريحة دائماً بالنسبة لي.
وبعد ذلك انبهرت بمعادلة Drake؛ وهي محاولة من الفلكي فرانك دريك لحساب عدد الحضارات التي قد توجد في مجرتنا. وعوامل المعادلة في مثل هذه المتغيرات مثل كم نجماً يمكنه أن يشبه شمسنا من بين الـ 200 – 300 بليون نجم في الطريق اللبني، ونسبة النجوم التي قد تكون بها كواكب في مناطق مسكونة، إلخ.
ومع أن الأرقام المحددة التي وضعها العلماء فيما بعد في معادلة دريك قد بلغت في مجملها تخمينات متأثرة بتحيزاتها الشخصية، اعترف عالم أنها كانت “طريقة لضغط كمية كبيرة من الجهل في فراغ صغير.”[10] – وهذا ما أعطى نوعاً من التأكيد العلمي لقضية تثير الكثير من التفكير.
ثم ابتهجت في منتصف السبعينات عندما أرسل دريك وساجان رسالة تهنئة للمجموعة الكونية العظيمة M13؛ والتي هي تركيز لربع مليون نجم في مجموعة نجوم هرقل، وفيما عرفت أنه لم يكن هناك الكثير من العلم العملي المتضمن في هذه المكالمة التليفونية عبر المجرات – فالأمر سيأخذ أكثر من 22000 سنة لوصول هذه الرسالة إلى مكانها المقصود – ومع ذلك كان هناك شيء رومانسي وجريء بخصوص محاولة الاتصال بالحضارات التي من المرجح جداً أنها سكنت تلك النجوم البعيدة.
كل هذا ساعد في تشكيل منظوري فيما كنت أتأمل عبر السنوات النجوم المتلألئة في السماوات المظلمة. أما الآن فقد تغير اتجاهي. فبعد دراسة آخر دليل من وجهات نظر علمية مختلفة – من الفلك إلى علم الكونيات إلى الجيولوجيا إلى علم المحيطات إلى الميكروبيولوجي – اتجهت استنتاجاتي إلى الاتجاه المعاكس.
يتضح أن الأرض يمكن أن تكون أي شيء سوى أن تكون شيئاً عادياً، وأن شمسنا أبعد من أن تكون متوسطة، بل وحتى موقع كوكبنا في المجرة موقع محظوظ بدرجة عجيبة. إن فكرة أن الكون هو مكان مزدهر لحضارات متقدمة تٌقوض الآن بالاستكشافات العلمية الجديدة المذهلة وبالتفكير الحديث.
وباختصار، فإن بالاستكشافات الجديدة تقول بأننا متميزين. فهناك أعداد متزايدة من العلماء يدرسون الالتقاء المذهل لنقاط “التزامنات” التي تجعل الحياة الذكية ممكنة على الأرض، ومستنتجين أن هذا لا يمكن أن يكون صدفة. إنهم يرون علامات تصميم، ونوعاً من تعديل حياة يشبه تعديل الفيزياء الذي استكشفناه في الفصل السابق.
في الواقع، قال باحث لامع: “إن الأدلة الحديثة التي استطاعت بقوة تفنيد فرضية [التصميم] انتهى بها الحال بتأكيدها”[11]. ومرة أخرى نجد أن دليل العلم يشير إلى خالق.
وبدلاً من أن تكون حياتنا بلا هدف، يقوم العلماء للمرة الأولى بالكشف عن أدلة ملموسة تقترح غرضاً مذهلاً واحداً على الأقل خلقنا من أجله؛ وهو أن نكتشف ونتعلم عما يحيط بنا في المكان الذي وضعنا فيه.
وبمعنى آخر، كما سنرى في هذا الفصل، أن هدفاً واحداً صُممنا لأجله هو أن نقوم بالعلم نفسه.
المكان الصحيح والزمان الصحيح
مع بزوغ فجر الألفية الجديدة، نشر الجيولوجي بيتر وورد، والفلكي دونالد براونلي[12] – وهما أستاذان بجامعة واشطن في سياتك – كتاباً ناجحاً ومثيراً للجدل أثار هذا السؤال المزعج بخصوص الأرض: “ماذا إن كانت فريدة تماماً: الكوكب الوحيد الذي به حيوانات في هذه المجرة أو حتى في الكون المرئي…. ؟”
وكتابهما “الأرض النادرة Rare Earth” ينظم الأدلة من مدى عريض من الفروع العلمية لبناء دفاعه بأن “ليس فقط الحياة الذكية، بل أيضاً أبسط مظاهر الحياة الحيوانية نادرة للغاية في مجرتنا، وفي الكون”[13]. وتوصلوا إلى الاستنتاج “الذي لا يمكن الهروب منه” بأن “الأرض مكان نادر حقاً”[14].
ومع أن وورد، وبراونلي يؤمنان بأن الحياة الميكروبية ربما تكون أكثر سيطرة؛ وهي رؤية يستخلصانها من الطريقة التي بد فيها أن الحياة قد تطورت على الأرض دون أدنى مجهود “بقدر ما سمحت الظروف البيئية ببقاءها”[15]، فإن اقتناعهما بأن وجود حياة معقدة أمر “نادر بطريقة استثنائية” هو اقتناع مدعم ببيانات مقنعة منفصلة عن أي إطار لاهوتي.
أطلق دون جوهانسون – مدير معهد الأصول الإنسانية في جامعة ولاية أريزونا – على كتابهما “عقلاني بحرص وماكر علمياً”، وقال: “رغم تفكيرنا التواق، ربما لن يظهر موزارت أو مونيه آخر”.[16] وأضاف ديفيد ليفي الذي أطلق اسمه على المذنب Shoemaker-Levy* “إن الحياة المعقدة كما نعلم قد تكون نادرة جداً، وثمينة جداً”[17] وقالت جريدة Times of London: “إن كانا على حق، فربما آن أوان عكس عملية كانت مستمرة منذ كوبرنيكوس”[18].
يلاحظ علماء متزايدون الطرق المدهشة التي يتمكن بها كوكبنا – على خلاف كل الشواذ – من تحقيق عدداً كبيراً من المعايير جيدة الاتزان الحاسمة تماماً لتدعيم موطناً مناسباً للبشرية.
قال معلما العلم جيمي ديفيز وهنري بو: “أهم من كونه كوكباً واحداً من بلايين الكواكب، فإن كوكب الأرض يبدو الآن الأرض الاستثنائية. فالبيانات تتضمن أن الأرض ربما تكون الكوكب الوحيد “في المكان المناسب في الزمان المناسب”[19].
تأكيـد جـريء
إن موقع الأرض، وحجمها، وتركيبها، وبنيتها، وجوها، ودرجة حرارتها، وحركاتها الداخلية، ودوائرها المعقدة الضرورية للحياة – دورة الكربون، ودورة الأوكسجين، ودورة النيتروجين، ودورة الفوسفور، ودورة الكبريت، ودورة الكالسيوم، ودورة الصوديوم، إلخ – تشهد بأن كوكبنا متزن بإتقان[20].
إنهما يذكران كيف أن جو الأرض يُزيل الأشعة فوق البنفسجية الضارة بينما يعلم مع المحيطات ليجعل المناخ معتدلاً من خلال تخزين وإعادة توزيع الطاقة الشمسية، وكيف أن الأرض من الكبر بمكان حتى إن جاذبيتها تحتفظ بالغلاف الجوي، ومع ذلك فهي من الصغر بمكان حتى إنها لا يمكنها الاحتفاظ بالكثير من الغازات الضارة. ثم يصفان داخل الأرض هكذا[21]….
…. محرك حراري ضخم، لكنه متزن بدقة يحفزه النشاط الإشعاعي…. إن كانت تسير ببطء أكثر… لما كانت القارات تشكلت على وضعها الحالي…. ولما انصهر الحديد ووصل لمرحلة السائل، ولما تطور المجال المغناطيسي… وإن كان هناك مزيد من وقود النشاط الإشعاعي، ومن ثم محرك دائر، لغطى الغبار البركاني الشمس، وصار الغلاف الجوي أكثر كثافة، وتحطم السطح بزلازل يومية وانفجارات بركانية[22].
هذا النوع من العلميات الجيولوجية عالية التنسيق – وهناك الكثير منها – يثير تفكري بقوة إزاء الطرق المذهلة التي يتهيأ بها مجالنا الحيوي بدقة للحياة. ومع ذلك، فإن الأكثر إثارة هو لماذا يحدث هذا. ما تفسير كل هذه “التزامنات” المدهشة؟
بينما كان بريس وسايفر مندهشان من أن الأرض “مكان خاص جداً”، إلا أنهما لا يؤكدان إمكانية التصميم.[23] أما وورد وبراونلي فيتجنبان القضية في كتاب “الأرض النادرة Rare Earth”، مفضلين بدلاً من هذا عادة أن يذكروا كلمات من قبيل “حظ تام”، و”صدفة نادرة تحدث”[24] وقد قال وورد في مؤتمر: “نحن محظوظون جداً. فشخص ما كان عليه أن يربح اليانصيب، وكنا نحن الرابحون”.
ولكن هل يفسر الحظ فعلاً لماذا تتمتع الأرض بهذا التقارب المذهل للظروف غير المحتملة تماماً التي سمحت بازدهار الكائنات الحية؟ بالعودة إلى الماضي، توصل المسيحيون إلى استنتاج مختلف تماماً: أن الله خلق الأرض كالمسرح الذي تجري عليه الدراما الإنسانية. والمثير في العلم الحديث – بما فيه الاكتشافات الحديثة في السنوات الأخيرة – هو أن رؤية الكون هذه تبدون مدعمة اليوم بشكل أفضل بكثير من الماضي.
فكر في استنتاج مايكل دينتون زميل بحث كبير في الجينات الجزيئية الإنسانية في جامعة أوتاجو في نيوزيلانده، في كتابه “مصير الطبيعة Nature’s Destiny” في العام 1998:
لم يتصور إنسان ان نظرية أو فكرة أخرى على الإطلاق يمكنها أن تتعادل في جراءتها وقوتها هذا التأكيد القوي… إن كل السماوات المرصعة بالنجوم، وأن كل أنواع الحياة، وأن كل خاصية من الواقع موجودة [كي تخلق موطناً مناسباً] للبشرية… ولكن اللافت للنظر جداً، هو أنه بافتراض جراءتها، إلا أنها تأكيد بعيد جداً عن أسطورة غير علمية مشكوك فيها. وفي الواقع، لم تتمكن أية ملاحظة من إثبات خطأ الافتراض. واليوم، بعد أربعة قرون من الثورة العلمية، بدأت هذه الفكرة تظهر من جديد. وفي هذه العقود الأخيرة من القرن العشرين تدعمت مصداقيتها باكتشافات في فروع عديدة من العلم الجوهري[25].
ما مدى صدق هذه الكلمات؟ هل الشروط الخاصة التي تسمح بالحياة على الأرض تتطلب مصمماً؟ للبحث عن إجابات دقيقة، رتبت لقاء في مطار أوهير O’Hare الجوي في شيكاغو مع خبيرين اشتركا في تأليف كتاب حديث الأسلوب عن هذا الموضوع. وستكون هذه فرصة رائعة لاستكشاف التفرد المذهل لكوكبنا.
[1] George Greenstein, The Symbiotic Unverse (New York: William Morrow, 1988), 27.
[2] Henry Margenau and Roy Abraham Varghese, editors, Cosmos, Bios, and Theos (LaSalle, III.: Open Court, 1992), 83.
[3] Carl Sagan, Pale Blue Dot (New York: Ballantine, 1994), 7.
[4] See: Peter D. Ward and Donald Brownlee, Rare Earth (New York: Coper-nicus, 2000), xxiv.
[5] Ibid., xiv.
[6] David Darling Life Everywhere (New York: Basic Books, 2002).
[7] Ibid., xii.
[8] Ibid., xi.
[9] Science 277 (1997), 892.
[10]Bernard Oliver quoted in Steven ,I, Dick, Life on Other Wolds (Cambridge: Cambridge University Press, 1998), 217.
[11] Michael J. Denton, Nature’s Destiny (New York: The Free Pres, 1998), 389.
[12] Peter D. Ward and Donald Brownlee, Rare Earth, xxiv.
[13] Ibid,. xiv.
[14] Ibid,.33.
[15] Ibid,. xix.
[16] Ibid, .back cover.
* مذنب اصطدم بالمشتري في العام 1994.
[17]Ibid.
[18] The Times of London (January 26, 2002), quoted in: David Darling, Life Everwhere, 91.
[19] Jimmy H. Davis and Harry L. Poe, Designer Universe Nashville: Broadman & Holman, 2002), 107.
[20] See: Michael Denton, Nature’s Destiny (New York: The Free Press, 1998), 88-89.
[21] Frank Press and Raymond Siever, Earth (New York: W. H. Freeman, 1986),3.
[22] Ibid., 4.
[23] Ibid., 3.
[24] Peter D. Ward and Donald Brownlee, Rare Earth, 37, 229.
[25] Michael J. Denton, Nature’s Destiny, 3-4.