ترتليان وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط
ترتليان وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط
العلامة ترتليان (145 -220م):
العلامة ترتليان، من قرطاجة (تونس)، بشمال أفريقيا، تلقي تعليمًا جديًا منذ نشأته. فدرس اللغة اللاتينيّة وتعلم الخطابة, كما درس اللغة اليونانيّة وأتقنها كلاماً وكتابةً. وتعلّم فنون الفلسفة والطب والقانون خاصة وربّما مارس مهنة المحاماة. قال عنه القديس جيروم أنه ” ترتليان الكاهن والذي من بعد فيكتور وأبولنيوس يعتبر رائداً للكتبة اللاتين … وهو رجل من طراز معين ذو همة وحذق … عاش رائداً إلى عهد الإمبراطور ساويرس وأنطونيوس كاراكالا وكتب عدة كتب “[1].
ويقول عنه يوسابيوس القيصري: ” هو رجل خبير بقوانين الرومانيين، وذو شهرة عظيمة في نواح أخرى، وأحد الرجال الأفذاذ في روما “[2]. وكان والده سسيناتوراً رومانيا، وقيل قائد مئة، وقد كتب احتجاجاً للوثنيين دافع فيه عن المسيحية والمسيحيين ضد الاضطهادات المريرة التي وجهت لهم: ” كان ترتليان شاهداً أميناً لهذه الأمور. ففي كتابه ” الاحتجاج من أجل الإيمان “، الذي وجهه للإمبراطور الروماني، السابق الإشارة إليه “[3].
ويُعتبر ترتليان أول لاهوتي عظيم كتب باللغة اللاتينية. وقد بدأ نشاطه وكتاباته فيما بين (196 – 212م) في قرطاجة، التي صارت وقتذاك من أهم مراكز الكتابات المسيحية، والمركز الأكثر قوة وإزدهارًا من روما. وقد كان معاصراً تقريبًا لأكليمندس الإسكندري، وإيريناؤس أسقف ليون وكذلك هيبوليتوس الذي كتب في روما.
وحوالي سنة 210م ترك الإيمان الأرثوذكسي وتحول إلى المونتانية (Montanism) والتي كانت هرطقة وحركة نبوية ظهرت في القرن الثاني قام بها شخص فريجي أدعى النبوة يدعى مونتانوس[4] وانتشرت في آسيا الصغرى. يقول جيروم: ” أنه كان كاهنا للكنيسة إلى منتصف عمره ولكنه أنزلق إلى تعاليم مونتانوس وذكر النبوة الجديدة في كتبه وذلك بعد فترة إذ أنه كان مسوقا بالحسد وكذلك التعسف من قبل إكليروس الكنيسة الرومانية “[5].
ولا يعني انضمام ترتليان للمونتانية عدم المصداقية في اتخاذه كشاهد على قانونية العهد الجديد؛ أولاً لأن المونتانية كانت تؤمن بجميع أسفار العهد الجديد وبنفس العقيدة المسيحية كما نؤمن بها، ولكنها اعتبرت أن النبوة ظلت ممتدة في مونتانوس، ثانياً فقد كان هو عالماً عظيماً في عصره وجيله من جهة ثقافته العالية ودراسته الواسعة للمسيحية ولكل أسفار الكتاب المقدس، خاصة قبل انضمامه للمونتانية.
هذا الرجل العلامة اقتبس من معظم أسفار العهد الجديد واستشهد بأكثر من 7000 اقتباسٍ، منها 3.800 اقتباس من الأناجيل. ووصف رسل الرب يسوع المسيح بالمعلمين فى مدرسة المسيح: ” كيف نعرف الآن جوهر الأسفار المقدسة أفضل من مدرسة المسيح ذاتها؟ الأشخاص الذين اختارهم الرب نفسه كعلماء، حقاً، ليكونوا متعلمين تماماً فى كل شيء وتعينوا لنا ليعلمونا فى كل الأمور الأساسية، إذ كشف لهم ما هو محتجب فى لغته … لبطرس ويوحنا ويعقوب وبعد ذلك لبولس “[6].
ويقول عن وحى أسفار العهد الجديد: ” الأسفار المقدسة مرتبة بإرادة الله بمثل هذه الطريقة “[7]. ويقول عن قراءتها فى الكنائس ” ونحن نتقابل سوياً كاجتماع وجماعة مصلين … ونحن نجتمع لنقرأ أسفارنا المقدسة “[8].
وقد أكد لنا صحة وحي وقانونية الأناجيل الأربعة، واقتبس من جميع أسفار العهد الجديد وكان مضمون رسائل؛ يعقوب وبطرس الثانية ويوحنا الثانية والثالثة، في عقله وفكره وقد انعكست نصوصها على الكثير من كتاباته، مع ملاحظة أن عدم الاقتباس كثيراً أو نهائياً من سفر ما بشكل مباشر لا يعني عدم الإيمان بقانونيته، بل ربما يكون ذلك بسبب عدم الحاجة لآيات ونصوص مباشرة من هذا السفر في الموضوع الذي يكتبه. كما اعتبر أعمال بولس كسفر هرطوقي.
وأكد أن الأناجيل وسائل إنجيلية وأن كتابها هم الرسل أو تلاميذ الرسل[9]، بتأكيده أن كُتاب العهد الإنجيلي هم الرسل الذين عينهم الرب نفسه لنشر الإنجيل إلى جانب الرجال الرسوليين الذين ظهروا مع الرسل وبعد الرسل. فيوحنا ومتى اللذان غرسا الإيمان داخلنا، ولوقا ومرقس اللذان جدداه لنا بعد ذلك، حيث يقول: ” نضع الآن كمهمتنا الأولى أن العهد الإنجيلي له الرسل الذين دونوه، هؤلاء الذين عينهم الرب نفسه لنشر الإنجيل، كما يوجد أيضاً رجال رسوليين (رفقاء الرسل ومساعديهم في تدوين الإنجيل، وهو يقصد القديسين لوقا ومرقس بالدرجة الأولى)، فلم يكونوا وحدهم، بل ظهروا مع الرسل وبعد الرسل حتى تكون كرازة الرسل مؤكدة بمصاحبتهم لهم ويكون سلطان الرسل الذي هو سلطان المسيح نفسه في مجد، لأن هذا هو الذي جعل الرسل سادتهم. لأن يوحنا ومتى هما اللذان غرسا الإيمان فينا أولاً، بينما جدده الرجال الرسوليين، لوقا ومرقس بعد ذلك. وقد بدأ هؤلاء جميعا بنفس مبادئ الإيمان الذي يرجع للإله الواحد الخالق ومسيحه. كيف ولد من العذراء وكيف جاء لكي يتمم الناموس والأنبياء. ولا تهتموا إذا وجدتم خلافات في تسلسل الروايات لأنه يوجد أتفاق في جوهر موضوع الإيمان “[10].
فعن اقتباسه من سفر أعمال الرسل يقول بروس متزجر: ” في دفاعه ضد ماركيون يوبخه ترتليان لعدم قبوله لسفر أعمال الرسل، وبذلك يحرم نفسه مما يختص بالرسول بولس من معلومات “[11].
وعن شهادته لرسائل القديس بولس ينقل بروس متزجر فكره ويقول: ” أن ترتليان يدافع عن الرسائل البولسية واحدة واحدة معبرا عن دهشته من رفض ماركيون للرسالتين إلى تيموثاوس والرسالة إلى تيطس. وكان هدفه، كما أرى، هو عملية الاقحام التي قام بها حتى لعدد رسائل بولس “[12].
أما بالنسبة للثلاث رسائل الرعوية فيعني ترتليان أن ماركيون لم يشوه نص رسائل القديس بولس، بل عددها أيضاً برفضه للثلاث.
وعن الرسالة إلى العبرانيين يقول متزجر: ” وفي بحث آخر يستشهد ترتليان بفقرة من الرسالة إلى العبرانيين (6 :4 – 8) والتي ينسبها لبرنابا كالمؤلف؛ كرجل مفوض من الله بدرجة كافية، لكون بولس وضعه التالي بعده هو نفسه “[13].
ويقتبس ترتليان من رسالة بطرس الأولى فقرات عديدة دون أن يعرف بالرسالة
بوضوح[14]. كما يقتبس من رسالة يوحنا الأولى (4 :1 -3) وينطلق إلى مناقشة طويلة عن ضد المسيح[15]. ويقتبس من رسالة يهوذا العدد 14 مشيرا إلى كتاب أخنوخ الأبوكريفي[16]. ويشير إلى سفر الرؤيا مرات كثيرة بطريقة تبرهن على أنها، بالنسبة لترتليان، لا يوجد رؤيا غيرها للقديس يوحنا[17].
أما عن رأي ترتليان في راعي هرماس فقد تغير على مدى السنوات، ففي كتاباته الأولى يتكلم عنه بشكل إيجابي[18]، ولكن بعد تحوله إلى المونتانية يعلن أن المجامع في كل العصور الأولى قد حكمت على الكتاب بأنه مزيف وأبوكريفي[19].
وعن أولئك النسوة اللواتي استعن بكتاب أعمال بولس المزيف، مثل أعمال تكلا، ليدافعوا عن حقوق المرأة في أن تعلم وتعمد فليعلموا أن الشيخ في آسيا الذي كتب هذه الوثيقة كنوع من التكريم وتقديمه لبولس، حرم من وظيفته بعد ثبوت التهمة عليه واعترافه بأنه فعل ذلك بسبب حبه في بولس “[20].
وهكذا يشهد العلامة ترتليان لصحة وحي وقانونية جميع أسفار العهد الجديد، ويؤكد أن كتابها الذين دونوها بالروح القدس هم تلاميذ المسيح ورسله الذي يسميهم العلماء الذين تخرجوا من مدرسة المسيح ومساعديهم الذين يسميهم الرجال الرسوليين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
[1] مشاهير الرجال ف 66 .
[2] يوسابيوس ك 2 ف 2 :4.
[3] يوسابيوس ك 5 ف 5 :5. أنظر ك2 ف 2 :4.
[4] أنظر الفصل الثاني.
[5] مشاهير الرجال 66.
[6] Ag. Marcion 4:2Imps. And Can. 240.
[7] On prescr. Ag. Her. 9.
[8] Apol. 39.
[9] Ag. Marcion, 4.2.
[10] Ag. Marcion 4:2 .
[11] Bruce M. Metzger p. 159. & Ag. Marcion, 5.1.
[12] Bruce M. Metzger p. 159. & Adg. Marcion, 5.2-21.
[13] Bruce M. Metzger, p. 159. & De pudic. 20.
[14] Bruce M. Metzger, p. 159. & Scorp. 12.
[15] Bruce M. Metzger, p. 159. & Ag. Marcionem. 5.16.
[16] Bruce M. Metzger, p. 159. & De cultu feminarum. 1.3.
[17] Bruce M. Metzger, p. 159. & Ag. Marc 4.5; De fuga in persecutione 1; De pudic. 20.
[18] Bruce M. Metzger p. 159-160. & De oratione 16.
[19] De pudic. 10.
[20] De Baptismo 17.