لماذا حل الروح القدس على المسيح؟ – للقديس أثناسيوس الرسولى
الروح القدس لماذا حل على المسيح؟ – للقديس أثناسيوس الرسولي [1]
يرد القديس أثناسيوس على تعاليم الأريوسيين الخاطئة الذين ينكرون ألوهية الابن المتجسد حاسبين إياه ضمن المخلوقات، فيوضح التفسير الصحيح للآية: ” كرسيك يا الله إلى دهر الدهور، صولجان استقامة صولجان ملكك، أحببت البر وأبغضت الإثم، من أجل ذلك مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج أكثر من شركائك”[2] مبينًا ألوهية السيد المسيح ويعطي شرحًا لثمرة حلول الروح القدس عليه وقت معموديته في الأردن فيقول:
[انظروا أيها الأريوسيون وميزوا الحقيقة هنا أيضًا. فالمرنم يقول، إننا جميعًا “شركاء” الرب. فلو كان اللوغوس من العدم، وكان هو واحدًا من المخلوقات، لكان هو أيضًا واحدًا من الشركاء. فماذا يجب أن يفهمه الواحد منا، غير أنه آخر غير المخلوقات (مختلف عن المخلوقات)، وإنه هو وحده كلمة الحق، وهو البهاء والحكمة التي تشارك فيه جميع المخلوقات، وهي تتقدس منه بالروح؟
ولذلك فهو هنا ” يُمسح ” لا لكي يصير إلهًا، لأنه كان إلهًا حتى قبل أن يُمسح، ولا لكي يصير ملكًا، لأنه قد كان هو المالك على الدوام، إذ أنه صورة الله كما يقول الوحي (أنظر 2كو4:4، كو15:1). بل أن هذا أيضًا (أي أنه مُسح) قد كُتب من أجلنا. لأنه عندما كان الملوك ـ أيام إسرائيل ـ يُمسحون، فعندئذٍ فقط كانوا يصيرون ملوكًا، حيث إنهم لم يكونوا ملوكًا قبل مسحهم، وذلك مثل داود وحزقيا ويوشيا وغيرهم. أما مملكة الآب هو نفسه مانح الروح القدس، إلاّ أنه يُقال الآن إنه يُمسح.
لكنه كإنسان يُقال عنه إنه يُمسح بالروح وذلك حتى يبني فينا نحن البشر سُكنى الروح وأُلفته تمامًا مثلما وهبنا الرفعة والقيامة. وهذا ما عناه هو نفسه عندما أكد الرب عن نفسه في الإنجيل بحسب يوحنا ” أنا قد أرسلتهم إلى العالم ولأجلهم أقدس أنا ذاتي ليكونوا هم أيضًا مُقدَّسين في الحق” (يو18:17، 19). وقد أوضح بقوله هذا أنه ليس هو المُقدَّس (تشديد وفتح الدال) بل المُقدِّس (تشديد وكسر الدال). لأنه لم يُقدَّس من آخر بل هو يُقدِّس ذاته، حتى نتقدس نحن في الحق.
وهذا الذي يُقدِّس ذاته إنما هو رب التقديس. كيف إذن حدث هذا؟ وماذا يريد أن يقول بهذا سوى إنه: ” وأنا الصائر إنسانًا أُقدِّس نفسي (في الآب) لكي يتقدَّس الجميع فيَّ. أنا الذي هو الحق. (لأن ” كلمتك هي الحق” يو17:17).
إذن فإن كان يُقدِّس ذاته من أجلنا، وهو يفعل هذا لأنه قد صار إنسانًا، فمن الواضح جدًا أن نزول الروح عليه في الأردن، إنما كان نزولاً علينا نحن بسبب لبسه جسدنا. وهذا لم يصر من أجل ترقيه اللوغوس، بل من أجل تقديسنا من جديد، ولكي نشترك في مسحته، ولكي يُقال عنا ” ألستم تعلمون إنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم” (1كو16:3) فحينما اغتسل الرب في الأردن كإنسان، كنا نحن الذين نغتسل فيه وبواسطته.
وحينما اقتبل الروح، كنا نحن الذين صرنا مقتبلين للروح بواسطته. ولهذا السبب، فهو ليس كهارون، أو داود أو الباقين ـ قد مُسح بالزيت هكذا ـ بل بطريقة مغايرة لجميع الذين هم شركاؤه ـ أي “بزيت الابتهاج” ـ الذي فسر أنه يعني الروح ـ قائلاً بالنبي: ” روح الرب علىَّ لأنه مسحني” (إش1:61)، كما قال الرسول أيضًا: ” كيف مسحه الله بالروح القدس” (أع38:10).
متى قيلت عنه هذه الأشياء ـ إلاّ عندما صار في الجسد واعتمد في الأردن، ” ونزل عليه الروح” (مت16:3). وحقًا يقول الرب لتلاميذه إن ” الروح سيأخذ مما لي” (يو14:16)، و ” أنا أرسله” (يو7:16)، و” اقبلوا الروح القدس” (يو22:20). إلاّ أنه في الواقع، هذا الذي يُعطى للآخرين ككلمة وبهاء الآب يُقال الآن إنه يتقدس وهذا من حيث إنه قد صار إنسانًا، والذي يتقدس هو جسده ذاته.
إذن فمن ذلك (الجسد) قد بدأنا نحن الحصول على المسحة والختم، مثلما يقول يوحنا ” أنتم لكم مسحة من القدوس” (1يو20:2). والرسول يقول ” ختمتم بروح الموعد القدوس” (أف13:1). ومن ثمَّ فهذه الأقوال هي بسببنا ومن أجلنا، فأي تقدم في الارتقاء، وأي فضيلة أو عمومًا أي أجر عمل للرب، يتضح من هذا؟
[1] عن كتاب “المقالة الأولي ضد الأريوسيين”، للقديس أثناسيوس الرسولي، ترجمة أ. صموئيل كامل ود. نصحي عبد الشهيد، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، طبعة ثالثة منقحة، 2002، فصل12: 47،46 ص114 ـ 116.
[2] مز7:45ـ8، ومن الجدير بالذكر أن القديس بولس استخدم هذه الآية في الرسالة إلى العبرانيين9،8:1.