آبائيات

الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس7 – عيد القيامة

الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس7 - عيد القيامة

الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس7 – عيد القيامة

الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الرسولي
الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الرسولي

فهرس الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس:

  • الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الرسولي، مقدمة عن الرسائل وأهميتها

  • الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الرسولي، الرسالة الفصحية الأولى عن: الصوم والأعياد

  • الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الرسولي، الرسالة الفصحية الثانية بمناسبة عيد القيامة

  • الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الرسولي، الرسالة الفصحية الثالثة بمناسبة عيد القيامة

  • الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الرسولي، الرسالة الفصحية الرابعة بمناسبة عيد القيامة

  • الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الرسولي الرسالة الفصحية الخامسة بمناسبة عيد القيامة

  • الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الرسولي الرسالة الفصحية السادسة بمناسبة عيد القيامة

  • الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس الرسولي الرسالة الفصحية السابعة بمناسبة عيد القيامة

(1)

لنحمل سمات المصلوب:

          كتب الطوباوى بولس لأهل كورنثوس[1] أنه كان يحمل دائمًا إماتة الرب يسوع فى جسده، ليس كأنه هو وحده الذى كان يفتخر بهذا، بل أهل كورنثوس يشاركونه هذا الافتخار، ونحن أيضًا معهم. وليتنا نقتدى به فى هذا المضمار يا إخوتى. وليكن هذا هو افتخارنا جميعًا كل حين. وقد اشترك داوود النبى فى هذا قائلاً فى المزامير: “ لأننا من أجلك نُمات اليوم كله. قد حُسبنا كغنم للذبح[2]

          وهذا هو ما يليق بنا، خاصة فى أيام عيد الفصح، عندما يحين تذكار موت مخلصنا. لأن من يتمثل بمخلصنا فى موته يكون مجاهدًا أيضًا فى الأعمال الفاضلة، إذ يكون قد أمات أعضاءه التى على الأرض[3]، وبصلبه الجسد مع الأهواء والشهوات، فإنه يحيا فى الروح، ويسلك خاضعًا للروح[4]. وهو دائم التفكير فى الله، ولا ينساه، ولا يتمم أعمال الموت على الإطلاق. 

          ولكى نحمل الآن فى جسدنا إماتة الرب يسوع، فقد أضاف الرسول بعد ذلك، مبينًا طريقة مثل هذه الشركة قائلاً: “ فإذ لنا روح الإيمان عينه، حسب المكتوب، آمنت لذلك تكلمت، نحن أيضًا نؤمن ولذلك نتكلم أيضًا“[5]. وقد أردف الرسول أيضًا، متحدثًا عن النعمة التى تنبع من المعرفة: “ عالمين أن الذى أقام الرب يسوع، سيُقيمنا نحن أيضًا بيسوع ويُحضرنا معكم“[6].

 

(2)

بالإيمان والمعرفة نقبل الفرح السماوى:

          وعندما احتضن القديسون مثل هذه الحياة الحقيقية بالإيمان والمعرفة، فإنهم نالوا الفرح السماوى، ذلك الفرح الذى لا يهتم به الأشرار، ولذلك يستحقون الحرمان من البركة الناشئة منه. لأنه قيل: ” ليُؤخذ الشرير بعيدًا لكى لا يرى مجد الرب“[7]. 

          ومع أنهم عندما يسمعون النداء العام الموعود به “ استيقظ أيها النائم، وقم من الأموات“[8]، سوف يقومون، ويأتون حتى إلى السماء، قارعين (الباب) قائلين: “ يا سيد افتح لنا“[9]، لكن الرب سوف يوبخهم، كمن أبعدوا عنهم معرفته، قائلاً: ” لا أعرفكم“[10]. ويصيح الروح القدس ضدهم قائلاً: “ الأشرار يرجعون إلى الهاوية، كل الأمم الناسين الله“[11].

          والآن، نحن نقول إن الأشرار مائتون، لكن موتهم ليس موت الحياة النسكية المضادة للخطية، ولا هم مثل القديسين، الذين يحملون الإماتة فى أجسادهم. لكنهم يدفنون النفس فى الخطايا والجهالات، ويصيرون مع الأموات، ويشبعون النفس بالغذاء المُميت، مثل فراخ النسور، التى تحوم فوق جثث الموتى، الأمر الذى نهت عنه الشريعة، وأمرت رمزيًا: ” لا تأكل النسر، ولا أى طير يتغذى على الجثث الميتة“[12]. واعتبرت كل من يأكل الجيف نجسًا. 

          أما هؤلاء فإنهم يقتلون النفس بالشهوات، ولا يقولون شيئًا سوى: ” لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت“[13]. وبعد ذلك مباشرة يصف النبى نوع الثمر الذى يحمله أولئك الذين يحبون الملذات، إذ يضيف قائلاً:   “ فأعلن فى أذنى رب الجنود، لا يغفرن لكم هذا الإثم حتى تموتوا“[14].

          نعم، بل إنهم حتى فى حياتهم يكونون فى عارٍ، لأنهم يعتبرون إلههم هو بطنهم، وعندما يموتون يُعذبون لأنهم افتخروا بموتٍ كهذا. ويشهد القديس بولس لهذه النتيجة قائلاً: “ الأطعمة للجوف، والجوف للأطعمة، والله سيبيد هذا وتلك“[15]. وقد سبق أن أعلنت الكلمة الإلهية عن هؤلاء قائلة: ” موت الخطاة شر، ومبغضو الصديق يخطئون“[16]. لذلك يرث الأشرار الدود المر، والظلمة المحزنة.

 

(3)

كيف يعيش الأبرار؟

          أما القديسون وأولئك الذين يمارسون الفضيلة بحق، فإنهم:       “ يمُيتون أعضاءهم التى على الأرض: الزنا، النجاسة، الأهواء، والشهوة الرديئة[17]. ونتيجة لهذا يكونون أنقياءً وبلا عيب، واثقين فى وعد مخلصنا، الذى قال: ” طوبى لأنقياء القلب. لأنهم يعاينون الله[18].

          هؤلاء قد ماتوا عن العالم، وازدروا بتجارة العالم، لذا فإنهم يربحون موتًا مُشرِّفًا، لأنه “ عزيز فى عينى الرب موت أتقيائه[19]. وهم يقدرون أيضًا على الاقتداء بالرسول القائل: “مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فىَّ“[20]. لأن هذه هى الحياة الحقيقية التى يحياها الإنسان فى المسيح. فإنهم وإن ماتوا عن العالم، لكنهم يعيشون كأنهم فى السماء، مهتمين بتلك الأشياء التى هى فوق، كما قال ذاك الإنسان محب مثل هذه المساكن السماوية: “بينما نحن نسير على الأرض، فإن مسكننا هو فى السماء[21].

 

كيف يعيد القديسون ؟

          والآن، فإن أولئك الذين يحيون هكذا، مشتركين فى فضيلة كهذه، فإنهم وحدهم الذين يستطيعون أن يقدموا المجد لله. وهذا هو ما يعنيه أساسًا العيد والعطلة الرسمية[22]. فالعيد لا يكمن فى الأطعمة الشهية، أو الملابس الفاخرة، أو أيام الراحة، بل تكمل بهجته فى الاعتراف بالله، وتقديم الشكر والتمجيد له[23]. وهذا هو سلوك القديسين وحدهم، الذين يعيشون فى المسيح، لأنه مكتوب: ” ليس الأموات يسبحونك يا رب، ولا من ينحدرون إلى أرض السكوت. لكن نحن الأحياء الذين يباركون الرب من الآن وإلى الدهر“[24]. 

          هكذا كان الأمر مع حزقيا، الذى نجا من الموت[25]، فسبح الله قائلاً: “ أولئك الذين فى الهاوية لا يستطيعون أن يحمدوك، الموتى لا يباركونك. لكن الحى هو الذى يباركك، كما أفعل أنا أيضا (اليوم)“[26]. فالذين يعيشون فى المسيح هم وحدهم الذين يمجدون الله ويباركونه، وبهذا يصعدون إلى العيد، لأن عيد الفصح ليس للأمم (الوثنيين)، ولا لليهود بحسب الجسد، بل لمن يعترفون بالحق الذى فى المسيح، كما صرح ذاك الذى أرُسل لينادى بعيدٍ كهذا قائلاً: “ لأن فصحنا أيضًا المسيح، قد ذبح لأجلنا[27].

 

(4)

المسيح إله الأحياء يحيى الجميع

    لذلك وإن كان الأشرار يتزاحمون ليُعيدوا، ويسبحون الله كأنهم فى عيد، ويتطفلون على كنيسة القديسين، فإن الله يعنفهم، قائلاً للخاطئ: “ مالك تُحدث بفرائضى؟”[28] والروح القدس الوديع يوبخهم قائلاً: ” ليس حسنًا التسبيح فى فم الخاطئ“[29]. وليس للخطية أى مكان فى تمجيد الله. لأن فم الخاطئ يتحدث فى أمور غير مستقيمة، كما يقول سفر الأمثال: “ فم الأشرار ينبع شرورًا“[30]. لأنه كيف نسبح الله بفم دنس؟ طالما أن الأشياء المتناقضة لا يمكن أن تجتمع معًا؟ ” لأنه أية خلطة للبر والإثم، وأية شركة للنور مع الظلمة؟”[31]، هذا ما يعلنه بقوة بولس خادم الإنجيل.

          ولذلك فطالما أن الخطاة، وكل الغرباء عن الكنيسة الجامعة، والهراطقة، والمنشقين، مُستبعدين عن تمجيد الله مع القديسين، فإنهم لا يستطيعون أن يستمروا فى حفظ العيد. أما البار، فإنه وإن كان يبدو ميتًا عن العالم، لكنه يتجاسر على الكلام، قائلاً: ” أنا لا أموت، بل أحيا، وأُحِدث بأعمالك العجيبة[32].

فإن الله نفسه لا يخجل أن يُدعى إلهًا[33] لأولئك الذين بالحق يُميتون أعضاءهم التى على الأرض[34]، لكنهم يحيون فى المسيح، لأنه هو إله الأحياء، لا إله الأموات. وهو الذى يُحيى جميع البشر بكلمته الحية، ويُعطى المسيح غذاءً، وحياة للقديسين، كما يعلن الرب: “ أنا هو خبز الحياة“[35].

          ولما كان اليهود ضعفاء الإدراك، ولم تكن حواسهم مدربة على الفضيلة، لهذا لم يفهموا هذا الحديث عن الخبز، وتذمروا على الرب، لأنه قال: ” أنا هو الخبز (الحى) النازل من السماء، الواهب حياة للبشر“[36].

 

(5)

الخبز الحى يُحيى من يأكله:

    لأن الخطية لها خبزها الخاص المؤدى إلى الموت، وهى تدعو محبى الملذات، وناقصى الفهم قائلة: ” لتسرق خبز الخِفية اللذيذ، والمياه المسروقة حلوة“[37]، لأن من يلمس فقط هذا الخبز لا يُدرك أن المولود من الأرض سوف يهلك معها. لأنه حتى لو ظنَّ الخاطئ أنه سوف يجد لذة، فإن عاقبة ذلك الطعام غير سارة، كما تقول أيضًا حكمة الله: ” خبز الكذب لذيذ للإنسان، لكن فمه بعد ذلك يمتلئ حصى“[38]. و” شفتا المرأة الزانية تقطران عسلاً، يكون حلوًا لحلقك إلى حين، لكنك تجده أخيرًا أكثر مرارة من الافسنتين، وأكثر حدة من سيف ذى حدين“[39].

          إذن فهو هكذا يأكل ويفرح لوقت قصير، ولكنه بعد ذلك يرفض بازدراء هذا العسل عندما يذهب بنفسه بعيدًا. لأن الأغبياء لا يدركون أن أولئك الذين يبتعدون عن الله يهلكون. وعلاوة على ذلك، فهناك التحذير النبوى الرادع الذى يقول: “مالك وطريق مصر لشرب مياه جيحون؟ ومالك وطريق أشور لشرب مياه الأنهار“[40]؟ وتُنهى حكمة الله التى تحب البشر عن هذه الأمور، صارخة: ” اهرب سريعًا، لا تلبث فى ذلك المكان، ولا تُثبت عينك عليه، لأنك هكذا تتجاوز(عن) مياه غريبة، وتهجر سريعًا النهر الغريب“[41]. 

          وتدعوهم الحكمة إليها قائلة: ” الحكمة بنت بيتها، ودعمته على سبعة أعمدة، ذبحت ذبائحها، مزجت خمرها فى الكؤوس، ورتبت مائدتها. أرسلت جواريها، داعية إلى الكأس، منادية بصوت عال، قائلة: ” من هو جاهل فليمل إلىَّ (هنا)، ولناقصى الفهم قالت: هلموا كلوا من طعامى، واشربوا من الخمر التى مزجتها لكم“[42].

          فماذا نرجو بدلاً من هذه الأمور؟ “ اتركوا الجهالة فتحيوا، واطلبوا الفهم فتثبتوا“[43]، لأن خبز الحكمة ثمر حى، كما قال الرب: “ أنا هو الخبز الحى، الذى نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد[44]. لأنه رغم أن إسرائيل أكل المن، الذى كان حقًا لذيذًا وجميلاً، إلاّ أنه مات، وبالتالى فمن أكل المن لم يحيا إلى الأبد، بل ماتت كل تلك الجماهير فى البرية. ويعلّمنا الرب قائلاً: ” أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المن فى البرية وماتوا. هذا هو الخبز النازل من السماء لكى يأكل منه الإنسان ولا يموت[45].

 

(6)

الأبرار يشبعون، والخطاة يشتهون:

          الأشرار يشتهون خبزًا كهذا، لأن النفوس المنهمكة فى الملذات تجوع. أما الأبرار فيشبعون لكونهم مستعدين، قائلين: ” أما أنا فبالبر أنظر وجهك. أشبع عندما أرى مجدك[46]. لأن من يتناول من الخبز الإلهى يجوع دائمًا مشتاقًا، ومن يجوع هكذا ينال موهبة لا تضعف، كوعد الحكمة (الإلهية) القائلة: ” الرب لا يُميت نفس الصديق جوعًا“[47]. وهو يعد أيضًا فى المزامير: طعامها أُبارك بركة، مساكينها أُشبع خبزًا[48].

          ونحن أيضًا نسمع مخلصنا يقول: طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يُشبعون[49]. حسنًا إذن ما يفعله القديسون ومحبو الحياة التى فى المسيح، إذ يشتاقون إلى هذا الطعام.

          وإن الإنسان ليتضرع بلهفة قائلاً: ” كما يشتاق الإيل إلى جداول المياه، هكذا تشتاق نفسى إليك يا الله! عطشت نفسى إلى الإله الحى. متى أجئ وأتراءى قدام الله؟”[50]، ويتوسل آخر قائلاً: ” إلهى إلهى، إليك أبكر. عطشت إليك نفسى. يشتاق إليك جسدى، فى أرض ناشفة ويابسة، وبلا ماء. هكذا أظهر أمامك فى قداسة لكى أُبصر قوتك ومجدك“[51]. 

(7) 

الخبز الحى والإيمان ومحبة الله:

          ولما كانت هذه الأمور هكذا، يا أخوتى، فليتنا نُميت أعضاءنا التى على الأرض[52]، ونتغذى بالخبز الحى، بالإيمان وبمحبة الله، عالمين أننا بدون إيمان يستحيل أن نشترك فى خبز كهذا. لأن مخلصنا، عندما دعا كل الناس إليه، وقال: ” إن عطش أحد فليقبل إلىَّ ويشرب[53]، وللحال تحدث عن الإيمان الذى بدونه لا يستطيع إنسان أن ينال خبزًا مثل هذا، وقال: ” من آمن بى، كما قال الكتاب، تجرى من بطنه أنهار ماء حى“[54].

 

          من أجل هذا الهدف كان الرب يغذى تلاميذه المؤمنين بكلماته بصفة مستمرة، ويعطيهم حياة بلاهوته باقترابه منهم. أما المرأة الكنعانية، فلأنها لم تكن قد آمنت بعد، لم يتعطف عليها حتى بالرد، رغم أنها كانت فى أمس الحاجة إلى طعام منه. وهو لم يفعل هذا ازدراءً بها.

حاشا (لأن الرب مُحب البشر، وطيب، ولهذا ذهب إلى ساحل صور وصيدا)، بل لعدم إيمانها، ولأنها لم تكن ممن نالوا الكلمة. وقد فعل الرب هذا بعدل، يا إخوتى، لأنها لم يكن ممكنًا أن تنال شيئًا بمجرد توسلها قبل أن تؤمن.لأنه يجب أن الذى يأتى إلى الله يؤمن (أولاً) بأنه موجود، وأنه يجازى الذين يطلبونه. وأنه بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه[55]. هذا ما يعلم به القديس بولس.

          ولكى يوضح الرب أن تلك المرأة الكنعانية لم تكن إلى تلك اللحظة قد آمنت بعد، قال: ” ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب“[56]. وبعد ذلك، إذ اقتنعت بقوة الكلمة، وغيرت طرقها، نالت أيضًا الإيمان، لأن الرب لم يعد يتحدث معها كأنها كلبة، بل تكلم معها باعتبارها مخلوق بشرى قائلاً: ” يا امرأة عظيم إيمانك“[57]. ولأنها آمنت منحها الرب فى الحال ثمر إيمانها قائلاً لها: ” ليكن لك كما تريدين. فشفيت ابنتها من تلك الساعة“.

 

(8)

          لأنه إذ يتغذى الرجل البار بالإيمان والمعرفة، وحفظ الوصايا الإلهية، تكون نفسه دائمًا فى صحة. من أجل هذا كانت الوصية:     ” ومن هو ضعيف فى الإيمان فاقبلوه“[58]، وغذوه حتى إن كان لا يقدر أن يأكل خبزًا، بل عشبًا (بقولاً): ” لأن الضعيف يأكل بقولاً“[59]. لأنه حتى الكورنثيون أنفسهم كانوا لا يقدرون أن يأكلوا خبزًا كهذا، إذ كانوا لا يزالون أطفالاً، وكأطفال كانوا يشربون لبنًا. ” لأن كل من يتناول اللبن وهو عديم الخبرة فى كلام البر“[60]، كما قال الرجل الإلهى.

          وقد قدم الرسول النصيحة لابنه المحبوب تيموثيئوس، فى رسالته الأولى، ليكون ” متغذيًا بكلمة الإيمان والتعليم الحسن الذى ناله“[61]. وفى رسالته الثانية قال له: ” تمسك بصورة الكلام الصحيح الذى سمعته منى، فى الإيمان والمحبة التى فى المسيح يسوع“[62].

 

الرب طعامنا وفرحنا هنا وفى السماء:

          وهذا الخبز ليس هو طعام الأبرار فى هذا العالم فقط، يا إخوتى، وليس القديسون على الأرض فقط هم الذين يتغذون بهذا الخبز أى الجسد والدم، لكننا نأكلهما أيضًا فى السماء، لأن الرب هو طعام الأرواح العلوية، والملائكة أيضًا، وهو فرح كل الطغمات السماوية[63].

وهو للكل كل شيء، ويشفق على الجميع كحنان محبته. لقد سبق أن أعطانا الله خبز الملائكة[64]، وهو يعطى الوعد لمن يثبتون معه فى تجاربه قائلاً: ” وأنا أجعل لكم ملكوتًا، كما جعل لى أبى ملكوتًا، لتأكلوا وتشربوا على مائدتى فى ملكوتى، وتجلسوا على أثنى عشر عرشًا تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر“[65].

    آه، يا لهذه الوليمة، يا إخوتى، ويا لانسجام وفرح الذين يأكلون على هذه المائدة السماوية ! لأنهم لا يمتعون أنفسهم بالطعام البائد، بل بالطعام الذى يهب حياة أبدية. إذن من ذا الذى يحسب مستحقًا لذلك الاجتماع؟ من هو المبارك هكذا، حتى يدعى ويحسب مستحقًا لذلك العيد السماوى؟ حقًا ” طوبى لمن يأكل خبزًا فى ملكوتك“[66].

 

(9)

          إن من حسب مستحقًا للدعوة السماوية، وبهذه الدعوة قد تقدس، فإنه، إن تمادى فى إهمالها، يتدنس حتى وإن كان قد اغتسل، لأنه “حسب دم العهد الذى قدس به دنسًا وازدرى بروح النعمة”[67]، ويسمع هذه الكلمات: ” يا صاحب كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العرس؟“[68]، ولأن وليمة القديسين طاهرة وبلا لوم، ” لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون“[69].

          وأنا أعنى هذا أنه رغم أن يهوذا جاء إلى العشاء، فقد خرج من حضرة الرب، لأنه ازدرى بالعشاء. وإذ تخلى عن حياته شنق نفسه. أما التلاميذ، الذين استمروا مع الفادى، فقد اشتركوا فى سعادة العيد.

 

اعترف الشاب، فاستحق أكثر مما يطلب

          وذلك الشاب الذى ذهب إلى كورة بعيدة، وهناك بذر ماله، وعاش فى الخطية، إذ اشتهى هذه الوليمة الإلهية، عندما رجع إلى نفسه، وقال: ” كم من أجير لأبى يفضل عنه الخبز وأنا هنا أهلك جوعًا!“، ثم قام ورجع لأبيه، واعترف له قائلاً:

أخطأت إلى السماء وقدامك، ولست مستحقًا أن أدعى لك ابنًا، اجعلنى كأحد أجراك“[70]، فإنه عندما يعترف هكذا، يحسب مستحقًا لأكثر مما يطلب. لأن الأب لا يقبله كأجير، ولا ينظر إليه كأنه غريب، بل يقبله كابن، ويعيده إلى الحياة، كما من الموت، ويحسبه مستحقًا للوليمة الإلهية، ويعطيه ثوبه السابق النفيس، وهكذا يكون تهليل وفرح فى بيت أبيه.

(10)

الله لا يحييه من الموت فقط:

          وهذا هو عمل محبة الله الشفوقة وصلاحه: إنه لا يحييه من الموت فقط، بل يظهر محبته بالروح القدس. ولذلك فبدلاً من الفساد يلبسه ثوبًا لا يفسد، وبدل الجوع يذبح العجل المسمن، وبدل السفر البعيد يترقب الأب عودته، ويهيئ حذاء لرجليه. والأعجب جدًا أنه يضع خاتمًا إلهيًا فى يده. وبهذا كله يلده الله من جديد فى صورة مجد المسيح.

 

عطايا الله لأحبائه

          هذه هى عطايا الله الآب، التى بها يكرم الرب ويغذى الذين يثبتون فيه، وأيضًا الذين يرجعون إليه ويتوبون. لأنه يعد قائلاً:     ” أنا هو خبز الحياة من يقبل إلى لا يجوع، ومن يؤمن بى فلا يعطش أبدًا[71].

          نحن أيضًا سوف نحسب مستحقين لهذه، إن كنا دوامًا نتمسك بمخلصنا فى كل الأوقات، وإن كنا طاهرين، ليس فقد فى ستة أيام عيد الفصح[72]، بل نحسب حياتنا كلها عيدًا، ونستمر قريبين منه، دون أن نبتعد عنه، قائلين له: ” يارب إلى من نذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك“[73].

          ليت البعيدين من بيننا يرجعون معترفين بآثامهم، ولا يكون لنا على أحد شيء، بل بالروح نميت أعمال الجسد[74]. فإننا إذا ما غذينا الروح أولاً هنا سوف نشترك مع الملائكة فى تلك المائدة السماوية الروحية. ولا نقرع الباب ونطرد كالعذارى الجاهلات[75]، بل ندخل مع الرب، كالعذارى الحكيمات اللاتى أحببن العريس، ونظهر إماتة يسوع فى أجسادنا[76]، وننال منه الحياة والملكوت.

 

(11)

العيد يوم الرب المقدس فى كل شئ:

          يبدأ صوم الأربعين يومًا المقدسة فى الثالث والعشرين من أمشير (17 فبراير)، والصوم المقدس الذى للعيد المبارك فى الثامن والعشرين من برمهات (24مارس)، وإذ نضم إلى هذه ستة أيام بعدها فى الصوم والسهر، حسبما يقدر كل واحد، فإننا نستريح فى الثالث من برمودة (29مارس)، فى مساء اليوم السابع.

          وأيضًا ذلك اليوم الذى هو مقدس، ومبارك فى كل شئ الذى يحمل اسم المسيح، أى يوم الرب[77]، إذ يهل علينا فى الرابع من برمودة (30مارس). بعد هذا فلنعيد عيد الخمسين. لنعبد الآب كل حين فى المسيح، الذى به وله يليق المجد والسلطان بالروح القدس إلى الأبد. آمين.

          يسلم عليكم كل الأخوة الذين معى. سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة.

 

(هنا تنتهى الرسالة الفصحية السابعة

للقديس أثناسيوس البطريرك)

[1] 2كو4: 10.

[2] مز44: 22.

[3] كو3: 5.

[4] غل 5: 24ـ25.

[5] 2كو 4: 1.

[6] 2كو4: 14.

[7] إش26: 10 سبعينية.

[8] أف5: 14.

[9] مت25: 11.

[10] لو13: 25.

[11] مز9: 17.

[12] لا13:11

[13] إش22: 13.

[14] إش22: 14.

[15] 1كو6: 13.

[16] مز34: 21(س).

[17] كو3: 5.

[18] مت5: 8.

[19] مز116: 15.

[20] غل2: 20 .

[21] لا نعرف مصدر هذا القول، لكن انظر الرسالة إلى ديوجنيتس، القطعة9 وكذلك انظر (فى20:3).

[22] انظر الرسالة الثالثة: “ماذا يعنى العيد أيضاً، إلا خدمة الرب؟”.

[23] انظر الرسالة السادسة ، القطعة 3.

[24] مز 115: 17 – 18 .

[25] معروف أن حزقيا نجا من الموت نتيجة صلاته ودموعه، حتى أن الرب أضاف إلى أيامه 15 سنة، انظر إش38: 3–8.

[26] أش 38: 18 – 19.

[27] 1كو 5: 7.

[28] مز 50: 16.

[29] مز 1: 16 ، ابن سيراخ 15: 9.

[30] أم 15: 28.

[31] 2كو 6: 14.

[32] مز 118: 17.

[33] انظر عب 11: 16.

[34] انظر كو3: 5.

[35] يو6: 48 .

[36] انظر يو6: 33.

[37] أم 9: 17.

[38] أم 20: 17.

[39] أم 5: 3 – 4.

[40] أر 2: 18.

[41] أم 9: 18 سبعينية.

[42] أم9: 1ـ5س.

[43] أم9: 6س.

[44] يو6: 51.

[45] يو6: 48ـ50.

[46] مز17: 15 النسخة السبعينية.

[47] أم10: 3.

[48] مز132: 15.

[49] مت5: 6.

[50] مز42: 1.

[51] مز63: 1ـ2 س.

[52] كو3: 5 .

[53] يو7: 37.

[54] يو7: 38.

[55] عب11: 6 .

[56] مت15: 26 .

[57] مت15: 28 .

[58] رو14: 1 .

[59] رو14: 2 .

[60] 1كو3: 1 ، عب5: 13  .

[61] 1تى4: 6.

[62] 2تى1: 13 .

[63] انظر الرسالة الأولى القطعة السادسة .

[64] مز 78: 25 .

[65] لو22: 29ـ30 .

[66] انظر لو14: 15 .

[67] عب10: 29 .

[68] مت 22: 12 .

[69] مت 22: 14 .

[70] لو 15: 17 .

[71] يو6: 35 .

[72] أسبوع الفصح، أى البصخة يعنى الستة أيام السابقة على أحد الفصح .

[73] يو6: 68 .

[74] رو 8: 13 .

[75] مت25: 1 – 12 .

[76] 2كو4: 10 .

[77] حيث نرتل مز 118: 24 .

الرسائل الفصحية للقديس أثناسيوس7 – عيد القيامة